يقول سيد رحمه الله:
" حين يتمحض الشر ، ويسفر الفساد ، ويقف الخير عاجزا ، والصلاح حسيرا ، ويُخشى من الفتنة بالبأس ، والفتنة بالمال. عندئذ تتدخل يد القدرة سافرة متحدية (*)، بلا ستار من الخلق، ولا سبب من قوى الأرض، لتضع حدا للشر والفساد " ا.هـ (**)
قلت :
(1)
الغائب الذي ينوب عنه ضميره في هذه المعركة ، طرفان يمثلان كفتا الميزان الشائل
تحوي هاتان الكفتان فهوما مشتجرة ، تنتمي إلى سلوكيات متباينة ، تتوزع في النهاية بين :
قاهر ومقهور - ظالم ومظلوم - وعتمة ونور ...
(2)
الطرف القاتم في هذه المعادلة المائلة يأتي أبدا بصيغة الجمع (كثرة ) بينما يجئ الطرف الآخر بصيغ هزيلة ، لا تبلغ - إلا نادرا - أن تكون جمعا ذا بال ، إنها القلة التي تحلم بشمس تنسخ ما تراكم من سواد
والقلة هنا والكثرة هناك ، هما ناموس الحياة ، وقد جرت بذلك سنة الله في كونه
إنه قانون الفئة القليلة التي ترفع وتجمع ، في مقابلة الفئة الكثيرة التي تخفض وتطرح
في هذا المشهد المزدحم ، تبرز الفئتان بهذه الصفة غير المنفكة ، ليؤكدا على شراسة مرحلة ما قبل النور
وهي مرحلة تنتمي في تفاصيلها لأسراب من معاناة ، تتوارد تترى ، لتذهل كل ذي لب وتخلع القلوب من صدورها
في هذه البقعة غير المباركة ، تُستَحل الحرمة .. ويباح المحظور .. وتنتهي الاضداد
فليس ثمة قانون يهدي ، ولا عرف يكبح ، ولا عقل يكف
(3)
تسقط الأقنعة ، ويرن زيف العملة البائدة ؛ ليحدث ضجيجا مريعا ينبئ عن خوار مخيف .. ترتاع الفرائص الساذجة من هول الصدمة المنسيّة ، وتشده العقول أما مشهد المحو والإبادة
هنا يبرز على السطح ما يمكن ان نسميه
بالكتلة المتميعة التي تقف بين حدين متقابلين ، لا تدري إلى أيهما تفيء
الأذن وحدها هي الحاسة الأكثر ريادة وسيادة بين الحواس الخمس عند هؤلاء ( وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ)
(4)
تعلو الحناجر الآثمة بخوارها المستعلن ، لتطمس المعالم ، وتقلب الحقائق . . .
فيصبح الذي يتضور جوعا ... لصا يسرق
والذي يتشقق كبتا وقهرا ... مندسا يتاجر بالوطن المعبود
والذين يهرعون نحو النور ... مجانين يسيرون على درب صنع على عين الأعداء
ويُصدق الأرعنُ - وما أكثره هنا - هذا الخوار ، استخذاءً وممالأةً ودِعَة
فينقلب صدى أخرقا له
يسير على وقع كلامه ، وينافح عن كينونته السوداء
وينحدر في درك الغواية ، متوشحا بالعتمة
ويسد بجسده المستأجر ؛ نورا قد بدا
(5)
ثم ماذا ...
في وسط هذا الضجيج المخيف ، ينتصب قرن الشيطان المعكوف على كرسيه الموشى بلوعات البشر .. ينذر ويوعد .. ويبشر احيانا !
يعلو بقامته ، يرغي ويزبد ، وتغط رجلاه في جثث تتراكم ، وأعناق تندق
ويشرب بهدوء زائف ، وبسخرية مُعدّة سلفا ،كل الدم المسفوح
ويعلن بكل صفاقة وعهر ، عن عهد جديد يأتي من (عنده) ،
عهدٍ ظاهره الرحمة ، وباطنه من قبله العذاب
(6)
وتمضى القافلتان ...
أنياب زرقاء تقتات على اللحم
وأفواه مُوصدة تزمجر غضبا ، في يوم النحر الأكبر
يطول الليل ثم يأذن النهار بغلس .. ثم تشرق الشمس .. لتدرك بنورها الثلة تقطف ثمار الدم الذاكي ... (***)
*****