أنا مُندسْ
وعندي ألفُ خارطةٍ
وألفُ أجندةٍ سوداءْ
ولي أهدافْ
وأولُها ... قِراءةُ دَفترِ التحقيقْ
أبي قد ماتَ في بحرِ الحياةِ غريقْ
ولم نعرفْ أقبرُهُ صارَ جوفَ الحوتِ
أم أمسى ببطنِ البحرْ
وقيلَ لنا :
بأنّ البحرَ كانَ جعانْ
ولا ذَنبٌ على الشركةْ
ولا القُبطانْ
وأغُلقَ دَفترُ التحقيقْ
أخي أيضا
قضى عامينَ جُنديّا
وكان يجيءُ بـ " الأفرولِ " مبتسما .. سماويا
ويوم العيد جيءَ بهِ كقطعةِ فحم
محترقا .. رَماديّا
وقيلَ لنا :
بأنّ الموتَ كان جعانْ
ولا ذَنبٌ على السككِ الحديديةْ
ولا النيرانْ
وأغلقَ دَفترُ التحقيقْ
وأختي زفَّهَا للحزنِ وجهُ الليلِ ذاتَ مساءْ
لأنّ المُخبرَ السريّ قال بأنها امرأةٌ
ولا تبدو إذا خرجتْ بجسمِ الناهدِ العذراءْ
وقيلَ لنا :
بأنّ الحزنَ كان جعانْ
وأنّ المُخبرَ السريّ فوقَ الشكِّ والإيمانْ
ولا ذنبٌ على عينيهْ
وأغلقَ دَفترَ التحقيقْ
وأمي أصبحت شبحاً
كتاباً من رؤى الأحزانِ لا تنفكُّ تسألُني
عنِ التحقيقْ
عنِ السفنِ التي تعوي
عنِ الجُندِّ التي تأتي
عنِ المزْمَارْ
أقولُ لها :
أليسَ الرملُ يا أمي أحنُّ عليكِ من هذا
متى بالرملِ تلتحفي ؟
فيهمسُ صوتُها الريفيُّ : يا ولدي ...
يجيءُ الموتُ لي في اليومِ مرّاتٍ
يقلبُني فلا يلقى بيَ شيئا ليأخذُهُ
فيتركَنِي ...
أنا ... دعني لهذا البيتِ لا تقلقْ
لحُضنِ الرملِ يوما ما ... سيأخُذُنِي
ويُغلقُ دفتر التحقيق
أنا أيضا
سَرقتمْ كلَّ أحلامي
سَجنتمْ كلَّ أفكاري
سَحَلتُمْ ظهرَ أيامي
ولم تدعوا لها درباً سوى الدورانْ
سوى الهجرة
سوى هذا الرصيفِ الرثِّ حينَ تدوخُ أقدامي
وحينَ تفرْ
وحتّى في نواياكم كتمتم صوتَ أوجاعي
ولم تدعوا بداخلِكم ولو باباً يطلُّ عليّ
على شطآنِ آلامي
وصاحتْ بي ضمائرُكم : تمنَّ الموتَ
لا تحلُمْ بأيّ ممرْ
وأغلقَ دَفترُ التحقيقْ
أنا مُندسْ
عميلٌ مثل ما قلتمْ
منَ الخَارِجْ
وهذا النهرُ لم يعرفْ مذاقَ فمي
ولم يسبحْ بيومٍ في دمي حيرانْ
ولا مسرورْ
وهذا الطينُ ليسَ كلونِ أحزاني
ولم أضربْ بهِ فأساً
ويسقط فوقَهُ عَرَقِي و وجداني
ولم تزرعْ يدايَ به بذورَ القطنِ والزيتونْ
ولم أجنِ الثمارَ الحُمرَ من أشجارِهِ الخضراءْ
ولم أصعدْ بهِ نخلاً وأسقطُ باكياً مكسورْ
ولم أنمُ بهِ طفلا كما الليمونْ
ولم نجلسْ أمامَ الشيخِ في الكُتّابِ نتلوا سورةَ التكويرْ
ولم أكتبْ على السِّبُّورةِ التاريخَ بالهجريّ دونَ سواهْ
ولم أعربْ " كفاحُ الشعبِ والتحريرْ "
يدي أيضا
يدي كذَبَتْ على الأستاذِ لم تبكي
ولم تحمرُّ مثلَ الجَمرْ
لأنه قالَ : ما معنى " خلقتُ طليقْ ".؟
فقلتُ لهُ : كهذا الطيرِ في الأجواءْ
فقالَ : حمار ...
لأنّ وزارةَ التّعليمِ قالتْ : حر ْ
فلا تخرجْ على المنهجْ ...
وسلّ عصاهْ
أنا مُندسْ
غريبٌ عن هُنا قلبي
فلم تلعبْ به شيماء فوق السطحْ
ولم تَحرقهُ في وادي الحنينِ رِضَا
ولم تَشرُقْ بِدلتا الرّوحِ فيهِ هَنَاءْ
ولم ينثرْ لهنّ القمحْ