بسم الله الرحمن الرحيم ..
وهذا الوطن العربي المتدثر بغبار الغموض , النائم على وسائد محشوّة بذاكرة ماضٍ تليد , القاصر عن تلمّس الطريق الصحيح المفضي لأفق رحب ..وطننا العربي يمضي قدماً في دلجة ليل فقد تباشير فجر توارى خلف غيوم أوجدتها خفافيش تسعى لإعادة صياغة هذا العربي وفق تصوراتها وأهدافها ومنطلقاتها المنبثة من مساحات لا منظورة لا تمت لواقعنا بصلة ..
هذه الخفافيش لا تريد للإدراك أن يصحو من رقاده الطويل على حقيقة أبعاد الصراعات القائمة حولنا ..هذه الخفافيش على أنواع فالبعض منها فكر تمخض عن مباديء وضعية لا تنبثق عن منهج إلهي , فكر منغلق في دائرة مركزها الرفض المطلق للجذور وحدودها الانتماء الكامل للضد بإفرازاته الناجمة عن أحقاد عقائدية تراكمت عبر سنين بعيدة ... البعض الآخر فكر منبثق عن منهج إلهي بيد أنه متأرجح بين إفراط وتفريط فالغلاة منهم يريدون أن تكون الرؤية بأثر رجعي فقط والإنغلاق في دائرة الماضي رافضين التعاطي مع متطلبات العصر ومعطياته المتغيرة , أما المفرطون فهم جزء من منظومة الحاكم التي تصب جُلّ معطياتها في مجرى الولاء المطلق والإنقياد الأعمى ..
هؤلاء وأولئك جميعاً وإن تفرقت بهم السبل إلا أنهم يتأبطون سيفاً واحداً هو كلمة ( لا بُد) يشهرونه في وجه هذا العربي البائس عند كل ظهور , هذا الكلمة قيد يمنع تحرر العقل العربي , يفقده حركته الذاتية ويحول دون انطلاقه ..(لابُد) هذه تسعى للوصول على أشلاء هذا العقل للهدف المنشود لها دونما اعتبار لحشود الأسئلة المتحفزة لاقتحام سياج الحقيقة , (لا بُد) هذه التي ما فتئت تلامس مسامعنا في ظل احتدام الصراع المذهبي والفكري القائم بين متبّني هذه الأفكار لهي دلالة على أن وطننا العربي يزخر بمنظرين يبنون قصور وهم تتداعى على أرض الواقع العملي المفتقد لسواعد البناء , (لا بُد) هذه هي إفراز الأنا النرجسية الطامحة لتحويل القناعات المتولّدة في رحم التجارب الشخصية الى نظريات تحمل الثبات والعموم ..
حين أرى جماعة (بن لا بُد) هذه أذكر مقولة المنصور الخالدة لذلك المعتزلي الزاهد ( كلكم يمشي رويد , كلكم يطلب صيد, غير عمرو بن عبيد) . وعمرو بن عبيد في زمننا هذا هو المساحة الأكثر شمولاً وامتداداً للحياة والأكثر عمقاً وادراكاً لها ..الإسلام الحقيقي الذي لا تقف دونه حدود مكانية أو زمانية ....