رؤيتنا ورؤيتهم
هي رؤية نرسم حسبها سبل حياتنا إيمانا بمضمونها؛ لأنّها أفكار جنيناها من أزهار حدائق التّجربة، وموسوعة المعرفة الحياتيّة... نطبّقها، ونهديها لمن نرغب كي يمتصوها عسلا تحلو به أيّامهم، وتشفى صدورهم من كلّ ما يغيظهم، وتتّسع مسامات رئاتهم؛ لتتنفّس هواء المحبّة والتّوفيق والرّاحة...
تستمتع الأذواق بنكهة تلك الرّؤية، وتستسيغ طعمها فترة، لنرى أصحابها بعد حين يرجمونا برؤيتهم التي تريدنا أن نتذوّق العسل الذي أسلناه سلسبيلا، غِسلينا ينسينا طعم كلّ أنواع المذاقات الطيّبة...
نقدّم العطاء على زمرّد الموائد بألوان ونكهات عديدة... يتذوّقها المتذوّقون، ويزيدون، حتّى يملأوا بطون حاجاتهم التي قرقرت، وصاحت طالبة النّجدة والإسعاف. بعد التّخمة، نجدهم يتجشّأون اللّعنة والتّبجّح على ذلك العطاء؛ لأنّ من قدّمه ليس بأفضل منهم، ولا يصحّ أن يرفل بعباءات الخيرات تلك؛ كي يزمّل بها من أرّقهم برد الحاجة للرّثّ من نعيم المغدقين... ويرموننا بشظايا أمانيّهم التي يطلبون فيها جدب موائدنا؛ كي نكون وإيّاهم سواسية، في بؤس الحال وسوء المآل...
تزيّن أفكارنا مَن نعزهمّ بالتّيجان الزّمرّديّة، نضعها على رؤوسهم، ونجلسهم أمامنا على عرش النّزاهة الأبديّة، فنلقاهم عقب ذلك يلفّون أفكارهم نحونا بأسمال غجريّة، ويقعدونا أمامهم على رصيف الامتلاك والإذلال... فنكفر بملكيّة المشاعر الإنسانيّة التي نطمح أن يرتقي بها الكثيرون، متنزّهين عن الأنانيّة التي باتت الموجّه لتحرّكات العديد... فتجرّهم إلى ساحات غوغائيّة، بعد الطّمع فيهم بالبقاء في باحات ورحاب الصّفاء والطّهر والحماية الرّحمانيّة... وتضحي الأفكار السّامية سورة غضب يخطّ سطوره، وربّما حضّر ساطوره للإجهاز على كلّ فكرة؛ لئلّا تجهض مسبّبة نزيفا قد يؤدّي إلى تشويه ما سيولد معه من إخوة للأفكار في غير وجهة وطريق...
نصبّ الحبّ بكؤوس بلّوريّة على رؤوس مَن نحبّ؛ ليرتشفوا الهناء، ويتذوّقوا السّعادة، ويحلّقوا في فضاء الودّ قاطفين ما يحلو لهم من ورد الحياة، مردّدين أهزوجة وجد الأيّام، نائمين على سرر مفروشة بديباج الفرح، سكارى بخمر جميل الأفكار...
يمسون ليالي كثيرة في نشوة الحظّ والفوز بكلّ مرغوب... وفي إحدى الصّباحات نجد أكفّهم، بعد أن دغدغتهم أصابع الرّاحة، تصفع وجوهنا، وكأنّها كؤوس خشبيّة ملآى بسمّ الأشربة ؛ لنكرعها ونبقى نلهث وراءهم؛ بكاء على ترياق يفكّ شيفرة مزيج الأذيّة والشرّ. وقد يجعلنا هذا الأمر سُقاة شغفين بسكب حنظل المشروبات في كؤوس نجرّعها من أهاننا وأرادنا عبيدا، ناسيا ما زيّنّاه به من لآلئ عاطفيّة، وأعددناه له من زرابيّ حريريّة...
ومع اختلاف المعايير، وتضارب الآراء، والصّفع لخدّ العطاء، والعضّ ليد الإغداق، يفضّل صاحب الرّؤية العسجديّة أن يبقيها حبيسة الفكر الذي أوجدها، كي لا تداس وصاحبها، إذا ما أطلق سراحها، وأرسلت إلى ديار مضيفين لا يعرفون قيمتها، ولا يدركون عظمتها...