دردشة

بقلم: :. عثمان قدري مكانسي *
دردشة
لم يكونوا مثقفين ولا أصحاب شهادات عليا حين اجتمعوا بعد قصف الطائرة الإسرائيلية أرضاً سورية، ولم يكونوا يحملون شهادات الدكتوراة في العلوم السياسية ليكونوا قادرين على "التشعب" في التحليلات الفكربة والسياسية العميقة، فهم ليسوا أساتذة جامعيين ولا يكسبون رزقهم بالتصريحات العبقرية والتحليلات السميدعية.
إنما كانوا من حي واحد يصلون المغرب ثم يجتمعون بعد عناء متواصل طوال اليوم فأحدهم تاجر والثاني مقاول والثالث سمسار والأخير صاحب مطعم، يفضفضون عن أنفسهم ويتبادلون أطراف الحديث في ما جد من أمورهم الخاصة أو نال البلاد من رخاء، وهذا أمر قليل الحدوث بل يكاد يكون معدوما في ظل المسئولين الشرفاء ممن بيدهم رقاب العباد ومقادير البلاد.
قال أحدهم: كيف وصلت الطائرة الإسرائيلية إلى تخوم دمشق وقصفت ثم عادت هانئة البال مطمئنة النفس؟ أين الردع الجوي والسلاح الصاروخي؟
قال الثاني: لا لوم على جيشنا العقائدي.
قال الثالث: ما هذا الهراء؟ وأين الصواريخ الجاهزة والقوات المتأهبة؟
وهنا استلم الحديث أكثرهم ذكاء فقال موضحا لهم ما استغلق على أفهامهم فأورد احتمالات عدة منها:
أن الطائرة المخادعة استغلت فرصة العشاء حيث كان الجنود بعضهم يأكل وبعضهم الآخر في النوم ولو كان الطيار رجلاً لجاء في وقت هم فيه مستعدون لكل الاحتمالات.
ثم إن الطائرة قصفت والجنود يستعدون للانصراف، فلماذا لم تقصف أثناء الدوام؟ ولماذا اختار الطيار الوقت الضائع؟
ومن عادة الفارس الهمام أن يصيح في جموع الأعداء: أنا قادم فاستعدوا للنزال والطعان أما أن يغدر فليس هذا من شيمة الفرسان.
قال أحد الرفاق: إن راداراتنا تكتشف من يأتي من "فوق"، لكن الطيار أتانا من "تحت" فلم نشعر بفعلته الشائنة إلا بعد أن قضى وطره و"قذف" حممه وطار سعيداً وليس عندنا رادارات تكشف سوءاتنا إنما راداراتنا مسلطة على الشعب المصابر نائماً كان أم مستيقظا ليلا ونهارا، ساكنا كان أم متحركا، وذلك لخدمته والحفاظ على المكتسبات الحزبية الرائدة.
قال أحدهم: ولكن الإعلام الإسرائيلي لم يكن عدواً شريفاً.
قال أحدهم: وكيف اكتشفت ذلك؟
أجاب: إن إعلامنا سكت عن هذه الضربة ولم يعلن عنها فهو لا يريد أن يشغل الأمة والرأي العام العالمي بأمور تافهة تجري عادة بشكل روتيني بين الجيران لا ينبغي للآخرين أن يسمعوا بها، لكن "إسرائيل" لم تتغاض عنها بل نشرتها على العالم كله فاضطررنا أن ندافع عن حقنا.
سأل أحدهم: هل رددنا لهم الصاع صاعين؟
رد الأول ساخراً من هذا السؤال السخيف قائلاً: لا هذا ليس من شيمة العرب الشرفاء، إنما سنحتفظ بحقنا في الرد المناسب في الوقت المناسب في المكان المناسب!! وفي مرة قادمة إن أعادوا ضربنا .. وهذه المرة "سماح"، وسوف نشكو أمرنا للأمم المتحدة التي أنصفتنا كثيراً جداً.
صفق الجميع وصاحوا: عاشت الأمة العربية عزيزة كريمة .. عاشت عاشت عاشت!
__________

هكذا نحن نحلّل الأمور سرّا بعد حصولها، ولا نأخذ احتياطاتنا لمنعها

وصفتنا هي الشّكوى والتّذمّر!

نصّ ساخر بواقع مرير

بوركت أستاذي الدكتور عثمان

تقديري وتحيّتي

( أستأذنك في نقله للملتقى الملائم)