أيّها الماضي,,
أيّها الماضي البعيدُ,, والقريب.
يا ماضيَّ, وماضي أمَّتي ,والإنسان .
عندما يمتدُّ بصري في ظلمتِك الأبدِّية ,أحسُّ أنَّك ثورٌ هائج ,ولكنَّك جبان !!
كم أتمنَّى أن أمسكَ بك من قرونك وألوي عنقكَ تحتَ ركبتيّ.
كم أتمنَّى,,,!
لأسألك أين هي الحقيقة ؟
وأسألك أين هي الشَّجاعة ؟
الشَّجاعة التي لا تعرفُ الخداعَ, والكذبَ, ولا المداهنة .
لأسألك أين نسيت مشاعرَ الإنسان ؟
في أيةِ كهوفِ تركتَها حين جئتَ إلينا ؟
و لماذا نسيت الكثيرَ من الناس تدبّ في قاعِك كالأشباحِ المُخيفة ؟
يتململون متمرّغين في الرمالِ والأوحال؟
بشعورٍ طويلةٍ مشعَّثة
وأظافرٍ متَّسخة
وأسمالٍ مهترئة؟
/
/
تعبَتْ روحي من سماعِ العويلِ في كلِّ هاوية.
وملَّ قلبي من رؤيةِ الدّمِ السَّاخنِ ,,والنَّار .
ومن قصصِ الفقراءِ المتعوسينَ ,,وآهاتِ الجرحى, والمرضى, والضائعين في الحياة .
كم يجرحُني هذا,,,! كم يسبّب لي آلاماً مبرِّحة !
كم تتقلّصُ شراييني !! وينفطرُ قلبي !! وينسحقُ تحت وطأتِها !
كم تعتصرُ أحاسيسي بشدَّة, جاعلةً منها دواماتٍ راعبةٍ في محيطٍ ليس له شواطىء.
دواماتٌ لولبيَّةٌ, تلتقطُ أيّ شيءٍ وكلَّ شيءٍ بسرعةٍ عجيبة, وتغوصُ فيه لأعماقي الهشَّة الحائرة .
كم تجعلُ من عاطفتي موجَ بحرٍ زاخر,, لا يكلُّ لا يملُّ ,ولا يتوقّفُ, ولا ينام .!
/
/
أيُّها الماضي ,,
لماذا قبضتَّ عليَّ وأرغمتني أن أكون ؟
أنا لا أكرهُك ,,,ولكنِّي لا أحبُّك !!
فكلُّ الأقمارِ والنُّجومِ التي تشعُّ في سمائك منذ القِدَم, وما زالت تتوهّج ,غيرُ قادرةٍ على كشف عتمتك الأزليَّة.
/
/
أريدُ أن أغمضَ عينيَّ,, وأمدُّ ذراعيّ في أحشاءِ السِّنين القادمة ,
السنين التي يكتنفُها الضَّباب الكثيف,, والغموض ,
الآتي المبهم الذي لم يتكوَّن بعد .
أودُّ أن أتحسَّس أيامَه ولياليه التي لا دمَ فيها ,ولا دخانَ, ولا نار.
أودُّ تقليبَ صفحاته التي لا حروف فيها,, ولا كلمات .
أريدُ أن أشمَّ رائحتَه, وأرى وجهَه ,وأتلمّسَ طيّاته قبلَ مجيئه,, وقبل أن يتلوَّث.
كم يدهشني أن أراه أو أحسُّه.
/
/
تعبَتْ يدايَ وأصابعي من التقليب في صفحات الأمس, وتعبَتْ عيناي .
تعبْتُ من معاقرةِ الفشلِ تلوَ الفشل ,ومن الإحساس أنّ الأمَّة تغرقُ به رغم التَّضحيات الكبرى .
الفشلُ يتربَّصُ بنا في كلِّ زاويةٍ مثلَ جن .متحفزاً بعينين لاهبتين ,تتوقَّدُ في الظلام ,,يجلس متحيناً الفرصة المواتية للهجوم .
الفشلُ طعمٌ مريرٌ لا يُحَلِّيه شيءٌ في الدُّنيا.
لا أرغبُ أن يتلبَّسني لهاثُه الرَّاعب .
أريدُ أن أعثرَ بين طيَّات جلده القاسية على الحقيقة.
الحقيقةُ التي لا نقدر سبرَ أغوارِها إلا بعد أزمانٍ من النَّوم المُميت .
/
/
كم أودُّ أن أمدَّ ذراعيَّ في المستقبل, عبر ذلك الضّباب الرماديّ المتوهّج الكثيف .
المستقبل الذي لم تتقاطرْ أيّامُه في حلوقنا بعد ,ولا لياليه .
والذي لا نعلم إن كانت قطراته عذبةً, أم مرَّة ,أم حلوةَ المذاق .
كم أودُّ أن أتنفَّسَ من هوائِه الذي لم يتكونْ بعد .
وأن أبتلَّ بمائه الذي ما زال يطير بخاراً في الفضاء .
/
/
إن اليد القديرة التي أرغمتني أن أكون,, سوف تُرغمني يوماً على الرَّحيل .
وسوف أرحل قبل أن أرى الأيام التي تختبئ في ضمير الله .
سأظلُّ حزينةً من أجلها,, فهي حلمٌ لا يتحقَّق أبداً.
وإلى أن تقبضَ هذة اليد القديرة على أنفاسي ,وتجبرني على الزّوال ,
سأظلُّ أنظرَ إليه بعين الأمل,وأشتاق له .
ماسة