ولقد استوقفني هنا نقاش لفظ ( صديقاي َ ) المناداة بالإضافة وأنها إنما ( صديقي ) فأسعدتني دقة القراءة ولطف الإشارة إليها وهو ما يحتجن دقة علم في حسن نصحٍ ،
فشكر الله لأستاذي الفاضلين على ذلك ، على أن في الأمر فضل نقاشٍ ، ولو سمحتما لقلت :
إنَّ مذهب الجرجاني وابن الخشاب وابن الخباز : أن المضاف إلى ياء المتكلم مبني وسبب البناء عندهم على ما يبدو إضافته إلى غير المتمكن ، وإن خطَّأه ابن مالك في شرح الكافية الشافية وكان من أدلته على عدم الصحة ( أن ذلك يوجب بناء المثنى المضاف إلى ياء المتكلم ) وهو باطل عنده رحمه الله .
والصحيح ورود ذلك في شعر العرب وكثرته في روايات الحديث النبوي
- ففي البداية والنهاية 4 /250 ونهاية الأرب في فنون الأدب 5 /282 : ففدعت أو فنزعت ( يداي من مرفقي )
- وفي مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 3 /285 : ( فوالله لقد علمت أن صاحباي كانا يعاقبان .. )
- وفي تفسير الثعالبي 2 /261 : ( كأنه قال : يا صَاحِبَايَ في السجْنِ )
- وفي شرح معاني الآثار 1 /445 : ( فَقَالَ : إنَّ رِجْلَايَ لَا تَحْمِلَانِي ) ، وفي فتح الباري لابن حجر 3 /227 : ( قَوْلُهُ : ( إِنَّ رِجْلِي ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ ، وَفِي رِوَايَة حَكَاهَا اِبْن التِّين " إِنَّ رِجْلَايَ " وَوَجَّهَهَا عَلَى أَنَّ " إِنَّ " بِمَعْنَى نَعَمْ ، ثُمَّ اِسْتَأْنَفَ فَقَالَ " رِجْلَايَ لَا تَحْمِلَانِي " أَوْ عَلَى اللُّغَة الْمَشْهُورَة لُغَة بَنِي الْحَارِث ، وَلَهَا وَجْه آخَر لَمْ يَذْكُرهُ ... )
- وفي المستجاد من فعلات الأجواد 1 /10 ( فمددت رجلاي ليوضع فيها القيد .. )
- وفي سبل الهدى والرشاد 8 /106 : ( روى الأئمة الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - ( .. وفي رواية ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلاي ، وإذا قام بسطتهما ... )
- وفي مستخرج أبي عوانة 5 /149 ومطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى 14 /424 : ( قالت عائشة : فقلت : يا رسول الله أتنام قبل أن توتر ؟ فقال : « يا عائشة إن عيناي تنامان ولا ينام قلبي » ) .
- وفي مسند أحمد 1 /90 والروض الأنف 4 /101 ، وسيرة ابن هشام 2 /356 وتهذيبها 1 /340 عن نافع مولى ابن عمر رضي الله عنهما ( فَلَمَّا أَصْبَحْتُ اسْتُصْرِخَ عَلَيَّ صَاحِبَايَ ) بالبناء للمجهول وفي بعضها بالبناء للمعلوم .
ومن الشعر ما ورد في مسالك الأبصار في ممالك الأمصار 1 /95 :
يا صاحبايَ هو العُمْر الذي جُمِعَتْ ... فيه المُنى، فاغْدُوا للديْر أو رُوحا
وقول الشاعر:
عيناك قد دلتا عيناي منك على ... أشياء لولاهما ما كنت أدريها
وفي ذيل مرآة الزمان 1 /457 :
يا صاحباي قفا لي فانظرا عجباً ... أتى به الدهر فينا من عجائبه
وليس بدعاً القول على غير الأشهر مع التمكن من قول الأشهر ، ففي العربية ترك الأكثر في حال السعة كما قال علماؤها لغايات بيانية أو استعذاب موسيقي ... الخ
قال الله تعالى في مواضع : ( ومن يشاقق ) وفي مواضع ( ومن يشاق ) بالإدغام وبفكه ، وقال عز من قائل : ( بما عاهد عليهُ الله ) و( وما أنسانيهُ ) بضم الضمير مع أن مشهور اللغة هنا الكسر لغايات بلاغية ليس هنا محل نقاشها ، وقال الشاعر :
زج القلوص ابي مزادة
قال ابن جني في الخصائص: قد فصل بالمفعول به مع قدرته أن يقول: زج القلوص أبو مزاده.
وقال المتنبي :
إذا كان بعض الناس سيفاً لدولة ففي الناس بوقات لها وطبول
وهو مستطيع أن يقول ( أبواق ) ....
حتى قال ابنجني رحمه الله :
( إن العرب قد تلزم الضرورة في الشعر في حال السعة ؛ أنساً بها واعتياداً لها ، وإعداداً لها لذلك عند وقت الحاجة إليها ؛ ألا ترى إلى قوله :
قد أصبحت أم الخيار تدعى ... على ذنبا كله لم أصنع
فرفع للضرورة، ولو نصب لما كسر الوزن. وله نظائر .)
فلله دركم كيف تحركون ماء لشدة وقفته أسن أو كاد ، ولعمري لقد رأيت هنا أهل لغةٍ يعتز المرء أن يكتب لأجلهم ويقول معهم .
أما ( عضايا ) وهي خطأ طباعي لـ ( عظايا ) وهي جمع عظاية التي هي دُوَيْبَّة معروفة على شكل سامِّ أَبْرص أُعَيْظِمُ منها شيئاً والعَظاءَة لغة فيها .