(مقال عن الصعاليك )
عروة بن الورد
أحب أن أوضح أولا أنني وبرغم إعجابي الشديد بالصعاليك فإنني أعتبرهم من زاوية أخرى
أشرارا منحرفين امتهنوا اللصوصية عن رضى واختيار مما اضطر قبائلهم لخلعهم تخلصا من سوء سيرتهم وتبرأً من جرائمهم
ولقد كان الصعاليك جميعا يجيدون الكر والفر كما عرف بعضهم بسرعة العدو بحيث كان الفرسان على خيولهم الجياد لايستطيعون اللحاق بالصعلوك وهو يركض أمامهم وعلى عاتقه حمل ثقيل حصيلة غارته
ومن أشهر الصعاليك (( عروة بن الورد العبسي ))والشنفري والسليك بن السلكة وتأبط شرا
غير أن أنبلهم هو عروة بن الورد الذي حظي بإعجاب مختلف طوائف الناس من أمير أو خفير
حتى أن عبد الملك بن مروان قال في حقه (( ماسرني أن أحدا من العرب ولدني إلا عروة بن الورد )) لقوله
إني امـرؤ عافى إنائي شركة 0000 وأنت امرؤ عافى إناؤك واحــد
أقسم جسمي في جسوم كثيرة 000 واحسو قراح الماء والماء بارد
اتهزا مني ان سمعت وان ترى 00 بجسمي مس الحق والحق جاهــد
هكذا نجد المشاعر الانسانية تملا على عروة كيانه وتبعا لهذه المبادىء التى التزمها عروة فقد فاض كرمه واستفاضت مكارمه
حتى لنجد عبد الملك بن مروان يقول في مناسبة اخرى
(( من قال ان حاتم اكرم العرب فقد ظلم عروة))
وعلى الرغم من ان عروة كان عبسيا فانه لم يشتهر بنسبته الى قبيلته كما هو الحال عند كثير من الشعراء
كعنترة العبسي او ابو خراش الهذلي او عمرو بن كلثوم التغلبي او عمر بن ابي ربيعة المخزومي ا
ما عروة فكان ينسب الى الصعلكة فيقال عروة الصعاليك والسبب هو قوله
لحى الله صعلوكا اذا جن ليله 00مصافي المشاش آلفا كل مجزر
يعد الغنى من دهره كل ليلة 000 اصاب قراها من صديق ميسر
ينام عشاء ثم يصبح قاعـدا 000 يحث الحصى عن جنبه المتعفر
ولله صـعلوكا صـفيحة وجهه 000 كضوء شهاب القابس المتنور
مطل على اعـدائه يزجـرونه 000 بساحتهم زجر المنيح المشهر
ومن اشهر قصائده
إذا المرءُ لم يبعث سَوامـاً ولم يَرُح0-00عليـه ولـم تعطف عليـه أقاربهْ
فللموت خيـرٌ للفتى مـن حياتـهِ 0000000فـقيـراً ومن مولى تدِبُّ عَقاربه
وسائلةٍ أيـن الـرحيـلُ وسائـلِ 00000 ومـن يـسأل الصعلوكَ أين مذاهبه
مذاهبـهُ أن الفِجـاجَ عـريضـةٌ 000-0000إذا ضـنَّ عـنـهُ بالفعالِ أقاربـه
فلا أترُكُ الإخوانَ مـا عشت للردى000-0 كمـا أنـهُ لا يـتـركُ الماءَ شاربه
ولا يستضامُ الدهرَ جـاري ولا أرى 0000 كمـن بات تسري للصديق عقاربه
وإن جـارتـي ألـوت ريـاحٌ ببيــتـها00000تغــافـلتُ حتـى يسـتُـرَ البيتَ جانبه
ان صفحة حياة عروة ونهج سلوكه مترع بالمتناقضات من حسن وقبيح ومروءة وخسة
فهاهو يخطف امرأة ضمن مايخطف من أسلاب ويستبيحها بغير ماشريعة ثم لايلبث أن يحج معها على طريقة الجاهليين
وعندما يقابله قومها قالوا له (( فادِنا بصاحبتنا فانا نكره أن تكون سبية عندك ))
فوافقهم على شرط ان تخير بعد ان تسترد حريتها 00 وينبغي لنا أن نقف عند هذا الموقف النبيل 00
أنه لايطلب اليها الاختيار وهي واقعة في أسره إنما يطلب ذلك بعد ان يمنحها حريتها (( وكأنه يعلم أن لاخيار لمستعبد ))
ولقد اختارت المراة مع الأسف قومها ولكنها أنصفته بقولها
(( أما إني لا أعرف امرأة ألقت سترا على خير منك 0 اغفل عينا واقل فحشا 00 )) ومضت تبرر اختيار قومها قائلة
لقد أقمت معك وما يوما يمضي إلا والموت أحب إلي من الحياة فيه 0
وذلك أني كنت اسمع المرأة من قومك تقول 0 قالت امة عروة كذا وقالت امة عروة كذا فارجع راشدا وأحسن إلى ولدك ((
وقد كانت إما لبعض ولده ))
الخلاصة إن كل ماخلعه الناس على الصعاليك من مكارم وشمائل كان الفضل فيه لعروة
وان كثير من المؤرخين البس صفات عروة وشمائله بقية الصعاليك فبدوا أمام الأجيال وكأنهم أصحاب مكارم
والحقيقة أن الأمر ليس على تلك الحال وإنما كانت جمهرتهم لصوصا ذوي فتك وقطاع طرق تنقصهم المروءة وتعوزهم المكرمات
هذا رأي ومن عنده غير ذلك فليفدنا فضلاً لا أمراً
وأشكركم لمتابعة القراءة للنهاية