منقول
خلال تجولّي في النت وقعت على هذه الدراسة المثيرة في أدب عميد الواحة الدكتور سمير العمري
ومع أني لست من زوار هذا القسم فقد أحببت ان أشارككم جمال ما قرأت



قراءة في أدب سمير العمري : الذات الأدبية تسبح إلكترونيا حاملة هموم الأمة
قراءة في أعمال د. سمير العمري :
عندما تسبح الذات الأدبية إلكترونيًا حاملة هموم الأمة

بقلم : د. مصطفى عطية جمعة

من أهم ثمرات الفضاء الإلكتروني أن الكثير من الأصوات الأدبية وجدت متسعًا لها في النشر والعمل الثقافي ، فقد استطاعت الشبكة العنكبوتية الدولية أن تكسر احتكارات المجلات الثقافية الرسمية التي ترتهن بأمر وزارات الثقافة ، أوالمجلات الخاصة التي تعبر عن تيار أدبي بعينه ، ويكون النشر فيها خاضعًا لمعطيات الانتشار وتغذية توجه أدبي أو ثقافي محدد .
ويشكل الشاعر " سمير العمري " النموذج المتمرد ، مثل عشرات النماذج الأخرى ، التي كسرت النمطية الأدبية في عالمنا العربي ، وأصبحت تراهن على نشاطها الشخصي في مجال تأسيس المواقع الثقافية ، والاضطلاع بنشر الإنتاج الأدبي والثقافي لفئات وأفراد ، كانوا محرومين من هذه الفرص ، بفعل تنائي المسافات المكانية ، وغياب العلاقات العامة والشخصية مع الناشرين ومدراء التحرير في المجلات والصحف . لقد قام " سمير العمري " بتأسيس موقع "الواحة" الثقافي على الشبكة الدولية للمعلومات ، محطمًا - مثل غيره – قيود النشر ، وهو الذي يعاني من النفي خارج الوطن العربي ( يقيم في السويد ) ، حيث تكوّنت بفعل هذا الملتقى الأدبي في الفضاء الإلكتروني فعاليات رائعة ، شكلت كيانات موازية لما يسمى بتيار الثقافة الرسمي والأهلي في المجتمعات العربية ، فنستطيع أن نقول إن هناك تيارًا إلكترونيًا ، بدأ يغزو حياتنا الثقافية . ويجدر بالذكر أن ملتقى الواحة الثقافي ، لا يقتصر على نشر الإبداعات الأدبية : شعرية أو نثرية ، بل هو " هايد بارك " يتسع لكل مشارك عربي ، دون النظر إلى هويته أو جنسيته ، فرأينا الكثير من المساهمات الثقافية والفكرية والمشاغبة في هذا الموقع .
ربما يكون الهم الذي تطرحه هذه الدراسة هو النظر إلى الأديب سمير العمري بوصفه أديبًا فحسب ، واتخاذه نموذجًا في الدرس الأدبي مثل مئات ( أو آلاف ) الشعراء الذين باتت أصواتهم مسموعة في الفضاء الإلكتروني ، وبعضهم لا يعرف طريق النشر الورقي ، ويكتفي بالمداخلات التي تأتيه من خلال المواقع الأدبية التي يشارك فيها . إن المشكلة التي تكتنف هؤلاء أن إنتاجهم الأدبي يتراكم بفعل مرور السنوات ، دون وجود دراسات نقدية موضوعية لهم ، تحاول أن تنظر إلى نتاجهم الأدبي نظرة رأسية فتتعرف طبيعة النتاج : من شعر أو نثر ، بكل الأشكال التي يمكن أن يجتهد فيها المبدع ، أو نظرة أفقية حول تناولات المبدع وموضوعاته ، والخصائص الفنية التي تميز إبداعه ، ومدى التطور الرؤيوي والفني الذي أحدثه المبدع . فالآفة التي تبتلى بها مواقع الإنترنت الأدبية تلك التعليقات المبتسرة التي يلقيها هذا الأديب أو القارئ بشكل متعجل ، وتكون ذات اقتضاب ، وتكتفي بالتعليق على العمل الواحد المعروض دون النظر إلى سائر أعمال الأديب ، وبالتالي يظل نقدها مفتقدًا إلى القراءة الشاملة العميقة ، ويظل المبدع ضحية هذه التعليقات ، ولو كانت من ذوي صداقاته فإن طابع المجاملة يغلب عليها ، أو تصطبغ بصبغة العداء إذا كان المعلق يرد الصاع للمبدع الذي هاجمه في عمل من قبل . وما بين هذا وذاك ، فإن المبدع يظل دون تقويم حقيقي، ولا يملك خطوطًا نقدية محددة ، تشمل إبداعاته بشكل هادئ معمق محايد .
وفي تجربة سمير العمري التي تمتد لسنوات سابقة ، وكما أوضح في إحدى قصائده فإنها عميقة منذ أيام دراسته الأولية في المدرسة المتوسطة . وقد قام الباحث في هذه الدراسة بتجميع منتج التجربة الإبداعية لسمير العمري من تفرقها في صفحات الإنترنت ، فشكّلت ملفًا كبير الحجم ، جمع الشعر والنثر ؛ وإن كان يغلب على تجربته الشعر ، فيبدو لنا أن نفسه الشاعرة متوقدة دافقة ، وأن الشعر أقرب إليه ليجيش بما يعتمل في نفسه.
لعل أبرز ما يستوقفنا في تجربة " العمري " الشعرية أنه يقول الشعر وفقًا لموروث الشعر العربي ، فهو مولع بتجربة شعراء العروبة القدامى ، ومن سار على دربهم من المعاصرين ، وهذا يظهر في بنى قصائده العمودية التي تلتزم النهج الخليلي التقليدي ، وهذا لا نعده عيبًا أو تأخرًا كما يرى بعض النقاد ، الذي يتصورون أن الحداثة معناها الإبداع بأشكال شعرية جديدة ، مثل شعر التفعيلة أو قصيدة النثر أو النص المفتوح . نقول : من يظن ذلك فهو مخطئ ، فالأشكال الشعرية مثلها مثل الآنية ، أوعية تحوى تقلبات الوجدان ، وعبير الرؤى ، وإنما يكون الأمر في قضية التجديد الشعري من خلال مدى الرؤية المبتكرة التي يرومها الشاعر ، وما مدى اختلافه عن السابقين ؟ أو بالأدق : ما الإضافة الإبداعية التي نتلمسها في تجربته ؟ نقول ذلك ، وهناك شعراء عظام أبدعوا بالشكل العمودي بكل قيوده الموسيقية ، ما تعجز عنه قصيدة النثر بكل انفتاحها وتحررها الموسيقي واللفظي ، مثل : البردوني ( اليمن ) ، الجواهري ( العراق ) ، ( أحمد بخيت ) مصر ، وغيرهم .
فسمير العمري يفضل الشكل العمودي وينحاز إليه ، ويكتب أيضًا قصائد التفعيلة ، بجانب إبداعاته في القصة والمقال والخاطرة . وفي شعره العمودي نقف عند ظاهرة الأغراض الشعرية ، وهو مفهوم قديم قدم الشعر العربي ، فقد التزم "العمري " بها ، كأنه يتنفس بروح القدماء ، وينظر بنفس رؤاهم ، وهذه قضية الكثيرين من ناظمي الشعر بالعمودية أنهم يظلون أسرى الرؤية التقليدية التي تتكئ على ميراث الشعر العربي القديم ، فينظمون في المدح والرثاء والفخر والذم والأسى ... ، وقد يعارض القصائد القديمة ، إمعانًا في التأسي بالسابقين ، وبعضهم يتطور أكثر وينظم حسب المدرسة الرومانسية ، التي أشعلت القلوب نارًا، وغنت للطبيعة ، وربما يشكل هذا الأمر هاجسًا لدى شاعرنا ، فهو يرى أن التمترس في الشعر التفعيلي عنوانًا للشخصية المسلمة العربية ، وهذا يردده كثيرون ، ولكن تبقى الحقيقة أن الأهم في الجنس الأدبي ، وما يتفرع عنه من أشكال شعرية تلك الأحاسيس الجديدة التي يستشعر العالم بها ، أحاسيس تختلف عما يردده العامة ، أو ينظمه باقي الشعراء ، ومن هذا أو ذاك يتميز الشاعر ، فإذا جدّت الرؤية ، ستتجدد الكلمة ، وتكسى الصورة بعبق جديد ، ولنا في فحول شعرائنا القدامى والمعاصرين نماذج مبدعة في الرؤية والخيال .
والقاسم المشترك في تجربة " العمري " تلك الروح المتأججة التي تتعامل مع الشخوص والأشياء والقضايا بنفس درجة التأجج ، من أول النص إلى آخره ، وفي سبيل ذلك تخرج مفردات خطابية في طابعها ، مباشرة في فكرتها ، وتقل الصورة والخيال ، وهذا منطقي في التجربة الشعرية ، فإذا اشتد اشتعال الذات الشاعرة ، أسالت مشاعرها كلماتٍ ، فإن مساحة العقل الشعري تتقلص . ولنغص في تجربة " العمري " ، والغواص موضع التساؤل دومًا .
في ذكرى زواجه ينظم قصيدة مهداة إلى زوجته ، ويعنونها بـ " قرتي وقراري"، والعنوان يشي بالمضمون وهو أن الزوجة موضع المودة والسكن وهي رؤية إسلامية قرآنية ، حيث يقول :

لا رَيْبَ أَنَّـكِ مِـنْ نَعِيـمِ البَـارِيوَبِأَنَّـكِ المَقْسُـومُ مِـنْ أَقْــدَارِي
وَبِأَنَّ رُوحَـكِ رَاحَتِـي بَعْـدَ العَنَـاوَبِـأَنَّ قَلْبَـكِ قُـرَّتِـي وَقَــرَارِي

وعنوان النص جزء من الشطر الثاني في البيت الثاني وهو يندرج تحت ما يسـمى العنوان
الجاذب الذي يعمد فيه الشاعر إلى جذب القارئ لهذه النغمية التي حملتها مفردتا العــنوان
والمتأتية من الجذر المشترك بينهما . تلك الموسيقية التي تشكل علامة مميزة في قصائــد
العمري . وفي هذه القصيدة ، يقف الشاعر عند الحد الظاهري الذي يجترّ المدح للزوجــة
الوفية ، معددًا فضائلها ، وكيف أنها نموذج في العطاء ، وتجدر الإشـارة إلى أن مـدح
الزوجة غرض شعري راق ، ولكن تظل الرؤية مرهونة بنظرة الشاعر إلى طبيـعة العلاقة
بين الزوجين وخصوصيتها ، والخصوصـية تعني : ما يتمايز به الشاعر عن الآخــرين
في وقفته عند حياته الزوجية ، بعد مرور عقدي زمن كما ذكر في النص ، وأرى أن الشاعر لم
يراوح ما سبقه إليه الآخرون ، وإن حفلت القصيدة بإضاءات دينية .
ونفس ظاهرة العنوان تتكرر في قصائد أخرى ، حيث يقتطع الشاعــر من مطلع النص
عنوان قصيدته ، يقول :
علَى السُّيُوْفِ بَقَايَا مِنْ رَحِيْقِ دَمِـيوَفِي الصُّخُوْرِ طَرِيْقٌ مِنْ خُطَى قَدَمِي
فقد حملت القصيدة عنوان : " رحيق دمي " ، المقتطع من البيت الأول ، وهذا لا يساعـد
على تحفيز القارئ على قراءة النص ، وربما يعد ذلك استسهالاً من الشاعــر ، إلا أن
العنوان معبر عن روح النص ، التي حلقت في أزمة الإسلام ، وضياع مقدساته . فنغـمة
التباكي على تهرئ الجسد المسلم ، تهز الكثيرين ، ولكن الشاعر طوّف بكل آلام المسلمين،
مستخدمًا قاموسًا يكاد يكون مشتركًا بينه وبين كل الباكين على أحوال الأمة المسلمة .
وربمـا نجد الرؤية أكثر تطورًا في قصائد التفعيلة ، ففي قصيدة " البدر أحنى الجبين " نرى
انفتاحًا أكثر وهو يخاطب المحبوبة ، يقول :

هَلْ تَكْتَفِيْنْ؟
أَنْ هَلَّ فَجْرُكِ بَاسِمَاً بَعْدَ الأَسَى
يَمْحُوْسُطُوْرَ الحُزْنِ مِنْ طِرْسِ السِّنِيْنْ
هَلْ تَكْتَفِيْنْ؟
أَنْ حَلَّطَيْفُكِ يَحْتَوِيْ مِنِّي الْمُنَى
يَغْفُوْ بِأَحْضَانِي أَنَا
يَرْتَاحُفِي عُمْقِ الفُؤَادِ وَفِي الوَتِيْنْ
لا يقف الخطاب عند المحبوبة الأنثى ، بل هو منصرف إلى المحبوبة ، ولكنه يتمايز هنا بكون
الشاعر متعمدًا الخطاب الأنثوي بشكله المطلق ، لتظل المحبوبة الأنثى ذات شكل هلامي،ندركه
من الصور الشعرية التي تتالى في النص ، والتي تتأرجح بين السعي إلى الخروج من تيه الحزن
إلى عالم رحب من البسمة ، وتظل الأنثى في هذا الفضاء : يمكن تحويل دلالتها إلى الوطن ، أو
الزوجة أو المعشوقة ، ولكن في إطار من الوهج العاطفي ، وتتعمق الرؤية أكثر في قصيـدة :
" أطلقي منك السراح " ، يقول :

ضُمِّي الجِرَاحَعَلَى الجِرَاحْ
وَتَحَدَّثِي عَنْ ذِكْرَيَاتِ الفَجْرِ يَا شَفَةَالصَّبَاحْ
عَنْ رِحْلَةِ الطَّيرِ المُغَرِّدِ غُرْبَةً
بِالنَّاسِ
بِالإِحْسَاسِ
عَنْ زَمَنٍ وَسَاحْ
عَنْ رِحْلَةٍ هَاضَتْ وَهَاضَ بِهَاالجَنَاحْ
فِيهَا انْكِسَارَاتُ المَرَايَا لا تُزِيلُالأَقْنِعَةْ
فقد عمّق رؤيته أكثر عن مأساة الوطن ، متخذًا المحبوبة مخاطبة ، ليسقط عليها أحزانه
وهو يتباكى على أطلال العروبة ، ومجد الإسلام . وقد استحضر " سجاح " وهي امـرأة
ادّعت النبوة ، وتزوجها مسيلمة الكذاب ، في إشارة إلى حجم الكذب الذي يعترينا ، كـذب
على الشعوب ، وعلى النفوس .
أبرز ما نلحظه في القاموس الشعري عند " العمري " غزارة هذا القاموس ، وهذا ناتج عن
تعمقه في قراءة الشعر ، وفي قرضه ، خاصة أن الشعر العمودي يستلزم إثراء في الألفاظ
حتى تكون القافية لينة ، وإلا ستكون منحوتة نحتًا . ولكنني أستطيع أن أقف عند مظهر آخر
دال على هذا الثراء ، وهو الصورة الشعرية ، التي أرى أنها تميز شاعرنا ، وهو يعتني بها
ويحرص على تعميقها ، خاصة في قصائد شعر التفعيلة التي أعتبرها عنوانًا على التطور في
الرؤية والبناء الفني لديه ، يقول في قصيدة " البدر قد أحنى الجبين "

وَالحَرْفُ يَجْمَحُ لِلصَهِيْلْ
يُبْدِي الدَّلِيْلْ
وَعَلَى حَنَايَا القَلْبِ يَكْتُبُقِصَّةً
وَالنَّبْضُ يَهْتِفُ بِالحَنِيْنْ


إننا أمام صورة ممتدة ، شديدة العذوبة ، فالحرف مثل الخيل جامح للصهيل ، صورة تشي بعنفوان
الحرف أي ثورته ، وتمتد الصورة ليصبح الحرف كاتب أقاصيص ، ويكون القلـب ورقَــه ، ثم
يكون نبض القلب حنينًا للمجد والعظمة . إنها صورة تجيش بشاعرية متقدة .
وفي قصيدته النونية التي عارض بها نونية ابن زيدون ، نجد ما نسميه بظاهرة تراسل الحـواس
فكل حواسنا تتلقى الصورة دون موانع ، فيتداخل البصر والشم والنطق والسمع ، وتتجمع في مركز
الإحساس الواحد وهو القلب ، يقول :

الزَّهْرُ بَسْمَتُنَـا وَالطَيْـرُ هَمْسَتُنَـاوَالصَمْتُ رَبْوَتُنَا وَالشِّعْـرُ وَادِيْنَـا
وَرَوْضَةُ الطُّهْرِ فِي أَسْمَى مَشَاعِرِنَاكَطَلْعَةِ الفَجْرِ فِـي أَدْجَـى لَيَالِيْنَـا

فالزهر يشعل حاستي العين والشم ، ثم يصبح بسمة تزين وجوهنا ، والطير يحفز حاستي البصر
والسـمع ثم يكـون همسة على الشفاه ( منطوق ) . وهكذا نجد بيتــًا شديدة الشاعرية ،محلى
بصور فذة ، وإن كان البيت الثاني اقترب مما يسمى المتداول الشعري فالطهر روضة ، مثل طلعة
الفجر ، وهي صورة تتكرر كثيرًا ، محورها : الطهر مثل الفجر ، أو العفاف كالنور .



وإذا كانت لنا وقفة ، فإن القصة لدى شاعرنا لها نكهة خاصة ، وإن قل نتاجه منها ، فنفس
الشاعر تزاحم عين القاص ، وربما تاتي قصة " نكهة " نموذجًا مشتركًا في رأيي ، فهذه
القصة جمعت عالم " العمري " في شعريته ، ودلت على لقطاته القصصية ، فالقصة ذات
مضمون يتقاطع كثيرًا في شعر العمري : الوفاء للزوجة ، والوفاء يتخذ صورة تذكر عيد
الزواج ، حيث حمل البطل كعكة هذا العيد ، مصنوعة من الكريمة والكرز ، لونا البياض
والاحمرار ، وذهب إلى منزله ، أسرعت الزوجة بفتح الباب ، وهي ضاحكة للزوج الذي
تذكر ما ينساه الآخرون ، فيفاجأ بوجود أختها المطـلقة عندها ، يشعر بالغضب ، وتشكك
الأخت في وجود آثار إصبع على الكعكة ، وسرعان ما يوضح الزوج كيف أن هذه لمسته
هو عندما تذوق الكعكة . وحين تبدأ الزوجة في التناول من الكعكة ، تشعر بنكهة جديدة ،
نكهة الوفاء . يمتاز أسلوب القصة بدفق عال من المشاعر ، وأرى أن العمري يمتلك نفسًا
قصصيًا ، وقدرة على الحكي ، والأهم : التحكم في اللحظة القصصية ، وإبقـاء القـارئ
في ترقب لما سيحدث . وإن كان الحوار يحلق في آفاق شاعرية ، لا يحتملها عالم القص
الذي يقترب من الواقع المعاش . تقول الزوجة لزوجها مهنئة :
" كُلُّ عَامٍ وَأَنْتَ أَنْتَ ، القَلْبُ الذِي يَحْتَوِي ، وَالرُّوحُ التِي تَسْتَوِي "
ويرد عليها حينما يعلم بوجود أختها :
" لأَجْلِكِ يَهُونُ كُلُّ خَطْبٍ ، لا بَأْسَ أَنْ تُشَارِكَنَا هَذِهِ المَرَّة أَجْمَلَ لَحَظَاتِنَا الخَاصَّةِ "
وربما يكون عذر القاص أن نفس الشاعر تغلفه ، في لحظة شاعرية ، عنوانها المودة.
******
تظل تجربة " سمير العمري " مثل عشرات التجارب الأخرى ، في حاجة إلى وقفة للقراءة
النقدية المتأملة ، لعل هذه الوقفة تكون فرصة لالتقاط الأنفاس ، وهذه إحدى أزمات النقـد
العربي : ركام هائل من الإبداع ، وتجاهل من النقاد ، وأختم بأن أؤكد أن هذه القراءة إنما
هي قراءة أولية في جوهرها ، تحاول أن تكون نبراسًا لقـراءات أخـرى ؛ تجمع الشتات
الذي تكتنزه شبكة الإنترنت ، وتعيد ترتيبه وتنسيقه ، وفي الترتيب بدء حقيقي للتلقي .

منقول