|
حاقَ أم هكذا هو القمرُ |
بل تمادى بمُكثِه السحَرُ |
زائغُ العينِ لحظُها ثمِلٌ |
وسوى القهرِ ليس يختمرُ |
وذبالٌ تنداحُ رعشتُه |
لإهابي العاري فيقْشعرُ |
أرياحٌ كرجعِ ثاكلةٍ |
جَلَّ عنها في الرزءِ مصطبَرُ |
أم ذئابٌ تعوي بمغتلَسٍ |
فيذودُ المنامَ بي حذَرُ |
وضباعٌ في العتمِ ترمقني |
عينُها كالفسفورِ يستعرُ |
كلما يستبدُّ بي غزلٌ |
أستحي من موتايَ لو نظروا |
كيف يجري شِعرٌ على شفتي |
والردى فاقَ كلَّ ما شعروا |
من جميع الجهاتِ يحصرُني |
شجنٌ لا يحدٌّه الحَصَرُ |
والمنافي تئنُّ من خَببي |
أولمْ يكفِ رحليَ السفرُ |
مفرَدٌ وسطَ لُجةٍ عصفتْ |
بشراعٍ صاريهِ منكسرُ |
وغريقٌ والموجُ يغلبني |
وشهيقي بالماءِ منبهرُ |
بل أنا البحرُ شَطَّ ساحلُه |
واختفتْ تحت موجِه الجُزرُ |
ويمدُّ الأكفَّ ضارعةً |
علَّ مرسىً يُوقى به الخطرُ |
لم تزرْهُ للآنَ ساقيةٌ |
أو ينمْ في أحضانِه نهَرُ |
... |
... |
شهقةٌ ثمّ زفرةٌ نفثتْ |
من حميمٍ في الصدرِ ينصهرُ |
منذُ دهرٍ والذلُّ يصرخُ بي |
كصداعٍ في الرأسِ يعتورُ |
أفردتْني الدنيا لطغمتِها |
وانتحتْ بالأركانِ تنتظرُ |
هو كانونُ والثرى خضِلٌ |
إنما لم يمسَّهُ مطرُ |
بأُجاجِ الدموعِ منعجنٌ |
ودمٍ لا يزالُ ينهمرُ |
فوق سطحي قنّاصةٌ كمنوا |
وعلى الدربِ ها همُ ظهروا |
وعلى مسجدي ارتقى وثنٌ |
وبمحرابِه ازدهتْ صورُ |
رِدّةٌ؟ لا. ما كنتُ أحسبُهم |
آمنوا كي نقولَ قد كفروا |
من بني الإنسِ؟ لا. فما اقترفوا |
لم يُصبْه جنٌّ ولا بشرُ |
سقطتْ عن صهيونَ أقنعةٌ |
وتعرّى مَن كان يستترُ |
فإذا الوجهُ مثلُ سيدِه |
وإذا الكفُّ قاتلُ قذرُ |
وإذا القلبُ منه مضطغنٌ |
إحَناً لا تُبقي ولا تذَرُ |
وإذا بالجبانِ حينَ وغىً |
مستشاطٌ وصارمٌ ذكرُ |
... |
... |
يا بلاداً في الكتْبِ ما فتئتْ |
خبراً كم حلا به الخبرُ |
وصعيداً به تيمُّمنا |
غارَ منه الوضوءُ والطهُرُ |
ها هي الآنَ محضُ منتَهبٍ |
عاث فيا الأعجامُ والتترُ |
خَيَّمَ الموتُ في أزقتِها |
فهي تحتَ الدخانِ تدّثرُ |
جاثماً فوقَها بكلكلِه |
وبنَوءِ الدموعِ يهتصِرُ |
كنتِ للعالمينَ سُرتَهم |
وبكِ اليومَ تُبقرُ السُّرَرُ |
وعلى تُربِكِ الملوكُ جثوا |
وبكِ اليومَ طغمةٌ سكروا |
أنتِ يا مهدَ أبجديتِنا |
فيمَ هذي القبورُ تُحتفرُ؟ |
وعلى خَطوِكِ الورى انتظموا |
ووراكِ الغُرُّ السراةُ سرُوا |
كيف في ليلةٍ وضحوتِها |
لزنيمٍ من بعدُ تأتمرُ |
آهِ ممن تناوشوا وطني |
وشرَوهُ والشعبُ مفتقرُ |
يا بلاداً لو أن ساستَها |
سمعوا للشعوبِ واعتبروا |
أو وعى الآخرونَ أولَهم |
لَحقنّا الدمَ الذي هدروا |
وطنٌ يسلخونَ جلدتَه |
ويُلامُ القتلى إذا جأروا |
بشِمَ الغربُ منذ أزمنةٍ |
واكتفتْ من لُحومِنا النُّسُرُ |
وهنا بيضةُ الزنا فقستْ |
وعلا الناسَ كاذبٌ أشِرُ |
... |
... |
صمتُكم كالرصاصِ يقتلُني |
فيمَ هذا الوجومُ والحذرُ |
أتشكّونَ في دمي؟ودمي |
بدماكم تشُدُّه الزمرُ |
أم طعنتُم في صورتي؟ فهنا |
جثةٌ لم تُحاكِها الصورُ |
فأصِخْ أُذْنَ ريبةٍ ربَما |
سامعٌ حينَ ينشجُ الحجرُ |
وتلفّتْ فثَمَّ أُنملةٌ |
لترى كيف يُقلعُ الظُّفرُ |
فرؤوسُ الأطفالِ دانيةٌ |
كم تعاني من حملِها الشجرُ |
واغضضِ العينَ تلك آنسةٌ |
فتخيّلْ إذْ تُهتَكُ الخُدُرُ |
واحترمْ شَيبةً دماً خُضبتْ |
وتساءلْ: ماذا جَنى الكِبَرُ؟ |
كلُّ هذا الطاعونِ ليس يُرى؟! |
كم قتيلاً لتشعروا وترُوا؟ |
... |
... |
وربيعي الدامي ثمانيةٌ |
ثم شهرٌ يمدُّه شهَرُ |
شهدائي ثمارُ دورتِه |
نِعمَ في سوقِ عزّتي الثمرُ |
كلُّ عنْقٍ جزّوهُ سنبلةٌ |
مِن تُلومِ الردى نمتْ بذرُ |
كلُّ نسْغٍ في جذعِ باسقةٍ |
فيضُ دمٍّ يغلي وينفجرُ |
وأنينُ الجراحِ أغنيةٌ |
لا يني من ترجيعِها وترُ |
ليس إلا هنيهةٌ وعسى |
أن ترى كيف يستوي القدرُ |
ليس إلا ويبسمُ القمرُ |
ليس إلا وينجلي السحَرُ |
أولُ الفتحِ مصرُ في صفَرٍ |
أنتَ شهرُ الفتوحِ يا صفَرُ. |