أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 12

الموضوع: العذراء والدم....محمد محضار

  1. #1
    الصورة الرمزية محمد محضار قاص
    تاريخ التسجيل : Nov 2011
    الدولة : المغرب
    المشاركات : 217
    المواضيع : 84
    الردود : 217
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي العذراء والدم....محمد محضار

    العذراء والدم................نص لمحمد محضار
    في احدى الأماسي الصيفية الهادئة، توقفت سيارة فخمة قرب بيت معزول بحواشي المدينة، وترجل منها رجل تجاوز الأربعين من عمره، تبدو عليه علامة الوقار وملامح الأبهة، يرتدي بدلة قمحية اللون، إتجه صوب باب البيت، نقره بضع نقراتـ،، وعندما فتح ظهرت على عتبته عجوز في حدود الستين من عمرها، حيته بحرارة، فرد على تحيتها وقال:
    - كيف حالك يا خالتي زينب؟
    - بخير، تفضل
    دلف الرجل صحبتها إلى داخل البيت، فقادته إلى غرفة الجلوس، حيث استقر به الحال فوق كنبة جلدية، وسألها ضاحكا:
    - كيف حال صبياتك؟
    - إنهن على أحسن حال يا أستاذ ، هل تريد احداهن؟
    - ليس الآن .. لكن خبريني هل وجدت لي فتاة عذراء؟
    ردت العجوز بخبث:
    - إنك رجل محظوظ... فمنذ أسبوعين جاءت لتعمل في أحد البيوت المجاورة صبية في الخامسة عشرة من عمرها وهي عذراء...
    قاطعها متلهفا:
    - إذن وجدتيها
    - وليس أمامي الأن سوى البحث عن الخطة المناسبة لجلبها لك،و هذا أمر بسيط... فهي يتيمة الأبوين، أو قل مقطوعة من شجرة، ولن تمانع في شيء إذا ملأنا بطنها وجيبها.
    - إنك خارقة للعادة
    ألقت عليه العجوز بنظرة ثاقبة وقالت:
    - أظن أن الأمر سيتطلب منك مالا كثيرا
    - لايهم، اطلبي ما تشائين، سأدفع بسخاء
    - قامت العجوز، من مكانها واقتربت منه وهمست:
    - هل أنادي لك على احدى الصبيات .. لتمرح بعض الوقت.
    رفع إليها رأسه وقال:
    - المهم هو العذراء، أريد فتاة عذراء بأي ثمن
    -اطمئن يا أستاذ ، بعد أسبوعين ستكون العذراء بين يديك .
    قام من مكانه ، أصلح ربطة عنقه، ثم أدخل يده في جيب بنطلونه، وأخرج بعض الأوراق النقدية، مدها للعجوز وهو يقول:
    - تفضلي ي خالتي زينب.
    وردت العجوز وعيناها تبرقان:
    - شكرا لك ياسيدي أنت رجل سخي بحق .
    - سأكون أكثرسخاءا، لو قضيت حاجتي.
    انسحب خارجا، ركب السيارة، ثم انطلق بين شوارع المدينة الهادئة، كانت تتصارع في رأسه عشرات الأفكار وتُضيق الخناق حوله. رأى ماضيه يسترسل في التداعي أمام عينيه، اسفلت الطريق المضاء بمصابيح سيارته، كان يبدو أمامه كمرآة تعكس سنوات عمره الملهوفة من الزمان، ذاكرته أخرجت مخزونها، وامتزج الماضي بالحاضر، تفجرت في أعماقة أشجان أعوام دفينة، واشتد رنينها في ذاته، داهمته على حين غرة صورة العذراء، عندما توقف أمام إشارة المرور واصطدمت عيناه باللون الأحمر، تذكر الدم، تراقصت أجزاؤه السفلى ، عاود المسير من جديد أشعل لفافة تبغ ليهدئ نفسه بعض الشيء، ثم غرق في بحر الماضي، لاحت أمامه أجزاء مضببة من طفولته ومراهقته وشبابه، فمضى يربط بينهما.
    كان ابن شيخ القبيلة ووجيهها الحاج عمر، كان واحدا من بين عشرة إخوة وكانت أمه واحدة من بين أربع نساء، كان منطويا على نفسه، قليل اللعب مع أبناء الدوار، شديد الخجل والخوف، ، وأبوه لم يكن ينتبه إليه إلا لماما، تعلم في مدرسة القرية، وأكمل دراسته بالمدينة، لكن المدينة لم تغير شيئا في طباعه فقد ظل مفرطا في التقوقع والانغلاق، وكانت علاقته بالمرأة لا تكاد تتعدى أحاديثه القليلة مع أمه، وأخواته، ولاشيء غير هذا، بنات المدينة كن بالنسبة له غولا مخيفا لا يقدر على مجابهته. لما أتم دراسته اشتغل في المدينة، الشغل لم يدخل هو الآخر أدنى تغيير على سلوكه. بعد موت والده آلت له ثروة لم يكن يحلم بمثلها، وجد نفسه يدخل دنيا المال وانتبه إلى نفسه، دارت بدماغه فكرة الزواج لكن كيف؟ وهو لا يعرف ما يقدم أو ما يؤخر مع المرأة، لجأ في الأخير إلى أمه التي تدبرت الأمر، وخطبت له ابنة أحد أثرياء القرية، وفي ليلة "الدخلة" أو ليلة العمر كما يحب أن يسميها البعض وجد نفسه صحبة عروسه في غرفة واحدة، وتهادى إلى أسماعه ضجيج وصخب الأهل والأحباب وهم يرقصون، ويغنون، منتظرين قطعة الثوب المخضبة بالدم، اجتاز مرحلة الخجل، بعد حمام بارد من العرق، وأقبل على عروسه .. لكن أين الدم؟؟ الثوب أبيض لاتكاد تظهر عليه نقطة واحدة حمراء، دارت به الدنيا، تلكأت الكلمات في فمه وانساب صوت عروسه تخنقه الدموع المسترسلة على وجنتيها:
    - استرني يا سيدي لو عرف أبي سيقتلني
    ورد هو:
    أين الدم أنت لست عذراء؟
    - لقد نال من شرفي ابن عمي الذي يدرس في فرنسا، لا تفضحني وأقسم أني سأخلص لك مدى العمر. ورق قلبه لدموعها وقال:
    - إذا تنازلت أنا عن حقي ، فماذا نفعل مع الآخرين إنهم يريدون الدم.
    - المسألة بسيطة
    قالت هذا ثم أخرجت شفرة وجرحت ساعدها، خبضت الثوب بالدم ومدته له قائلة:
    - أعطيهم الدم
    هكذا تزوج ورضي بامرأة ثيب، لكنها صدقته القول وأخلصت له بل"أسعدته، فانطلق في مشوار نجاح متواتر، وتفتح على الحياة وأصبح له أصدقاء وأصحاب سلخوا عنه ثوب الانطواء وجروه إلى دنيا اللذة والشهوة الحمراء. وتقدم به العمر، لكنه ظل وفيا لحياته التي بدأها بعد الزواج.
    وعرّفه أحد زملائه على العجوز المدعوة زينب التي تدير وكراً للتجارة في أعراض صبايا قاصرات وانبأه أنها تجلب لزبنائها من حين إلى آخر حسب الطلب فتيات عذروات، فأصاب النبأ في نفسه الموقع الحسن، وأسر للعجوز برغبته في صبية عذراء، فوعدته أن تلبي مطلبه.
    وهاهي ذي تعده اليوم بإمكانية تحقق غرضه بعد أسبوعين، فليستعد ليعيش ليلة العمر.
    في الليلة الموعودة تأنق في هندامه وصبغ بعض الشعيرات البيضاء التي كانت تجلل فوديه، ثم ذهب إلى العجوز التي استقبلته ببشاشة وقادته من جديد إلى غرفة الجلوس، وسألها بلهفة.
    - هل العذراء موجودة؟
    - بالطبع وقد هيأتها لك، لتبدو كعروسة في ليلة دخلتها.
    - حسنا فعلت يا امرأة.

    قال هذا ثم أدخل يده في جيب جاكيتته البنية، وأخرج رزمة من الأوراق النقدية رمى بها للعجوز وقال:
    - تفضلي يا خالتي زينب
    - شكرا ياسيدي
    قدم لها ايضا علبة صغيرة كان يمسكها بين يديه وتمتم:
    - هذه الهدية للفتاة.. قدميها لها.
    - سأذهب إليها كي تستعد...
    - انسحبت العجوز، والتحقت بالصبية التي كانت تنتظر بداية المجزرة باحدى غرف النوم ، قدمت لها العلبة وقالت:
    - خذي هذه الهدية
    فضت الفتاة غلاف العلبة، كانت سلسلة ذهبية جميلة،
    - ضعيها حول عنقك... وخذي هذا المال ثم استعدي
    قالت هذا ومدت لها جزءا من الأوراق التي تسلمتها منه، ثم خرجت قاصدة قاعة الجلوس.
    كان ما يزال ينتظر، طرق أذنية صوت العجوز وهي تقول:
    - هيا يا سيدي الفتاة في انتظارك قام من مكانه، تبعها، توقفت، وأشارت إلى الباب، ثم قالت:
    -يمكنك أن تفتح الباب وتدخل
    وضع يده على المزلاج، ضغط عليه، دفع الباب ودخل، وجد نفسه أمام صبية في ربيعها الخامس عشر، ذات شعرأرجواني يتهدل على كتفيها العاريتين، وعينين عسليتين تفيض البراءة من بؤبؤيهما، وجسد طفولي ينضج بالطهر. اقترب منها لمس جيدها براحته وقال:"ما اسمك يا بنية"، وردت الصبية:" اسمي سلمى"، صمت لحظة وقال: " هل أفهمتك السيدة زينب كل شيء"،
    - أفهمتني وأنا موافقة.
    جلس على السرير، طلب منها أن تخلع ثيابها،.. فعلت، لاح له جسدها البلوري، تسلل وحش الشهوة إلى دواخله، اقترب منها، من جديد، لمس صدرها بيده. تراجع فجأة الى الخلف كمن لسعته
    عقرب، أمسك رأسه بين راحتيه، وصرخ : "لا، هذا غير ممكن لا لا.."
    نظرت إليه الفتاة بخضوع وقالت: - ماذا حدث يا سيدي؟؟
    أعاد اللمس مرة أخرى، تكررت، نفس الحالة، ما حدث يا ترى؟؟
    اختلطت الامور أمام عينيه، من أمامه الآن، هل سلمى، أم ابنته سناء؟ إنه لا يكاد يلمس جسد سلمى حتى يرى ملامح ابنته سناء قد تمثلت فيها. ارتمى على السرير كالكلب المسعور، اضطرب، رفع رأسه الى الفتاة وقال:
    البسي يا بنيتي ثيابك، مكانك ليس هنا، ستجدين أختا لك في بيتي، خرج إلى العجوز سألته:
    - هل نلت الوطر؟
    قابلها بوجوم متجاهلا سؤالها، وقال:
    - سآخذ الفتاة معي.

    - هل ستتزوجها؟
    - لا سأتبناها. ستعيش مع ابنتي وزوجتي.
    ضحكت العجوز وقالت:
    - هل جننت
    لم يلتفت إليها وخرج صحبة الفتاة.


    محمد محضار 1986
    رب ايتسامة طفل خير من كنوز الدنيا أجمع

  2. #2
    الصورة الرمزية آمال المصري عضو الإدارة العليا
    أمينة سر الإدارة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : Egypt
    المشاركات : 23,786
    المواضيع : 391
    الردود : 23786
    المعدل اليومي : 4.14

    افتراضي

    نص تناول عدة مشكلات اجتماعية انتصرت فيها القيم النبيلة وعاطفة الأبوة على نزوة أو رغبة جاءت نتاج عقدة ارتبطت معه منذ اليوم الأول للزواج وطفولة ليست كالأسوياء تناولت حالة مرضية ترعرعت معه
    ربما كانت النهاية على غير السائد عند الكثير في مجتمعاتنا الحالية وخصوصا بعد غزو الفضائيات والتقنية الحديثة البيوت والعقول
    لذلك كانت مباغتة جديدة على المتلقي
    نص جميل رغم تحفظي على بعض تصريح ماأثرى النص
    تحيتي الخالصة
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    الصورة الرمزية كاملة بدارنه أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2009
    المشاركات : 9,824
    المواضيع : 195
    الردود : 9824
    المعدل اليومي : 1.85

    افتراضي

    جيّد أنّ الأحداث انتهت بصحوة ضمير !
    قصّة مأساويّة، طرقت الواقع من أبواب عدّة...
    الطّفولة وتأثيرها على حياة الفرد
    النّواميس الاجتماعيّة الصّعبة...
    بعض العادات المرتبطة بالزّواج
    استغلال الأطفال من قبل سفّاحين، والاتّجار بهم
    سرد مشوّق ونهاية مفاجئة قلبت التّوقّعات!
    تقديري وتحيّتي
    (خضّبت - أعطهم - عذراوات - بصحبة)

  4. #4
    الصورة الرمزية ياسر ميمو أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2011
    المشاركات : 1,269
    المواضيع : 90
    الردود : 1269
    المعدل اليومي : 0.27

    افتراضي

    السلام عليكم

    النص يعكس حالة انسانية متأزمة

    أرادت الهروب من واقعها إلى الأمام

    فوجدت نفسها تزداد غرقاُ فآثرت في نهاية القصة

    العودة رغم وقوف بطل القصة على ذروة الجريمة الأخلاقية والانسانية

    بحق من هي بحكم عمرها تملك قلب عذراء وجسد عذراء

    أستاذي الفاضل........ شكراً جزيلاً لك

  5. #5
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.72

    افتراضي

    قصة سامية الفكرة تقف بمشاهدها الدقيقة على أحداث ربما شكلت عوامل رئيسة في صياغة نفوس البشر وخلقت لهم المشاكل النفسية والفكرية والأخلاقية، ومحطات من الآفات الاجتماعية والأخلاقية رفعت يافطاتها دون إطالة بسردية مشوقة وانعطافة فائقة الذكاء تجلت باستخدام وجه ابنة البطل يعيده من حيز الوحش الآدمي لفيء الأبوة والمروءة
    وقفلة موفقة بمباغتتها وقيمتها

    أبدعت أديبنا الكريم

    تحيتي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  6. #6
    الصورة الرمزية محمد محضار قاص
    تاريخ التسجيل : Nov 2011
    الدولة : المغرب
    المشاركات : 217
    المواضيع : 84
    الردود : 217
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة آمال المصري مشاهدة المشاركة
    نص تناول عدة مشكلات اجتماعية انتصرت فيها القيم النبيلة وعاطفة الأبوة على نزوة أو رغبة جاءت نتاج عقدة ارتبطت معه منذ اليوم الأول للزواج وطفولة ليست كالأسوياء تناولت حالة مرضية ترعرعت معه
    ربما كانت النهاية على غير السائد عند الكثير في مجتمعاتنا الحالية وخصوصا بعد غزو الفضائيات والتقنية الحديثة البيوت والعقول
    لذلك كانت مباغتة جديدة على المتلقي
    نص جميل رغم تحفظي على بعض تصريح ماأثرى النص
    تحيتي الخالصة
    أختي آمال شكرا على مرورك الطيب وتعليقك المركز والعميق ، النص قديم يفوح منه عبق الثمانينات من القرن الماضي ، يقارب حالة مرضية لشخص عاش حياته غير قادر على نسيان واقعة ليلة الدخلة ، والنتيجة هي البحث عن الدم بأي وجه كان ، إلا صحوة الضمير وإن جاءت متأخرة عادت لتؤكد أن الإنسان الحقيقي والسوي لا يمكنه السقوط في براثن الخطيئة بسهولة

  7. #7
    أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2011
    الدولة : خارج التغطية
    العمر : 44
    المشاركات : 5,087
    المواضيع : 206
    الردود : 5087
    المعدل اليومي : 1.09

    افتراضي

    أخي الأديب الكريم ( محمد ) رسمت لنا بقلمك الجميل لوحة فينة مختلفة الألوان ، عالجتَ من خلالها الكثير من الأمراض النفسية والاجتماعية ، وهذا هو الأدب الهادف ، بارك الله في سعيك ..
    دمتَ مبدعاً في سماء واحة الخير
    تحيتي وتقديري مع المحبة
    أنــــا لا أعترض إذاً أنا موجود ....!!

  8. #8
    الصورة الرمزية صفاء الزرقان أديبة ناقدة
    تاريخ التسجيل : Mar 2011
    المشاركات : 715
    المواضيع : 31
    الردود : 715
    المعدل اليومي : 0.15

    افتراضي

    ما اكثر ما تعانيه النفوس من امراض

    انه صاحب نفس مريضة لكن الخير فيه تغلب في النهاية على ذلك المرض

    لنتيقن ان الفطرة الصالحة تنتصر غالبا لو فقط اجدنا الاصغاء للصوت الداخلي الذي يدعونا

    للخير , كان لمرضه اصل وسبب و هذا الامر يجعلنا نبحث في النفوس من حولنا لنرى ما الذي دعاها للتتصرف بشكل سئ .

    ما اكثر الفتيات اللواتي يعانين حقيقة ما عانته الفتاة في القصة و لكن الفاجعة انهن غالباً ما يقعن في حبال هذا الشر ليزداد وضعهن سوء .

    الخاتمة مثلت صحوته و رجوعه للحق و بداية حياة جديدة لتلك الفتاة

    قصة جميلة
    تحيتي و تقديري

  9. #9
    الصورة الرمزية محمد محضار قاص
    تاريخ التسجيل : Nov 2011
    الدولة : المغرب
    المشاركات : 217
    المواضيع : 84
    الردود : 217
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي العذراء والدم...........محمد محضار

    العذراء والدم................نص لمحمد محضار
    في احدى الأماسي الصيفية الهادئة، توقفت سيارة فخمة قرب بيت معزول بحواشي المدينة، وترجل منها رجل تجاوز الأربعين من عمره، تبدو عليه علامة الوقار وملامح الأبهة، يرتدي بدلة قمحية اللون، إتجه صوب باب البيت، نقره بضع نقراتـ،، وعندما فتح ظهرت على عتبته عجوز في حدود الستين من عمرها، حيته بحرارة، فرد على تحيتها وقال:
    - كيف حالك يا خالتي زينب؟
    - بخير، تفضل
    دلف الرجل صحبتها إلى داخل البيت، فقادته إلى غرفة الجلوس، حيث استقر به الحال فوق كنبة جلدية، وسألها ضاحكا:
    - كيف حال صبياتك؟
    - إنهن على أحسن حال يا أستاذ ، هل تريد احداهن؟
    - ليس الآن .. لكن خبريني هل وجدت لي فتاة عذراء؟
    ردت العجوز بخبث:
    - إنك رجل محظوظ... فمنذ أسبوعين جاءت لتعمل في أحد البيوت المجاورة صبية في الخامسة عشرة من عمرها وهي عذراء...
    قاطعها متلهفا:
    - إذن وجدتيها
    - وليس أمامي الأن سوى البحث عن الخطة المناسبة لجلبها لك،و هذا أمر بسيط... فهي يتيمة الأبوين، أو قل مقطوعة من شجرة، ولن تمانع في شيء إذا ملأنا بطنها وجيبها.
    - إنك خارقة للعادة
    ألقت عليه العجوز بنظرة ثاقبة وقالت:
    - أظن أن الأمر سيتطلب منك مالا كثيرا
    - لايهم، اطلبي ما تشائين، سأدفع بسخاء
    - قامت العجوز، من مكانها واقتربت منه وهمست:
    - هل أنادي لك على احدى الصبيات .. لتمرح بعض الوقت.
    رفع إليها رأسه وقال:
    - المهم هو العذراء، أريد فتاة عذراء بأي ثمن
    -اطمئن يا أستاذ ، بعد أسبوعين ستكون العذراء بين يديك .
    قام من مكانه ، أصلح ربطة عنقه، ثم أدخل يده في جيب بنطلونه، وأخرج بعض الأوراق النقدية، مدها للعجوز وهو يقول:
    - تفضلي ي خالتي زينب.
    وردت العجوز وعيناها تبرقان:
    - شكرا لك ياسيدي أنت رجل سخي بحق .
    - سأكون أكثرسخاءا، لو قضيت حاجتي.
    انسحب خارجا، ركب السيارة، ثم انطلق بين شوارع المدينة الهادئة، كانت تتصارع في رأسه عشرات الأفكار وتُضيق الخناق حوله. رأى ماضيه يسترسل في التداعي أمام عينيه، اسفلت الطريق المضاء بمصابيح سيارته، كان يبدو أمامه كمرآة تعكس سنوات عمره الملهوفة من الزمان، ذاكرته أخرجت مخزونها، وامتزج الماضي بالحاضر، تفجرت في أعماقة أشجان أعوام دفينة، واشتد رنينها في ذاته، داهمته على حين غرة صورة العذراء، عندما توقف أمام إشارة المرور واصطدمت عيناه باللون الأحمر، تذكر الدم، تراقصت أجزاؤه السفلى ، عاود المسير من جديد أشعل لفافة تبغ ليهدئ نفسه بعض الشيء، ثم غرق في بحر الماضي، لاحت أمامه أجزاء مضببة من طفولته ومراهقته وشبابه، فمضى يربط بينهما.
    كان ابن شيخ القبيلة ووجيهها الحاج عمر، كان واحدا من بين عشرة إخوة وكانت أمه واحدة من بين أربع نساء، كان منطويا على نفسه، قليل اللعب مع أبناء الدوار، شديد الخجل والخوف، ، وأبوه لم يكن ينتبه إليه إلا لماما، تعلم في مدرسة القرية، وأكمل دراسته بالمدينة، لكن المدينة لم تغير شيئا في طباعه فقد ظل مفرطا في التقوقع والانغلاق، وكانت علاقته بالمرأة لا تكاد تتعدى أحاديثه القليلة مع أمه، وأخواته، ولاشيء غير هذا، بنات المدينة كن بالنسبة له غولا مخيفا لا يقدر على مجابهته. لما أتم دراسته اشتغل في المدينة، الشغل لم يدخل هو الآخر أدنى تغيير على سلوكه. بعد موت والده آلت له ثروة لم يكن يحلم بمثلها، وجد نفسه يدخل دنيا المال وانتبه إلى نفسه، دارت بدماغه فكرة الزواج لكن كيف؟ وهو لا يعرف ما يقدم أو ما يؤخر مع المرأة، لجأ في الأخير إلى أمه التي تدبرت الأمر، وخطبت له ابنة أحد أثرياء القرية، وفي ليلة "الدخلة" أو ليلة العمر كما يحب أن يسميها البعض وجد نفسه صحبة عروسه في غرفة واحدة، وتهادى إلى أسماعه ضجيج وصخب الأهل والأحباب وهم يرقصون، ويغنون، منتظرين قطعة الثوب المخضبة بالدم، اجتاز مرحلة الخجل، بعد حمام بارد من العرق، وأقبل على عروسه .. لكن أين الدم؟؟ الثوب أبيض لاتكاد تظهر عليه نقطة واحدة حمراء، دارت به الدنيا، تلكأت الكلمات في فمه وانساب صوت عروسه تخنقه الدموع المسترسلة على وجنتيها:
    - استرني يا سيدي لو عرف أبي سيقتلني
    ورد هو:
    أين الدم أنت لست عذراء؟
    - لقد نال من شرفي ابن عمي الذي يدرس في فرنسا، لا تفضحني وأقسم أني سأخلص لك مدى العمر. ورق قلبه لدموعها وقال:
    - إذا تنازلت أنا عن حقي ، فماذا نفعل مع الآخرين إنهم يريدون الدم.
    - المسألة بسيطة
    قالت هذا ثم أخرجت شفرة وجرحت ساعدها، خبضت الثوب بالدم ومدته له قائلة:
    - أعطيهم الدم
    هكذا تزوج ورضي بامرأة ثيب، لكنها صدقته القول وأخلصت له بل"أسعدته، فانطلق في مشوار نجاح متواتر، وتفتح على الحياة وأصبح له أصدقاء وأصحاب سلخوا عنه ثوب الانطواء وجروه إلى دنيا اللذة والشهوة الحمراء. وتقدم به العمر، لكنه ظل وفيا لحياته التي بدأها بعد الزواج.
    وعرّفه أحد زملائه على العجوز المدعوة زينب التي تدير وكراً للتجارة في أعراض صبايا قاصرات وانبأه أنها تجلب لزبنائها من حين إلى آخر حسب الطلب فتيات عذروات، فأصاب النبأ في نفسه الموقع الحسن، وأسر للعجوز برغبته في صبية عذراء، فوعدته أن تلبي مطلبه.
    وهاهي ذي تعده اليوم بإمكانية تحقق غرضه بعد أسبوعين، فليستعد ليعيش ليلة العمر.
    في الليلة الموعودة تأنق في هندامه وصبغ بعض الشعيرات البيضاء التي كانت تجلل فوديه، ثم ذهب إلى العجوز التي استقبلته ببشاشة وقادته من جديد إلى غرفة الجلوس، وسألها بلهفة.
    - هل العذراء موجودة؟
    - بالطبع وقد هيأتها لك، لتبدو كعروسة في ليلة دخلتها.
    - حسنا فعلت يا امرأة.

    قال هذا ثم أدخل يده في جيب جاكيتته البنية، وأخرج رزمة من الأوراق النقدية رمى بها للعجوز وقال:
    - تفضلي يا خالتي زينب
    - شكرا ياسيدي
    قدم لها ايضا علبة صغيرة كان يمسكها بين يديه وتمتم:
    - هذه الهدية للفتاة.. قدميها لها.
    - سأذهب إليها كي تستعد...
    - انسحبت العجوز، والتحقت بالصبية التي كانت تنتظر بداية المجزرة باحدى غرف النوم ، قدمت لها العلبة وقالت:
    - خذي هذه الهدية
    فضت الفتاة غلاف العلبة، كانت سلسلة ذهبية جميلة،
    - ضعيها حول عنقك... وخذي هذا المال ثم استعدي
    قالت هذا ومدت لها جزءا من الأوراق التي تسلمتها منه، ثم خرجت قاصدة قاعة الجلوس.
    كان ما يزال ينتظر، طرق أذنية صوت العجوز وهي تقول:
    - هيا يا سيدي الفتاة في انتظارك قام من مكانه، تبعها، توقفت، وأشارت إلى الباب، ثم قالت:

    -يمكنك أن تفتح الباب وتدخل
    وضع يده على المزلاج، ضغط عليه، دفع الباب ودخل، وجد نفسه أمام صبية في ربيعها الخامس عشر، ذات شعرأرجواني يتهدل على كتفيها العاريتين، وعينين عسليتين تفيض البراءة من بؤبؤيهما، وجسد طفولي ينضج بالطهر. اقترب منها لمس جيدها براحته وقال:"ما اسمك يا بنية"، وردت الصبية:" اسمي سلمى"، صمت لحظة وقال: " هل أفهمتك السيدة زينب كل شيء"،
    - أفهمتني وأنا موافقة.
    جلس على السرير، طلب منها أن تخلع ثيابها،.. فعلت، لاح له جسدها البلوري، تسلل وحش الشهوة إلى دواخله، اقترب منها، من جديد، لمس صدرها بيده. تراجع فجأة الى الخلف كمن لسعته
    عقرب، أمسك رأسه بين راحتيه، وصرخ : "لا، هذا غير ممكن لا لا.."
    نظرت إليه الفتاة بخضوع وقالت: - ماذا حدث يا سيدي؟؟
    أعاد اللمس مرة أخرى، تكررت، نفس الحالة، ما حدث يا ترى؟؟
    اختلطت الامور أمام عينيه، من أمامه الآن، هل سلمى، أم ابنته سناء؟ إنه لا يكاد يلمس جسد سلمى حتى يرى ملامح ابنته سناء قد تمثلت فيها. ارتمى على السرير كالكلب المسعور، اضطرب، رفع رأسه الى الفتاة وقال:
    البسي يا بنيتي ثيابك، مكانك ليس هنا، ستجدين أختا لك في بيتي، خرج إلى العجوز سألته:
    - هل نلت الوطر؟
    قابلها بوجوم متجاهلا سؤالها، وقال:
    - سآخذ الفتاة معي.

    - هل ستتزوجها؟
    - لا سأتبناها. ستعيش مع ابنتي وزوجتي.
    ضحكت العجوز وقالت:
    - هل جننت
    لم يلتفت إليها وخرج صحبة الفتاة.


    محمد محضار 1986نشر هذا النص بجريدة العلم المغربية بنفس التاريخ



  10. #10
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2012
    المشاركات : 4,790
    المواضيع : 82
    الردود : 4790
    المعدل اليومي : 1.10

    افتراضي

    سبحان الله ..! كانت نهاية مفاجئة وجميلة
    - استرني يا سيدي لو عرف أبي سيقتلني
    ورد هو:
    أين الدم أنت لست عذراء؟
    - لقد نال من شرفي ابن عمي الذي يدرس في فرنسا، لا تفضحني وأقسم أني سأخلص لك مدى
    حقيقة زوجته جعلتني أتسائل في نفسي , فإن كانت تعرضت لاغتصاب من ابن عمها وهي قاومت فقد وقع شيئا بغير إرادتها فهذه في نظري لاتُعدُّ فضيحة إن كشف الأمر لاقدر الله بل من يفضح ويعاقب هو المغتصب
    إلا إن قاومت قليلا ثمسلمت له نفسها راضية فهذا أمر آخر , ومع ذلك كانت وفية لزوجها , وقصتك كشفت لنا شخصية هذا الرجل رغم انغلاقه وقلة اختلاطه إلا أنه يبدو رجلا حليما وطيبا وكتوما فلو كان غيره لبقي يعيرها مدى حياتها أو يقسو عليها أو تثار شكوكه بن فينة وأخرى لاتهامها ..
    هو رجلٌ محترم وصاحبُ قرارِ إن حزم أمره , وربما غره ماله واصحابه في الغرق في الشهوات , لكن عند تذكره لابنته سناء كلما اقترب من هذه الفتاة اليافعة جعله يستيقظ من رغبته وربما عاد لامرأته ولم يقكر بهذا الأمر مرة أخرى ..

    قصة جميلة وتثير تساؤلاتنا من نواحي عدة , شكرا لك أخي المبدع محمد

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. ياابن طهر العذراء
    بواسطة محمد حيدر في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 19-11-2013, 07:08 AM
  2. العذراء..
    بواسطة نهاد صلاح معاطي في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 22-06-2013, 05:47 PM
  3. قصيدة: " أنا العذراء " شعر خليل انشاصي .
    بواسطة خليل انشاصي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 25
    آخر مشاركة: 29-04-2009, 07:17 PM
  4. أجيال علاجية جديدة للتحكم في سرطانات خلايا المناعة والدم
    بواسطة د. داليا فؤاد في المنتدى عُلُومٌ وَتِّقْنِيَةٌ
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 03-11-2007, 02:48 PM
  5. ياابن طهر العذراء
    بواسطة محمد حيدر في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 09-01-2004, 02:52 PM