فِقْهُ شيخ الإسلام ابنِ تيمية
فِقْهُ شيخ الإسلام ابنِ تيمية !!!
جمع وترتيب / ربيع السّملالي
قال العلاّمةُ ابنُ القيّم – رحمه الله -: سمِعتُ شيخَ الإسلام بنَ تيميّة قدّس الله روحهُ ونوّر ضريحه يقولُ : مررتُ أنا وبعضُ أصحابي في زمن التّتار بقوم منهم يشربون الخمرَ فأنكرَ عليهم من كان معي ، فأنكرتُ عليه ، وقلتُ له : إنّما حرّم الله الخمرَ لأنّها تصدّ عن ذِكرِ الله وعن الصّلاة ، وهؤلاء يصدّهم الخمرُ عن قتل النّفوسِ وسبي الذّرية وأخذ الأموال فدَعهم .
يقول ابن القيم – رحمه الله -: قال لي شيخ الإسلام – رضي الله عنه – وقد جعلت أورد عليه إيراداً بعد إيراد : لا تجعل قلبَك للإيرادات والشُّبهات مثل السفنجة، فيتشرّبها؛ فلا ينضح إلا بها ولكن اجعله كالزُّجاجة المصمتة، تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها؛ فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أَشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقراً للشبهات، أو كما قال .
قال ابنُ القيّم تعليقا على هذه النّصيحة : فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك .
قال ابنُ القيّم رحمه الله : قال لي شيخُ الإسلام - قدّس الله روحه - : إذا هاشَ عليك كلبُ الغنم ، فلا تَشْتغل بمحاربته ومدافعته ، وعليك بالرّاعي ، فاستغث به ، فهو يصرف عنك الكلب .
قال ابنُ القيّم تعليقا على هذا الجواب اللّطيف : فإذا استعاذ بالله من الشيطان بَعُد منه، فأفضى القلبُ إلى معاني القرآن، ووقع في رياضه المونقة، وشاهد عجائبه التي تبهر العقول، واستخرج من كنوزه وذخائره ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، وكان الحائل بينه وبين ذلك النفس والشيطان، والنفس منقعة للشيطان سامعة منه، فإذا بَعُد عنها وطُرِد؛ لَمّّ بها الملَك وثبّتها وذكّرها بما فيه سعادتها ونجاتها .
يقولُ شيخُ الإسلام : ابتدأني مرضٌ ، فقالَ لي الطّبيبُ : إنّ مُطالعتك وكلامك في العلم يزيدُ المرضَ . فقلتُ لهُ : لا أصبرُ على ذلك ، وأنا أحاكمكَ إلى علمك ، أليست النّفسُ إذا فرحت وسُرّت قَوِيّت الطّبيعةُ فدفعت المرضَ ؟ فقالَ : بلى . فقلتُ لهُ : فإنّ النّفسَ تُسرّ بالعلم ، فتقوى به الطّبيعةُ ، فأجدُ الرّاحة ...فقال : هذا خارج عن عِلاجنا .
قال ابنُ القيّم : قال لي شيخُ الإسلام : إنّ في الدّنيا جنّة من لم يدخُلها ، فلن يدخل جنّة الآخرة ..قلتُ : وما هي ؟ قال : إنّها جنّة الإيمان .
وقال : وقال شيخ الإسلام : ما يصنعُ أعدائي بي ؟ أنا جنّتي وبستاني في صدري ، إنْ رُحتُ فهي معي لا تفارِقُني ، إنّ حبسي خُلوة ، وقتلي شهادة ، وإخراجي من بلدي سياحة .
قال ابنُ القيّم : وكان شيخُ الإسلام يقولُ في محبَسِه في القلعة : لو بَذَلتُ ملءَ هذه القلعة ذهباً ، ما عدَلَ عندي شكر هذه النّعمة ، أو قال : ما جزيتهم على ما تسبّبُوا لي فيه من الخير .
وقال مرّةً المحبوس من حُبِسَ قلبُه عن ربّه – تعالى - ، والمأسورُ من أسَرَهُ هواه .
ولمّا دخل القلعة وصار داخل سورِها نظرَ إليه وقال : { فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ له بابٌ باطِنُه فيهِ الرّحمة وظاهرُه من قِبَلِه العذابُ } [ الحديد : 13 ]
وقال ابنُ القيّم عن شيخ الإسلام : وعلِمَ الله ما رأيتُ أحداً أطيبَ عيشاً منهُ قطّ ، مع ما كان فيه من ضيق العيش ، وخلاف الرّفاهية ، بل ضدّها ، ومع ما كان فيه من الحبسِ والتّهديد والإرهاق ، وهوَ مع ذلكَ من أطيب النّاس عيْشاً ، وأشرَحِهم صدراً ، وأقواهم قلباً ، وأسرّهم نفساً ، تلوحُ نضرة النّعيم في وجهه .
وكنّا إذا اشتدّ بنا الخوفُ ، وساءت بنا الظّنونُ ، وضاقت بنا الأرض ، أتيناه ، فما هوَ إلا أن نراه ونسمع كلامه ، فيذهب ذلك كلّه ، وينقلِبُ انشراحاً ، وقوّة ، ويقينا ، وطمأنينَة .
فسُبحَانَ من أشهدَ عبادَهُ جنّته قبلَ لِقائِه ، وفتح لهم أبوابَها في دار العمل ، فأتاهم من روحِها ونسيمِها وطيبها ما استفرغَ قواهم لطلبها والمسابقة إليها . .
قال ربيع السّملالي : لله درّه ما أفقهه وإنه لشيخ الإسلام بحق فجزاه الله عنّا وعن الإسلام خيرا ، وصدقَ العلاّمةُ ابنُ عُثَيمين حينَ قال : " إنّ ابنَ تيمية نعمةٌ من نعم الله على هذه الأمّة ". أو كلام هذا معناه ، فاحرص أيها الطّالبُ المسترشد على اقتناء كُتبِه وكتب تلميذه ابن القيّم لعلك تُفلحُ والله وليّ التّوفيق والفلاح .
واختيارُ المرء قطعةٌ من عقله تدلّ على تخلّفه أو فضله
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ربيع بن المدني السملالي
