[ كوريشيه
دائما يا حبيبتي تبرقين وتلمعين في هذا الوقت .. الذي يشبه لون بشرتك الخمرية .. وشعرك الذهبي يشبه قرص الشمس الآن وهو يسكن في أحضان الغروب .. وتلك الظلال من حولك تحتنضك كأنك ابنة الطبيعة الغضة النضرة .. وخيوط الصوف بين يديك مفتولة .. والإبرة الخطافية التي تشبه سن الصنارة .. اسمحي لي ولأول مرة أن أصورك بـ ( الموبايل ) وأنت تعملين .. ما أصعب ما تصنعين .. تصميم مصفوف كمسدسات خلية نحل حيث ما تصنع العاملات .. ومع تعدد الغرز وكثرتها إلا أنها متوافقة متناسقة ومترابطة بدقة وإحكام .. يدك تتحرك بانسيابية متناهية السرعة والدقة وتعلم ما تفعل .. أكاد أجزم أنك تستطيعين عمل ذلك وأنت مغمضة العينين .. تبدو هذه
( الكوفية ) قد اكتملت .. هذه هي ( الكوفية ) الرابعة ، وهي لي .. أليس كذلك ؟ .. لقد نسجت ثلاثة من قبل ، وهذا اللون فعلا يروق لي فهو اللون الأزرق الفاتح الذي أحبه ، و( عليّ ) يحب اللون ( اللبني ) ، وعلاء ( السّماوي ) ، وأما ( عليّان ) فهو دائما يحب اللون ( الأبيض ) .. دائما يرتدونها في أيام البرد ، ويعتزون جدا بما صنعت لهم .. ولكنني لاحظت اختلاف هذه الغرزة عن باقي الغرز الثلاث . إنها جديدة ومميزة كما أن كل ( كوفيه ) لها غرزتها المميزة .. إنها تروق لي كثيرا .. أعلم أنك اعتدت العمل في صمت ودائما لا يشعر بك أحد ، ولذلك فأنت تهزين رأسك : أي نعم ، والضوء يعبث بنظارتك كلما رفعت رأسك أو خفضتيها ، والضوء المتحرك يوترني إلا أنني أحببت كثيرا النظر لوجهك الطفولي ، وعينيك الزرقاوين كالموج الهادئ في فجر صيف لطيف النسمات .. ألاحظك الآن وأنت تقطعين الخيط بيدك دون استخدام ( المقص ) لضعفه منفردا ، ولكن لا أظنك تستطيعين قطعه وهو في النسيج لقوته بين العقد والغرز والخيوط المفتولة الأخرى .
الباب يطرق .. يدخل ( عليان ) : ـ إيه يا ( علوي ) أما زلت تجلس وحدك هنا يا أخي ... منذ الوفاة وأنت تنعزل بالساعات يوميا وتشاهد الـ ( دي في دي ) .. تعال يا أخي وهوِّن على نفسك .. تعال اجلس معنا بالخارج ، فنحن نجلس في حديقة المنزل .. حيث كانت تحب أن تجلس ، وحيث كانت تحب أن ترانا سويا ملتفين حولها .. لقد كان ذلك أسعد ما يسعدها .
قام ( علوي ) وعانق ( عليان ) ، ومازالا في عناق حتى هدأ ( علوي ) نفسا ، ثم أخذ أحدهما يد الآخر وسارا سويا خارج الغرفة .
بقلم / محمد محمود شعبان ( حمادة )
مصر ـ الزقازيق ـ محافظة الشرقية [/frame][/FONT][/FONT][/SIZE][/COLOR][/SIZE]