|
بايَعتُ عيدَكِ، واستثنيتُ أعيادي |
مُستشرِفاً غدَ أبنائي وأحفادي |
وكانَ نذري دمي قُربانةً سَنَحَتْ |
على مذابحِ آبائي وأجدادي |
وقُلتُ لاسمك (كُن رؤيا) فصارَ رؤىً |
لطارفِ المجدِ موصولاً بأتلادِ |
وأنتِ ما أنتِ عبّاسيّةٌ ملكتْ |
شمسَ الشموسِ بتاجِ اللهِ والضّادِ |
ووزّعتْ نورَها في كلِّ غاشيةٍ |
من الظَّلامِ بمشكاةِ الدمِ الهادي |
وشعَّ قرطاسُها روحاً ومعرفةً |
على العوالمِ من خافٍ الى بادِ |
هُنا المنابرُ من عُربٍ ومن عَجَمٍ |
هُنا المنائرُ هَدْيُ الرائحِ الغادي |
أصابعُ الناس أقلامٌ وأَحرُفُهم |
بَوْحُ اللغاتِ بحُلم الصابيءِ الصّادي |
من المشارقِ أسفارٌ مذهَّبةٌ |
إلى المغاربِ مرصاداً لمرصادِ |
ودجلةٌ عَسَلٌ تغري لذائذُهُ |
سمنَ الفراتِ بنحلٍ بين أَورادِ |
وللنخيل عيونُ التَّمرِ شاخصةً |
لسومرٍ بابلٍ آشورَ أَكّادِ |
ليعرب جامحٍ شدَّت نوازعَهُ |
بوّابةُ الشرقِ أمداءً لآمادِ |
فللخيولِ صهيلٌ عبر أورمية |
وللسيوفِ صليلٌ خلفَ أَروادِ |
( والأطلسيُّ يُعيدُ الوصفَ للهادي) |
مصاحفٌ ورماحٌ للمدى نشرتْ |
وشرَّعتْ علماً واستنهضتْ أُمماً |
وأشهرتْ قلماً في وجهِ جلاّدِ |
وللقصائد كوفيٌّ يتيهُ بها |
وكم تتيهُ إذا قالوا: من الشادي؟ |
وشهرزادُ صلاةُ الليل حكمتُها |
لخدِّها طالما حنَّتْ مخدَّتُها |
(وشهريارُ لإبراقٍ وإرعادِ) |
وأنتِ كاهنةَ الإلهامِ شاهدةٌ |
كنوزُ كفَّيكِ أمجادٌ مخلَّدةٌ |
زكاتُها رَدْفُ أمجادٍ بأمجادِ |
أعلى الرشيدُ صروحَ العلمِ وانكفأَتْ |
على المبعثَرِ من علمٍ وإِرشادِ |
وملءَ نهريكِ حبرُ الروحِ سالَ دماً |
وسالَ حبراً دمي في بحر أحفادِ |
وكنتِ ما كُنتِ من حُرٍّ لطاغيةٍ |
عبرَ العصورِ وعُبداناً لأسيادِ |
تداولتْك صروفُ الدهر عاصفةً |
ورنَّحتْكِ كفوفُ الشرِّ خاطفةً |
(وطوَّحتُكِ من الجزّارِ للفادي) |
ومن أَساورِ عزٍّ غرَّدتْ ذَهَباً |
(إلى مذلَّةِ أغلالٍ وأصفادِ) |
وللمغولِ زحوفٌ لا لجامَ لها |
وللعلوجِ من الأجلافِ زعنفةٌ |
تبدَّلُ الحالَ إفساداً بإفسادِ |
وأنت عاريةٌ في السِّجنِ داميةٌ |
وأنتِ كابيةٌ في القيد باكيةٌ |
(والقهقهاتُ لأوباشٍ وأوغاد)ِ |
ما أَنجدتْ يَمَناً قيسٌ ولا ذرفتْ |
والأَهلُ أَهلك لم تنبِسْ لهم شفةٌ |
بغيرِ صمتٍ لدى أجراس حُسّادِ |
لِمَ ازدهرِت وبيدُ الشرقِ قاحلةٌ |
وكيفَ صار حريراً ثوبُ لُبّادِ؟ |
وما نهوضُكِ والأجفانُ مغمِضَةٌ |
على الرمال، وماذا صوتُكِ الحادي؟ |
وما طموحُكِ والآمالُ خائبةٌ |
وما صعودُكِ والأعرابُ في الوادي؟ |
يا حرَّةً لوَّثَ الطاغوتُ زَهْوَتَها |
ومُهرةً دنَّسَ الكابوي صَهْوَتَها |
(ما العيشُ في موتِ فُرسانٍ ورُدّادِ؟) |
لكِ الأجانبُ أسياداً متى رغبوا |
تفرَّقوا شِيَعاً وافرنقَعوا زُمَراً |
وأسْرَفوا عبثاً في شِحِّ إرفادِ |
ولا تُجَمِّعُهُم في الويل جامعة |
نادي عليهم إذن يا أُختَهُم نادي! |
وصاحبُ الجاه في مستنقَعٍ نَتِنٍ |
يتيهُ بالجاهِ فيما يسخَرُ النادي |
عليهِ من حُلَلِ الأشباهِ ضافيةٌ |
ودأبُهُ الرقصُ مشدوداً بأوتادِ |
وحين يخطبُ فالأقوالُ في وادِ |
وحين يفعلُ فالأفعالُ في وادِ |
حصانُ طُروادةٍ صالونُ منزلِهِ |
وكعبُ آخيلَ في جيشٍ وقُّوّادِ |
وصاحبُ الجاه رَخْوٌ حين تَصفَعُهُ |
كفُّ الغريبِ وفينا كابنِ شدَّادِ! |
وأيُّ جاهٍ نجا من جاه عِصْمَتِهِ |
وحولَهُ حَشْدُ أزلامٍ وأكْدادِ |
جزَّ الرقابَ فلم يُشبعْ هوايتَهُ |
جزُّ النواصي وتعليقٌ بأعوادِ |
واستصغَرَ الخلقَ معتدّاً بسطوتِهِ: |
لم يخلقِ اللهُ أمثالي وأندادي! |
بغدادُ بغدادُ حُبِّي قاتلي فمتى |
يُتيحُ حُبُّكِ تَكْفيني وإلحادي؟ |
في الكاظميَّةِ لي شمسٌ أُغازلُها |
وفي الرَّصافةِ شُبّاكٌ لإنشادي |
وشاغِلي رَصْدُ أَنقاضي مُبعثَرَةً |
في راحلينَ عن الدنيا وأَوفادِ |
غرستُ في تربة الأحزانِ لي أملاً |
وما سوى الحزن إصداري وإيرادي |
يُقتَّرُ الدَّهرُ في حظِّي وفي هِبَتي |
وحظُهُ من هِباتي جودُ أَجوادِ |
وللفراتِ أَبٌ قبلي قَضى وَجَعاً |
في مَنْفَيينِ بلا صَخْبٍ وَعُوّادِ |
بريدُ غُربتِهِ في غُربتيهِ بكى |
رسائلَ البينِ من بُعدٍ لأبعادِ |
بَدَّلتِهِ جسداً صَلصالَ طاغيةٍ |
ومن يُبدِّلُ أرواحاً بأجسادِ؟ |
وأنت من سَلَف أودى به خَلَفٌ |
وكم شقيتِ وكم حاولتِ إسعادي |
وأنتِ لي أنتِ لي آتيكِ مُبتهلاً |
دربي تُرابٌ فلم أَطمعْ بسجّادِ |
وأنتِ زادي على بُخل الحياةِ وفي |
عَسْفِ المجاعةِ يا بوركتِ من زاد |
وخُبزُ روحِيَ في كفَّيكِ مُختمِرٌ |
وماءُ عينيَّ من بستانِك النادي |
وأنتِ ملهمتي من قبل مُلهمتي |
لتَمْرِ عينيك تَرْتيلي وتَرْدادي |
ومن شناشيلكِ اصطادَ الشَّجا كَلِماً |
صاحتْ لآلئُهُ: بوركتَ صَيَّادي! |
وصِحتُ من وجعٍ في القُدسِ يُشعِلُهُ |
أنّي استغثتُ فغضَّ السَّمع نُجَّادي |
وجُرحُك الحيُّ من جُرحي ومُعتَصمي |
لا يستجيبُ وغضَّ الطَّرفَ أشهادي |
وكم عَدَدْتُ ملاييناً لها نَسَبي |
فلَم تُقِلْني حساباتي وأعدادي |
وَكَمْ أَرِقْتُ على نومٍ يُحاصرني |
خلفَ الحصارِ وكَمْ أَرَّقتُ جَلاّدي |
ويعلمُ اللهُ لم أُغمضْ على مَضَضٍ |
عينَ الكفاحِ ولا أَخلفتُ ميعادي |
قَصَدْتُ وجهكِ مسكوناً بمحنتِهِ |
وخابَ قصدي وما خيَّبتُ قُصّادي |
منّي التقرُّبُ للمحبوبِ محتسباً |
شرورَ صدّي وإفرادي وإبعادي |
ويذبُلُ الحبُّ مأسوراً ونُضرتُهُ |
طَلْقاً تدومُ إلى آبادِ آبادِ |
وأينَ قلبُكِ من كفٍّ تُهدهدُهُ |
ودونَهُ مِبضعٌ في كفِّ فَصّادِ |
تقودُهُ طغمةٌ للباطشين بِهِ |
وكان قلبكِ حرّاً غير مُنقادِ |
شبعتِ أَسراً وإذلالاً وتضحيةً |
ولافتدائكِ قلبي غارثٌ صادِ |
ومن نعيم الهدى علماً وعافيةً |
إلى جحيم الرَّدى في قبضةِ العادي |
بغدادُ بغدادُ ناري ألفُ لاهبةٍ |
وبين جنبيَّ قلبٌ أَلفُ وَجَّادِ |
أَأَستعيدُ بما أسلفتِ خارطتي |
وهل أُجدِّدُ باسم اللهِ ميلادي؟ |
وأنتِ ما أنتِ عَبَّاسِيَّةٌ سُبِيَتْ |
بغدادُ أنتِ ولكن أين بغدادي؟! |
( وأنتِ بغدادُ..لكن أينَ بغدادي؟ ) |
|