السلام عليكم ورحمة الله، أرجو من إدارتنا الموقرة تعديل العنوان بعنوان المحتوي..فللأسف يتكرر معي هذا العطل التقني دوما

بقلم/ سامح عسكر

انكماش الرأي حسب تغير الدافع.."قراءة في جدلية الإخوان والولايات المتحدة"

اتسمت العلاقة بين الإخوان والولايات المتحدة الأمريكية بالغموض في أذهان كل من بني رأيه علي معطيات "عقلية" تفيد المصلحة العامة واحترام الإخوان للشعب الأمريكي في ظل الخصومة السياسية معها بشأن بعض القضايا وفي مقدمتها القضية الفلسطينية...تلك القضية التي التزم الإخوان بالدفاع عنها والإيمان بأنهم هم مُكوّن رئيسي في أبعاديات الصراع "المناطقي" علي مستوي الشعوب بشأن تلك القضية..أيضا لا نغفل قضايا خِلافية أخري كالرأسمالية والعولمة والإمبريالية وغيرها ، أما علي جانب الإتفاق فأري قيما متعارفا عليها كالحرية والديمقراطية والمساواه وما إلي ذلك من مسميات تتآلف في معظمها عليها الشعوب وليست حصرا علي الطرفين..

الإخوان ككيان شعبي ودعوي وسياسي يختلف عن الولايات المتحدة والتي تمثل أبهي صور الحضارة في العصر الحديث..فرغم النقائص إلا أن الولايات المتحدة أثبتت قوتها وعملت علي توظيفها لصالح أيدلوجياتها في شتي بقاع العالم، وأسست بالتعاون مع أوروبا أعظم نهضة حداثية عرفتها البشرية في مجال العلوم التجريبية والطبيعية..بينما بدأ الإخوان مشروعهم بمنهجية معتمدين علي قوتهم الأيدلوجية التي تضع الربانية والطاعة كمعيار للتفاضل وذلك علي مستوي الكوادر.. والربانية والطاعة والأهلية علي مستوي القيادات..هذا خلق لدي الإخوان كوادرا سياسية عاقلة-نوعا ما- ولكنه ليس كافيا –لقلتها-في ظل تبدّل الأوضاع في زمن ما بعد الثورات..بيد أن دور الفرد-في معظمه- تبدل إلي دور الجماعة -حسب نظرية الدوائر الإصلاحية في العقل الجمعي الإخواني..

من هذا المُدخل سأقف علي جماعة إخوانية مترابطة تحتاج لتأصيل وبيان جدلية علاقتها مع أكبر قوة اقتصادية وعسكرية وسياسية في العالم..أولي القضايا التي أود الإستقراء بها هي محور الخلاف-كما أشرنا- وهي القضية الفسلطينية..تلك القضية الرئيسية لدي الإخوان المسلمين التي عملوا علي توظيف صراعها العربي الصهيوني في عملية الحشد للأهداف الإخوانية "كالإصلاح وأسلمة المجتمع"..هذه القضية لها أبعاد عِدة منها الديني ومنها السياسي ولكن مع اعترافي بحضور البُعد الديني لدي الإخوان والصهيونية إلا أن تعاظم الدافع الديني –كمفهوم-له قالب سلوكي مما يُعزز البعد السياسي والذي يضع الجانب السلوكي كمحور فاعل فيه..وهو ما يُحتم علينا البيان السياسي دون الخوض في الديني لتشعّب مفاهيمه وانحراف بوصلته-أحيانا..

لتبيان العلاقة بين طرفين ينبغي تعيين مفاهيمهما ابتداءا..وما سأقف عليه هو الهوية الإخوانية كطرف جديد في معادلة صراع سياسي مناطقي له أصول عالمية..أري أن الهوية السياسية مفهوم ولكنه ليس مفهوما ثابتا بل متغيرا..يحدث ذلك بفِعل عدة عوامل أهمها الثقافة والدوافع والرغبات والعاطفة ومع تطابقها مع متغيراتها الخارجية الخاصة بالأحداث ستتضح لنا رؤية تكاد تكون أقرب إلي البراجماتية في تعيين الأشياء..هذا يعني أن الهوية الآن –أيا كانت- قد تكون حلقة في توافق حضاري ولكنها لن تصنع الحضارة إلا بالإستقلال..مثال علي ذلك هوية حزب العدالة والتنمية التركي والتي يبدو أن عقلها الجمعي مزيج بين مفهوم التيار الإسلامي للمدنية وبين مفهوم العلمانية "الرخوة" في تأصيل هوية الإنسان..إضافة إلي كونه جزء اقتصادي من نظام عالمي خاضع لسياسات البنك الدولي وتأثيره..

من فكرة الإستقلال أستشف رؤية نقدية فلو لم يستقل كُلّا منهما عن الآخر فسيذوب أحد الطرفين في الآخر..هذا في حال فقدان –أو تعثر- الهوية..ولأن معيار السيطرة دوما ما يكون عماده القوة فلا أمل في سيطرة الإخوان علي الولايات المتحدة إلا بالإستقلال التام عنها ليس فقط سياسيا ولكن أيضا إقتصاديا..وهذا يتطلب ثباتا للهوية عبر ثبات المبدأ وفي هذه أري قصورا شديدا لدي الإخوان تمثل لديّ في ازدواجية سياسية وتناقض أخلاقي في التعامل مع قضايا الثورات العربية"قضية الرأي العام"..ففي الوقت الذي أري فيه الإخوان ينتفضون للثورة من أجل سوريا وليبيا أراهم صامتون عمّا يحدث في البحرين وشرق المملكة العربية السعودية..ومع أن ماهوية تلك الأنظمة العربية واحدة ..ماهوية دكتاتورية تسلطية.. إلا أن السلوك الإخواني لم يراعي حق هذه الشعوب الخليجية في الديمقراطية والعدالة السياسية..فطالب بها في بلد وتغاضي عنها في أخري..هناك مرجعيات ومبررات تُطرح دوما إما الإنشغال بالطائفية أو التذرع بالأمن الوطني..ولكن أيضا في هذه لا حجة..فالأمن الوطني في ليبيا وسوريا مسروق والبلدين عمليا هما في عداد الحرب الاهلية..وكما تأتينا المبشرات من ليبيا بنوعية إنسان ليبيا الجديد..هذا الإنسان الذي يهدم الأضرحة ويهدم قبور البريطانيين ويكسر صليب المقابر ويهدم تمثال عبدالناصر تتضح لنا ماهية إسلامية غير التي روّج لها الإخوان في مشروعهم النهضوي الشامل..

هذه الأطروحة مهمة لبيان ضرورة ثبات الهوية للاستقلال..فالعلاقة بين الإخوان والولايات المتحدة ستظل في نطاقها الصراعي ما دام الإحتلال الصهيوني جاثما علي صدور الفلسطينيين..ولكن من يضمن لنا بقاء الحركة في ظل اندثار الدافع؟؟!..هذا ما وددت مناقشته عبر هذا العنوان والذي أراه جديدا نوعا ما..إنكماش الرأي حسب تغير الدافع..هكذا أنظر للقضية بعمومها العقلي والشرعي والأيدلوجي وخصوصها الإستراتيجي والسياسي..وبينهما علاقة العموم والخصوص..أتخيله بطرفين إخواني وأمريكي وبينهما محاور إسناد -علي طريقة إينشتاين- أول محور سيكون في قلب الولايات المتحدة حيث مجلس الأمن والأمم المتحدة..والثاني في قلب الماهوية العربية والإسلامية حيث الدين والمرجعية والمنهجية والثالث في المكان"فلسطين" حيث المبدأ والتضحية وقيم الكفاح..من المالك المسيطر علي كل هذه المحاور..الولايات المتحدة هي المسيطرة عمليا..ففي المحور الثاني والثالث نجد إعلاما ومالا واقتصادا أمريكيا نافذا حتي في أروقة صنع القرار السياسي..فما الذي جدّ علي الطرف الإخواني كي يملك محاور إسناده -التي يمتكلها أبا عن جدّ..لم يتغير سوي هذا الإندفاع الجماهيري والذي أطاح ببعض الانظمة السياسية..ولكن هل هوية النظام السياسي في ظل نفوذ المال والإعلام الامريكي ستبقي ثابتة أم ستتغير بفِعل الإندفاع؟؟!

القاعدة هنا ستختلف..فالرأي محكوم بدوافعه وإدراكه ووجدانه ومنه إلي الشعور بصدقيته..حتي الصدق لدي البراجماتيين غير واقعي إلا بفكرة ناجحة في الواقع..فيبدو أن الصدق لديهم لا يكفي إلا بماججة الفكرة بتطبيق عملي يتحصل به علي أهدافه..من هنا أقف علي الصدق كوسيلة وليس غاية ولا صدق دون إدارك..وما دام الإدراك خاضعا للإعلام فهذا مؤشر علي نفوذ الأمريكي في عقل الإخواني..حتي الدافع فهو أيضا يتأثر بالإعلام بل يخلقه في أغلب الأحيان.....إذا نحن أمام حلقة مفقودة تكاد تكون هي الشاغل الأكبر لدي عباقرة السياسة..الجدلية هنا لا تخضع للأيدلوجيات أكثر من خضوعها للمتغيرات حتي الأيدلوجية منها كالرأسمالية والعولمة ومصادر الطاقة والأسواق الداعمة لخطوط الإنتاج..كل هذا مؤشر لدينا بأن سيطرة الأمريكي نافذة وهو ما يهدد بذوبان الإخواني في عقل الأمريكي عبر انكماش رأيه بفُعل فقدان الهوية-أو تعثرها-فهو يبدو أنه إجراء لاشعوري بدا للإخواني أنه قيَمي في حين لم يلحظ تلك الحلقة المفقودة التي لم يستطع مجاراتها أو حتي رصدها للتكيف معها..

من أهم أسباب الفشل في عدم رصد تلك الحلقة المفقودة هو الإنكفاء علي تعريفات سياسية ودينية اصطلاحية ولغوية قديمة والعجز عن إيجاد تعريفات جديدة تحاكي الواقع..فيبدو أن الإخواني بحاجة لتعريف جديد للايدلوجيات الأمريكية ومنها العلمانية..قرأت قديما للدكتور عبدالوهاب المسيري تعريفات جديدة راعت تلك الحلقة المفقودة بدهاء بالغ..ويبدو أن الإخواني –الآن- أكثر حاجة لتعريفات المسيري كي يثبت بهويته كي لا تضيع..ففي حين تتصادم المبادئ مع الواقع تحدث صدمة -علي غرار صدمة الحداثة- ستؤثر علي المنهج وتنقله من دائرة الأيدلوجيا الثابتة إلي صراع الأفكار والتنظيرات العقلية بين طرفين أحدهما يعتقد بتكامل مُكوِنه الثقافي والديني ومن ثم يلجأ إلي الإعتقاد بعدم الحاجة للتطور والإرتقاء..أما الثاني فسيُخضع مكونه الثقافي والديني للسؤال ومن ثم سيلجأ إلي تجريد المفاهيم العصرية وإعادة تعريفها تمهيدا لفهمها من جديد..وأظن أن مقدمات هذه الصدمة ظهرت منذ سنوات إبان ظهور عدة انشقاقات في الوعي الإخواني-هكذا أسميه-فيما يعدة البعض باستقالات من جماعة الإخوان المسلمين تعددت أشكالها علي مستوي الكوادر والنُخَب والقيادات..

أستخلص من هذا كله أن الدافع وحده ليس كافيا لثبات الرأي والأيدلوجيا، فهو محكوم بحلقة ذاع صيتها وقوتها في الوعي الإنساني خاصة في السنوات العشرين الأخيرة وأن الرأي سينكمش بفِعل التأثير علي الدافع ..وأن الضامن الوحيد لثبات الرأي والأيدلوجية هو الإستقلال الكامل والتام بما يسمح بصناعة حضارة مختلفة ومتمايزة عن الآخر وتستقل عن تلك الحلقة كمصدر ثابت وأصيل للقوة..وأن الصدق وحده ليس كافيا لصناعة رأي سليم ، فالصدق إن لم يكن له مجال تجريبي يقف علي واقعيته فلا مجال إذا لأهليته..