بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نبذة تاريخية
منذ القديم حظيت أسفي بأهمية بالغة حتى أن اسم المدينة ورد ضمن أمهات المعاجم التاريخية كمعجم البلدان لياقوت الحموي، والرحالة المغربي الشهير ابن بطوطة وحسبنا الاشارة الى أن أسفي شكلت وجهة مفضلة للعديد من الأسر الأندلسية والعربية من تطوان وفاس والرباط وسلا،حتى أن ذ.أحمد بن جلون وصف أسفي بأنها مدينة دبلوماسية يقطنها السفراء والقناصل،
وأديبنا الكريم من أسفي هذه المدينة العريقة فهو من يعطينا فكرة عن التكوينات الثقافية السائد بتلك المدينة
ليس من الغرابة في شيء أن يترك الشعراء المبدعين الماضي خلف ظهورهم ، لا ليتبرؤوا منه وينسلخوا عنه ، أو أن يخشوا التسمّر عند أضغاثه والتباكي فوق أطلاله ، ليلعنوا هذاالطرف ويدينوا تلك الجهة - كما يفعل الباقين هذه الأيام - وإنما ليشتبكوا مع قوى الظلام التي تحكم قبضتها على زمام الحاضر، لاستئصال شرّهم واجتثاث رؤاهم وانتزاع المبادرة من أيديهم ،
بغية شحذ العقول المتكلسة وقدح الأفكارالصدئة ،و الكشف عن تخوم المستقبل والتوقع لآفاق المجهول
.و بالرغم من كون بعضهم يتقنون لغة الشعر ، وما تنطوي عليه من رمزية عالية تتسامى فوق صخب الواقع وضجيج المجتمع ، تراهم يستبطنون لواعج الهمّ الإنساني
عبر توظيف صور المخيلة وتفعيل طاقة الوجدان على أمل أن يستفيق المجتمع لاحقا”من سكرته
ويشفى من طيشه ويستعيدوعيه ويسترد ذاكرته ، وتستأنف ، من ثم ، دورة الحياة فيه من جديد .
قد يوجد من يتأرجح بندوله الفكري وتتقلب موازينه السلوكية بين هذه الحالة أو تلك ، تعبيرا”عن فقدان الاتجاه وانعدام الرؤية في خضم التدافع والترافع بين أساطير الجموع المجيشةوخرافاتها من جهة ،
وبين ادراكات النخب المستنفرة وخطاباتها من جهة أخرى
فالشعراء يمثلون ذلك النمط الذي يضع رحاله حيثما تكون الثقافة في الصفوف الأمامية لتقارع مظاهر التخلف ،
ويشمّرون سواعدهم حيثما يكون العقل في المقدمة ليصارع عناصر الخرافة .
ليس فقط لأنهم ينأون بأنفسهم عن مشاغل التكسب الحزبي والارتزاق الإيديولوجي ،
كما ليس فقط لأنهم يبتعدون بإبداعهم عن كل توظيف طائفي أو استثمار عنصري فحسب ،
وإنما عبر تأويلاتهم الفكرية وتأملاتهم الفلسفية وجرأتهم النقدية واهتماماتهم الاجتماعية وحفرياتهم النفسية وتطلعاتهم المستقبلية
وباعتقادي ان من هذا النمط –إن لم تخني الكلمات _الاديب حميد العمراوي
مع أني اميل للمباشرة وابتعد كثيرا عن
(الدبق الفكري -.والسماء اللازاوردية....والولادة من الظهر-وأوحال المعرفة ....وهكذا منظومة)
والشاعر وقد ترجم المشهد بدقة وكأنه العارف المتمرس في الغلال وما تحويه مع أنه ابن البحر بكل المعاني
و ليست دائما قصائد الشاعر مرآة لتفاصيل حياته كلها ، وإن كانت مرآة لقدرته على تطويع إحساسه وشعوره ،
فبعض الشعراء يقدم معاناته الفعلية لا يتجاوزها بالإحالة لمشاعر غيره ، أما البعض الآخر فإنه يستطيع تقديم ما رآه وما لم يره .
فقصائد الشعراء تعد نتاجاً لموهبتهم التعبيرية ومهارتهم في إيصال الشعور ، وقد أجاد بذلك عندما رسم
الوطن الخيمة
إذ يقول
أرادوك خيمــة من جلودنـــا
لا تســع إلا كرسيــا و بندقية
و محصــولنا من الحقــول
و حولها يثغو من العطش القطيــع
و الوادي السحيـــق تعوي به الريح
فوق جثث الفلاحين الجائعــــة ..
لكن الشاعر قد يرسم لوحة من وصف غيره ، وينسج صورة من تجميع الآخرين ، ويعطي من خياله أبدع مما نقل إليه من صور ،
لأنه شاعر والشاعر يقول ما لا يفعل في بعض الأحيان ، ويصف ما لم ير ، فهو يتبع منهجين معتبرين : منهج المشاهدة المباشرة ،
وهنا حميد العمراوي
ابن المدينة الساحلية والتي تشتهر بالسردين
أقول استبدل الصورة إلى ما يلامس عامة من يكتب له من قراء العربية فإن لم يشاهد بنفسه اتبع منهج المنقول إليه أو الإحالة عبر نافذة الغير ،
وهذان المنهجان هما مصادر المعرفة وانتقال المعلومة عموما .
على شاكلة ما يحدث في عالمنا اليوم من أحداث جعل فيها شخوصا :كا
و أنت راقــب الفلاح..
و راقـــب حــارس الريــح -و أنــت.. أنــــت!
لك المهمـــة الأسمـــى
علـــم الجثث الصغيرة الرسم بالألوان..
وسرعة الإمضاءوعندما يتسلم القارئ النص يحق له أن يلتحم بالمعاني ، وأن يعانق الصور ،
والشاعر قد يسبح بالمتلقي عبر فنيات وجماليات عديدة من نسجه وإبداعه في بحار من صور واقع يراه ،
أوهو بالنسبة له مجرد أمنيات .
كما في (أجيبت صلوات الاستسقاء- و أغيــــث " الناس "
بإذن من يصرف الرياح..
و الفلاح تماثل للشفاء من مرضه العضال
و الشفاء مضمون برحمة الله
و أبناؤه التسعة يتعلمون الصبر على خطـــاه
و قد تيسرت لــه سبل الرفـــاه
الارض والفلاح الذي يزرع ولو انه عمد إلى الرمزية بذلك تجنبا للتعميم الواضح
وهذا يحصل عند بعض الشعراء خاصة عندما يكون صاحب خيال واسع وتصور عميق وتعبير دقيق ، يطوع الأسلوب و لديه المهارة والقدرة على التعبير الكامل عن إحساسه وتوظيف المدخلات بشكل يفي بالغرض ويزيد ويعطي مؤشرا على براعة الشاعر . فالكتابة بالنسبة له «محاولات للاكتشاف، وللذهاب بالمكان وشخوصه للغايات التي لا تظهر للعين المجردة». إذ أن الكتابة الإبداعية ليست دراسةتقريرية، «هي مثل استجابة جسدية وروحية للمكان وأزمنته وعوامل تعريته لا نعيها، في الوقت الذي تتحور وفقها أجسادنا
فتتشكل بلمسة فنّية ظلالا للصور في لوحة جميلة ، فالحلم الواقعي بعيد المنال ،
في الحياة كثير من المعاني والأفكار والمشاعر المختلفة ، والانفعالات المتباينة ، والعواطف الجياشة ، والفنانون يختلفون في طريقة التعبير عنها ، ولكل فنان أداته التي يعبر بها عن انعكاس الحياة على نفسه ، فأداة الرسام في التعبير عن الحياة الألوان والظلال ، وأداة الشاعر اللفظ المعبر والكلمة الموحية
ونجاح الشاعر يأتي أيضاً من اختيار الألفاظ التي تؤدي وظيفتها كاملة بمراعاة قوانين اللغة من حيث فصاحتها وخلوها من التنافر والغرابة، و مطابقتها لمقتضى الحال، ومثال مطابقة الألفاظ لمقتضى الحال هو أن الاديب
جاء بألفاظ الزرع والغيث والمطر وما يحتاجه الفلاح من جهد ومعونة ممن معه
ومن يتسلط عليه وهنا بيت القصيد(
و محصــولنا من الحقــول
و حولها يثغو من العطش القطيــع
و الوادي السحيـــق تعوي به الريح
فوق جثث الفلاحين الجائعــــة ..)
والخيال في الشعر هو وسيلة تقوية للمعنى ، وإيضاح الحقائق في صورة جلية ، وتصوير لموقف الشاعر في صورة صادقة فنياً
وليست تزييفاً للواقع إلى غير ذلك من الأمثلة التي ساقها الاديب حميد العمراوي في محاورات بين الضحية والذي يستغله ومضمنا مفاهيم الكفاح التي كانت ملحوظة في النص حيث أمطرنا بعدة تثنيات:
(ـ لكن الحقل حقلـــــي!!
و العـــرق عرقــــي!!
و المطر السماء أنا من صليت له
و أمنت بدموعي على الدعاء!!
و هاذي سرابيلي محت ألوانهــا الشمس
و أخــاديد في جلدي تشهـــد بحقي في الحصاد )
وموسيقى النص كانت متناوبة
إلا أن الذي يهمنا هنا الموسيقى الداخلية
فقصيدة النثر قطعة موجزة بما فيه الكفاية موحدة ومضغوطة كقطعة من بلور تتراءى فيها مئة من الانعكاسات المختلفة،
وكونها هكذا نثرية ليس له من ضرورة أخرى غير رغبة المؤلف في البناء خارجا عن التقييد، كي تهز كياننا من أعماقه
. حيث أنها اتسقت في غالبيتها لتؤدي الغرض المطلوب ومالت للحداثة أكثر من الوزن والقافية
والمتتبع للأديب العمراوي في هذه النثرية، يجد أنه جعل قصيدة النثر قضيته ا التي أعمل فيها أدواته، وتحدّيه، وقاموسه، وصوره، وتراكيبه،
ففتح بذلك، آفاقاً واسعة من المغامرة التي اقترنت لديه بالحريّة حيث عمد للموروث الديني
(الاستسقاء _ولو !!!! أنه ربطه بالسماء –فهو مدلولاً من عند الله
...حريّة الإنطلاق إلى فضاءات دلاليّة..... الامضاء للتنازل عن الحقوق
محو الامية...وهو مدلول في عرف العامة تعليم القراءة والكتابة..بينما اراد الكاتب غير ذلك
، ولغويّة جديدة،....إذ يقول
(خذ أوراق اعتمادك حارسا للريح في الوادي
إياك أن تعبر الجثث رصيف الأوهـــام
وامنع الأحلام أن تنـــام )
وعدم الارتهان للمفردات الدارجة فلقد أبعد النص عن الدارج
الفكرة التي أشير إليها أشبه بالعملة ذات الوجهين ؛ يمكن تلخيص وجهها الأول في اعتماد شاعر قصيدة النثر
لرؤى ذاته الشاعرة وتجاربها في العالم بوصف هذه الرؤى وتلك التجارب هي المنبع الرئيس للكتابة ،
وبوصف إعادة صياغة تلك الرؤى والتجارب هي في الوقت نفسه الهدف الأساسي ،
وللأديب حميد العمراوي أنقل تعليقاً أعجبني علني أختم به ما تقدم
حميد العمراوي 18 / دجنبر / 2011 - 19:33 (.. و جاهل من يريد قصيدة تناسب مقاس فهمه !
القصيدة ذات .........تتشكل و تتلون حسب قارئها و حالاته النفسية و الشعورية
وأخيراً للجميع الشكر وهم كثروتعج بهم الساحة على ضفاف الواحة
والواحة الادبية تبدو مقنعة الى حد ما في تنوعاتها ونطمع بتطويرها اكثر وبحضور كثير من المشاركين والنقاد
ونطمع بمزيد من التواصل الابداعي مع الرواد ومع الشباب هذه مهمة القائمين على هذه النافذة الادبية
من نقاد ومتخصصين وهكذا تتطور للنهوض بالادب
واخص بالذكر الفاضلة أماني عواد فلقد كانت لها الباع الطولى في استنهاض الهمم
تحية لكافة المشاركين هنا في هذا الملتقى بإطلالتهم البهية على سماء الواحة
وهو جهد مقل لا ندعي به الكمال وإنما هو تذوق ...فليعذرنا من وجد أفضل من ذلك
للجميع المحبة من محدثكم ابو عبيدالله احمد خلف