حَقِيقَةُ بِالرُّوحِ بِالدَّمِ نَفَدِيكَ..!/ الشخصية والقصة واقعية !
في أحد فصول رائعة الكاتب الفرنسي الجزائري المولد البير كامو المسرحية (كاليغولا) يشكو الامبراطور كاليغولا من ألم في معدته يجعله يتقيأ دما فيجتمع النبلاء (رجال القصر) من حوله , ويتسابقون في التعبير عن تعاطفهم معه ,ويجري الحوار التالي بين الامبراطور والنبيل (لبيدوس) :
... - لبيدوس (بحماس عال) : يا إلهي !.. أفديه بحياتي ..
- كاليغولا : لا أستطيع أن أصف مدى تأثري بذلك , أتحبني إلى هذا الحد ؟!
- لبيدوس : أجل أيها القيصر , فمهما قدمت في سبيلك يبقى قليلا ..
كاليغولا (يعانق لبيدوس) : هذا كثير جدّا فأنا لست أهلا لمثل هذا القدر من الحب ..
يستدعي كاليغولا خفيرين ويأمرهما بإخراج النبيل .. فيصيح هذا :
- ولكن الى أين هم ذاهبون بي ؟
- كاليغولا : كيف إلى أين ؟! إلى الموت طبعا , ألم تهبني حياتك فداء , إنني الآن أشعر بالانتعاش , لقد شفيتني , ولا شك أنك تشعر بالسعادة لتقديم حياتك فداء لي..
يسحب الخفيران لبيدوس وهو يصرخ ويولول : ولكنني لا أريد !!
يلتفت إليه كاليغولا ويقول : لو أحببت الحياة كما يجب يا ليبيدوس , لما كنت تلعب بها باستخفاف ..
في هذا المشهد الحواري يبدو كاليغولا الطاغية العابث حكيما , ويقدم لنا كامو على لسانه درسا في شأن السياسة والاجتماع , فحواه إجابة بسيطة لا تخلو من عبقرية لسؤال مفترض في مقام كهذا : كيف يمكن أن نعري النفاق؟ كيف يجب التعامل مع المنافقين ؟ خاصة أولئك الذين يعشعشون في دهاليز السلطة وكواليس الدولة ,وما أكثرهم , كم من (ليبيدوس) موجود في قصور حكام هذا الزمن , وكم عانت وتعاني شعوب وبلدان هذه المنطقة من المنافقين ومن توابع النفاق , كم زين هؤلاء من أخطاء حكام وقرارات وتصرفات عادت بالوبال على أولئك الشعوب وتلك البلدان , كم من هؤلاء نراهم كل يوم تقريبا عبر الشاشات والصحف ومهرجانات الكلام يتصنعون الحماس والانفعال , ويزايدون في التملق للحاكم , حتى أنهم لا يتوانون بمناسبة ومن دونها في إبداء استعداد دائم لتقديم رؤوسهم فداء لحكام يدركون قبل غيرهم أن ما يسمعونه ليس سوى كلام ونفاق , والدليل هو أن هؤلاء لم يفقدوا رؤوسهم حتى الآن , وظلّوا يحتفظون بها فوق أكتافهم سليمة طوال السنين ..ومن ثم احتفظوا بمواقعهم وبامتيازاتهم , ولم يزدهم النفاق سوى جاها ومالا ونفوذا وفسادا وإفسادا.. هي معادلة يدركها الإثنان معا , يدرك الحاكم أن ذلك المنافق مهما زعم من محبة فلا يمكن أن يضحي برأسه كرما لعينه , وهو لم ينافق إلا طمعا في عطائه ليعيش ويحيا في كنف هذا العطاء, ويدرك المنافق أن الحاكم يستمرئ هذا النوع من النفاق ويريده , ويعرف أن ذلك يزيد ه زهوا بنفسه وبالسلطة ..
ماذا لو تصرف الحاكم مع رجاله كما تصرف كاليغولا مع ليبيدوس , ماذا لو رأى هؤلاء المنافقين كما رآهم كاليغولا أشخاصا يجب أن تسلب منهم حياة لم يقدروها كما يجب , واستخفوا بها عندما استخفوا برؤوسهم وتطوعوا بقطعها فداء لآخرين تملقا وتزلفا ؟ ألن يكون قد قُضِيَ على مكون رئيس للفساد , ويكون شأن البلاد أفضل ؟
ألن تكون الحياة بدون نفاق أجمل ؟
منقول عن موقع الحوار