قصيدة الإمام الإلبيري
قصيدة التوبة
تَـفُـتُّ فُـؤادَكَ الأَيّـامُ فَـتّا = وَتَـنحِتُ جِسمَكَ الساعاتُ نَحتا
وَتَـدعوكَ المَنونُ دُعاءَ صِدقٍ = أَلا يـا صـاحِ أَنـتَ أُريدُ أَنتا
أَراكَ تُـحِبُّ عِـرساً ذاتَ خِدرٍ = أَبَـتَّ طَـلاقَها الأَكـياسُ بَـتّا
تَـنامُ الـدَهرَ وَيحَكَ في غَطيطٍ = بِـها حَـتّى إِذا مِـتَّ اِنـتَبَهنا
فَـكَم ذا أَنـتَ مَخدوعٌ وَحَتّى = مَـتى لا تَـرعَوي عَنها وَحَتّى
أَبـا بَـكرٍ دَعَـوتُكَ لَـو أَجَبتا = إِلـى مـا فيهِ حَظُّكَ لو عَقَلتا
إِلـى عِـلمٍ تَـكونُ بِـهِ إِماماً = مُـطاعاً إِن نَـهَيتَ وَإِن أَمَرتا
وَيَـجلو مـا بِعَينِكَ مِن عَشاها = وَيَـهديكَ الـسَبيلَ إِذا ضَـلَلتا
وَتَـحمِلُ مِـنهُ في ناديكَ تاجاً = وَيَـكسوكَ الـجَمالَ إِذا عَربتا
يَـنالُكَ نَـفعُهُ مـادُمتَ حَـيّاً = وَيَـبقى ذُخـرُهُ لَـكَ إِن ذَهَبتا
هُـوَ العَضبُ المُهَنَّدُ لَيسَ يَنبو = تُـصيبُ بِـهِ مَـقاتِلَ ضَـرَبتا
وَكَـنزٌ لا تَـخافُ عَـلَيهِ لِصّاً = خَـفيفَ الحَملِ يوجَدُ حَيثُ كُنتا
يَـزيدُ بِـكَثرَةِ الإِنـفاقِ مِـنهُ = وَيـنقُصُ إن بِـهِ كَـفّاً شَدَدتا
فَـلَو قَد ذُقتَ مِن حَلواهُ طَعماً = لآثَــرتَ الـتَعَلُّمَ وَاِجـتَهَدتا
وَلَـم يَشغَلَكَ عَنهُ هَوى مُطاعٌ = وَلا دُنـيـا بِـزُخرُفِها فُـتِنتا
وَلا أَلـهاكَ عَـنهُ أَنيقُ رَوضٍ = وَلا خِــدرٌ بِـرَبـرَبِهِ كَـلِفتا
فَـقوتُ الروحِ أَرواحُ المَعاني = وَلَـيسَ بِأَن طَعِمتَ وَأِن شَرِبتا
فَـواظِبهُ وَخُـذ بِـالجِدِّ فـيهِ = فَـإِن أَعـطاكَهُ الـلَهُ انتفعتا
وَإِن أوتـيتَ فـيهِ طَـويلَ باعٍ = وَقـالَ الـناسُ إِنَّـكَ قَد علمتا
فَـلا تَـأمَن سُـؤالَ اللَهِ عَنهُ = بِـتَوبيخٍ عَـلِمتَ فَـهَل عَمِلتا
فَـرَأسُ الـعِلمِ تَقوى اللهِ حَقّاً = وَلَـيسَ بِـأَن يُـقال لَقَد رَأَستا
وَأفضل ثَوبِكَ الإِحسانُ لا أَن = نَـرى ثَـوبَ الإِساءَةِ قَد لَبِستا
إِذا مـا لَـم يُـفِدكَ العِلمُ خَيراً = فَـخَيرٌ مِـنهُ أَن لَـو قَد جَهِلتا
وَإِن أَلـقاكَ فَـهمُكَ في مَهاوٍ = فَـلَيتَكَ ثُـمَّ لَـيتَكَ مـا فَهِمتا
سَـتَجني مِن ثِمارِ العَجزِ جَهلاً = وَتَـصغُرُ في العُيونِ إِذا كَبِرتا
وَتُـفقَدُ إِن جَـهِلتَ وَأَنتَ باقٍ = وَتـوجَدُ إِن عَـلِمتَ وَ لو فُقِدتا
وَتَـذكُرُ قَـولَتي لَـكَ بَعدَ حينٍ = إذا حقا بها يوما علمت
و إن أهملتها و نبذت نصح = و ملت إلى حطام قد جمعت
فسَوفَ تَـعَضُّ مِن نَدَمٍ عَلَيها = وَمـا تُـغني النَدامَةُ إِن نَدِمتا
إِذا أَبـصَرتَ صَحبَكَ في سَماءٍ = قَـد اِرتَـفَعوا عَلَيكَ وَقَد سَفَلتا
فَـراجِعها وَدَع عَـنكَ الهُوَينى = فَـما بِـالبُطءِ تُـدرِكُ ما طَلَبتا
وَلا تَـحفِل بِـمالِكَ وَاِلـهُ عَنهُ = فَـلَيسَ الـمالُ إِلا مـا عَلِمتا
وَلَـيسَ لِجاهِلٍ في الناسِ مَعنىً = وَلَـو مُـلكُ الـعِراقِ لَهُ تَأَتّى
سَـيَنطِقُ عَنكَ عِلمُكَ في ملاءٍ = وَيُـكتَبُ عَـنكَ يَوماً إِن كَتَبتا
وَمـا يُـغنيكَ تَـشيِيدُ المَباني = إِذا بِـالجَهلِ نَـفسَكَ قَد هَدَمتا
جَـعَلتَ المالَ فَوقَ العِلمِ جَهلاً = لَـعَمرُكَ فـي القَضيَّةِ ما عَدَلتا
وَبَـينَهُما بِـنَصِّ الوَحيِ بَونٌ = سَـتَـعلَمُهُ إِذا طَــهَ قَـرَأتا
لَـئِن رَفَـعَ الـغَنيُّ لِواءَ مالٍ = لأأنـتَ لِـواءَ عِـلمِكَ قَد رَفَعتا
وَإِن جَلَسَ الغَنيُّ عَلى الحَشايا = لأنـتَ عَلى الكَواكِبِ قَد جَلَستا
وَإِن رَكِـبَ الـجِيادَ مُسَوَّماتٍ = لأنـتَ مَـناهِجَ الـتَقوى رَكِبتا
وَمَـهما اِفـتَضَّ أَبكارَ الغَواني = فَـكَم بِكرٍ مِنَ الحِكَمِ اِفتَضَضتا
وَلَـيسَ يَـضُرُّكَ الإِقتارُ شَيئاً = إِذا مـا أَنـتَ رَبَّـكَ قَد عَرَفتا
فَـماذا عِـندَهُ لَـكَ مِـن جَميلٍ = إِذا بِـفِـناءِ طـاعَـتِهِ أَنَـختا
فَـقابِل بِالقَبولِ صَحيحَ نُصحي = فَـإِن أَعرَضتَ عَنهُ فَقَد خَسِرتا
وَإِن راعَـيـتَهُ قَـولاً وَفِـعلاً = وَتـاجَرتَ الإِلَـهَ بِـهِ رَبِـحتا
فَـلَيسَت هَـذِهِ الـدُنيا بِشَيءٍ = تَـسوؤُكَ حِـقبَةً وَتَـسُرُّ وَقتا
وَغـايَـتُها إِذا فَـكَرَّت فـيها = كَـفَيئِكَ أَو كَـحُلمِكَ إِن حَلَمتا
سُـجِنتَ بِـها وَأَنتَ لَها مُحِبٌّ = فَـكَيفَ تُـحِبُّ مـا فيهِ سُجِنتا
وَتُـطعِمُكَ الـطَعامَ وَعَن قَريبٍ = سَـتَطعَمُ مِـنكَ ما فيها طَعِمتا
وَتَـعرى إِن لَـبِستَ لَها ثِياباً = وَتُـكسى إِن مَـلابِسَها خَـلَعتا
وَتَـشهَدُ كُـلَّ يَـومٍ دَفـنَ خِلٍّ = كَـأَنَّكَ لا تُـرادُ بِـما شَـهِدتا
وَلَـم تُـخلَق لِـتَعمُرها وَلَكِن = لِـتَـعبُرَها فَـجِدَّ لِـما خُـلِقتا
وَإِن هُـدِمَت فَزِدها أَنتَ هَدماً = وَحَـصِّن أَمرَ دينِكَ ما اِستَطَعتا
وَلا تَـحزَن عَلى ما فاتَ مِنها = إِذا مـا أَنـتَ في أُخراكَ فُزتا
فَـلَيسَ بِـنافِعٍ مـا نِلتَ فيها = مِـنَ الـفاني إِذا الباقي حُرِمتا
وَلا تَـضحَك مَعَ السُفَهاءِ يوما = فَـإِنَّكَ سَوفَ تَبكي إِن ضَحِكتا
وَمن لَكَ بالسُرورُ وَأَنتَ رَهنٌ = وَما تَـدري أَتُـفدى أَم غَـلِقتا
وَسَـل مِـن رَبِّكَ التَوفيقَ فيها = وَأَخـلِص في السُؤالِ إِذا سَأَلتا
وَنـادِ إِذا سَـجَدتَ لَهُ اِعتِرافاً = بِـما نـاداهُ ذو النونِ بنُ مَتّى
وَلازِم بـابَـهُ قَـرعاً عَـساهُ = سَـيفتَحُ بـابَهُ لَـكَ إِن قَرَعتا
وَأَكـثِر ذِكـرَهُ في الأَرضِ دَأباً = لِـتُذكَرَ فـي السَماءِ إِذا ذَكَرتا
وَلا تَـقُل الـصِبا فـيهِ امتهال = وَفَـكِّر كَـم صَـغيرٍ قَد دَفَنتا
وَقُـل لي يا نَاصحي لأنتَ أَولى = بِـنُصحِكَ لَـو بِعَقلِكَ قَد نَظَرتا
تُـقَطِّعُني عَـلى التَفريطِ لَوماً = وَبِـالتَفريطِ دَهـرَكَ قَـد قَطَعتا
وَفـي صِغَري تُخَوِّفُني المَنايا = وَمـا تَـدري بحالِكَ حينَ شِختا
وَكُـنتَ مَعَ الصِبا أَهدى سَبيلاً = فَـما لَـكَ بَعدَ شَيبِكَ قَد نَكِستا
وَهـا أَنا لَم أَخُض بَحرَ الخَطايا = كَـما قَـد خُـضتَهُ حَتّى غَرِقتا
وَلَـم أَشـرَب حُـمَيّاً أُمِّ دَفـرٍ = وَأَنـتَ شَـرِبتَها حَـتّى سَكِرتا
وَلَـم أَحـلُل بِـوادٍ فـيهِ ظُلمٌ = وَأَنـتَ حَـلَلتَ فـيهِ وَاِنهَكتتا
وَلَـم أَنـشَأ بِـعَصرٍ فيهِ نَفعٌ = وَأَنـتَ نَـشَأتَ فيهِ وَما اِنتَفَعتا
وَقَـد صـاحَبتَ أَعـلاماً كِباراً = وَلَـم أَرَكَ اِقتَدَيتَ بِمَن صَحِبتا
وَنـاداكَ الـكِتابُ فَـلَم تُـجِبهُ = وَنَـبهَكَ الـمَشيبُ فَما اِنتَبَهتا
وـيَقبُحُ بِـالفَتى فِعلُ التَصابي = وَأَقـبَحُ مِـنهُ شَـيخٌ قَد تَفَتّى
فَـأَنتَ أَحَـقُّ بِـالتَفنيدِ مِـنّي = وَلـو سَكَتَ المُسيءُ لَما نَطَقتا
وَنَـفسَكَ ذُمَّ لا تَـذمُم سِـواها = بِـعَيبٍ فَـهِيَ أَجدَرُ مَن ذَمَمتا
فَـلَو بَـكَت الدَما عَيناكَ خَوفاً = لِـذَنبِكَ لَـم أَقُـل لَكَ قَد أَمِنتا
وَمَـن لَـكَ بِالأَمانِ وَأَنتَ عَبدٌ = أُمِـرتَ فَما اِئتَمَرتَ وَلا أَطَعتا
ثَقُلتَ مِنَ الذُنوبِ وَلَستَ تَخشى = لِـجَهلِكَ أَن تَـخِفَّ إِذا وُزِنـتا
وَتُشفِقُ لِلمُصِرِّ عَلى المَعاصي = وَتَـرحَمُهُ وَنَـفسَكَ ما رَحِمتا
رَجَعتَ القَهقَرى وَخَبَطتَ عَشوا = لَـعَمرُكَ لَو وَصَلتَ لَما رَجَعتا
وَلَـو وافَـيتَ رَبَّكَ دونَ ذَنبٍ = وَنـاقَشَكَ الـحِسابَ إِذاً هَلَكتا
وَلَـم يَـظلُمكَ في عَمَلٍ وَلَكِن = عَـسيرٌ أَن تَـقومَ بِـما حَمَلتا
وَلَـو قَد جِئتَ يَومَ الحشر فَرداً = وَأَبـصَرتَ الـمَنازِلَ فيهِ شَتّى
لأعـظَمتَ الـنَدامَةَ فـيهِ لَهَفاً =عَـلى ما في حَياتِكَ قَد أَضَعتا
تَـفِرُّ مِـنَ الـهَجيرِ وَتَـتَّقيهِ = فَـهَلا من جَـهَنَّمَ قَد فَرَرتا
وَلَـستَ تُـطيقُ أَهوَنَها عَذاباً = وَلَـو كُـنتَ الـحَديدَ بِها لَذُبتا
فَـلا تُـنكر فَـإِنَّ الأَمـرَ جِدٌّ = وَلَـيسَ كَما حسبتَ وَلا ظَنَنتا
أَبـا بَـكرٍ كَـشَفتَ أَقَلَّ عَيبي = وَأَكـثَـرَهُ وَمُـعظَمَهُ سَـتَرتا
فَقُل ما شِئتَ فيَّ مِنَ المَخازي= وَضـاعِفها فَـإِنَّكَ قَـد صَدَقتا
وَمَـهما عِـبتَني فَلِفَرطِ عِلمي = بِـباطِنِه كَـأَنَّكَ قَـد مَـدَحتا
فَـلا تَرضَ المَعايِبَ فَهِيَ عارٌ = عَـظيمٌ يُـورِثُ الإِنـسانَ مَقتا
وَيَهوي بِـالوَجيهِ مِنَ الثُرَيّا = وَيُـبدِلُهُ مَـكانَ الـفَوقِ تَحتا
كَـما الطاعاتُ تَبدلُك الدَراري = وَتَـجعَلُكَ الـقَريبَ وَإِن بَعُدتا
وَتَـنشُرُ عَنكَ في الدُنيا جَميلاً = و تَلفى الـبَرَّ فـيها حَيثُ كُنتا
وَتَـمشي فـي مَـناكِبَها عزيزاً = وَتَـجني الحَمدَ مِمّا قَد غَرَستا
وَأَنـتَ الآن لَـم تُعرَف بِعيبٍ = وَلا دَنَّـستَ ثَـوبَكَ مُـذ نَشَأتا
وَلا سـابَقتَ فـي ميدانِ زورٍ = وَلا أَوضَـعتَ فـيهِ وَلا خَبَبتا
فَـإِن لَـم تَـنأَ عَنهُ نَشِبتَ فيهِ = وَمَـن لَكَ بِالخَلاصِ إِذا نَشِبتا
تُدَنَّـسَ مـا تَطَهَّرَ مِنكَ حَتّى = كـأَنَّكَ قَـبلَ ذَلِـكَ مـا طَهُرتا
وَصِـرتَ أَسيرَ ذَنبِكَ في وَثاقٍ = وَكَـيفَ لَـكَ الفُكاكُ وَقَد أُسِرتا
فخَف أَبناء جِنسِكَ وَاِخشَ مِنهُم = كَما تَخشى الضَراغِمَ وَالسَبَنتى
وَخـالِطهُم وَزايـلهُم حِـذاراً = وَكُـن كـالسامِريَّ إِذا لَـمِستا
وَإِن جَـهِلوا عَلَيكَ فَقُل سَلاماً = لَـعَلَّكَ سَـوفَ تَـسلَمُ إِن فَعَلتا
وَمَـن لَـكَ بِالسَلامَةِ في زَمانٍ = نَـنالُ الـعُصمَ إِلا إِن عُصِمتا
وَلا تَـلَبَث بِـحَيٍّ فـيهِ ضَـيمٌ = يُـمـيتُ الـقَلبَ إِلا إِن كُـبِلتا
وَغَـرِّب فَـالتغرّبُ فيه خير = وَشَـرِّق إِن بِـريقَكَ قَد شَرِقتا
فليس الزهد في الدنيا قبولا = لأنت بها الأمير إذا زهدت
وَلَـو فَـوقَ الأَميرِ تَكونُ فيها = سُـمُوّاً وَارتفاعا كُـنتَ أَنتا
وَإِن فَـارقتَها وَخَـرَجتَ مِنها = إِلـى دارِ الـسَلامِ فَـقدَ سَلِمتا
وَإِن أكرمتَها وَنَـظَرتَ مِـنها = لإكرام فَـنَفسَكَ قَـد أَهَـنتا
جَـمَعتُ لَـكَ النَصائِحَ فَاِمتَثِلها = حَـياتَكَ فَـهِيَ أَفضَلُ ما اِمتَثَلتا
وَطَـوَّلتُ الـعِتابَ وَزِدتُ فيهِ = لأنَّـكَ فـي الـبَطالَةِ قَد أَطَلتا
و لا يغررك تقصيري و سهوي = وَخُـذ بِـوَصِيَّتي لَكَ إِن رَشَدتا
وَقَـد أَردَفـتُها تسعا حِـساناً = وَكـانَت قَـبلَ ذا مِـئَةً وَسِـتّا
و صل على تمام الرسل ربي = و عترته الكريمة ما ذكرتَ