سَفِّهِي لَهْفَتِي وَشُدِّي وَثَاقِي=وَاسْخَرِي مِنْ تَعَلُّقِي وَاحْتِرَاقِي
وَاشْحَذِي حَدَّ ظَنِّكِ المُرِّ سَيفًا=وَاطْعَنِي القَلْبَ عدْوَةً بِالفَوَاقِ
وَاقْطِفِي الوَرْدَ مِنْ بَسَاتِينِ رُوحِي=وَاقْذِفِي بِالأَشْوَاكِ فِي الأَحْدَاقِ
واسْفَعِي الحَرْفَ مِنْ مَخَايِلِ جَوْرٍ=وَاسَفَحِي النَّزْفَ مِنْ دَمِي المِهْرَاقِ
وَخُذِي العَفْوَ مِنْ رَقَائِقِ فَضْلِي=وَاشْتَكِي مِنْ تَرَقْرُقِ الإِطْرَاقِ
خطر لي في قراءتي الأولى لهذه الدرّة الشعرية، أن مرفأ الرسالة سيكون قلبا قسى ويستحق الجلد فبثثت النجم حمم تقريعي يحملها إلى ملومة مستحقة
لكنني في قراءتي التالية رأيتها تُجلد بكل حرف هنا وتُحدّ
فـأي شاعر أنت تشكل الحرف بين أناملك عجينة طرية طيعة، وأي مبدع وأنت تجمع في الحرف أندى معاني الترقق وأقسى صور التأنيب في آن معا!
قَدَرِي أَنْتِ لَسْتُ أَهْرُبُ مِنْهُ= فَدَعِي شُقْوَتِي وَدُعِّي اشْتِيَاقِي
أَنْتِ فَوْقَ الأَنَامِ فَوقَ مَلامٍ=فَاطْمَئِنِّي وَحَطِّمِي أَعْمَاقِي
وَاسْتَبِيحِي فَلَيسَ عِنْدِي رَسُولٌ=فِي خِصَامٍ سِوَى رَسُولِ الوِفَاقِ
فليقولوا ساحر فوالله إنك لساحر وإن سحر القلوب لنبيل مرغوب، وإنه لأقوى وأعظم من سحر العيون وأجل من كل الفنون
وإن الدهشة لتملك على القاريء نفسه فيقف على ضرب البيت حائرا بين أن يعود لأوله مستعيدا جماله وبين أن يتقدم خطوة ليرتشف من نمير تاليه ما يجدد به ارتواء الروح
لا تُرَاعِي فَإِنَّ قَلْبِي المُعَنَّى=بَاتَ رَهْنَ المَدَارِ خَلْفَ السَّوَاقِي
جَرَّبَتْهُ السُّنُونَ فَاعْتَادَ فِيهَا=بِالرِّضَا مِنْ مُقَسِّمِ الأَرْزَاقِ
لَنْ تَرَيْ - مَا أَتَيْتِ - غَيرَ احْتِوَاءٍ=وَوَفَاءٍ بِالعَهْدِ وَالمِيثَاقِ
إِنَّ قَلْبَ الْـمُحِبِّ لا يَعْرِفُ الكِبْرَ=وَلا المَكْرَ بِالمَعَانِي الرِّقَاقِ
كأني بجراح الماضي ينكأها وجع يضمه شاعرنا إليها ، فهو إما يلوم الحبيبة لمثالب فيها تتكررـ أو مثالب في تجارب سابقة يراها فيها تستحضر
والأمر في الحالين مرير تسرب لقلوبنا فاستشعرناه
إِنَّمَا الحُبُّ دَفْقَةُ الرِّفْقِ تَهْمِي=بِالنَّدَى مِنْ مَكَارِمِ الأَخْلاقِ
هُوَ أَرْضٌ لِكُلِّ غَارِسِ بِرٍّ=وَسَمَاءٌ يَنَالُهَا كُلُّ رَاقِ
هُوَ فِينَا بِلَّوْرَةٌ مِنْ نَقَاءٍ=أَيُّ خَدْشٍ يَحُضُّهَا لِلمَحَاقِ
لَيسَ يَنْمُو الوِدَادُ فِي ظِلِّ رَوْعٍ=وَارْتِيَابٍ وَغَيرَةٍ وَنِزَاقِ
كَيفَ عِنْدَ النَّوَى نَذُوبُ حَنِينًا=وَنَصُبَّ الأَنِينَ عِنْدَ التَّلاقِي
ويأبى حكيم الشعراء أن يمر قصيده ولم يرفد سلال الحكمة بباقة من بديع حكمته وسامق فكره
وسأعدو ببعضها لموضوع أبيات الحكمة في شعر العمري
أَيُّ حُبٍّ هَذَا الذِي يَبْتَلِينَا=فِي حَمِيمِ السِيَاقِ بِالغَسَّاقِ
أَيُّ مَعْنَى لِأَنْفُسٍ مُتْرَعَاتٍ=بِالأَسَى وَالوَجْدِ الذِي فِي التَّسَاقِي
كَيفَ يَغْدُو الغَرَامُ مِحْنَةَ غُرْمٍ=وَيَصِيرُ الزُّعَاقُ مِنحَةَ سَاقِ
تثليب وتأنيب وسياط لوم لا تترك للمخاطب فرصة لاقتناص معاني الهوى وحروف التغزل في هذه البديعة ليتمسك بها فيؤوب أو يسكن إليها ويطمئن فيتوب
أَنْتِ فِي خَاطِرِي أَجَلُّ وَأَغْلَى=مِنْ صِفَاقِ الخَلاقِ عِنْدَ البَوَاقِي
وَرِضَاكِ الأَثِيرُ أَطْيَبُ عِنْدِي=مِنْ لَذِيذِ الرُّمَّانِ وَالدُّرَّاقِ
أَنْتِ ذَاتِي وَمُهْجَتِي وَنِدَائِي=وَحَنِينِي وَبَهْجَتِي وَائْتِلاقِي
أَنْتِ كُلُّ النِّسَاءِ شَكْلا وَعَقْلا=وَأَنَا كُلُّ وَامِقٍ كُلُّ وَاقِ
أَنْتِ أَتْقَى القُلُوبِ مِسْكًا وَنُسْكًا=وَأَنَا المَنْسَكُ الذِي هُوَ بَاقِ
أي باقة من فلّ مثمل عبيره ضممت لها هنا يا سيد المعاني والشعور!
وأي دهشة القيت تعاويذها علينا فلا نملك معها غير شهقة تحمل بعضا من حشاشة القلب في خروجها، وتحديق ذاهل تحاول العيون فيه اختراق الكلم .
فلماذا تغلق الحوار بينكما بصفعة ال " سيان عندي إن رحلت أو أو بقيت"
فَاسْتَرِيحِي عَلَى أَرَائِكِ صَفْحِي=وَامْنَحِي بِالعِنَاقِ أَوْ بِالفِرَاقِ
أطلت
ولولا خوفي أن أثقل لبقيت في أكنافها أكثر وأكثر
فالقرار لأكَمات روعة الهطول في هجير ظمأت بها النفوس لأصالة الشعر هو ما لا ينكر على عربي
أبدعت يا أمير الشعر
دمت متوهجا كشمس
ليس أجمل من أن ينعكس ضوء الشمس على وجه القمر يجلي للسارين دروب الألق ويسلي القلوب بحسن الأداء وحصافة الانتقاد.
هذه قراءة على قصرها إلا أنها ملآت آفاق النص مشرقه ومغربه فأشعلته زهرا وأبهجته فخرا!
دام دفعك!
ودمت بخير وعافية!
تحياتي