سمير العمري في عيادة العيون ..
يقولون أن الصدف قليلة ، ويقولون أيضاً أنه من المحال أن تلتقي بأحبابك فجأة وبدون مقدمات ، فدعونا من القيل والقال ، واسمعوا كيف التقيت بأحد الرجال الذي تعرفت عليه فيما بعد ..
أذكر أنه في سنة ألف وأربع مئة وثلاثة عشر وفي بداية خريف ذاك العام ، تعرضت لخدش في إحدى عيناي فأُهرع بي إلى المستشفى العاصمة المركزي وانتظرت دخولي على الطبيب ، فلما دخلت كما يدخل الأعمى جلست على مقعدي المخصص فسألني العونجي ( هكذا كنت أسمي طبيب العيون سابقاً ) وقال : مما تشكو ؟
أبو القاسم : أصبت بضربة خفيفة في عيني .
العونجي : أي واحدة منها ؟
أبو القاسم : لا أدري ، فكلتاهما تتألمان وتشكوان ، الأولى مصابة والثانية تشكو لمصاب أختها .
العونجي : يا سبحان الله ، صدق رسوله حين قال : مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم ، كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى .
أبو القاسم القباني : أظنك لم تلفظ الحديث بشكل صحيح ، أيها العونجي .
الطبيب : دعك من هذا ، وقل لي أي عينيك تؤلمك أكثر ؟
أبو القاسم : اليسرى ، لا لا اليمنى ، كلا أعتقد أنها الشمالية ، نعم نعم اليسرى اليسرى ، أيها العونجي .
الطبيب : أولا لا تدعوني بالعونجي ، اسمي سمير العمري ، كما أنني لست طبيب عيون بل أنا صيدلاني ، حسناً أرني عينك ... مممممم
القباني : أي أي ، برفق يا صيدلاني .. ليس هذا تعامل العيون ..
سمير : لا تقلق إنها ملوثة ، وتعاني من بخدوش بسيطة ، تعال إلى هذا المقعد لو سمحت سأنظفها لك ..
أبو القاسم : ولكنك صيدلي ، ولست عونجياً !
سمير العمري : لو سمحت لا أحب منك هذا اللفظ ، هيا تعال قبل أن تلتهب عينك .
أبو القاسم : صيدلي يا صيدلي ياا صييدلييي ، ارفق على نفسي ارفق على عينَنَي .... أريد أن أسألك ،
أين عونجيي المستشفى ؟؟
سمير العمري : أوف من هذا اللفظ ، على كل حال ، لدينا أطباء كثيرون ، إلا أنهم مشغولون ، بعضهم في غرف العمليات ، وثلاثة مسافرون في أجازة أو لحضور ندوة طبية ، فأنت تعرف هذا المستشفي القديم والصغير والذي يزدحم عليه الألوف كل يوم .
أبو القاسم في نفسه : يا ويلي ، مشكلة سقطت على رأسي وعلى عيني ، ماذا سيفعل بي هذا الصيدلنجي ؟ أخشى أنه يعميها بدلاً من أن يكحلها ... اللهم ارحمنا .
الطبيب سمير : ممتاز ممتاز والآن تحتاج إلى أن تأخذ هذا المرهم وتضعه في الصباح والمساء وبعد العصر ، وعليك ألا تخرج في الشمس إلا ومعك نظارة شمسية بقياس 75 % ومظلة داكنة ، وعليك أن تحميها من الهواء المباشر ، البارد جداً أو الساخن ، وانتظر لمدة أسبوع ثم تعال وراجعني أو راجع الطبيب أسامة .
القباني : يا ويلتاه ، هل سأصبح مثل الخواجات الذين يتسكعون حول الأهرامات ؟؟؟؟ ما كل هذا .. مراهم ومظلات ودلع !!!
سمير : كفاك تشكّي واتبع التعليمات وإن شاء الله ستشفى سريعا ، وهيا إذهب إلى الصيدلية وخذ ما وصفته لك ، المرهم والحبوب المسكنة .
أبو القاسم : إن شاء الله ، فهل تسمح لي بسؤال ؟
سمير العمري : تفضل .
القباني : هل سأجدك في الصيدلية أيضاً ..
الطبيب سمير : هههه ، ما أظرفك يا أبا القسام ، نتمنى لك الشفاء العاجل ، ونعتذر عن التقصير .
أبو القاسم : الذي كتب في هذه الورقة لا يعرف العربية ولا حتى اللاتينة ، كنيتي هي أبو القاسم ، وليس أبا القسام .. فبارك الله فيكم من طبيب صيدلاني ، وإني واثق أننا سنلتقي إن شاء الله آجلاً ، ولن يفرقنا غير الموت ، ثم نعود ونلتقي في منابر المحبين في الله ، مع السلامة .
الطبيب سمير : غفر الله لنا ولك وللذي سجل اسمك هنا ، في أمان الله ..
إلا أن سمير العمري لم يعلم ماذا فعلت بعد أن خرجت من عنده ، فقد ذهبت للصيدلية وأخذت المرهم دون الحبوب المسكنة ، وبتوفيق من الله كان الوقت ليلاً ، فوضعت المرهم ثم وضعت على عيني القطن الناعم ولفافة عازلة للحرارة وألصقتها لمدة أربعة أيام متواصلة دون أن أنزعها أو أضع المرهم مرة أخرى ، وهكذا ارتحت من القيود ، ونزعتها بعد أربعة أيام ، فوالله ما عدت أذكر أيهما قد أصيبت اليمنى أو اليسرى ، وكل هذا بفضل الله ثم بفضل الصيدلاني الذي نظفها لي ، جزاه الله خيراً ، والعجيب أني عدت لنفس المستشفى بعد سنوات في حادثة أخرى . سنذكرها في وقتها .