" المال شيطان المدينة "
-- المومس العمياء لبدر شاكر السياب
دورة المـــــال :
عجـــوز لم يفرح بعد بأجـــرة زهيدة ليـــوم عمل طويل، انقض عليه لص مراهق، ينوي مفاجأة (حبيبته) بهدية هذا المساء…
لا تحزن أيها العجوز عــــد إلى كوخك... سيأتيك رزقك بعد منتصف الليل، حين تطرق ابنتك الباب!!
سيأتي دورك :
بخطى حثيثة يسيـــــر، شاب عشريني أنهى للتو عمله في مصنع تصبير السمك. المساء في بدايته و الشارع يكتظ بالأضواء و العابرين... يمشي و بين الفينة و الأخرى يتحسس الورقة الخضراء في جيبه، خمسون درهما أجرة يومه، يدخل محلا علقت على جدرانه إعلانات زاهية الألوان، بشخوص براقة الملامح.. يناوله صاحب المحل أوراقا ثم ينزوي إلى ركن قبالة ملصق من الحجم الكبير، يظهـــر فيه شاب في مثــل سنه، يبدو مرتاحا على أريكة في شاطئ سريالي؛ سماء زرقاء صافية، رمال ذهبية و مـــوج هادئ، و على يمينه طاولة زجاجية، زينت بأزهار ملونة و عليها مشروبات متنوعة... وهناك قرب الماء طيف جسد امرأة يلوح له، في حين يكتفي هو بابتسامة ملؤها الرضى، و تحت الصورة كتب بخط منمق عريض: (سيأتــــــي دورك!).
يتابع المشهد، يحرك صوره في خياله.. يملأ الفراغات فيــه، و يملأ الخانات الفارغة على الورقة بأرقام اعتباطية: سبعــة، خمسة و خمسة، أربع ستات و صفرين. و مباشرة انتفض من مكانه، سلــم الورقة لصاحب المحل الذي سلمها بدوره لآلة تجيد قراءة الأرقام.. أخذ منه الورقة الخضراء، و ناوله أخرى بيضاء، طبعت عليها أرقــام…
دس ما بقيَ في حوزته من قطع نقدية، وأشعل سيجارة، ثم انصرف
بخطى متثاقلة يسير، شاب عشريني، ذاكرته مكتظة بالصور، و الخيالات... يمني نفسه بيوم مشمس على شاطئ سريالي؛ حين يأتـــي دوره!
بهرجة حرمـــان:
أمام واجهة محل فاخر يبيع لعبا للأطفال، وقف ( طفل ) ودهشة تجتاح كيانه الصغير، و يـده تشد عليها يــد أمه الشاحب وجهها، تسمر ببصره على ضالته و سولت له أمنياته البريئة أنه يتملكها و أنه يركبها… دراجة حمراء بالأصفر منمقة، و لها في عينيه بريق و لهديرها في قلبه خفقان شديد… يد أمه تسحبه بكامل ضعفها، و رغبته الجامحة تسافر بعينيه خلف مهرجان الأضواء و الزجاج… لكن هل تجدي الأماني في زحام الأرصفة الشديد؟ سيكتفي هذا العيد بدراجة بلاستيكية يحملها بيده و بصوته يقلــد الهدير.