أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: تعارف في زمن احتضار

  1. #1
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Apr 2012
    المشاركات : 84
    المواضيع : 18
    الردود : 84
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي تعارف في زمن احتضار

    تعارف في لحظات احتضار

    توجهت السيدة سميرة بخطى مسرعة نحو المستشفى الذي ترقد فيه أختها نادية.كانت هذه الأخيرة قد أصيبت بنوبة قلبية إثري عملية قيصرية أجريت لها في نفس المستشفى،إلا أنها حالتها الصحية قد تدهورت،وهو ما جعل الأطباء يضعونها تحت العناية المركزة حيث دخلت في غيبوبة، استفاقت منها بعد أن وضعت الرجل الأولى على بساط الفناء.

    كان هذا الحمل يمثل بالنسبة لسيدة نادية أسعد خبر، فهو ثمرة زواج بعد علاقة حب نبيلة و عفيفة ربطتها بشريك عمرها مروان.
    و كانت تقضي معظم أيامها في التفكير في مولودها و راحت تعد له أغلى و أبهى المستلزمات ،كما كانت حريصة على تزيين البيت و طلائه احتفاء بالمناسبة.
    كانت السيدة نادية تتدفق مرحا و حبا للحياة، لم تعرف طيلة حياتها إلا طيفا من مشاكل الحياة فنمت شخصيتها في ظروف جيدة ملائمة للتفتق الإيجابي، لذا كان زوجها يقول عنها أنها كاملة الأوصاف لولا الشيء الوحيد الذي كان يعكر عليه صفو هذه الحياة السعيدة و هو المرض الذي كان يزورها من حين لآخر و هو عبارة عن تعب شديد يفاجئها، لكنه سرعان ما يتركها حتى دون إتمام العلاج .


    وصلت السيدة سميرة إلى المستشفى في هذا الصباح الباكر،
    و توجهت أولا لجناح الرضع، لتقف على حالة نور, ابنة أختها التي و بمجرد ولوجها هذا العالم، وضعت بدورها في حاضنة اصطناعية، نظرا لإصابتها باضطرابات تنفسية، نتيجة طول المخاض الذي أصاب والدتها.
    دخلت الخالة و اقتربت من الحاضنة، و سألت الممرضة عن حالتها، فأخبرتها أنها تعدت مرحلة الخطر، فاستبشرت خيرا و توجهت لغرفة العناية المركزة حاملة معها هذه البشرة لأختها نادية عسى هذا الخبر يساهم في رفع معنوياتها.
    دخلت الأخت في غرفة العناية المركزة بعد أن توسلت للطبيب المناوب بالسماح لها بهذه الزيارة، تاركة مجموعة من الأهل جاءوا للزيارة. أما الباب
    اقتربت من سريرها بخطى بطيئة حتى لا تزعجها ،و انحنت عليها مقبلة وجنتين تحول لونهما الأحمر الوردي إلى اصفرار مرعب كما اضمحل الجسد الذي كان يملأ السرير بالأمس القريب معلنا صفارة الخطر .و اندثرت سمات الجمال تاركة مكانها لتجاعيد ليست أهلا لذالك الوجه المنير.
    أحست نادية بالقبلة على وجنتيها، ففتحت عينيها مبتسمة بثغر فضح الآهات و الحسرة و الخوف التي تحاول نادية إخفائه عن أختها.
    كانت نادية تحاول سجن شعورها و عدم البوح بآلامها لكن ملامحها وقفت ضدها وفضحت المستور، و تفطنت أختنها سميرة لما تعانيه ابنة أمها فبادرت قائلة:
    كيف حالك اليوم أراك أفضل من الأمس قولي؟هل أكلت شيئا؟
    تجيب نادية الحمد لله ،لكن ـأريد منك خدمة.
    اقتربت سميرة أكثر و قالت :بكل سرور ماذا؟ قولي يا أختي. فأجابت نادية :أريد أن أراها أرجوك؟
    تصورت نادية أن المطلوبة هي الوالدة المعاقة ، فردت بتلقائية:
    أمي؟ لكنك تعلمين أنها لا تستطيع الحركة .
    طأطأت رأسها هنيهة و قالت :
    أمي أعرفها.....أريد أن أٍرى من لا أعرفها- قالت هذه العبارة و قد أذرفت دمعتين وحيدتين-و واصلت :أريد أن أرى نور.
    و هنا ردت سميرة :نسيت أن أبشرك والله هي بخير لقد زرتها قبل مجيئي هنا و رغم هذا سأحاول مع الطبيب.
    خرجت سميرة مهرولة و توجهت نحو جناح الأطفال لتقابل الطبيب الذي طلبت منه أن يسمح لها بأخذ نور لتتعرف عليها أمها، لكنه رد بصرامة:
    لا يمكن، و هذا مستحيل، الرضيعة حديثة الولادة لا يمكن أن تغادر الحاضنة إلا إذا عاد تنفسها للوتيرة الطبيعية، و أمها متواجدة في قاعة تشكل خطرا على الرضيعة حتى و لو كانت في صحة جيدة.
    راحت سميرة تتوسل إليه و تخاطبه بأرق ما يهز الوجدان و راحت تسرد تفاصيل حياة أختها، و عقبت أيعقل يا دكتور أن تتواجد أم مع ابنتها في نفس المستشفى دون أن تتعرف الواحدة على الثانية؟ فقال الطبيب بكل علمية هذا صعب لكن في مصلحتهما.......... و انسحب قائلا:قضاء و قدر.
    و أحست سميرة أن قدميها عجزتا عن الحركة، و حاولت شحنهما بكذبة
    دبرتها عسى تنام نادية هذه الليلة و دخلت غرفة نادية مرة ثانية، و راحت تطمئنها قائلة:لم أجد الطبيب المسؤول الآن، قالت الممرضة غدا سيكون في مكتبه ،إذا غدا سنحاول معه.
    تنهدت نادية قائلة لأختها،
    انظري الحليب بدأ يتجمع في ثديي، ويتدفق دون إذن و لا طلب،حليب لم يجد له وعاء يحويه،و تاه بين سندان المرض و مطرقة الأطباء.
    حضنت سميرة أختها نادية ثم ودعتها مسجلة متطلباتها المادية لتحضرها معها في المساء،و غادرت المستشفى على أن يبقى زوج نادية في الحراسة من خارج الغرفة.
    كانت سميرة لا تلبث أن تصل للبيت حتى تبدأ من جديد التحضير للعودة إلى المستشفى، كانت أختها تكبرها بسنتين فقط، لكن كانتا شبيهتين بالتوأم كما كانتا تكنان لبعضهما حبا منقطع النظير.و راحت سميرة تفكر في الخطة التي تجعل نادية ترى ابنتها و تحضنها،غير أنها كلما رسمت خطة كانت نهايتها تحتمل الخطر على صحة الأم أو الرضيعة،و هي ترفض أن تكون سببا في مكروه يصيب أختها.
    جاء المساء و عادت سميرة للمستشفى لتطلع على حال أختها،و دخلت الغرفة كالعادة ، قبلتها و مكثت جنبها موجهة لها نفس الأسئلة نمت؟أكلت؟ارتحت؟و تجيب نادية نفس الإجابة أحمد الله ؟و تطلب نفس الطلب أريد أن أراها......................................
    لاحظت سميرة أن أختها تسير نحو الفناء، فلم يبقى من أنوثتها سوى الاسم، ومن أحلامها سوى المقدمة، و من سعادتها سوى الذكريات.
    نظرت نادية لأختها نظرات توسل قالت من خلالها أشياء كثيرة ’فهمتها سميرة دون عناء و طلبت منها أن تسكت و لا تتعب نفسها في الكلام و ذلك خشية أن تتفوه بجملة ترفض سميرة سماعها ألا و هي "سأموت دون أن أرى ابنتي"و راح العجز في حل هذه المعضلة يقطع فؤاد سميرة و رفعت يديها للسماء متوسلة العلي القدير أن يشفي أختها و يساعدها على النظر لفلذة كبدها، و أجهشت سميرة بالبكاء و خرجت من الغرفة و راحت تبكي و تبكي حتى أصيبت بهستيريا جعلت أغلب المتواجدين في الجناح يهبون حولها متسائلين عن الأمر و منهم حتى من ضن أن أختها فارقت الحياة .
    غرق الحضور في نقاش هذه المشكلة الإنسانية،و المؤلمة راح كل واحد يدلي بدلوه و راحت الاقتراحات تصب من كل حدب و صوب دون خلاء أي واحدة من احتمال الخطر على الأم أو المولودة .و في هذا الجمع الغفير تقدم زائر للمستشفى من زوج نادية و قد سمع كل ما دار من حوار و سأله :
    هل عندكم هاتف نقال بآلة تصوير؟فأجاب الزوج نعم نعم عندي، فرد عليه :خلاص يا أخي، خذ صورة للرضيعة و أريها لأمها على شاشة الهاتف لحين ظروف مغايرة .
    سمعت سميرة الاقتراح فانطلقت كالبرق و راحت نحو طبيب الأطفال الذي أبدى تحفظا في البداية متحججا بالإشعاعات التي يبعثها الهاتف و التي لا تقل خطرا على صحة الرضيعة لكن دموع سميرة و هي تتوسل إليه معلنة أن أختها على مقربة من أجلها، جعلته يسمح لها بالتقاط صورة أو اثنين فقط

    راحت سميرة تسرع الخطى نحو غرفة نادية،و عند عتبة الباب قالت:
    نادية أنظري ..هاهي نور، لقد التقطت صورتها لترينها ريثما تأتيك أو تذهبين لها .
    جمعت نادية ما تبقى في جعبتها من قوى، و طلبت من سميرة إسنادها و مسكت الهاتف و راحت تحدق تارة و تقبل أخرى و تحتضن ثالثة وطلبت من أختها تمديدها مرة أخرى و ضعت الهاتف على فمها و رفضت تغيير الوضعية فتدخلت سميرة قائلة هيا لقد تعرفت على نور، سأستخرج نسخة للصورة غدا و أضعها لك إن شئت في إطار وضعيها جنبك لكن نادية لم تسمع أختها و رفضت ترك الهاتف، حاولت سميرة أخذه منها، فانساب مغادرا شفتيها و سقط أرضا.
    نادية فارقت الحياة.

  2. #2
    الصورة الرمزية آمال المصري عضو الإدارة العليا
    أمينة سر الإدارة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : Egypt
    المشاركات : 23,786
    المواضيع : 392
    الردود : 23786
    المعدل اليومي : 4.13

    افتراضي

    تعارف في زمن احتضار
    وحياة توهب وأخرى تفنى دون اللقاء
    رائعة أخت زليخة اكتملت فيها عناصر القصة صيغت بأسلوب شيق وسردية موفقة
    ونهاية مؤلمة
    ضن - ظن
    هستيريا - توضع بين قوسين
    مبدعة أنت
    تحاياي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Apr 2012
    المشاركات : 84
    المواضيع : 18
    الردود : 84
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    الأخت أمل
    كم أنا سعيدة بهذه التوجيهات أنا لا أعرف أين كنت غائبة عن هذا الموقع المفيد أشكرك جزيل الشكر

المواضيع المتشابهه

  1. طلاب آخر زمن، لأ ونظار آخر زمن!
    بواسطة ماجدة ماجد صبّاح في المنتدى أَدَبُ العَامِيَّة العَرَبِيَّةِ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 12-10-2007, 09:28 PM
  2. تعارف
    بواسطة جمال العربى في المنتدى الروَاقُ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 13-04-2007, 10:03 PM
  3. هل من يبادلني الرأي ؟ ادخل بسرعة تعارف وسياسة
    بواسطة نورالدين في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 26-10-2005, 02:25 AM
  4. جلسة تعارف خسيسة
    بواسطة عبد الواحد الأنصاري في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 03-09-2005, 10:10 AM
  5. تعارف
    بواسطة عمرو علي احمد في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 01-05-2005, 09:40 PM