الشيخ والقلقاس والثورة

بقلم:سامح عسكر

بعد تعيين الشيخ فالح حرمة أكل القلقاس منذ عام ونصف حتي سرت هذه الفتوي في دماء محبيه مسري الدم في العروق، حتي تيقن الجميع بأن القلقاس حرام شرعا لأنه لم يرد في سلف الأولين وأن الأدلة من الكتاب والسنة علي حرمته متواترة!.. وأنه لا يجوز لأحد أن يطعن في هذا الحُكم لأنه وبهذا الطعن سيكون ممن يحاربون الله ورسوله..

مرت الأيام والشهور حتي خرج الشيخ فالح علي محبيه في الفضائيات كعادته وعلي رأسه الوقار والهيبة، ينشر كتاب الله وسنة رسوله داعيا للناس بالوعد والوعيد حتي ذاع صيته وانتشر محبوه، وألف الكتب والمراجع والأبحاث وغدا نبيلا في قومه، ولكن مع ذلك بقي معزولا عن من خالفه في الفقه والعقيدة والسياسة، ذلك مما أثر علي فتاويه التي صبت كلها في اتجاه واحد يرفض فيه كل من يخالفه، ولا مانع من الشدة علي المخالف حتي لو اضطره ذلك للشتائم والنذر بالوعيد في الدنيا والآخرة..

كان ذلك نهج الشيخ فالح الذي نشأ عليه وشربه من شيوخه حتي ظن أن الجنة ملك له ولشيعته استنادا لعقيدة الفرقة الناجية، التي تَحكم بأن الجنة حصريا لمن سلك سنة رسول الله ومن أعرض عن السنة فهو في النار، ذلك وفي اعتقاد الشيخ فالح أنه ومن سري علي دربه هم الوحيدون الذين ينفذون وصايا الرسول وتعليماته بصدق وفهم وإخلاص، وبهذا بدأت تنغرس في قلوب محبيه ثقافة العلو والكبرياء، فهم يعتقدون -حسب زعمهم- أن الناس عصاه ومذبذبين في أديانهم،ولابد من تحذيرهم وتبشريهم...

ظل هذا منهج الشيخ وأتباعه حتي أتي دور السياسة وثار الشعب في بلاده علي الحاكم، وطالب الثوار المنتفضين بإسقاط النظام..هنا أتاه في داره تلميذه أبو المواهب مهرولا قلقا مما يجري علي الأرض..دخل أبو المواهب علي الشيخ فالح ودار هذا الحوار..

أبو المواهب: ياشيخ فالح شوفت اللي بيحصل في البلد الأيام دي؟

الشيخ فالح: شوفت يابو المواهب وأنا حزين..

:أنا لسه جاي لي تليفون دلوقتي من الأمن بيقولوا فيه"همتك معانا ياشيخ دول شوية عيال" وانت عارف يابو المواهب إن الجماعة دول رقبتنا في أيديهم، هايقفلوا لنا القناه الفضائية وهايمنعوا نشر الكُتب بتاعتنا ووجع دماغ.!!...

هنا هدأ أبو المواهب قليلا ثم حك سبابته في رأسه ثم قال: طب ياشيخ فالح هو مش اللي حصل دا برضه يبقي خروج عن الحاكم؟...والخروج عن الحاكم حرام.!

الشيخ فالح: إنت شايف كده؟

أبو المواهب: هو مافيش غير كده علشان صورتنا أمام الناس..

-هنا قام الشيخ فالح من مقامه علي الفور واتصل بمسئولي القناه الفضائية وقال لهم أنه يريد عمل حلقة كاملة عن الأحداث الجارية، وأنه ينبغي الإعلان عن ذلك كي يشاهد الحلقة اكبر عدد من الناس..

خرج الشيخ فالح وفي طريقه لاستوديو القناه قابله أحد حُراس أمن العقار الذي يسكن فيه، وقال له" ياشيخ فالح إدعي لي بالبركة أنا ربنا تاب عليا من القلقاس والحمد لله" رد عليه الشيخ فالح ودعا له بالبركة وأن ينير الله بصيرته بنور أهل السنة والسلف الصالح..

-وصل الشيخ فالح للأستوديو ثم قال للمصور والمخرج أمهلوني ساعة من الآن كي أراجع علمي الذي سألقيه علي الناس، هنا كان المشاهدون ينتظرون الحلقة بشغف ولهفة، ثم ما إن ظهر الشيخ فالح علي شاشة القناة إلا وساد الصمت أرجاء الديار وانتظر الناس تعليمات الشيخ الجليل.

-بعد أن استهل الشيخ فالح خطبته بالصلاة والسلام علي رسول الله ثم مقدمته المعتادة ودعائة للمسلمين في كافة أرجاء المعمورة ثم قال:

"اللي بيحصل في البلد الأيام دي ياجماعة لا يرضاه أي مسلم ملتزم يحب الله ورسوله ، إحنا ياما كنا بنحذر الناس من الخروج عن الحاكم يقوم يرد علينا البعض ويقول انتم موالين للسلطة وآدي آخرتها موت وسرقة وبلطجة وانعدام أمن......."

وهنا علا صوت الشيخ قليلا:

"ياجماعة الخروج علي الحاكم حراااااااااااااااام..."

ثم أردف قائلا:

"الخروج علي الحاكم حرام حتي لو ضرب ظهرك..! دا مش أنا اللي باقول.كده .إوعي حد يقول إن الشيخ فالح بيجيب كلام من عنده...دا اللي قايل الكلام دا سيدي وسيدك رسول الله صلي الله عليه وسلم....يعني ما نجيش نقول قال رسول الله وانت ترد وتقول لا قال فلان وعلان.

وتيجي تشوف فلان وعلان دول مين تلاقيهم عالم جهلة بالدين، شيخ واخد لي دكتوراه من بير السلم، والثاني عامل لي فيها داعية وبينشر لي سلسلة الدعوة وهي في الحقيقة سلسله هاتتلف حوالين رقبته..!!..، والثالثة عامله لي فيها سكسكة زمبلك!..، وواحد ليل نهار لابس لي قميص بحمالات والتاني عايش طول عُمره برة ومجوز بنته لواحد نُصراني وكان سبب في إن شعب بحاله يقع تحت الإحتلال وبايع بلده بحجة شُغله، يبقي منين دول هايحسوا بينا؟؟..!!..طب ياجماعة دول هايفهموا دينهم منين إذا ما كناش إحنا اللي نوعيهم ونعلمهم..!

أنا بتحسر علي حال الأمة لما ناس أصحاب أجندات خارجية يتحكموا في بلدنا وهما اللي يوجهوا شبابنا ويضيعوا البلد..صلح نفسك انت الأول وبعدين بُص علي الحكومة..وباختصار ما حدش هايفهم الدين أحسن من الرسول صلي الله عليه وسلم يبقي لما يقول لنا إن الخروج عن الحاكم حرام مانرجعش نقول له ، لأ يارسول الله إحنا لازم نخرج إحنا عارفين أكتر منك وفي الآخر بيدعوا إنهم مسلمين..مسلمين ازاي وانتوا بتنكروا كلام سيدكم؟!

-لو جيتوا تبصوا علي شوية العيال اللي قاعدين في الميدان هتلاقيهم ما بيصلوش الفجر ولا بيصلوا جماعة دا حتي نصهم ما بيصليش خالص، بيقي منين هايفهموا الدين ويقيموا شرع الله..وبعدين نرجع ونقول واحنا ليه دايما في تراجع وخيبة.!!...

هذا الدين لن يقوم إلا علي أكتاف من حمل لواء السنة والجماعة والسلف الصالح لازم ندعي الناس ونفهمهم ونوعيهم إن اللي بيحصل في البلد دا فتنة وبدعة من أعظم البدع لأنها كانت سبب في استحلال الدماء والأموال، لازم نقول للناس إن اللي بيحصل في البلد دا فتنة قام بيها ورعاها مجموعة من دعاة الفتن والمعاصي، دول حتي في المديان مختلطين شباب علي بنات وكله هايص في بعضه، يعني معجنة دا حتي ما يرضيش ربنا..!!

-كمان أنا عايز أقول حاجةهي بلدنا وِحشة؟!..دا احنا ما شاء الله كل سنة الحكومة بتعمل لنا حاجة جديدة، الحكومة بتعمل اللي عليها إنت برضه إعمل اللي عليك، ثم الحاكم ياجماعة بتاعنا كويس ، يكفي إنه سمح لينا إننا نتواصل معاكم عبر القنوات الفضائية و إننا نعلمكم دينكم، وإلا كنتم هتعرفوه منين، من العلمانيين ولا من النصاري؟!..فوقوا كده ياشباب واعرفوا مصلحة البلد فين..!"

-هنا ساد التذمر علي بعض وجوه متابعي البرنامج في البيوت وفي الأستوديو ، فقد شعروا بأن الشيخ فالح يدعو للحاكم ويهاجم الثورة، بينما ساد الإرتياح قلوب بعض محبي الشيخ وقالوا أن الشيخ فالخ يتحدث بالعقل والمنطق، وأن البلد لن يُنقذها إلا أمثال أسد الإسلام الشيخ فالح كما يصفونه..

ثم أنهي الشيخ فالح خطبته بالدعاء للوطن وللشعب ، ثم دخل في وصلة بكاء هستيرية يدعو فيها للشباب وللبنات بأن يهديهم الله إلي طريق السنة والسلف الصالح وأن ينبذوا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يُعلوا مصلحة الوطن فوق مصالحهم ومصالح من يضحك عليهم ويوهمهم –حسب قوله-ثم دعا للحاكم بأن يُريه الحق ويثبته عليه وأن تنعم البلاد في الأمن والأمان...

ما زلتُ أبحثُ عن صِفريّةٍ تُركتْ * علّي أعانقُ فيها الفكرَ والأدبا
--------------------

أخي الأكرم الأستاذ سامح
أسعد الله أوقاتك
بدأت بقصتك بهذه ( الفتوى ) الغريبة والتي ما أنزل الله بها من سلطان ، بتحريم القلقاس على الناس - على فائدته الغذائيّة العظيمة - لتحضر إلى الأذهان الحاكم بأمر الله الفاطمي الذي حرّم على أهل مصر زمناً أكل الملوخيّة ! وكأنك تلمح إلى شبه أمثال هذا ( الشيخ ) بذلك ( المستبد ) ..
القصّة تعرض وجهة نظر الأخ الكاتب بما جرى ويجري في مصر ، وهي رأي يتبناه الكثيرون في مصر - وخارجها - كما أعتقد . وإن كنتُ لستُ منهم .
ضمنتَ النصّ - على لسان الشيخ - معنى ما قاله واحد من ( علماء السلطان ) في بلد عربي ذبيح ، حين قال عن الثوار ما معناه أنهم انتعلوا المساجد ، وأن جباههم لاتعرف السجود !! ولعلّ الشبه كبير بين ( الشيخين ) !!
أما طرح فكرة ( الخروج على الحاكم ) بهذه البساطة والتسطيح فلعلها تشوش أذهان العامّة ، وكثير ممن لم يتعمقوا في حكم الشرع بهذه القضيّة .. وكنت أتمنى - احترازاً - أن تُترك لأهل الذكر ..كما تُترك قضايا الطب لأهل الطب مثلاً ..
أخي الأكرم ، كُتب معظم النص باللغة غير الفصحى ، باللغة العامية المصريّة المُحببّة إلى قلوبنا جميعاً ، لكننا في مقام الأدب الفصيح ، فلا بدّ أن نكتب باللغة الفصحى السليمة على أقل تقدير ، ليفهمنا كلّ من يلهج لسانه بلغتنا المقدّسة ، ولا يَردّ رأيي أن العاميّة أكثر تعبيراً عن الحال ، وأقرب إلى الواقع ..لا ، انظر وتأمل في كل ما كتبه نجيب محفوظ - والمكان في كل أعماله لم يُغادر القاهرة والإسكندرية على حدّ علمي - فقلّما ، ونادراً ما يكتب لفظة عامية ! كان يُعبر على لسان كل الطبقات بالفصحى ، ينزل بها ويعلو بحسب واقع الشخصية .
تفتقد القصّة إلى الإثارة ، والعقدة ، وهذا أضعفها فنياً ..
أرجو أن تتقبل رأيي بقبول حسن
ولك تحياتي وتقديري

بارك الله فيكم أخي الأستاذ مصطفى حمزة..

هذ المشهد كتبته منذ أكثر من عام ،وكان هذا هو المشهد الثاني للقصة..المشهد الأول كان بعنوان"الشيخ والقلقاس"..أما المشهد الثالث سيكون بعنوان.."من يوميات الشيخ فالح يوم أن يتحول القديس إلى مستهلك"..فكرة المشهد الثالث موجودة ولكن لم أنوي كتابته بعد ربما يكون في القريب العاجل بإذن الله لانشغالي ببعض الأشياء..

قضية تحريم القلقاس لا تقف عند حدود تحريم ما أحله الله من الطعام بل إلى تحريم طيبات أخرى غير الطعام..وهذا ما قصدته كإشارة إلى تحريم أشياء مختلف فيها بين الفقهاء ما بين الحِلِّ والحرمة..ما بين القول بطيبها أو القول بخَبثها..مما يُلجئ القاصّ إلى وضع قصص للترهيب ولقطع دابر الرأي الآخر عبر وضعه في حالة صدام بينه وبين الواقع-القصص المفبركة أو المُأوّلة تأويلا فاسدا.

أعلم أنه ربما تفتقد القصة للتشويق والإثارة..وهذا لأنها ليست قصة بمفردها وكاملة..بل هي جزء من منظومة قصصية تُحاكي أنماطا من الدعاة يتلمس أمرهم الناس..وينخدع بهم البسطاء..