أحدث المشاركات
صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 28

الموضوع: مَناسك حَمّام الجَدّة

  1. #1
    قاصة
    تاريخ التسجيل : May 2012
    المشاركات : 1,224
    المواضيع : 115
    الردود : 1224
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي مَناسك حَمّام الجَدّة

    مَناسِك حَمّام الجَدّة
    قدِمت الجَدّة فاطمة دون رغبتها الى المدينة، من قريتها الكائنة حيث ينحنى نهر النيل ثم يستقيم مسرعًا نحو الشمال يَشق التِيه، تحُفه أشجار النخيل الباسقة، ورمال الصحراء، وآثار التاريخ القديم. فقد الحَ عليها ابنها الوحيد أن تأتى لتعيش معهم فى المدينة. حيث يشغل مركزا مرموقا ويعيش مع زوجته وطِفْليه. عندما علمت بنبأ رحيلها من القرية إنتابتها حالة من الإكتئاب. لأنها تكره الرحيل لإرتباطها العميق بجذورها فى القرية، فأودَعت أغنامها للحاجة نفيسة لترعاهم فى حظيرة أغنامها حين عودتها. وطلبت من ودعَكر أن يتعهد حقلها ونخيلها عند ضفة النهر بالرىّ، ثم غادرت القرية.
    مَرت الأيام وأعقبتها الشهور، وهى تنادى بالرحيلِ حيث ينحنى نهر النيل. وابنها يوعِدها بالرجوع للقرية يومًا بعد يوم حتى يئست. وأصبحت كثيرة الصمت، لاتداعب أحفادها كما كانت ولاتتحدث مع زوجة ابنها.
    وإنعزلت عن مجتمع المدينة، لاترحب بالزوار ولاتخرج مع الأسرة. تجتر ذكريات القرية. وصويحباتها المُسنات، عندما يجلسن ليتسامرن طوال اليوم تحت شجرة النيم الظليلة فى بيتها المتواضع المبنى من الطين كبقية بيوت القرية، تغشاهن غفوة تقدم العمر لاإرادياً عند منتصف النهار، فينمن كأصحاب الكهف . ثم تزول الغفوة فينهضن يحتسين الشّاى ويثرثرن، حتى إذ إنقضى النهار مُفسحًا للليل مكانه، توشحت القرية السواد الحالك، ينبَلِج ضُوء القمر وتتسرب خيوطه الفضية بين أشجار النخيل، لترمى بظلالها التى تتحرك مع نسائم الليل كالأشباح على صَفْحَة النيل . عندها يخرجن النسوة لجلب الماء . كانت تتذكر كل ذلك وتتحدث كثيرا قبل أعلان اضرابها عن الحديث وعن الحَمّام. صمتها كدر صفو حياة الأسرة. حياة المدينة الصاخبه الفردية لاتستهويها حيث لاتجد العفويّة، كل شئ مُتكلّف تطالبها زوجة ابنها بأن تغير لهجتها القروية التى تتحدث بها حتى لاتفضحها مع جاراتها، وهى لاتستطيع الى ذلك سبيلاً. وأن ترتدى الثياب التى تختارها لها، وأن تَسّتحِم كلما أمرتها بذلك. الجَدّات المُسنات فى المدينة منبوذات فى حُجرات تنتبذ ركنًا قصيًا من المنزل. وهذا ماأثار حفيظتها وجعلها تتمرد على حياة المدينة.
    إجتمع مجلس الأسرة ليناقش الجَدّة فاطمة لتفك إضرابها عن الكلام والحمّام. اذ صارت تنبعث منها رائحة العرق والملابس المُتسخة. رفضت رفضًا باتًا التفاوض خاصةً الحمّام، لانها تكره حمّام المدينة المُتحضر لاتريد أن تستحم بماء يخرج من ثقوبٍ آلةٍ وهى تقف على حوض أبيض زَلِق هذا جنون. أخيرًا بعد أن هجر أحفادها حجرتها النَتِنة، وأصبحت وحيدة لايستطيع أحد الجلوس قُربها.
    نادت على ابنها وهمست له: أُريد أن استحم
    قفز واقفًا وصفق بيديه فرحًا لقد تركت أمه العِصيان. نادى زوجته وأمرها بتجهيز الحَمّام. صرخت الجدة بأعلى صوتها: لا أريد حمام المدينة أريد حمّامى الذى تعودت عليه فى القرية. داخل حجرتى لن أتحرك من هنا.
    إمتعضت الزوجه وعبّرت عن سخطِها بضرب أقدامها بشدة على الأرض، وقذفت بالمناشف بعيدا فهى لاتعرف حمّام القرية.
    حذرت زوجها بأنها لاتستطع مجاراة عِناد أمه. ولاتعرف طقوس حمّام القرية لانها بنت المدينة.
    قالت لها الجدة: زمان.. زمن ..الزمان ..زين . كنت أريد لابنى زوجة من قريتنا ولم يسمع كلامى تعرف كل شئ ولاتتضجر مثلك. تبا لك
    صمتت الزوجة وهى تنظر اليها نافدة الصبر تكتم غيظًاً، والجَّدة تستعرض بنات القرية ..ه.ها. ام الحسن بنت مقبول..والرضيّة بنت أبوزيد..ه.ها.. كلهن أجمل منك وتكيد لها وتهمهم وتكيد وتكيد حتى غفت فى سبات عميق غفوة تقدم العمر اللاإرادية .
    جاء ابنها وطلب منها أن تشرح لزوجته حمّام القرية. استعدلت الجدة جلستها ومَصّمصت شفتيها مُستهجنه جهل زوجة ابنها قالت: أولا أزيلى هذا السِجّاد من حجرتى..ه.ها.. وضَعى الطست فى منتصف الحجرة..ه.ها.. واملائى الجَرّدل بالماء..ه.ها.. وضعى الصابونة فى لِيفة آآآ لا أريد ليفة البندر أريدها من لحاء شجرة النخيل..ه.ها وأحضرى كوبا لاصب به الماء فوق رأسى..ه.ها..فهمتى. وواصلت همهمتها..ه..ه..ها!. أسرعت الزوجة تكتم إنفجار يمور فى داخلها كالبركان. وأزالت السِجاد من على بلاط السراميك، ووضعت لها كل ماطلبته. تحركت الجَدّة ببطء وخلعت ملابسها المتسخة والقت بها على الأرض. وتوسطت الطَسّت وجلست القرفصاء، وتناولت الكوب ودلقت الماء فوق رأسها، فتسرب مندفعًا فى إنحناءت جسدها المُترهل متخذًا طريقة نحو الأسفل، هى تلاحقة بالصابونة المتمردة الملفوفة داخل اللِيفة، تنفلت من يدها المرتجفه فتَلّعنها الجَدَة، محاولة إزالت الأوساخ التى تراكمت مع العَرق ــ ابتسامة الرضا تُنير وجهها المتغضن ــ فقد انتصرت على زوجة ابنها، فهى لم تمارس مَناسِك حَمِام القرية منذ قدومها، انتشر رذاذ الماء، وتناثرت الرغوة على السراميك وامتلأت أرضية الحجرة بالماء وفقاعات الصابون، وعندما نهضت الجَدّة واقفةً من جلسة القُرفصاء خارج الطَسّت وضعت قدمها على الصابونة فزَلّت.. وسقطت محدثا ضجيجًا عاليًا اذا حاولت التمسك( بجَرّدل) الماء فانزلق هو الآخر مُغرقاً الحجرة بالماء. هرول الجميع لاستجلاء الخبر فوجدوا الجَدة ملقاةٌ على الأرض عارية، أسرع ابنها والقى عليها ثوبها، ونُقلت للمشفى لعلاج الكسور المُركبة التى أصابتها إثر مَناسِك حمَام القرية.
    قطار الشمال ينهب الأرض نهبًا، فى اتجاه منحنى نهر النيل حيث تطلّ الجَّدة من النافذة فترى صويحباتها السُرة، وسعدية، ونفيسه، وصالح صاحب الكَنْتِين والكَجم الجزّار، والحَقِى بائع الخضار، والترزى عبد الكريم وكل القرية التى إفتقدتها فرحةً بقدومها، رَسمت خطواتها فوق الرمال، وعادت أغنامُها الى الحَظِيرةِ.

  2. #2
    الصورة الرمزية وليد عارف الرشيد شاعر
    تاريخ التسجيل : Dec 2011
    الدولة : سورية
    العمر : 60
    المشاركات : 6,280
    المواضيع : 88
    الردود : 6280
    المعدل اليومي : 1.39

    افتراضي

    رائعة استمتعت بها مبدعتنا الفاضلة وراق لي تصوير هذه الشخصية التي أعلم بوجود شبيهاتها في بلداننا العربية كثيرًا كما استمتعت بالسردية المتقنة لقاصة قديرة .. وأتت النهاية تتويجًا لهذه الحميمية الجميلة
    أتمنى عليك فقط أختي الكريمة وربما تعذريني لإلحاحي أن تشاركي الزملاء والزميلات في أعمالهم فكما تعلمين فإن صرحنا يفخر بالتفاعلية بين جميع رواده ومحبيه
    مودتي وتقديري كما يليق

  3. #3
    قاصة
    تاريخ التسجيل : May 2012
    المشاركات : 1,224
    المواضيع : 115
    الردود : 1224
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي

    مشكور أخى وليد
    على المرور والتعليق.. كما تعلم أنا عضو جديد أقرأ كل القصص لأتعرف على الكتاب من قصصهم وتعليقاتهم وستجدنى مشاركة لهم بمرور الوقت الساكن الجديد فى الحى دائما بيكون حذر لغاية مايتعرف على الناس. مودتى .

  4. #4
    الصورة الرمزية كاملة بدارنه أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2009
    المشاركات : 9,824
    المواضيع : 195
    الردود : 9824
    المعدل اليومي : 1.85

    افتراضي

    هو التّمسك بكلّ ما يعتاده المرء من سلوكيّات وعادات، وكلّما طال العمر ازداد التمسّك بهذه الخصال التي تتأصلّ ، وإن كانت في نظر آخرين تافهة
    وكثيرا ما يؤدّي التّمسك بالامور التّافهة إلى الخسارة والمخاطر
    قصّة رائعة الفكرة والسّرد
    بوركت
    تقديري وتحيّتي
    حبّذا لو انتبهت للهمزات ولبعض الأخطاء قبل النّشر
    (تخرج النّسوة - فهمت - انفجارا - انحناءات - إزالة - محدِثة )

  5. #5
    الصورة الرمزية آمال المصري عضو الإدارة العليا
    أمينة سر الإدارة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : Egypt
    المشاركات : 23,786
    المواضيع : 391
    الردود : 23786
    المعدل اليومي : 4.14

    افتراضي

    هو التمسك بالعادات البيئية والتي بمرور الزمن يصعب على الفرد أن يخلع رداءها ويرتدي آخر يراه غير مناسب أو ليس على المقاس كما يقال
    شخصية الجدة ظريفة جدا وربما مرت علينا كثيرا في الواقع نماذج مماثلة
    وقد صورتها لنا أديبتنا القديرة باقتدار
    دام ألقك
    ومرحبا بك في واحتك
    تحاياي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  6. #6

  7. #7
    قاصة
    تاريخ التسجيل : May 2012
    المشاركات : 1,224
    المواضيع : 115
    الردود : 1224
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي

    الأخت الأستاذة كاملة
    شكرا على المرور والتصحيح لقد قمت على الفور بتصحيح المفردات فى النص أتمنى دائما أن تلفتى نظرى للأخطاء حتى نرقى بلغتنا الجميلة عندما نتعلم من بعضنا.
    لك مودتى

  8. #8
    قاصة
    تاريخ التسجيل : May 2012
    المشاركات : 1,224
    المواضيع : 115
    الردود : 1224
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي

    الأديبة آمال
    يسعدنى مرورك وتعليقاتك تشجعنى وشكرا لك فعلا هذه الجدة تمثل كل شخص عندما يتعلق وجدانه بأشياء نعتبرها غير ذات قيمة. عندما أحضر أبى جدتى من القرية كان تلح للرجوع بسبب حيواناتها عبارة عن حمار وواربعة عشر رأس من الأغنام وتعيش معهم بمفردها تجلب الماء من البئر والحشيش من الزراعية وعمرها ثمانين سنه ولاتشكى من اى مرض حتى وفاتها.

  9. #9
    قاصة
    تاريخ التسجيل : May 2012
    المشاركات : 1,224
    المواضيع : 115
    الردود : 1224
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي

    الأخت نداء الشاعرة
    سعدت بمرورك وإعجابك بقصةتلامس الواقع. إن المكان والزمان حالة تتقمص الأنسان لذلك كان عشق الأوطان علما بان الأرض والسماء واحدة فى جميع انحاء المعمورة ولكن حب المكان يشكل وجدان الانسان تراق الماء من أجل الأرض البكماء ولكن لهذه الأرض حديث فى دواخلنا هى أرض الاجداد ومرتع الطفولة وهوىة للانسان لذلك أرثى للنازحين واللاجئيين والحديث يطول

  10. #10
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Apr 2012
    المشاركات : 84
    المواضيع : 18
    الردود : 84
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    أختي القاصة
    نفس هذه الشخصية تسكن معي و هي ذات 98حولا : هي والدتي .و إلى غاية كتابة هذه السطور لا زالت تنادي بالرجوع إلى منزلها القديم و تفقد كؤوسها الصفراء و فناجينها البيضاء
    و نخبرها أن صاحب السيارة الذي ينقلنا إلى البيت القديم لا زال لم يصنعها بعد،
    إنه أرذل العمر يا أختي .
    وصفك جميل جدا.
    بالتوفيق.

صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. سيرة كرسيّ الجدّة
    بواسطة عبد الواحد الأنصاري في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 12-08-2022, 10:35 AM
  2. ملخص مناسك الحج والعمرة
    بواسطة عبد الرحيم بيوم في المنتدى مُنْتدَى رَمَضَان والحَجِّ
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 29-06-2022, 09:18 AM
  3. ليـــلى.. ليلى، بنتُ الجدّة
    بواسطة عبلة الزغاميم في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 11-04-2013, 06:21 PM
  4. فضل مناسك الحج
    بواسطة رنده يوسف في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 07-01-2008, 11:25 AM
  5. فاطمة النجار ـ الجدة الشهيدة
    بواسطة إسماعيل صباح في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 20-12-2006, 06:17 PM