أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 14

الموضوع: رحلة السماء

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jun 2011
    المشاركات : 1,521
    المواضيع : 347
    الردود : 1521
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي رحلة السماء

    بسم الله الرحمن الرحيم
    رحلة الأرض والسماء
    كان العام كئيبا حزينا !! لحزن المصطفى صلى الله عليه وسلم وسمي عام الحزن , كيف لا, وقد اختطف الموت أعز حبيبين لرسول الله (ص) وأعظم نصيرين لدعوته , وهما عمه أبو طالب وزوجته خديجة...وتضاعف حزنه خشية على الدعوة وهو يرى قريش تتربص به وبالثلة المؤمنة , كانت أسوار أبي طالب , وحصون خديجة تمنعهم عنه , يا لشدة حزنه!! لقد أضيف إلى همه وحرصه على توسعة الدعوة خوفه على نواتها التي تكونت بشق الأنفس, أيعود إلى الصفر وتجهض دعوته, وتموت بذرته , ويستمر الطغيان والظلم والفساد ولا يعبد الله على ظهر الأرض ..
    لقد لاذ بربه يدعوه بأن يهيئ له ناصرا , ويسهل له سبيلاً , تحفظ فيه دعوته , وتنمو فيه بذرته , ويتكاثر زرعه , كي ينقذ قومه من براكين الضلال وأوحال الظلام.
    انفتحت له فكرة الرحيل إلى الطائف لعل الله أن يفتح قلوب أهلها له ويشرح صدورهم لدينه , فيكونون عونا لنصرته وتكون الطائف محضنا لدعوته , فكان هذا أمله للخروج مما ألم به , وأطمع أعداءه فيه , لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن ,أراد الله أن يمحصه ويبتليه , فالأنبياء أشد الناس بلاء والمرء يبتلى على قدر دينه ,فقد سخرَ منه أهل الطائف وآذوه إيذاء شديداً...فعاد على وجهه هائما لا يتبين طريقه.
    لقد غضبت السماء لما أصابه( ص) ونزل ملك السماء يريد أن يطبق عليهم الأخشبين وهنا تتجلى عظمة النبوة , فمع ما أصابه (ص) , لكنه كان من فيض رحمته خائفا أن يصيبهم الله بعقابه , ويعمهم بعذابه , فكان يدعو ربه: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون , ويمنع عنهم السوء وهو يقول: لعلَّ الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله , أي عظمة كهاذه العظمة , ما من نبي إلا دعا على قومه بعد أن آذوه وصدوا عنه , إلا رسول الله (ص) لتمثل الكمال البشري فيه , والمثالية العظمى في أخلاقه , ومن هنا استحق أن يكون إمامة المرسلين وسيد النبيين وأكمل الخلق أجمعين.
    عاد مثقل الخطى يتلمس الطريق , كما يتلمس الغريب موطئ خطاه , ولم يتنبه إلا وهو في قرن المنازل , متألما على القلوب التي تعمى عن الحق الأبلج!! وتعرض عن الطريق المستقيم , لتتعرج في منحنيات الضلال ومزالق الغي!!.
    هرع إلى ربه خاشعا متبتلا يشكو له بدعاء خاشع واجف تذوب منه الصخور ويخشع لجلاله الشعور.
    أجاب الله دعاءه , وحقق له آماله بأكثر مما كان يرجو ويؤمل , حيث ساق الله إليه نفراً من الجن يستمعون القرآن , وبعد استماعهم عادوا إلى قومهم مبشرين ومنذرين , فأسلمت أمة من الجن , وكأن إسلامهم بديلٌ لإعراض الإنس.. فتلك هي ثمرة الرحلة ؛ لتمضي السنة كما يشاء الله... فالعبد يريد والله يفعل ما يريد , حتى مع الأنبياء والرسل لا تتخطاهم السنن , فالله يحقق لهم ما يأملون بالطريقة التي يريدها هو , فبيده وحدهُ ـ عزَّ شأنه ـ مقاليد السماوات والأرض وهو على كل شيءٍ قدير !!.
    فالأنبياء أكثر الناس عناء وأشدهم بلاء , وبالمقابل فهم أعلاهم همة وأصدقهم وجهة, يمتلكون ذروة نبل البشر, فيجري عليهم ما يجري على البشر؛ ليتحقق الابتلاء في ذروته وتتجسد العصمة لهم بنجاحهم فيه , فهم معصومون بما يمتلكونه من عناصر النبل وقوة التزكية التي تمنع الإخفاق أن يتسلل إليهم أو ينال منهم, تلك هي عصمتهم ؛ لا كما يتخيل البعض أنهم معصومون بغير بلاء, فما قيمة تفوقهم , إن كانت المحن والشدائد لا تنالهم؟!! .
    بل ينالهم أشد مما ينال غيرهم , لذلك لا غرابة أن تسير الأقدار أحيانا مخالفة لرغبتهم. (قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً) (93)الإسراء.
    عاد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد خفف إسلام نفر من الجن بعض ما ألم به, لكن الذي أثقل خطاه وأحزنه لم يزل جاثما على صدره , يعاني منه ولن يهدأ له بالٌ حتى يجد له مخرجا وينجح فيه أو يهلك دونه .!!
    دخل مكة في جيرة المطعم بن عدي مضطرا لحفظ بيضة الدعوة , فهو يعلم أن قريشا لن تتركه خصوصا بعد رحلته هذه وسرعان ما رد له جواره عندما رأى أصحابه يعذبون وهو في جوار المطعم , فآثر أن يكون مع أصحابه يناله ما ينالهم .
    لم ينفك من مخالب الحزن التي تكالبت عليه , حتى هبت ليلة الإسراء والمعراج كما يهب الفجر ليمحو بنوره سواد الليل الكئيب , كي يشرق بالبشر والسرور أطهر قلب عرفته البشرية.
    ها هي السماء تستقبله بحفاوة شديدة بعد أن جفاه أهل الأرض...لقد عرَّفته حادثة الإسراء والمعراج بقدره ومكانته , فقد أمَّ بالأنبياء وصلى بهم في المسجد الأقصى, فكانت بشرى عظيمة وهدية كريمة , و لم تقف البشارات والتسرية عند هذا الحد بل امتدت فوق ما يتخيل المتخيلون , في معراج إلى السماء لم يحدث لأحد قبل رسول الله (ص) ولن يحدث لأحد بعده , وكان فيه من آيات الله الكبرى ما يعجز الوصف عن تتبعه وإحصائه , حتى بلغ سدرة المنتهى وكلم ربه تكليما.
    يا ليلةً يَجْلو الظلامَ نورُهَا في آيةٍ معجزةٍ فريدهْ ... بنور طهَ أشرقتْ خالدة مجيدهْ حكايةٌ قديمةٌ لكنها جَديدهْ .. كطائرٍ مغردٍ أو طفلةٍ سعيدَهْ .. تمنحنا روحَ الصفاءِ دائماً أنسامها الوليدهْ ... يا قصةً يضوِّعُ الخشوعُ عِطرَ زهرها لكي تسرِّي سيدي في المحنةِ الشديدهْ ...إليكَ تشدو أحرفي يا سيدي في حلةٍ جَدِيدهْ.
    كنت الرحلة الأرضية إلى المسجد الأقصى ومنه انطلقت الرحلة السماوية وأعرج به (ص) لتبين أهمية المسجد في ربطه الأرض بالسماء فهو حلقة الوصل بينهما , وتبين وحدة الرسالات , وعالمية الإسلام ونسخه لكافة الشرائع السابقة , وذلك بإمامته (ص) للأنبياء.
    وبدأت مرحلة التحول في رحلة السماء وشرعت الصلاة , فكل الفرائض شرعت في الأرض إلا فريضة الصلاة فقد شُرعت في السماء لأهميتها , لقد تميزتْ ؛ لأنها معراج كل مسلم تعرج به؛ ليتصل بالسماء مباشرة بدون وسائط في كل أحواله , فتكون وقاية له من الحزن والهم , وبريدا له إلى آفاق الأنس ومدن السعادة.
    كانت رحلة الإسراء والمعراج رحلة تغير كلية, بل كأنها رحلة تحكي قصة الحياة في أعمار البشرية , التي تمضي مبحرة تخترق الأقدار إلى غايتها لتختم انتقالهم من دار البلاء إلى دار الجزاء , لا انفكاك منها ولا مناص.
    لقد ارتوى صلى الله عليه وسلم في رحلته من معين ربه , وتضلع وعاد مطمئناً على دعوته وأصحابه بعد أن فتحت له بعض أبواب الغيب , ورأى برهان ربه بكلتا عينيه , و مَدَّت الآفاق أذرعها , وفتحت السبل أكفها , لقد عاد محملا بهدايا كثيرة , أهمها هدية ربه وهي الصلاة , وهدية موسى , ثم هدية خليل الله إبراهيم , حيث قال يا محمد:" أقرئ أمتك منى السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر".
    أنىَّ لنا ثم أنىَّ لنا بأن نحصي عبر هذه الحادثة , وفضائلها ,هذا غيض من فيض لا ينضب معينها ولا تنتهي عبرها كلما تأملها المتأملون تمنحهم من سندسها أثوابا جديد وقلائد فريدة.
    يا ليلة الأسراءِ والمعراج تسري كوثراً بذكر سيد الندى تعطرُ البشرْ
    وتجعلُ الحياةَ أبهى قصةٍ وتنفضُ الكدر...ْمسراكمُ يا سيدي يفيضُ نهرَ رحمةٍ
    يُجدِّدُ الحياةَ للقلوبِ ينثرُ العبرْ ...لأنَ إسراءَكَ يحكي قصةَ الحياةِ
    حين تعبرُ الأرواحُ دربَ عمرنا ويخلدُ الأثرْ ..لأن معراجَكَ يتلو قصةَ التغييرِ حين يمتطي الضياءُ قلبَ من صبرْ ...يا منحةَ السُّجودِ والركُّوعِ
    يا ليلة بنا تمرُ هاهنا بنفح طيب أصدق البشر
    هائل الصرمي ،،،

  2. #2
    الصورة الرمزية عبد الرحيم بيوم أديب
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Apr 2012
    الدولة : المغرب
    المشاركات : 2,249
    المواضيع : 152
    الردود : 2249
    المعدل اليومي : 0.51

    افتراضي

    بوركت أيها الكريم على هذه الذكرى بهذا السياق الجميل
    فالاسراء والمعراج محطة كان لها وقع كبير على قلب نبينا صلى الله عليه وسلم؛ وعلى ما يحمله من رسالة لكافة الناس؛ وعلى مرحلة انتقالية في مسيرة الدعوة
    لقد كانت حلقة خير وبركة وحلقة تشد على عضد الرسالة ودعما لصاحبها
    أحييك على الطرح
    وعلى السياحة في ملكوت تلك الأحداث
    تحياتي لك والمودة

  3. #3
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jun 2011
    المشاركات : 1,521
    المواضيع : 347
    الردود : 1521
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    أشكرك إستاذ عبد الرحيم على مرورك وتعليقك الراقي
    تحياتي ودعائي

  4. #4
    الصورة الرمزية بهجت عبدالغني مشرف أقسام الفكر
    أديب ومفكر

    تاريخ التسجيل : Apr 2008
    الدولة : هنا .. معكم ..
    المشاركات : 5,142
    المواضيع : 253
    الردود : 5142
    المعدل اليومي : 0.88

    افتراضي

    إسراء ومعراج...ونهضة !
    الدكتور احمد خيري العمري

    عوملت واقعة "الإسراء والمعراج" على أيدي التقليديين ، بالضبط كما عوملت الشعائر والأركان ، بل كما عومل كل شيء تقريبا في هذا الدين العظيم ..فكما تحولت الشعائر إلى طقوس "شبه كنسية" لفصل الدين عن الدنيا...وكما قزمت كل المفاهيم لتقدم في قالب جزئي و ظاهري ، فقد عوملت واقعة الإسراء والمعراج لتقدم بشكل "حدوتة" يتم استذكارها في موعدها السنوي ، وتقدم باعتبارها "معجزة" النبي الذي ركب حصانا سريعا وانتقل من مكة إلى القدس في ليلة واحدة (في زمن كان ذلك يستغرق وقتا طويلا) ثم عرج بعدها إلى السماء..ويتم استذكار هذا الحدث وتكرار قص تفاصيله في كل ذكرى له ، دون أي محاولة لتقديم المغزى الذي يجعل "المعجزة" مستمرة فينا..كل المعجزات جاءت للتغيير ، ..وتقديم واقعة الاسراء والمعراج على هذا النحو ، يبعدها عنا..لا شيء فيها يمكن أن يستثمر في حياة وفهم وخطة أي منا.تبدو الواقعة "تاريخية" في دين أهم واعمق ما فيه أن "قيمه لا تاريخية" (على سبيل المثال ، المسيحية تقوم على وقائع تاريخية محددة مرتبطة بالسيد المسيح عليه السلام، إهمالها سيؤدي إلى هدم كل العقائد المسيحية ، بينما لا شيء في العقيدة الإسلامية مرتبط بحياته عليه الصلاة والسلام وتفاصيل ميلاده ووفاته..)
    ..كيف يمكن أن نقرأ الإسراء والمعراج على نحو آخر إذن ؟ نحو آخر غير القصة التاريخية ؟..
    ننسى دوما ، عندما نقص ما حدث ، إنه عليه الصلاة والسلام ، في تلك المرحلة الصعبة من الدعوة في مكة والتي كانت تبدو فيها كل الطرق مسدودة ومغلقة ، قد انتقل عبر الإسراء والمعراج ، إلى أفق آخر من المعطيات ، زيارته للقدس ، في تلك الليلة ، فتحت مداركه على إمكانية الانتقال بالدعوة إلى موضع آخر ، وجاءت القدس كما لو لتذكره ، بأن موسى انتقل بقومه من أرض مصر ، إلى أرض الميعاد ، صحيح ان موسى لم يصلها ، لكنهم أكملوا المسيرة لاحقا..ووصلوا ، وبنوا ، ..وأنجزوا..
    لن يكون صدفة إنه عليه الصلاة والسلام لم يحاول مع "مدينة أخرى" غير مكة إلا بعد الإسراء.
    أولا مع الطائف..ونعرف ما حدث فيها.
    وثانيا مع وفود أهل يثرب.
    ونعرف أيضا ما حدث فيها..
    العبرة المستمرة ، هنا أن الإسراء يمكن أن يستمر دوما عبر التعرف على تجارب حضارية مختلفة ، تجارب بعيدة وقد لا ترتبط معنا بإرث مشترك ، لكن يمكننا أيضا أن نستفيد منها ، لا يعني ذلك اقتباسها ، ولا استيرادها ، فقد تكون الفائدة هي أن نتركها ، أن نتعرف عليها لنعرف أهمية أن لا نكون مثلها...لكن سيبقى ذلك مهما ، والأهم منه ان يكون هناك "معيار" واضح لتمييز الخطأ والصواب في تلك التجارب..
    الرسول الكريم ركب البراق في تلك الرحلة.لم يذهب كيفما اتفق بل كان معه جبريل ، حامل الوحي الكريم..
    ليس هذا فقط ، بل إن الواقعة كلها قد بدأت كما في حديث صحيح البخاري "باستخراج قلبه الكريم وغسله من ثم إعادته إلى جوفه" ، كما لو أن المبدأ الأساسي في اي عملية تعرف حضاري أن نغسل قلوبنا من إي إنبهار بما سنرى..وأي رفض مسبق كذلك..وأن نتمسك بما تمسك به عليه الصلاة والسلام في رحلته تلك (البراق وجبريل ، أي الوحي..)..
    أي علاقة بتجربة حضارية يشوبها الإنبهار أو الرفض المسبق ستكون علاقة شاذة..
    ليس سوى أن تغسل قلبك بماء القرآن وصابون السنة (أي الحكمة النبوية)..قبل أن تتعرف على تلك التجارب..
    بعدها يمكن لم أن ترفض على بينة.
    وأن تقبل ما يفيدك منها ، وتغسله أيضا بماء القرآن وصابون السنة ، قبل أن تستخدمه !
    ***********
    ....رؤيته عليه الصلاة والسلام للأنبياء ، ومن ثم إمامته لهم ، فيه من المعاني الواضحة التي لم يغفل عنها التقليديون..
    ولكن فيه أيضا أن نتذكر أن "من ياتي آخرا" قد يحقق القيادة والإمامة ، بأدائه لمستخقاته وبمعزل عن كونه "الآخر زمانه"..
    فلنتذكر أنه عليه الصلاة والسلام لم يسم "اخوانه" لصحابته أو تابعيه..بل لجيل آخر ، سيتبعه دون أن يراه ..وقد يكون قد حقق ما يجعله يستحق أن يكون من "إخوانه" عليه الصلاة والسلام ، عندما ننظر إلى ما حققه هذا الجيل بمقياس القرآن والسنة ، لا بمقياس من يهمه أن يبقى هذا الجيل في آخر القائمة !..
    **********************
    ..وفي حديث البخاري ، تلك الإشارة إلى أنهار الجنة ، إثنان منها هما الفرات والنيل..
    أحواض الأنهار هي مراكز قيام الحضارات..
    وقد كانت تلك الإشارة تعني وقتها ،إنكم لن تصلوا حقا إلى الجنة في السماء ، ما لم تبنوا ما يستحق دخولها على الأرض..
    لديكم تلك الأنهار في الأرض..
    إبنوا بناؤكم هناك.
    ولنر بعدها..
    ....خلال عقدين فقط ، كان البناء الذي بناه عليه الصلاة والسلام قد وصل ضفاف الفرات والنيل !
    *******************
    أهم إشارة برأيي الشخصي هي ما قاله موسى في نفس الحديث الصحيح..
    ثُ...مَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلَوَاتُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ فَرَجَعْتُ فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى فَقَالَ بِمَا أُمِرْتَ قَالَ أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ قَالَ إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ وَإِنِّي وَاللَّهِ قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ فَرَجَعْتُ...
    جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أدش المعالجة..
    هنا معركة النهضة الحقيقية.
    هنا الجهاد الأكبر.
    تغيير النفوس.
    تغيير العقول.تغيير العقل الجمعي الذي تكرس وركز في رؤوس الناس وجعلهم ما هم عليه.
    لن يبنوا مراكز الحضارات حقا ما لم يتغيروا.
    لن يساهموا في "معراج" أمتهم ما لم يحدث ذلك.
    بل لن يتعرفوا على أي تجربة أخرى إلا من خلال الانبهار أو الرفض المسبقين..
    هناك ، في الرؤوس ، المعركة الأهم..والفتح الأهم..
    بعدها..
    كل شيء مجرد تفاصيل..
    ************************
    ليس غريبا بعدها أن تركز سورة الإسراء على ما حدث مع بني إسرائيل فيما جربه موسى معهم..وفي علاجه الشديد لهم !...
    فما حدث معهم ، سيحدث معنا بالضبط..
    ليس في وقت الرسول عليه الصلاة والسلام..
    لكننا ، عبر الأجيال ..سنتصرف بالضبط كما فعل بنو إسرائيل..
    ..كما لو أننا اوصينا بذلك..
    ******************
    الإسراء والمعراج يستمر بخروجنا من تيه بني إسرائيل الذي وضعنا انفسنا فيه..
    يستمر بتمكننا من أن نتفاعل -عبر القرآن والسنة- مع أي تجربة حضارية دون عقدة نقص تجعلنا ننبطح ، أو عقدة تعالي تجعلنا نتصور أن عليهم أن ينبطحوا لنا..
    الإسراء والمعراج يستمر بأن ننهض إلى معراج أمتنا..
    أن نجعلها ما يجب أن تكون...
    الإسراء والمعراج يستمر بأن نؤمن بأن الرحلة مستمرة..
    وأن على كل منا أن يضيف خطواته عليها..
    ***********
    ..ليس صدفة..
    أن تكون سورة الإسراء هي التي تضم تلك الآية..
    "إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم"..
    أقوم..
    من القيام..
    القيام...يعني النهوض...
    ...............................
    المصدر : من صفحة الدكتور احمد خيري العمري على الفيسبوك ..

    لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير

  5. #5
    الصورة الرمزية عبد الرحيم بيوم أديب
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Apr 2012
    الدولة : المغرب
    المشاركات : 2,249
    المواضيع : 152
    الردود : 2249
    المعدل اليومي : 0.51

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بهجت الرشيد مشاهدة المشاركة
    [CENTER][B]
    لن يكون صدفة إنه عليه الصلاة والسلام لم يحاول مع "مدينة أخرى" غير مكة إلا بعد الإسراء.
    أولا مع الطائف..ونعرف ما حدث فيها.
    وثانيا مع وفود أهل يثرب.
    ونعرف أيضا ما حدث فيها..
    -------
    ليس هذا فقط ، بل إن الواقعة كلها قد بدأت كما في حديث صحيح البخاري "باستخراج قلبه الكريم وغسله من ثم إعادته إلى جوفه" ، كما لو أن المبدأ الأساسي في اي عملية تعرف حضاري أن نغسل قلوبنا من إي إنبهار بما سنرى..وأي رفض مسبق كذلك..وأن نتمسك بما تمسك به عليه الصلاة والسلام في رحلته تلك (البراق وجبريل ، أي الوحي..)..
    أي علاقة بتجربة حضارية يشوبها الإنبهار أو الرفض المسبق ستكون علاقة شاذة..
    ليس سوى أن تغسل قلبك بماء القرآن وصابون السنة (أي الحكمة النبوية)..قبل أن تتعرف على تلك التجارب..
    بعدها يمكن لم أن ترفض على بينة.
    وأن تقبل ما يفيدك منها ، وتغسله أيضا بماء القرآن وصابون السنة ، قبل أن تستخدمه !

    [/align]
    لدي تعليقان على هذين المقطعين
    المقطع الاول: قصة ذهاب النبي صلى الله عليه وسلم للطائف كانت قبل الاسراء وليس بعده بخلاف دعوته لاهل المدينة
    المقطع الثاني: أن في استنباط الدروس بعض التكلف، لكن ما اخترت أشدها تكلفا حسب رأيي وبعدا في المعنى

    وتحياتي لك

  6. #6
    الصورة الرمزية بهجت عبدالغني مشرف أقسام الفكر
    أديب ومفكر

    تاريخ التسجيل : Apr 2008
    الدولة : هنا .. معكم ..
    المشاركات : 5,142
    المواضيع : 253
    الردود : 5142
    المعدل اليومي : 0.88

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الرحيم صابر مشاهدة المشاركة
    لدي تعليقان على هذين المقطعين
    المقطع الاول: قصة ذهاب النبي صلى الله عليه وسلم للطائف كانت قبل الاسراء وليس بعده بخلاف دعوته لاهل المدينة
    المقطع الثاني: أن في استنباط الدروس بعض التكلف، لكن ما اخترت أشدها تكلفا حسب رأيي وبعدا في المعنى

    وتحياتي لك
    بخصوص المقطع الأول يقول صفي الرحمن المباركفوري في كتابه الرحيق المختوم :
    واختلف في تعيين زمنه ـ اي الاسراء والمعراج ـ على أقوال شتى :
    1 ـ فقيل : كان الإسراء في السنة التي أكرمه الله فيها بالنبوة، واختاره الطبرى .
    2 ـ وقيل : كان بعد المبعث بخمس سنين، رجح ذلك النووى والقرطبى .
    3 ـ وقيل : كان ليلة السابع والعشرين من شهر رجب سنة 10 من النبوة .
    4 ـ وقيل : قبل الهجرة بستة عشر شهرًا، أي في رمضان سنة 12 من النبوة .
    5 ـ وقيل : قبل الهجرة بسنة وشهرين، أي في المحرم سنة 13 من النبوة .
    6 ـ وقيل : قبل الهجرة بسنة، أي في ربيع الأول سنة 13 من النبوة .
    وَرُدَّتِ الأقوالُ الثلاثة الأول بأن خديجة رضي الله عنها توفيت في رمضان سنة عشر من النبوة، وكانت وفاتها قبل أن تفرض الصلوات الخمس . ولا خلاف أن فرض الصلوات الخمس كان ليلة الإسراء . أما الأقوال الثلاثة الباقية فلم أجد ما أرجح به واحدًا منها، غير أن سياق سورة الإسراء يدل على أن الإسراء متأخر جدًا .

    وقد ذكرت للدكتور احمد ذلك ، فقال : تحديد تاريخ الاسراء مختلف بين 3 سنوات وسنة واحدة قبل الهجرة. إن كانت الأولى صحيحة يكون الطائف بعدها.والعكس أيضاً .

    بخصوص المقطع الثاني فلا أرى في الموضوع تكلفاً ، فهو يحاول ان نستفيد من هذه الحادثة العظيمة ، ولا نقف فقط عند ذكرها وتكرارها ، بل كيف نستخلص العبر والدروس منها ..

    تحياتي ..




  7. #7
    الصورة الرمزية بهجت عبدالغني مشرف أقسام الفكر
    أديب ومفكر

    تاريخ التسجيل : Apr 2008
    الدولة : هنا .. معكم ..
    المشاركات : 5,142
    المواضيع : 253
    الردود : 5142
    المعدل اليومي : 0.88

    افتراضي

    طبعاً قبل كل شيء

    الشكر والتقدير للأخ الكريم هائل سعيد الصرمي
    على موضوعه الجميل ، الذي فتح لنا من خلاله نافذة للنقاش والاستفادة منه ..

    فلك كل التحية والدعاء ..

  8. #8
    الصورة الرمزية عبد الرحيم بيوم أديب
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Apr 2012
    الدولة : المغرب
    المشاركات : 2,249
    المواضيع : 152
    الردود : 2249
    المعدل اليومي : 0.51

    افتراضي

    في نفس الكتاب اخي بهجت
    ان خروج النبي صلى الله عليه وسلم للطائف كان في شوال سنة عشر من النبوة
    وبرد الاقوال الثلاثة الاولى فالطائف قبل الاسراء يقينا
    فتأمل اخي الكريم

  9. #9
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jun 2011
    المشاركات : 1,521
    المواضيع : 347
    الردود : 1521
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    أشكركم على هذه المداخلات التي نستفيد منها بلا شك
    وأنا مع استنباط العبر والدروس في الواقع ولكن استنباطا معقولا ً ليس بعيدا ولا فلسفيا
    رحلة الطائف قبل الإسراء وإن وجد اختلاف في تعين تاريخ الحادثة فقلة

  10. #10
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jun 2011
    المشاركات : 1,521
    المواضيع : 347
    الردود : 1521
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    الإسراء والمعراج مقدمة التحول من الدعوة إلى الدولة

    الإسراء والمعراج كانت مقدمة لتحول وتغير من مرحلة إلى مرحلة في كل الموازين , تَّحول في مسار الصراع للوصول للتمكين القيمي والأخلاقي , تحول في الفكر والتربية والسلوك تحول في التشريع والسياسة والاقتصاد والأمن و كل الموازين.
    فما منع النبي وأصحابه من التمكين لدين الله في قريش , إلا الصلف و الظلم والاستبداد والكبر والغرور والعنت والاضطهاد الذي كنت تمارسه قريش عليهم .
    حينها بدأ النبي( ص) بالبحث عن حلول للوصول إلى دولة العدل التي يكرم فيها الإنسان , و بدأ يبحث عن موطن أخر , يتم فيه الاستجابة لدعوته ( ص ) والحماية لأصحابه. و المرتكز لتأسيس دولته التي ينشد أن يقيم فيها , العدل والحرية والمساواة والقيم النبيلة والمبادئ السامية والمنهج الرباني المتكامل ليعيش الناس تحت ظلالها أحرارا مكرمين لا يخشون ولا يرجون أحد إلا الله . لا تُنتقصُ حقوقهم ولا تصادر حرياتهم ولا تهتك أستارهم ولا تسفك دمائهم ولا تنهب أموالهم , سواسية كأسنان المشط , لا فرق بين غني وفقير وكبير وصغير وأسود وأبيض .هذه هي المعاني التي كان يبحث النبي( ص) عن موطن لتأسيسها فيه .
    ذلك ما جعله يتوجه للطائف , ولكن دون جدوى ولا فائدة فلم يستجيب له أصحاب الطائف.
    فاشتد حزن النبي (ص) ليس لما أصابه من الأذى و لكن لأنه لم يحقق الهدف يخشى من عدم رضا ربه عنه , وقد عبر عن ذلك في مناجاته ودعائه بقوله:"( إن لم يكن بك غضب ٌ علي فلا أبالي) .
    ذلك الدعاء الذي تقشعر منه الأبدانُ وتلين له القلوبُ وتخر له الجبالُ ..قالو عنه أنه المفتاح الأول الذي كان منطلق التحول التاريخي العظيم من الدعوة إلى الدولة.
    "اللهمَّ إني أشكو إليك ضعفَ قوّتي
    وقلة حيلتي وهواني على الناس
    يا أرحمَ الراحمين
    أنت ربُّ المستضعفين وأنت ربي
    إلى من تَكِلُني
    إلى بعيد يتجهّمُني
    أمْ إلى عدوٍّ ملّكته أمري
    إنْ لم يكن بك غضبٌ عليَّ فلا أبالي
    ولكنّ عافيتَك هي أوسعُ لي
    أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات
    وصلح عليه أمرُ الدنيا والآخرة
    مِنْ أن ينزلَ بي غضبُك أو يحلَّ عليَّ سخطُك
    لك العتبى حتى ترضى
    ولا حول و لا قوة إلا بك .
    إن حادثة الإسراء والمعراج عرَّفتْ النبي صلى الله عليه وسلم بمكانته عند ربه الذي يخافه ويرجوه جاءت لتُذْهبَ عنه وطأة الشدائد , وتسري عليه , وتربط الرسالات كلها به , وتحول مسار دعوته التصوري و النظري إلى المسار العملي التطبيقي .
    إنها مقدمة لمرحلة جديدة . في حياة الرسول ودعوته , حيث أعقبها الانتقال إلى المدينة, (انتقال من مرحلة الدعوة إلى مرحلة الدولة , من مرحلة القلة إلى مرحلة الكثرة , من مرحلة الضعف إلى مرحلة القوة, ) من مرحلة الخوف إلى مرحلة الأمن والتمكين كل هذا تحقق بعد رحلة الإسراء والمعراج , لقد كان لرحلة الإسراء والمعراج الأثر البالغ بالدفع بعجلة النهوض العملي بالتشريع والتربية والأمن والسياسة والاقتصاد وغيره .. بداءً بالجانب الشعائري حيث شُرعت الصلاة , والتربوي والسلوك الذي تمثل بالمشاهد التي كُشِفت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في السماء, وكلها تتعلق بحقوق الإنسان لأهميتها , فمشهد من يقول الزور , وأخر لمن ضيع الأمانة وأخر للكذاب ورابع لمن يأكل أموال الناس بالباطل وخامس مع آكل الربا وأكل أموال اليتامى والزنا, وحال المغتاب , والنمام ،وغيرها من المشاهد التي يظن بعض أهل الأرض بأن ممارستها شيئا ٌ هين وبسيط وكم نجد في زماننا من يتساهل في شأنها ويقترفها ولا يحس بعظم جرمها , فنجده لا يتورع عن حرام ولا يتقي ربه فيما يتعلق بحقوق الناس وأموال الناس ودماء الناس وأعراض الناس. وقد بين الله ورسوله عظم جرم ذلك , وكشفتْ الرحلة عظمة جرم مرتكب مثل هذه الجرائم بجلا.

    لقد أهداه منهج عمل متكامل في مقدمته الصلوات الخمس وكأنه يقول له: هذا علاج كل شيء ومنها الهم والعيش الضنك , هذه الصلوات بديل لرحلة السماء فيما يستقبل من الأيام , فكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة وكان يقول: أرحنا بها يابلال , وقال : صلى الله عليه وسلم "وجعلتْ قرة عيني في الصلاة" فالإحساس بالقرب من الله يذهب حزن القلوب وكدرها ويبدل مكانها مسرةً وراحة, ويدفع للإبداع والإنتاج والعمل الناجح .ويقوي الثقة بتحقيق الهدف ويجلب النصر والتمكين.

    وهو ما أدته رحلة الإسراء والمعراج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .

    لقد كانت دافعة له ولأصحابه بالقيام بعملية التحول الكبير الذي حدث , ما هي إلى فترة ليست بالطويلة ,حتى هاجر وأصحابه إلى المدينة وأقام دولة يتصاغر الزمان أمامها إجلالا وينحني الوجود تعظيما , وهذا من الأيمان العميق والإعداد الدقيق الذي جسده رسول الله( ص) ومن معه. جاء نتاج البذل والعطاء. وهي سنة لجميع المؤمنين.

    علينا أن نستبشر بالنصر مادمنا قد بذلنا الجهد بحسب الوسع والطاقة في أي عمل عملناه , لا نخشى ولا نخاف من تبدده فالله وعد العاملين بما يرجونه مقابل أعمالهم وهو لا يخلف الميعاد .فالتمكين عاقبة الصادقين والصابرين والعاملين فهو ثمرة نضالهم في كل وقت وحين وفي أي زمان ومكان والله غالب على أمره.
    رسولٌ لم ترى الدنيا ضياءً كمثــلِ ضيائهِ لمَّا أطلاَّ

    إمام المرسلين وخير وداعٍ لدين الله منذ بدا وهلاَّ

    رسول في عيون الله يحيا ومن عليائه يرقى مَحِلاَّ

    وطار على جناح النور حتى دنى في المنتهى وبه تَدَلَّى

    فكبرَّ مذ رأى الآيات كبرى وسبح ربه لما تملى

    وكَلمَ ذا الجلال وهام وجداً بربٍ عزَّ مقداراً و جَلاَّ

    وخر سجوده لله شكرا وما زاغ الفؤاد وما تولى

    رسول الله يا نورا تجلى عليك الله ملأ الكون صلى



    هل يعد هذا تقليديا أم مقبولا ؟
    هائل الصرمي














    رحلة السماء تكريم وتعظيم وتحول وتطور
    الإسراءَ والمعراج معجزة تكريم وتسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد عناء وشدة دامت 13عام في مكة كانت آخرها وأشدها موت عمه( أبي طالب )وزوجته (خديجة بنت خويلد) وسمي ذلك العام (بعام الحزن) ثم خُروجهُ الى الطائف , وهي الأشد عليه.. فالرحلة كانت بعد الطائف وقبل الهجرة أي في نهاية فترة الشدائد الكبرى لأن فترة مكة كلها شدائد ومعانة . .فلم يستطع النبي (ص) فيها أن يحقق ما كان يرجوه ويؤمله من مكة , بأن تكون مركز إشعاع للإسلام في المعمورة , فلقد وصل مع قريش إلا مرحلة اليأس , فيما كان يرجوه منها , لكنه أوجد نواة وطليعة من الرجال وإن كانوا قلة من ضعفاء لكنهم الأساس الذي يؤمل عليه في النهوض بنشر الإسلام , كان عليه أن يوفر لهم حماية وموطن رعاية , لكن صلف قريش حال بينه وبين ما يريد فلا هي تبعته ولاهي خلت بينه وبين دعوته للناس , بل آذتهُ وأصحابه أشد الأذى , بالحصار الاقتصادي والتضييق السياسي والإرهاب الأمن وغيره , كل ذلك جعله يبحث عن موطن أخر علَّه يجد فيه الاستجابة لدعوته والحماية لأصحابه. والمرتكز لانطلاقه وانتشاره ,وذلك ما جعله يتوجه للطائف رجاء أن يسلم أهلها , ولكن دون جدوى ولا فائدة . كل هذا أحزن الرسول صلى الله عليه وسلم . واشتد حزنه أكثر أثناء عودته من الطائف , فقد بعث برسالة لأحد المشركين ليد خل في حمايته فرفض ثم بعث برسالة أخرى للأخر فرفض ثم بعث إلى الثالث فوافقَ بأن يجيره , ودخل رسول الله مكة تحت حمايته. أيُّ شدةٍ هذه وأيُّ عناء وجَدَهُ رسول البشرية (ص). إنه أشد مامرَّ عليه .حتى أن عائشة سألته بعد غزوة أحد عن أشد ما مر عليه فقال لها: "يوم الطائف همت ُ على وجهي ولم أتنبه إلا وأنا بقرن المنازل"واللذين أشد حبا لله
    إذا كان الذين أمنو أشد حبا لله فكيف بالأنبياء والرسول ثم كيف يكون حب سيد الأنبياء عليه الصلاة والسلام .لقد اشتد حزن النبي (ص) ليس لما أصابه من أذى .إنما كان خشيةً أن يكون حبيب رسول الله (ص) غير راضٍ عنه , لسبب أو لأخر , فلر بما ظنَّ أن عدم تحقق ما يرجوه من عدم رضا حبيبه , وهذا الشعور ناجم من حرص الرسول (ص) الشديد على أرضاء الله وتنفيذ أمره والتفاني في تبليغ دعوته.
    ولذلك يحزن عندما لا يحقق الهدف , يخاف بأن لا يكون قد أدى المهمة على الوجه المطلوب فيخشى من عدم رضا من كلفه بهذه المهمة...وقد بين القرآن شدة حرص الرسول (ص) على الدعوة وعلى أرضاء الله عز جل وجل . فكان يخفف عنه في مواطن متعددة منها قوله تعالى :(لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين ) وقوله :(لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) (ما عليك إلا البلاغ)... وغيره ,وكذلك , عندما انقطع الوحي عن رسول لله (ص) حزن حزنا شديدا خوفا من أن يكون الله عنه غير راضٍ يخاف أن يكون أغضب الله في أمر لم يتنبه له . وكأنه يظن بأن انقطاع الوحي عقوبة . يبدوجليا أنه انتابه نفس الشعور بعد حادثة الطائف وقد عبر عنه في مناجاته ودعائه بقوله:"( إن لم يكن بك غضب ٌ علي فلا أبالي) ونص الدعاء يبث فيه شكواه مستنجدا لضعفه وقلة حيلته , فيقول: ( اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا رب المستضعفين إلى من تكلني , إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري:... إن لم يكن بك غضب ٌ علي فلا أبالي ولكن عافيتك أوسع لي , فهو يقول رضاك أطلب ولا يهمني البلاء الذي حصل لكن عافيتك أوسع لي أنت قادر أن ترضا عني وتوفقني بغير بلاء .وهذا الشعور يبين مدى تعلق الرسول (ص ) بربه ومدى عظم حبه له.
    جواب السماء واحتفائها برسول الله
    فجاءت حادثت الإسراء والمعراج تُعَرِّف النبي ص بنفسهُ وتبين عظمته وقدره ومكانته عند ربه الذي يخافه ويخشاه ..جاءت بعد كل هذا لتُذْهبَ وطأة هذه الشدائد عنه, وتسري عليه , وتربط الرسالات كلها به , وتحول مسار دعوته التصوري و النظري إلى المسار العملي .وتربط بين المسجدين المسجد الحرام والمسجد الأقصى .. و تمثلت الإسراء والمعراج في رحلتين رحلة أرضية ورحلة سماوي الرحلة الأرضية إلى المسجد الأقصى حيث أمَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ (بالأنبياء والمرسلين). والرحلة الثانية هي المعراج إلى السماء. والوصول إلى سدرة المنتهى . إنها مقدمة لمرحلة جديدة . في حياة الرسول ودعوته , هي الإنتقال إلى المدينة, (إنتقال من مرحلة الدعوة إلى مرحلة الدولة , من مرحلة القلة إلى مرحلة الكثرة , من مرحلة الضعف إلى مرحلة القوة, )كل هذا تحقق بعد رحلة الإسراء والمعراج , لقد كان لرحلة الإسراء والمعراج الأثر البالغ بالدفع بعجلة النهوض العملي بالتشريع والتربية والأمن والسياسة والإقتصاد وغيره .. بداء بالجانب الشعائري الذي تمثل بالصلوات الخمس التي شرعت , والتربوي والسلوك تمثل بالمشاهد التي كُشِفت لرسول الله صلى الله عليه وسلم , وكلها تتعلق بحقوق الإنسان إلا واحده هي الصلاة لأهميتها , فمشهد من يقول الزور , وأخر لمن ضيع الأمانة وأخر للكذاب ورابع مع من يأكل أموال الناس بالباطل وخامس مع آكل الربا وأكل أموال اليتامى والزنا, وحال المغتاب , والنمام ،وغيرها من المشاهد التي يظن أهل الأرض أن ممارستها شيئا ٌ هين وبسيط وكم نجد في زماننا من يتساهل في شأنها ويقترفها ولايحس أنه فعل جرماً ولا أثماً , وقد يكون ممن يحرص على الشعائرالتعبدية , لكنه لا يعبأ بالعلاقات الإنسانية وحقوقها, فلا يتورع عن حرام يتعلق بحقوق الناس. وقد بين الله ورسوله عظم جرم ذلك , وكشفتْ الرحلة عظمة جرم مرتكب مثل هذه القضايا بجلا.

    بعد الشدة رخاء وبعد الحزن مسرة
    بدأت التسلية لرسول الله (ص) وهو في طريقه إلى مكة عندما أرسل الله له فريقا من الجن أسلموا وذهبوا إلى قومهم منذرين, وكأن السماء تريد أن تقول له أردت إسلام أهل الطائف من الإنس وها نحن نحقق لك أشد مما ترجو وتأمل , أمة كاملة من الجن يسلمون ,ويتحولون إلى دعاة منذرين لقومهم , وسيأتي ما كنتَ تأمله من الطائف بأحسن منه, لكن في الوقت المناسب والمكان المناسب. وفعلا بعد حادثة الإسراء والمعراج دخلتْ المدينة المنورة في حظيرة الإسلام كلها ففي يوم وليلة فقط دخلتْ قبيلة الأوس والخزرج بعد أن أسلما قائدا القبيلتين (سعد ابن معاذ) (وسعد ابن عبادة )على يد (مصعب ابن عمير).
    لقد أفصحتْ حادثة الإسراء والمعراج بعظمة الرسول صلى الله عليه وسلم.لقد أدرك صلى الله عليه وسلم مكانته عند ربه . , فما عُرف أنه إمام الأنبياء والمرسلين إلا بعد أن أم بهم في المسجد الأقصى .وبعد أن تَخَطَّاهُمْ جميعا في السماوات وتخطَّى جميع الملائكة أيضا إلى سدرة المنتهى ليقابل ملك الملوك ويقف بين يديه يكلمهُ شفاهةً , أيُّ تكريم وأيُّ مكانة وأي سلوان أحسن من هذا الذي حضي به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حادثة الإسراء والمعراج هدية السماء ثم أهداه الله هدية له ولأمته ,لقد أهداه الصلوات الخمس وكأنه يقول له: هذا علاج الهموم والغموم بعد اليوم هذه الصلوات بديل لرحلة السماء فيما يستقبل من الأيام , فكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة وكان يقول: أرحنا بها يابلال , وقال : صلى الله عليه وسلم "وجعلتْ قرة عيني في الصلاة" فهي منْ تبدد الهموم والغموم!! لكن لمن يصلى الصلاة الخاشعة نسأل الله صلاة خاشعة وأن يعذنا والمسلمين من الهم والحزن والعجز والكسل ,فالإحساس بالقرب من الله يذهب حزن القلوب وكدرها ويبدل مكانها مسرةً وراحة, وهذا ما تفعله الصلوات الخاشعة , يشعرُ العبد بقربه من ربه فتطيب نفسه وتقر عينه ويذهب همه وحزنه.. وهو ما أدته رحلة الإسراء والمعراج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها قَرَّبَتهُ من الله وعرَّفتهُ بمكانته عنده وبارتقائه على أقرانه جميعا ممن سبقوه من الأنبياء والمرسلين بل على جميع ما خلق لله من الخلائق ..كيف سيكون شعور رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟وكيف ستكون غبطته ومسرته من هذه الرحلة ؟ لقد كانت دافعة للتحول الكبير , ما هي إلى فترة ليست بالطويلة في مكة , حتى انتقل إلى المدينة وأساس دولة يتصاغر الزمان أمامها وينحني الوجود لعظمتها , وهذا من الأيمان العميق والتوحيد الفريد والتفاني الشديد الذي جسده(ص)ومن معه.
    أهم مافي هذه الرحلة وأهم ما في هذه الرحلة تعمق الطمأنينة واليقين بكماله وتمامه عند رسول الله فقد شاهد من آيات ربه الكبرى وزويت له الأرض فشاهد بلوغ دعوته ما بلغ الليل والنهار شهود عيان وليس من شاهد كمن لم يشاهد. فلقد سأل إبراهيم عليه السلام ربه كيف تحي الموتى, ؟قال : أولم تؤمن قال بلا ولكن ليطمأن قلبي ,فأشهده الله عيانا كيف يحي الموتى ليطمأن قلبه.هذه الطمأنينة حصلت لرسول الله (ص) بعد رحلة الإسراء والمعراج ليس في إحياء الموتى ولكن في بلوغ دعوته ما بلغه الليل والنهار وغيرها من الآيات الكبرى .فكان لها ما بعدها في دولة المدينة.
    سَرَىَ ليلاً ومن حَرَمٍ أهَلاَّ وفوقَ الصَّخرةِ الغراءِ حَلاَّ
    سَرى والأفقُ داجٍ في بُراقٍ رَسولٌ يَملأُ الأكوانَ ظِلاَّ
    سرى نورُ القلوبِ وحلَّ ضَيفاً على الأقصَى فأمَّ بهِِ وصَلىَّ
    رسولٌ لم ترى الدنيا ضياءً كمثــلِ ضيائهِ لمَّا أطلاَّ
    رسولٌ تَخلقُ الدنيا وتَبلى ونور الحق زاهٍ مُذ تجـلىَّ
    رسولٌ لو تجمعتِ البرايا لتبلغَ وصفهُ عجزتْ وجَلىَّ
    إمام المرسلين وخير وداعٍ لدين الله منذ بدا وهلاَّ
    تكأكأت الخطوب وما توانى عن الهدف النبيل ولا تخلىَّ
    وما كَلَّ اللسان وقد تمادى لسان الكفر في صلف وسُلاَّ
    أجاب الكونُ دعوته ولبى نداء إلهه وعليه دلاَّ
    رسول في عيون الله يحيا ومن عليائه يرقى مَحِلاَّ
    وطار على جناح النور حتى دنى في المنتهى وبه تَدَلَّى
    فكبرَّ مذ رأى الآيات كبرى وسبح ربه لما تملى
    وكَلمَ ذا الجلال وهام وجداً بربٍ عزَّ مقداراً و جَلاَّ
    وخر سجوده لله شكرا وما زاغ الفؤاد وما تولى
    رسول الله يا نورا تجلى عليك الله ملأ الكون صلى






صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. إرهابي بأمر السماء
    بواسطة د. محمد الشناوي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 08-10-2004, 08:19 PM
  2. بمناسبة مولد النبي محمد عليه الصلاة و السلام عبدالله يُقدِّم (( السماءُ السابعة ))
    بواسطة عبدالله الأقزم في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 14-05-2004, 02:35 AM
  3. عندما تكفهر السماء
    بواسطة أبو الفداء في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-02-2004, 02:06 AM
  4. ترحيب برحاب ارحب من السماء
    بواسطة معاذ الديري في المنتدى الروَاقُ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 14-07-2003, 12:49 PM
  5. اناجي السماء
    بواسطة صهيب في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 10-05-2003, 10:13 PM