خواطر أطلاليّة

إلى أين؟
إلى الأطلال!
أُفٍّ لكم لما تفرّون.
أفلا تعقلون؟
تمضون إلى الأطلال حال دموع الشمس الحمراء, وتمتطون خيلا صافنات تستنفرونها وهى تصهل صهيل الأرقّّاء، وتطيرون بها كالريح مسرعين حتى تسكنوا الأطلال.
ويحكم!
تسرعون ثم تسرعون ثم تسرعون نحو أطلال شيدتموها مِنْ موت مَنْ ورّثوكم.
ورّثوكم ما لا يملكون وورِثتم ما لا تستحقون فعمّ الخراب والصغَار والتخلف وكثرت الثورات.
رويدكم, فمسْرَاكُم جمر ونار.
ودروب سقطتْ فيها الأجساد تباعا.
فترمّلتْ النساء وتيتّم الأطفال وابتلعتْ الأرض الأجساد.
قلّ الزاد فيها وغاض الماء, وانكسرتْ السواقى وانْكفأتْ الأشجار على رؤوسها وانطفأتْ الشموع وتهدمتْ الجدران.
وذابتْ، وما زالتْ تذوب فيها الحضارات, حضارتنا العربية, كلها، كلها تذوب نحو مُضيّكم إلى الأطلال.
على فرارِكم وُطِئتْ رؤوسنا ورؤوسكم تحت الشوكَ والنار.
طيرنا كالريح حتى ركبنا سفينة الأطلال فخُرقتْ السفينة وغرقنا في بجور الأطلال.
وأنتم أيها العاشقون: تمضون بزهّاد العابدين نحو الأطلال فتقبّلوا آثار الأقدام ومواضع اللهو والغرام!
***
ماتوا آبائكم فعشتم تطلبون مجدهم فخالفتم ضمائركم وأمتم شعوبكم فتفجّرتْ الثورات على أراضيكم. أخذتم ماضيهم كله وشيدتم صروحكم عليه وتشدّقتم وما زلتم تتشدّقون بالملك والخلافة فسالتْ الدماء وما زالتْ تسيل تحت قبّة الأطلال .. تبّاً لكم !!!
أين المستحقون؟
أين الكِفاء؟
أين الأقوياء الأُمناء؟
كلهم ذابوا بصهير أطلال أطماعكم .
وأنت أيها المحب السالك درب الحبيب، إلى أين؟
إلى بيوت عششتْ فيها ثعابين وفئران!
أم تمضي نحو ذلك الإيوان الذي نصّبته بداخلك من ذكريات حبيب آلتْ ترشُقكَ بسهام من نار!
فأحييتم وهْماً بداخل نفوسكم وحوّلتموه قصراً ونصّبتم له إيوانا تعتليه قلوبكم..
إنها بيوت عنكبوت، أفلا تعقلون؟
لقد تغلغلتْ أطلالكم في نفوسكم وعشتم كل لحظات حياتكم تتنفسون الأماني المميتة والوهم والبكاء.
***
الآن وضعتم ركابكم تحت قبة أطلال أسلافكم.
وتقلّدتم عروشهم.
وأشرتم بصولجاناتهم.
وتسارعتْ بطائنهم خشوعاً إليكم.
وسيقتْ أموالهم إلى خزائنكم.
وتسارعتم إلى حبس منْ خالفوكم.
وأنت أيها المحبُّ المرابط بالأطلال.
تقف مناجيا خيالات وأوهام!
وترفعُ رايات ترفرف على بيوت أطلالك كأنك تُعلن أنك بين أحضان الحبيب.
هنا قبلتها, وهنا عاشرتها, وهنا ضاحكتها, وهنا لاعبتها, وهنا طعنتني ب ...
أكمل مالك واجماً, طعنتك بماذا؟
لِمَ تزأر بنداء حبيب مضى وانتهى!
وتتناول الكأس وترقص ثم تعدو ثم ترفع أعلامك فوق أطلالك ثم تبكى!
أيها الناسك فوق سجادة الأطلال الملتهبة: كفى
دمعتك غالية, فلا تبكِ إلّا لغالٍ.
وثيابك طاهر فلا تدنّسه بثرى الأطلال.
نفسك تذهب حسرات بين نعيم ولّى وعذاب ضجّ بين ضلوعك وأحشائك.
تأخذ كأس الطلى ونديمك خيال حبيب استحضرته من وحى كاذب ثم تشرب معه.
تقبّلها بثورة الملتذّ, وتحتضنها بقوة تلاطم بحر ثائر. وتضاجعها برعشة كهز الأغصان في يوم عاصف.
أفقْ أيها المجنون .
لقد ولّى حبيبك في قبر من قبور البعث, ومضى هازئاً بحبك.
***
أيها الأطلاليون ...أيتها الأطلاليات ..
اعتلوا جيادكم واهربوا من هذه الأطلال إلى خصوبة ضمائركم.
ولتنتفضوا جميعا من لُجج ِالأطلال الغارقة.
فنطفوا طفو النجاة والركب ولا نطفو طفو الغرقى.
وخذوا رايات ضمائركم تلك واحملوها عالية رفرافة وابحثوا عن مُلك أنتم له تستحقون أو أحبّة يستحقون وفاءكم الذي تبذلون, وانبذوا ذلك الجنس اللعين, فتبنون كلكم حضارة أُمتكم فتُسيّر فيى البحر لا يكل مجدافاها ولا يضربها عاصف أو قاصف ولا يتمزق شراعها وتظلُّ بأعلام ترفرف خفّاقة رفرافة فوّاحة فوق أبنيتنا, فوق مياهنا, لتُعلن عن أُمّة عادتْ مِنْ جديد تتبوأ ريادة حضارات العالم.
.
بقلمى : إبراهيم أمين مؤمن
سُطرتْ 22-4-2017