لو علم المفرطون فيك الثمن الذي سيدفعونه مقابل إسترجاعك والتفيء في ظلالك مرة أخرى لما أستكانوا لغيابك حتى أصبحت أمراً منسيًا . لكنهم جهلوا قدرك و عدلك ورحمتك حتى هجرتهم غير آسفة عليهم . واليوم تتعالى أصواتهم بين من يريد جُلكِ مُجلاً ثمنكِ , وبين من يُساوم في إستعادتك فيطلب بركة خيراتك زاهداً و ناكراً فيما لك عليهم ورافضًا ضريبة المجد الذي ستمنحينهم إياه.
وها هم اليوم يرونكِ طيفاً يمُر على المدائن الخرِبة يتلمسها ثم يختفي قبل أن يَهبُها النهوض ويسمعونكِ همسًا يرجِع صداه خاويًا كلما تمتم الحرف أين أنت ِ؟ وتتقلب الأبصار هنا وهناك على مسرح كنت نجمته الفريدة و مدرسته الوحيدة ومنظاره الذي يرون منه الكون و ميزانه الذي يقيسون به حال دنياهم ولذا لم تتغاير مفاهيم محبيك في فهمك ولم تتبدل فيك حسن الظنون.
كثيرٌ منهم اليوم يمرون على ناطحات دخان يتهاتفون عليها وربما تبركوا بها ويمجدون أهلها وقد زهدوا فيمن وضع اسم آبائهم في مصاف الأمم معللين بأنك شبحٌ سكن الأطلال و إن لك زماناً قد ولى وأفل ومنهم من دفن الأمل برجوعك الى الأبد فلم يعد يلقي على ماخطه اليراع عنكِ في كتب السالفين و أسفار الخالدين.
لكنني أصدقك القول أؤمن بك و أتوحد في طيفك أحيانا وأستيقظ أياما على دقات طبول عودتك و أقف محييةً إياكِ مع جموعٍ سكنوا مخيلتي تشاطرنا الحلم بكِ و ببزوغ نجمك , و نرددُ أناشيدَ قُدومك ونترنّم بقصائد وكلمات محبيك الذين رحلوا لكنهم عاشوا بإلهام القلوب و قدح العقول . وأحيانا أُخر تتراءين لي في تلك الوجوه الغضة و يطيش بي الأمل مرات فأتسابق لرؤيتك في وجوهٍ تقادم بها العمر أتفحص ملامحها لعلي أراكِ مِنها تشعين.
لعلك لا تدركين ما خلفه غيابك و أفول نجمك عن ممالك و حضارات إنسانية تلقفتيها كأم حنون طرحتِ عنها وثنيتها و أقررتِ إنسانيتها وحلقتِ بها في فلك الوحدانية فانسل جور العباد و ساد العدل في كل مكان وتكسرت أصنام لطالما إحتلت مساحات من الوجدان وتحدر من رؤوس الجبال أكام الظلام , ففاض القنطار وسار الراكب الى أبلغ ما تحمله قدماه لا يخشى شيئا من وعثاء السفر .
إن الحياة قصيرة وتصرمها سريع قد لا يسمح لي أن أشهد بزوغ فجركِ مرة أخرى , لكن لابد أنه في إجتماع شيءٍ من دقائقها وثوانيها ولحظاتها ما يزفكِ لمنتظريك او أجيالهم وعندها يفرح المؤمنون.