1- "الصحاح" للجوهري
[حيث] حيث: كلمة تدل على المكان، لأنه ظرف في الأمكنة بمنزلة حين في الأزمنة. وهو اسم مبني، وإنما حرك آخره لالتقاء الساكنين؛ فمن العرب من يبنيها على الضم تشبيها بالغايات؛ لأنها لم تجئ إلا مضافة إلى جملة، كقولك: أقوم حيث يقوم زيد، ولم تقل: حيث زيد. وتقول: حيث تكون أكون.
ومنهم من يبنيها على الفتح مثل كيف؛ استثقالا للضم مع الياء.
وهى من الظروف التى لا يجازى بها إلا مع ما، تقول: حيثما تجلس أجلس، في معنى أينما. وقوله تعالى: (ولا يفلح الساحر حيث أتى) في حرف ابن مسعود (أين أتى). والعرب تقول: جئت من أين لا تعلم، أي من حيث لا تعلم.
2- المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده
أ- حيثُ
ظرف من الأمكنة مبهم مضموم، وبعض العرب يفتحه. وزعموا أن أصلها الواو وإنما قلبوا الواو ياء قلب الخفة، وهذا غير قوي. وقال بعضهم: اجتمعت العرب على رفع حيثُ في كل وجه، وذلك أن أصلها حَوث، فقلبت الواو ياء لكثرة دخول الياء على الواو فقيل: حيث، ثم بنيت على الضم لالتقاء الساكنين، واختير لها الضم ليشعر ذلك بأن أصلها الواو، وذلك لأن الضمة مجانسة للواو، فكأنهم أتبعوا الضم الضم. قال الكسائي: وقد يكون فيها النصب يحفزها ما قبلها إلى الفتح، قال الكسائي: وسمعت في بني تميم من بني يربوع وطُهيَّةَ من ينصب الثاء على كل حال في الخفض والنصب والرفع، فيقول: حيثَ التقينا، ومن حيثَ لا يعلمون، ولا يصيبه الرفع في لغتهم. وقال: سمعت في بني أسد بن الحارث بن ثعلبة وفي بني فقعس كلها، يخفضونها في موضع الخفض وينصبونها في موضع النصب فيقولون: من حيثِ لا يعلمون، وكان ذلك حيثَ التقينا. وحكى الَّلحيانيّ عن الكسائي أيضا أن منهم من يخفض بِـ"حيث"، وأنشد:
أما ترى حيث سُهَيلٍ طالعاً
قال: وليس بالوجه.
وقوله، أنشده ابن دريد:
بحيثُ ناصَى اللِّمَمَ الكِثاثَا *مَوْر الكثيبِ فَجَرى وحَاثا
يجوز أن يريد: وحَثا، فقلب.
ب- حَوْثُ
حوث لغة في حيثُ إما لغة طيء وإما لغة تميم. وقال الَّلحيانيّ: هي لغة طيء فقط، يقولون: حَوْثُ عبد الله زيد. وقد أعلمتك أن أصل حيث إنما هو حوث. ومن العرب من يقول: حوث، فيفتح، رواه الَّلحيانيّ عن الكسائي، كما أن منهم من يقول: حَيْثَ.
3- "تاج العروس من جواهر القاموس" للزبيدي
(وحوث) بالواو (لغة في حيث، طائية)، صرح به شيخه ابن هشام في المغني، أو تميمية، وقال اللحياني: هي لغة طيىء فقط. قال ابن سيده: وقد أعلمتك أن أصل حيث إنما هو حوث على ما نذكره في ترجمة حيث، ومن العرب من يقول: حوث، فيفتح، رواه اللحياني عن الكسائي. كما أن منهم من يقول: حيث. روى الأزهري بإسناده عن الأسود. قال: سأل رجل ابن عمر: كيف أضع يدي إذا سجدت؟ قال: ارم بهما حوث وقعتا. قال الأزهري: كذا رواه لنا، وهي لغة صحيحة، حيث وحوث: لغتان جيدتان، والقرآن نزل بالياء، وهي أفصح اللغتين.
حيث (حيث: كلمة دالة على المكان)؛ لأنه ظرف في الأمكنة، (كحين في الزمان) وهو مذهب الجمهور، وحكى عليه جماعة الاتفاق. قال شيخنا: وقد خالف الأخفش، فادعى أنها تأتي وترد للزمان، وأقوى شاهد على دلالتها على الزمان قوله:
حيثما تستقم يقدر لك الله * نجاحا في غابر الأزمان
وإن بحث فيه الدماميني في التحفة، وتكلف للجواب، وهي ظرف، وتدخل عليها ما الكافة، فتتضمن معنى الشرط، كما في البيت، ولها أحكام مبسوطة في المغني وغيره.
(ويثلث آخره) قال شيخنا: أي مع كل من الياء والواو والألف عند بعضهم، فهي تسع لغات، ذكرها ابن عصفور وغيره، وبه تعلم قصور كلام المصنف.
قلت: هذا الذي ذكره شيخنا إنما هو في قولهم: تركته حاث باث، وحوث بوث، وحيث بيث بالواو والياء والألف، مع التثليث في آخره. وأما فيما نحن فيه، فلم يرد فيه إلا حوث وحيث، ولم يرد حاث، ولم يقل أحد: إن الألف لغة فيه، وسنذكر في ذلك كلام الأئمة حتى يظهر أن ما ذكره شيخنا إنما هو تحامل فقط.
ففي التكملة: حيث مبنيا على الكسر لغة في الضم والفتح.
وفي اللسان: حيث: ظرف مبهم من الأمكنة، مضموم، وبعض العرب يفتحه، وزعموا أن أصلها الواو، قال ابن سيده: وإنما قلبوا الواو ياء طلب الخفة، قال: وهذا غير قوي. وقال بعضهم: أجمعت العرب على رفع حيث في كل وجه، وذلك أن أصلها حوث فقلبت الواو ياء؛ لكثرة دخول الياء على الواو فقيل: حيث، ثم بنيت على الضم؛ لالتقاء الساكنين، واختير لها الضم ليشعر ذلك بأن أصلها الواو، وذلك لأن الضمة مجانسة للواو، فكأنهم أتبعوا الضم الضم، قال الكسائي: وقد يكون فيها النصب يحفزخها ما قبلها إلى الفتح.
قال الكسائي: سمعت في بني تميم من بني يربوع وطهية من ينصب الثاء على كل حال: في الخفض، والنصب، والرفع، فيقول: حيث التقينا، ومن حيث لا يعلمون، ولا يصيبه الرفع في لغتهم، قال: وسمعت في بني الحارث بن أسد بن الحارث بن ثعلبة وفي بني فقعس كلها يخفضونها في موضع الخفض، وينصبونها في موضع النصب فيقول: من حيث لا يعلمون، وكان ذلك حيث التقينا. وحكى اللحياني، عن الكسائي أيضا: أن منهم من يخف بحيث، وأنشد:
أما ترى حيث سهيل طالعا
قال: وليس بالوجه.
وقال الأزهري عن الليث: للعرب في حيث لغتان: فاللغة العالية حيث، الثاء مضمومة، وهو أداة للرفع يرفع الاسم بعده، ولغة أخرى حوث، رواية عن العرب لبني تميم (يظنون حيث في موضع نصب يقولون: القه حيث لقيته. ونحو ذلك كذلك).
وقال ابن كيسان: حيث حرف مبني على الضم وما بعده صلة له، يرتفع الاسم بعده على الابتداء: كقولك: قمت حيث زيد قائم، وأهل الكوفة يجيزون حذف قائم، ويرفعون بحيث زيدا، وهو صلة لها، فإذا أظهروا قائما بعد زيد أجازوا فيه الوجهين: الرفع، والنصب (فيرفعون الاسم أيضا وليس بصلة لها، وينصبون خبره ويرفعونه، فيقولون: قامت مقام صفتين، والمعنى: زيد في موضع فيه عمرو. فعمرو مرتفع بفيه، وهو صلة للموضع، وزيد مرتفع بفي الأولى وهي خبره، وليست بصلة لشيء).
قال: وأهل البصرة يقولون: حيث مضافة إلى جملة (ف) لذلك لم تخفض وأنشد الفراء بيتا أجاز فيه الخفض (وهو قوله:
أما ترى حيث سهيل طالعا
فلما أضافها فتحها كما يفعل بعند وخلف).
وقال أبو الهيثم: (حيث ظرف من الظروف يحتاج إلى اسم وخبر، وهي تجمع معنى ظرفين، كقولك: حيث عبد الله قاعد زيد قائم. المعنى: الموضع الذي فيه عبد الله قاعد زيد قائم، قال و) حيث من حروف المواضع، لا من حروف المعاني، وإنما ضمت؛ لأنها ضمنت الاسم الذي كانت تستحق إضافتها إليه، قال: وقال بعضهم: إنما ضم؛ لأن أصلها حوث، فلما قلبوا واوها ياء ضموا آخرها. قال أبو الهيثم: وهذا خطأ؛ لأنهم إنما يعقبون في الحرف ضمة دالة على واو ساقطة.
قال الأصمعي: ومما تخطىء فيه العامة والخاصة باب حين وحيث، غلط فيه العلماء مثل أبي عبيدة وغيره.
قال أبو حاتم: رأيت في كتاب سيبويه أشياء كثيرة، يجعل حين حيث، وكذلك في كتاب أبي عبيدة بخطه.
قال أبو حاتم: واعلم أن حين وحيث ظرفان؛ فحين ظرف من الزمان، وحيث ظرف من المكان، ولكل واحد منهما حد لا يجاوزه، والأكثر من الناس جعلوهما معا. والله أعلم.
4- "تهذيب اللغة" للأزهري
حيث: وقال الليث: للعرب في حيثُ لغتان، واللغة العالية، حَيْثُ: الثاء مضمومةٌ، وهو أداةٌ للرفع ترفع الاسم بعده. ولغةٌ أخرى حَوْثَ رواية عن العرب لبني تميم، يظنون حيثُ في موضع نَصْبٍ يقولون القَه حيثُ لقيته. ونحو ذلك كذلك.
وقال أبو الهيثم: حيث ظرفٌ من الظروف يحتاج إلى اسمٍ وخبر؛ وهي تجمع معنى ظرفين كقولك: حيث عبدُ الله قاعدٌ زيدٌ قائمٌ، المعنى الموضع الذي فيه عبد الله قاعد زيد قائم. قال: وحيث من حروف المواضع لا من حروف المعاني، وإنما ضُمَّتْ لأنها ضُمنت الاسم الذي كانت تستحقُّ إضافتها إليه. قال: وقال بعضهم: إنما ضُمَّتْ لأن أصلها حَوْثُ، فلما قلبوا واوها ياء ضموا آخرها.
قال أبو الهيثم: وهذا خطأٌ؛ لأنهم إنما يُعْقبون في الحرف ضمَّةً دالّة على واوٍ ساقطة.
وقال أبو حاتم: قال الأصمعيّ: وممّا تخطِىءُ فيه العامَّةُ والخاصَّة باب حيثُ وحينَ غلط فيه العلماءُ مثلُ أبي عبيدة وسيبويه.
قال أبو حاتم: رأيت في (كتاب سيبويه) شيئاً كثيراً يجعل حينَ حيثُ، وكذلك في (كتاب أبي عبيدة) بخطه.
قال أبو حاتم: واعلم أن حيثُ وحينَ ظرفان، فحينَ ظرفٌ من الزمان، وحيثُ ظرفٌ من المكانِ، ولكل واحدٍ منهما حد لا يجاوزُه. والأكثر من الناس جعلوهما معاً حَيْثُ، والصواب أن تقول: رأيتك حيثُ كنت، أي الموضِع الذي كنتَ فيه، واذهب حيثُ شئتَ، أي إلى أيّ موضع شئت.
وقال الله جل وعز: (فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا) (الأعرَاف: 19).
ويقال: رأيتك حين خَرَجَ الحاجُّ أي في ذلكَ الوقت، فهذا ظرفٌ من الزمانِ، ولا يَجُوزُ حيثُ خرجَ الحاجُّ، وتقول: ائْتِنِي حينَ يقدم الحاجُّ، ولا يجوز حيثُ يقدم الحاجُّ، وقد صيَّر الناسُ هذا كلَّه حيثُ، فليتعهد الرجلُ كلامَه. فإذا كان موضعٌ يحسُن فيه أَيْنَ وأيُّ موضعٍ فهو حيثُ؛ لأن أين معناه حَيْثُ. وقولهم: حيثُ كانُوا وأين كانوا، معناهما واحد، ولكنْ أجازوا الجمعَ بينهما، لاختلاف اللّفظين.
واعلم أنه يحسن في موضع حينَ لَمّا وإذْ وإذَا ووقت ويوم وساعة ومتَى. تقول: رأيتك لمّا جئتَ وحينَ جئتَ وإذْ جئت، ويقال: سأعطيك إذَا جئت ومتى جئت.
وقال ابن كَيْسَانَ حيث حرف مبني على الضَّم وما بعدَهُ صِلةٌ له يرتفع الاسم بعدَه على الابتداء، كقولك قمتُ حيثُ زيدٌ قائمٌ، والكوفيّون يجيزون حذفَ قائمٌ ويرفعون زيداً بحيث، وهو صِلَةٌ لها، فإذا أظهروا قائماً بعد زيد أجازوا فيه الوجهين، الرفعَ والنصبَ، فيرفعون الاسمَ أيْضاً وليس بصلة لها وينصبون خبره ويرفعونه فيقولون: قامت مقام صِفَتَيْنِ، والمعْنى زيد في موضِعٍ فيه عمروٌ، فعمرو مرتفع بفيه وهو صلةٌ للموضع، وزيد مرتفع بفي الأولى وهي خبر، وليست بصلة لشيء، قال: وأهل البصرة يقولون: حيث مضافةٌ إلى جملة فلذلك لم تخفِضْ، وقد أنشد الفرّاء بيتاً أجاز فيه الخفض:
أما ترى حيث سُهَيْلٍ طالعا
فلمّا أضافَها فتحها كما يفعَل بِعنْدَ وخَلْفَ.
ثعلب عن ابن الأعرابيّ: يقال: تركتهم حَاثِ باثِ: إذا تفرقوا. قال: ومثلهما من مُزْدَوِج الكلام خَاقِ بَاقِ، وهو صوتُ حركةِ أبي عُمير في زَرْنَب الفَلْهم، قَال: وخَاشِ مَاشِ قُماشُ البيت، وخَازِ بَازِ ورَمٌ، وهو أيضاً صَوْتُ الذُّبَاب. وقال ابن الأعرابي الحاثِيَاء تُرابٌ يُخْرجه اليَرْبُوع من نافِقَائِه بُني على فَاعِلاء.