إن توحيد الربوبية هو الاعتقاد الجازم بأن الله تعالى متفرد بالخلق: ( الحمد لله ربّ العالمين ) ،وأنه سبحانه بعد أن خلق الخلائق لم يتركها هملا، وإنما تولاها بكمال العناية والرعاية فقدّر أرزاقها: (و ما من دابّة في الأرض إلا على الله رزقها و يعلم مستقرّها و مستودعها كلّ في كتاب مبين ) ، فلا أحد يملك أن يعطي الإنسان أو يمنعه، أو ينفعه أو يضره، أو يحييه أو يميته، إلا أن يشاء الله. و هذا يحرره من جميع مظاهر العبودية فيصبح عبدا خالصـــــا لله تعالـــــى: ( قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين )، ( إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق و اعبدوه و اشكروا له )
كما أنه سبحانه - من كمال عنايته بخلقه - أرسل الرسل تترى مبشرين ومنذرين، ليهدي الناس لما يحقق صالحهم في الحال، وفلاحهم في المآل :( و لقد بعثنا في كلّ أمة رسولا أن اعبدوا الله و اجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله و منهم من حقت عليه الضلالة ) ، ( و ما كنّا معذبين حتى نبعث رسولا )
أما توحيد العبودية فيتجلى في أنه لما كان الله تعالى متفردا بالخلق، فإنه - منطقيا - يجب أن يكون متفردا بالعبودية، فمن حق الله على العباد أن يخصوه وحده بالعبادة، ولا يتخذوا معه شريكا في الـعبـــــادة:
( إياك نعبد و إياك نستعين) ، ( ذلكم الله ربّكم لا إله إلا هو خالق كلّ شيء فاعبدوه ) والعبادة هنا بالمعنى العام المتجاوِز للشعائر التعبدية، ليشمل كل أمر يصدر من الله تعالى للعباد بالفعل أو الترك، فإذا أقامه العباد فقد أقاموا العبادة لله تعالى .
فالحق سبحانه كما تعبّدنا بالشعائر تعبدنا بالشرائع، فلا فرق بين أحكام الصلاة، والزكاة والصوم والحج، وبين أحكام الزواج والطلاق، وسائر الأحكام المنظمة لكافة أوجه الحياة على مستوى الفرد أو الأسرة أو المجتمع أو الدولة أو الدول في حالة السلم والحرب: ( و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون )