أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 17

الموضوع: قصة الشورى بين المبدأ وآليات التطبيق

  1. #1
    الصورة الرمزية بهجت عبدالغني مشرف أقسام الفكر
    أديب ومفكر

    تاريخ التسجيل : Apr 2008
    الدولة : هنا .. معكم ..
    المشاركات : 5,142
    المواضيع : 253
    الردود : 5142
    المعدل اليومي : 0.88

    افتراضي قصة الشورى بين المبدأ وآليات التطبيق


    قصة الشورى
    بين المبدأ وآليات التطبيق ..


    بهجت الرشيد


    تعتبر الشورى من الأصول المهمة التي قام عليها الإسلام ، ومن أعظم المبادئ التي رسخها الإسلام في وجدان الأمة ، وهي تستمد قوتها وأصالتها من الوحي المعصوم نفسه ( وَشَاورْهُم في الأمْرِ ) ، كما أنها من أهم المظاهر الحضارية التي تَطَبّع بها الجماعة المسلمة في شؤون حياتهم المختلفة ، ومدحهم القرآن الكريم عليها ، وكيف لا وهي ( دعامة من دعائم الإيمان ، وصفة من الصفات المميزة للمسلمين ، سوَّى الله بينها وبين الصلاة والإنفاق في قوله : ( وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ) ) (1) ..
    يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى ( والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون ) :
    ( والتعبير يجعل أمرهم كله شورى ، لصبغ الحياة كلها بهذه الصبغة ، وهو نص مكي قبل قيام الدولة الإسلامية , فهذا الطابع إذن أعم وأشمل من الدولة في حياة المسلمين , إنه طابع الجماعة الإسلامية في كل حالاتها ، ولو كانت الدولة بمعناها الخاص لم تقم بعد . والواقع أن الدولة في الإسلام ليست سوى إفراز طبيعي للجماعة وخصائصها الذاتية ، والجماعة تتضمن الدولة ، تنهض وإياها بتحقيق المنهج الإسلامي وهيمنته على الحياة الفردية والجماعية . ومن ثم كان طابع الشورى في الجماعة مبكراً ، وكان مدلوله أوسع وأعمق من محيط الدولة وشئون الحكم فيها ، إنه طابع ذاتي للحياة الإسلامية ، وسمة مميزة للجماعة المختارة لقيادة البشرية ، بل هي من ألزم صفات القيادة ) (2)
    فالشورى إذن مبدأ اجتماعي تطبع عليه الصحابة الكرام وطبقوها في حياتهم وشؤونهم المختلفة ، وليست نظرية سياسية وحسب ..
    لكن حديثنا هنا سوف يقتصر على الشورى في تطبيقها السياسي ، وبالأخص في مسألة الإمامة الكبرى للدولة ، أي منصب الخلافة ..
    والإشكالية فيما يبدو ـ بهذا الصدد ـ تظهر عندما تتحول الشورى من المبدأ إلى التطبيق ، عندما تدخل حيز التنفيذ ، فقائل يقول إن أبا بكر تمّ اختياره في سقيفة بني ساعدة من قبل قلة ممن تواجدوا فيها ، بينما استبعد الكثير من الصحابة عن هذا الاختيار وعلى رأسهم علي ، ثمّ أين الشورى في استخلاف عمر ، وقد كان عن طريق الوصية ؟ وأين الشورى وقد حسم عمر قبيل وفاته المرشحين الذين لهم حق تولي الخلاقة من بعده ؟
    ذلك يدل على أن الصحابة لم يكونوا يفكرون بذهنية الشورى ، ولم يكن لديهم فكرة واضحة لها ، بل هناك من يدعي أن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) نفسه لم يمارس عملية توعية على الشورى لا تشريعاً ولا فكراً ..
    وبالطبع فإن استقراءاً لسيرة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ، ينسف هذا الادعاء من أساسه ، فالرسول كان يشاور أصحابه ، ويسمع لهم وينزل على مشورتهم ، في الأمور الخاصة والعامة ، ولسنا هنا بصدد عرض المواقف التي شاور النبي فيها أصحابه ، لكن لا مانع من الإشارة إلى بعض منها ..
    ـ في غزوة بدر نزل على رأي الحُبَاب بن المنذر الذي أشار إلى تغيير مكان نزول الجيش ، كما شاور النبي في شأن الأسرى وكيفيّة التعامل معهم .
    ـ في غزوة أحد نزل على رأي الأكثرية ، حيث كان رأيهم ملاقاة العدو خارج المدينة ، مع أن النبي كان له رأي مخالف ، وكان قد رأى رؤيا أولها بالبقاء في المدينة ، ورؤيا الأنبياء حق ، ومع ذلك نزل عند مشورتهم .
    ـ أخذ برأي سلمان الفارسي في حفر الخندق واستحسنها ، وأمر بتنفيذها .
    ـ نزل على رأي سعد بن معاذ وسعد بن عبادة في عدم إعطاء ثمار المدينة لغطفان مقابل تخليهم عن قريش وعدم القتال إلى صفهم في معركة الأحزاب .
    ـ نزل عند رأي زوجته أم سلمة بمباشرة النحر وحلق الشعر بنفسه عندما تثاقل الناس عن فعل ذلك .
    ـ شاور علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد رضي الله عنهما في قضيّة الإفك . كما شاور الناس في كيفيّة التعامل مع من آذاه في عرضه الشريف .
    أما الادعاء بأن الصحابة بعد النبي لم يلتزموا بالشورى ، فهو نابع من عدم تفريق هؤلاء المدعين بين الشورى مبدءاً وأصلاً ثابتاً ، وبين الآليات التي يمكن من خلالها تطبيق هذا المبدأ ، فالأول أصل ثابت التزم به الصحابة ، بينما الثاني يتعلق بالشكل والوسيلة وهي أمور قابلة للتطوير والتغيير والتحوير ، حسب الأوضاع التي تمر بها الأمة والمتغيرات التي تطرأ عليها ، وهذا ما فهمه الصحابة فجاء التزامهم بالشورى حقيقة لا مظهراً ، عملاً لا ادعاءً ، واقعاً معاشاً لا شعارات فارغة ..
    فباستعراض المبدأ الذي تمّ من خلاله اختيار الخلفاء الراشدين لوجدناه مبنيٌ على الشورى ، كما نرى نضوجاً وتطوراً في آليات تطبيقها ..
    وهذا عرض لاستخلاف الخلفاء ..

    استخلاف أبي بكر رضي الله عنه :
    من المعلوم أن النبي لم يوص لأحد بالخلافة من بعده ، وكان قد ألمح إلى مكانة أبي بكر في أكثر من موقف ، كما في تقديمه للإمامة في الصلاة في مرض موته ( صلى الله عليه وسلم ) .
    لكنه ( صلى الله عليه وسلم ) لم يصرح باسم أبي بكر مع علمه بأن الصحابة لن يعدلوا عنه ، وما ذلك الا ترسيخاً لمبدأ الشورى ، فلو صرح النبي لذلك كان منه نصاً لا يجوز مخالفته ، لكنه ( سكت بالقدر اللازم ، وأشار بالقدر اللازم ، وعلم أنه قد أشار بما فيه الكفاية ، وأن ما زاد على ذلك فهو زيادة على الكفاية ) (3) .
    وعندما انتقل الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) إلى الرفيق الأعلى حدث فراغ في السلطة السياسية ، إذ باتت الأمة دون قائد ، وانتبه أبو بكر وعمر لهذه الحقيقة المهمة والخطيرة ، فسارعوا إلى سقيفة بني ساعدة حين علموا أن اجتماعاً يحصل هناك للنظر في من يخلف الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) .
    بعد محاورات ونقاشات يمكن مراجعتها في كتب التاريخ ، وخلاصتها أن الأنصار أرادوها من عندهم ، بينما بيّن لهم أبو بكر وعمر أن الخليفة من قريش ، لأن الناس لن يرضوها إلا منهم ، وذلك لمكانة قريش في نفوس العرب ، فاجتمع الموجودون أخيراً في السقيفة على أبي بكر ، ثم عُرض نتيجة الاجتماع في السقيفة والاتفاق على أبي بكر في المسجد النبوي الشريف ، فبايعه الصحابة بيعة عامة ولم يعترض على ذلك أحد ، فكان ذلك منهم رضاً وقبولاً .
    صحيح أن الصحابة عموماً ولا كبارهم أمثال عثمان وعلي وطلحة والزبير وعبدالرحمن بن عوف ، لم يشهدوا السقيفة ، لكن المتأمل فيما جرى فيها حينها يدرك أن كلا الطرفين ( مهاجرين ـ أنصار ) أدلى بدلوه وقال حجته ، وطرقوا إلى كل ما يمكن أن يقال في هذا الموقف ، وأن من غاب من الصحابة لم يكن ليزيد على ما قيل في السقيفة أو لينقص إذا حضرها .
    إذن هل كانت هناك شورى في اختيار أبي بكر ؟
    بالطبع نعم ..
    ولكن هل الآليات التي طبقت بها الشورى كانت نموذجاً مثالياً ؟
    بالطبع كلا .. وذلك لأن الصحابة لأول مرة كانوا يمارسون الشورى ويطبقونها عملياً على مستوى الإمامة الكبرى .. منصب الخليفة .. ولا شك فإن التجربة الأولى دائماً تحمل معها النقص والقصور ، وخاصة إذا لابست تلك التجربة ظروف أخرى مثلما حدث في ذلك الوقت ، من موت النبي وقد كانوا يظنون أنه تعافى وشفي ، واجتماع الأنصار في السقيفة ليتولوا منصب الخلافة ، مما جعل أبو بكر وعمر يتدخلان بشكل سريع في الأمر ، وهذا بحدّ ذاته يلقي التوتر في الأمر والقرار ..
    وأبلغ وصف لما حدث قول عمر حين قال في حديث طويل رواه البخاري في صحيحه :
    ( ... فلا يغترن امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت ألا وإنها قد كانت كذلك ولكن الله وقى شرها وليس فيكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر من بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي تابعه تغرة أن يقتلا ... ) (4) .
    وكلمة الفلتة هنا لا تحمل معنىً سلبياً كما يتوهم البعض ، فإنه بالرجوع إلى لغة العرب ولسانه يتبيّن معناها على الوجه الصحيح والدقيق .
    يقول ابن منظور :
    ( يقال كان ذلك الأَمرُ فَلْتةً أَي فَجأَة إِذا لم يكن عن تَدَبُّر ولا تَرَدُّدٍ والفَلْتة الأَمر يقع من غير إِحكام وفي حديث عمر أَنَّ بيعة أَبي بكر كانت فَلْتةً وَقى اللهُ شَرَّها قال ابن سيده قال أَبو عبيد أَراد فجأَة وكانت كذلك لأَنها لم يُنْتَظَرْ بها العوامُّ إِنما ابْتَدَرَها أَكابرُ أَصحاب سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين وعامّة الأَنصار إِلا تلك الطِّيرةَ التي كانت من بعضهم ثم أَصْفَقَ الكلُّ له بمعرفتهم أَن ليس لأَبي بكر رضي الله عنه مُنازع ولا شريك في الفضل ولم يكن يحتاج في أَمره إِلى نظر ولا مُشاورة وقال الأَزهري إِنما معنى فَلْتةً البَغْتَة قال وإِنما عُوجل بها مُبادَرةً لانْتشارِ الأَمر حتى لا يَطْمَعَ فيها من ليس لها بموضع ) (5) .
    فإذن كلمة ( فلتة ) جاءت في محلها الصحيح ، لأن الأمور حصلت كلها بشكل مفاجئ مستعجل ومن غير تدبير سابق ، وهذا ينسف القول بالمؤامرة المزعومة في سرقة الخلافة .
    وربما يُفهم من كلام عمر ( من بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين ) أن بيعة أبي بكر لم تكن بمشورة ، وهو فهم بعيد ، إذ يشير عمر بهذا القول إلى حصول أمر الاستخلاف والبيعة بشكلها السريع وأن الآليات التي طبقت بها الشورى لم تكن في حالتها المتكاملة ، كما أنه لم يكن هناك من ينازع أبا بكر في الأمر بعدما تبيّن فضله ومنزلته في الإسلام .

    استخلاف عمر رضي الله عنه :
    لا شك أن أبا بكر استفاد مما حصل بعد موت النبي من أحداث مفاجئة سريعة ، من فراغ سياسي وتضارب في الآراء والمواقف فيمن يخلف الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ، وكان يشعر بخطورة ترك الأمور لتكون كيفما اتفق ، وحتى لا يتكرر ما حدث في السقيفة ، احتاط أبو بكر للأمر ، وبدأ بتطوير جديد في آلية تطبيق الشورى ، فتشاور مع الصحابة أولاً ثم أوصى ..
    وأترككم مع الدكتور علي الصلابي وهو يشرح شرحاً وافياً طريقة استخلاف عمر ، وكيف أنه كان عن طريق الشورى بآلية متطورة :
    ( ويلحظ الباحث : أن ترشيح أبي بكر الصديق رضي الله عنه لعمر بن الخطاب ، لم يأخذ قوته الشرعية ، ما لم يستند لرضا الغالبية بعمر وهذا ما تحقق حين طلب أبو بكر من الناس أن يبحثوا لأنفسهم عن خليفة من بعده ، فوضعوا الأمر بين يديه ، وقالوا له ، رأينا إنما هو رأيك ، ولم يقرر أبو بكر الترشيح إلا بعد أن استشار أعيان الصحابة فسأل كل واحد على انفراد ، ولما ترجح لديه اتفاقهم أعلن ترشيحه لعمر ، فكان ترشيح أبي بكر صادراً عن استقراء ، لآراء الأمة من خلال أعيانها ، على أن هذا الترشيح لا يأخذ قوته الشرعية إلا بقبول الأمة به ، ذلك أن اختيار الحاكم حق للأمة ، والخليفة يتصرف بالوكالة عن الأمة . ولا بد من رضا الأصيل ، ولهذا توجه أبو بكر إلى الأمة : أترضون بمن استخلف عليكم ؟ فإني والله ما ألوت من جهدي الرأي ولا وليت ذا قرابة ، وأني قد استخلفت عمر بن الخطاب . فأسمعوا له وأطيعوا . فقالوا : سمعنا وأطعنا ، وفي قول أبي بكر أترضون بمن استخلف عليكم ، إشعار بأن الأمر للأمة وأنها هي صاحبة العلاقة والاختصاص .
    إن عمر رضي الله عنه ولي الخلافة باتفاق أهل الحل والعقد وإرادتهم فهم الذين فوضوا لأبي بكر انتخاب الخليفة ، وجعلوه نائباً عنهم في ذلك ، فشاور ثم عين الخليفة ، ثم عرض هذا التعيين على الناس فأقروه ، وأمضوه ووافقوا عليه ، وأصحاب الحل والعقد في الأمة هم النواب ( الطبيعيون ) عن هذه الأمة ، وإذن فلم يكن استخلاف عمر رضي الله عنه إلا على أصح الأساليب الشورية وأعدلها .
    إن الخطوات التي سار عليها أبو بكر الصديق في اختيار خليفته من بعده لا تتجاوز الشورى بأي حال من الأحوال ، وإن كانت الإجراءات المتبعة فيها غير الإجراءات المتبعة في تولية أبي بكر نفسه ، وهكذا تم عقد الخلافة لعمر رضي الله عنه بالشورى والاتفاق ، ولم يورد التاريخ أي خلاف وقع حول خلافته بعد ذلك ، ولا أن أحداً نهض طول عهده لينازعه الأمر ، بل كان هناك إجماع على خلافته وعلى طاعته في أثناء حكمه ، فكان الجميع وحدة واحدة ) (6) .
    وبذلك نرى بوضوح تام التزام الصحابة بالشورى مبدءاً أصيلاً ، كما نرى نضوجاً في تطوير وتطبيق آلياتها .


    استخلاف عثمان رضي الله عنه :
    على فراش الموت بعد الطعنة الغادرة الفاجرة الكافرة من المجوسي أبو لؤلؤة ، طُلب من عمر أن يستخلف ، ففكر في الأمر ملياً ، فابتكر طريقة جديدة لم يُسبق إليها في اختيار الخليفة الجديد ، فما كان بالذي يترك الأمر دون حل ، وقد مرّ بتجربتين سابقتين في الاستخلاف ، ولا شك أنه قد استفاد منهما ، ودرس أبعادهما ، أسبابهما ومعطياتهما ، ولذا قرر ( أن يسلك مسلكاً آخر يتناسب مع المقام ؛ فرسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الناس وكلهم مقر بأفضلية أبي بكر وأسبقيته عليهم فاحتمال الخلاف كان نادراً وخصوصاً أن النبي صلى الله عليه وسلم وجه الأمة قولاً وفعلاً إلى أن أبا بكر أولى بالأمر من بعده ، والصدّيق لما استخلف عمر كان يعلم أن عند الصحابة أجمعين قناعة بأن عمر أقوى وأقدر وأفضل من يحمل المسؤولية بعده ، فاستخلفه بعد مشاورة كبار الصحابة ولم يخالف رأيه أحد منهم ، وحصل الإجماع على بيعة عمر ) (7) .
    وعمر كان يدرك ذلك كله ، لذا عمد إلى إنشاء أول مجلس للشورى للمسلمين ، يتخذون قراراهم في اختيار الخليفة الجديد ، وقد ضمّ المجلس ( ستة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم بدريون وكلهم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض وكلهم يصلحون لتولي الأمر ولو أنهم يتفاوتون ، وحدد لهم طريقة الانتخاب ومدته وعدد الأصوات الكافية لانتخاب الخليفة وحدد الحكم في المجلس والمرجح إن تعادلت الأصوات وأمر مجموعة من جنود الله لمراقبة سير الانتخابات في المجلس وعقاب من يخالف أمر الجماعة ومنع الفوضى بحيث لا يسمحون لأحد يدخل أو يسمع ما يدور في مجلس أهل الحل والعقد ) (8) .
    وهكذا دفع عمر بعجلة الشورى إلى أفق جديد بتطوير آلياتها وطرائق تطبيقها ، والحقيقة أنك لن تقرأ في التاريخي الإسلامي فيما بعد عن مثل هذا المجلس أبداً ، فقد كان ـ حسب رأيي ـ أنضج نقطة في تطبيق الشورى في تاريخنا ، حتى أن عبدالرحمن بن عوف طبق طريقة الاقتراع كما هو معروف الآن في الانتخابات ، يقول ابن كثير : ( ثم نهض عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يستشير الناس فيهما ويجمع رأي المسلمين برأي رؤوس الناس واقيادهم جميعاً واشتاتاً مثنى وفرادى ومجتمعين سراً وجهراً حتى خلص إلى النساء المخدرات في حجابهن وحتى سأل الولدان في المكاتب وحتى سأل من يرد بمن الركبان والأعراب إلى المدينة في مدة ثلاثة أيام بلياليها ) (9) .
    لكن التجربة فُجعت وانتهت بمقتل عثمان رضي الله عنه .
    ويرى الدكتور أحمد خيري العمري أن ( مجلس الشورى الذي أوصى به عمر لم يتحول إلى مؤسسة الشورى ، لقد أدى مهمة واحدة وانتهى الأمر ، وكان الأفضل والأفقه أن يظل هؤلاء الخمسة ـ بقية الستة ـ يمارسون دوراً استشارياً لمساعدة عثمان في تولية الأمور خاصة مع كبر حجم الدولة وكبر سن عثمان ) (10) .
    وبالطبع لو حدث ذلك لكان فتحاً آخر للمسلمين ونقطة مهمة جداً في التاريخ السياسي الإسلامي المبكر ، ولربما نتج عن ذلك انتقال سلس للسلطة إلى خليفة آخر ، كما كان يمكن ـ لو بقي هذا المجلس ـ تحاشي الكثير من الإشكالات التي حدث في زمن عثمان ، والذي أدى في أواخر خلافته إلى حدوث أمور أُستغلت من قبل أهل الفتنة والظلم ، لينتهي أخيراً إلى مقتله رضي الله عنه .

    استخلاف علي رضي الله عنه :
    في لحظة من أشد لحظات التاريخ الإسلامي حزناً وألماً ، امتدت يدٌ آثمة كافرة وتطاولت على دم أفضل رجل في ذلك الزمان ، فطعنته طعنة خبيثة حاقدة ، فانتضح الدم على المصحف الذي كان بين يديه يقرأ منه ، وسقط على قوله تعالى : ( فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) .
    طعنة طاشت لها العقول ، وتركت الحليم حيرى ..
    ويصف علي تلك اللحظات بأبلغ وصف ، فعن قيس بن عباد قال : سمعت علياً يوم الجمل يقول : اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان ، ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان ، وأنكرت نفسي وجاءوني للبيعة ، فقلت : والله إني لأستحي من الله أن أبايع قوماً قتلوا رجلاً قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ألا أستحي ممن تستحي منه الملائكة ) ، وإني لأستحي من الله أن أبايع وعثمان قتيل على الأرض لم يدفن بعد ، فانصرفوا , فلما دفن رجع الناس، فسألوني البيعة ، فقلت : اللهم إني مشفق مما أقدم عليه ، ثم جاءت عزيمة فبايعت فلقد قالوا : يا أمير المؤمنين ، فكأنما صدع قلبي ، وقلت : اللهم خذ مني لعثمان حتى ترضى (11) .
    وفي رواية أخرى عن محمد ابن الحنفية قال : فأتاه أصحاب رسول الله فقالوا : إن هذا الرجل قد قتل ولا بد للناس من إمام ولا نجد أحدًا أحق بها منك أقدم مشاهد ، ولا أقرب من رسول الله فقال علي : لا تفعلوا فإني لكم وزيرًا خير مني أميرًا . فقالوا : لا والله ما نحن بفاعلين حتى نبايعك ، قال : ففي المسجد فإنه ينبغي لبيعتي ألا تكون خفياً ولا تكون إلا عن رضا المسلمين ، قال : فقال سالم بن أبي الجعد : فقال عبد الله بن عباس : فلقد كرهت أن يأتي المسجد كراهية أن يشغب عليه ، وأبى هو إلا المسجد ، فلما دخل المسجد جاء المهاجرون والأنصار فبايعوا وبايع الناس (12) .
    وبهذا نرى أن استخلاف علي كان بطلب من أصحاب رسول من المهاجرين والأنصار ، وان كانت طريقة الاستخلاف لم تكن على أحسن حالاتها ، كما حدث في بيعة أبي بكر ، لكن علياً تولى الخلافة بطلب الصحابة وموافقتهم ورضاهم .
    وبعد مقتل علي على يد المجوسي الكافر المجرم عبدالرحمن بن ملجم ، توقفت عجلت الشورى ورجعت القهقري ، فقد جاء استخلاف الحسن امتداداً طبيعياً لخلافة أبيه ، فقد بايعه الذين كانوا مع علي ، واستمر خلافته ستة أشهر إلى أن تنازل عنها لمعاوية بن أبي سفيان ، حيث أوصى به الأخير إلى ابنه يزيد ، فتحولت الشورى إلى وراثة ، وكان ( الأولى به أن يشكل مجلساً يضمّ رجالاً من أفاضل المجتمع الإسلامي وأعيانه في الشام والعراق وبلاد الحجاز وغيرها ... كالحسين بن علي وعبدالرحمن بن أبي بكر وعبدالله بن عمر وعبدالله بن عباس .. إلا أن ذلك لم يحدث ، بل أصبحت الحكومة مَلكية بعد أن كانت خلافة راشدة ) (13) .
    فقد اجتهد معاوية في ذلك وأخطأ ، وكان يخاف على الأمة من الانقسام والتفرق بعدما جمعهم الله ، فوقع المحظور بعد وفاته ، فحصل القتال والشقاق وسُفكت الدماء .
    وأهل السنة ( لا ينزهون معاوية ولا من هو أفضل منه من الذنوب فضلاً عن تنزيههم عن الخطأ في الاجتهاد بل يقولون إن الذنوب لها أسباب تدفع عقوبتها من التوبة والاستغفار والحسنات الماحية والمصائب المكفرة وغير ذلك وهذا أمر يعمّ الصحابة وغيرهم ) (14) .
    وهكذا دخلت الدولة الإسلامية مرحلة الملك والتوريث ، وكان أول ملوكها وخيرهم معاوية بن أبي سفيان .

    ثلاث محاولات مبكرة
    غير أننا نشهد في وقت مبكر من تاريخ الإسلام محاولتان لإرجاع الأمر شورى بين المسلمين ، وترك التوريث ، منها محاولة الحسين بن علي ، فقد خرج على خلافة يزيد بن معاوية حفاظاً على ( مبدأ الحرية ، ودفاعاً عن أصل الشورى ، وإعطاء الناس فرصة اختيار الخليفة عن طريق الشورى ، حتى يختاروا أصلحهم ، ولكن عندما انقلب أمر الحكم من الشورى إلى الملك الوراثي ، لم يسكت ، كيف وقد تمّ الإخلال بأحد شروط صلح الحسن مع معاوية وهو أن يكون الأمر من بعد معاوية شورى بين المسلمين ؟ ) (15) .
    ولذا خرج إلى الكوفة إثر رسائل بيعة أهلها له ، ليعيد الحق ، ويرجع النهر إلى مجراه الطبيعي ، لكن يد البطش والطغيان استقبلته في كربلاء ، ليمنعوه الحق ، فتناولته الأيادي الكافرة الفاجرة بالضرب والطعن ، فسقط وحيداً شهيداً مظلوماً رضي الله عنه وأرضاه .
    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : ( وأما من قتل الحسين أو أعان على قتله أو رضي بذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ) (16) .
    وبذلك لم تكتب لهذه المحاولة النجاح ..

    بينما كانت المحاولة الثانية في عهد معاوية يزيد بن معاوية أبي ليلى ، وكان رجلاً صالحاً ناسكاً ، عهد إليه أبوه يزيد بالخلافة من بعده ، فلما تولى الخلافة كان مريضاً لا يخرج إلى الناس ، وكان الضحاك بن قيس هو الذي يصلي بالناس ويسد الأمور ، ولما حضرته الوفاة قيل له : ألا توصى ؟ فقال : لا أتزود مرارتها إلى آخرتي وأترك حلاوتها لبنى أمية .
    ويروى أنه نادى في الناس الصلاة جامعة ذات يوم فاجتمع الناس فقال لهم : فيما قال : يا أيها الناس إني قد وليت أمركم وأنا ضعيف عنه فان أحببتم تركتها لرجل قوى كما تركها الصديق لعمر وإن شئتم تركتها شورى في ستة منكم كما تركها عمر بن الخطاب وليس فيكم من هو صالح لذلك وقد تركت لكم أمركم فولوا عليكم من يصلح لكم ثم نزل ودخل منزله فلم يخرج منه حتى مات رحمه الله تعالى .
    والمتأمل يرى أن هذه المحاولة لم تأت قوية حاسمة ، بل جاءت ضعيفة لا تحلّ إشكالاً ولا تخمد فتنة ، رغم كونها تحمل فكرة الشورى ، إلا أنها لم تتخذ طابع التخطيط والتنفيذ ، فكان أقرب إلى إبراء الذمة وعدم الدخول في فتنة الحكم وإشكالياته ..
    وصدق أرثم الفزاري الذي قال في معاوية :
    إني أرى فتنة تغلي مراجلها ........... والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا
    فقد تغلب إلى الحجاز عبد الله بن الزبير وعلى دمشق وأعمالها مروان بن الحكم وبايع أهل خراسان سلم بن زياد ، وخرج القراء والخوارج بالبصرة وعليهم نافع بن الأزرق ، وخرج نجدة بن عامر الحنفي باليمامة وخرج بنو ماحورا في الأهواز وفارس .. (17) .

    بينما كانت المحاولة الثالثة عند عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه ، فقد كان مبدأ الشورى في ذاكرته حتى قبل توليه الخلافة ، فعندما تولى إمارة المدينة المنورة قام بتشكيل مجلس للشورى ضمّ فقهاء المدينة وهم : عروة بن الزبير ، وعبيدالله بن عتبة ، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وأبو بكر بن سليمان بن أبي خيثمة ، وسليمان بن يسار ، والقاسم بن محمد ، وسالم بن عبد الله بن عمر، وأخوه عبد الله بن عبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عامر بن ربيعة ، وخارجة بن زيد بن ثابت (18) .
    وقد خطب في المجلس فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : إني دعوتكم لأمر تُؤجَرون عليه وتكونون فيه أعوانًا على الحق ، إني لا أريد أن أقطع أمرًا إلا برأيكم ، أو برأي من حضر منكم ، فإن رأيتم أحدًا يتعدَّى أو بلغكم عن عامل لي ظلامة ، فأحرِّج اللهَ على من بلغه ذلك إلا أبلغني (19) .
    فلا شك إذن أنه بعدما تولى الخلافة كان يفكر إلى إرجاع الأمر شورى بين المسلمين ، بآليات وطرائق تتفق مع ذلك الزمان وظروفه وأحواله .
    ونلمس ذلك بوضوح في مواقفه وتصريحاته ، فإنه أول ما تولى الخلافة خطب في الناس قائلاً : ( أيها الناس ... إني قد ابتليت بهذا الأمر من غير رأي مني ولا طلبة له ولا مشورة من المسلمين ، وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي فاختاروا لأنفسكم ) .
    وعندما جاءه بنو مروان يعاتبوه لقطع أعطياتهم التي كانوا يأخذونها بغير وجه حق ، هددهم بتحويل الأمر إلى شورى ، فقد جاء في طبقات ابن سعد أن بني مروان جاؤوا إلى ( عمر فقالوا إنك قصرت بنا عما كان بنا من قبلك وعاتبوه فقال لئن عدتم لمثل هذا المجلس لأشدن ركابي ثم لأقدمن المدينة ولأجعلنّها أو أصيرها شورى أما إني أعرف صاحبها الأعيمش يعني القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ) (20) .
    لكن المنية سبقته إلى ما أراد ، فقد مات بعد سنتين وخمسة أشهر من استخلافه لأمر المسلمين ، وهي مدة لم تكن كافية بحال من الأحوال لإجراء ذاك التغيير الجذري في نظام التوريث ، وخاصة بعد الإرث الثقيل من المظالم والمخالفات التي خلفتها خلافة من سبقه من الأمويين .
    ويتساءل الأستاذ الدكتور عمادالدين خليل ماذا إذا كان عمر ( مات مقتولاً بأيدي الذين خافوا على سلطانهم من محاولته استعادة نظام الشورى والاختيار .. أم أن موته جاء فجأة لكي تصد الروح ـ التي أرهقها الكدح الطويل المركز ، والجهاد على جبهتي الداخل والخارج ـ إلى السماء لترتاح ؟ ) .
    يجيب بأن هناك ( بعض القرائن التي ترجح الاحتمال الأول ، إلا أن الترجيح لا يمكن أن يبلغ أبداً ـ بما هو مهيأ الآن على الأقل من نصوص ـ مرتبة اليقين ! ) (21) .
    ولكن يبقى احتمال قتله بالسم خوفاً على ذهاب الخلافة وتحول الأمر إلى شورى قائماً ..

    هذه هي قصة الشورى ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال :
    ( تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ ثُمَّ سَكَتَ ) (22) .

    فهل ما نشهده هذه الأيام من الثورات ضد أنظمة حكم الاستبداد والجبروت وداعاً للملك الجبري واستقبالاً للخلافة على منهاج النبوة ؟
    نرجو ذلك ...




    ـــــــــــــ
    1 ـ الإسلام وأوضاعنا السياسية ، عبدالقادر عوده ، مؤسسة الرسالة ـ بيروت ، 1981 ، ص193 ـ 194 .
    2 ـ في ظلال القرآن ، سيد قطب ، دار الشروق ـ القاهرة ، 2004 ، ج5 ، 3165 .
    3 ـ عبقرية الصديق ، عباس محمود العقاد ، المكتبة العصرية ـ بيروت ، 2007 ، ص26 .
    4 ـ صحيح البخاري ، كتاب الحدود ، باب رجم الحبلى في الزنا إذا أحصنت ، رقم ( 6442 ) .
    5 ـ لسان العرب ، مادة ( فلت ) .
    6 ـ فصل الخطاب في سيرة ابن الخطاب ، علي محمد الصلابي ، ج1 ، ص120 ـ 121 .
    7 ـ سيرة عثمان بن عفان رضي الله عنه ، علي محمد الصلابي ، ط1 ، 2006 ، ج1 ، ص70 .
    8 ـ المصدر نفسه ، ج1 ، ص70 .
    9 ـ البداية والنهاية ، إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي أبو الفداء ، مكتبة المعارف ـ بيروت ، ج7 ، ص146 .
    10 ـ البوصلة القرآنية ، احمد خيري العمري ، دار الفكر ـ دمشق ، 2005 ، ص408 ـ 409 .
    11 ـ المستدرك على الصحيحين ، أبى عبد الله الحاكم النيسابوري ، إشراف : د. يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، دار المعرفة بيروت ـ لبنان ، ج5 ، ص130 .
    12 ـ تاريخ الأمم والملوك ، محمد بن جرير الطبري أبو جعفر ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ، ط1 ، 1407 هـ ، ج2 ، ص696 .
    13 ـ موسوعة الحسن والحسين ، السيد حسن الحسيني ، دار المحبة ـ دمشق ، ط1 ، 2011 ـ ص309 ـ 310 .
    14 ـ منهاج السنة النبوية ، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني ، دراسة وتحقيق : محمد رشاد سالم ، الرياض ، 1406 هـ ، ج4 ، ص184 .
    15 ـ موسوعة الحسن والحسين ، ص365 .
    16 ـ مجموع الفتاوى ، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني ، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ـ المدينة النبوية ، 1995 ، ج4 ، ص487 .
    17 ـ البداية والنهاية ، ج8 ، ص237 ـ 238 .
    18 ـ المصدر نفسه ، ج9، ص71 .
    19 ـ المصدر نفسه ، ج9 ، ص71 .
    20 ـ الطبقات الكبرى ، محمد بن سعد بن منيع ، دار النشر : دار صادر ـ بيروت ، ج6 ، ص626 .
    21 ـ ملامح الانقلاب الإسلامي في خلافة عمر بن عبدالعزيز ، ط3 ، مؤسسة الرسالة ـ بيروت ، 1978 ، ص196 .
    22 ـ رواه أحمد في مسنده ، مؤسسة الرسالة ، 1999 ، ج30 ، ص355 . وقال الألباني في السلسلة الصحيحة : صحيح .



    لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
    التعديل الأخير تم بواسطة بهجت عبدالغني ; 31-08-2012 الساعة 08:47 PM

  2. #2
    الصورة الرمزية عبد الرحيم بيوم أديب
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Apr 2012
    الدولة : المغرب
    المشاركات : 2,249
    المواضيع : 152
    الردود : 2249
    المعدل اليومي : 0.51

    افتراضي

    لله درك اخي الحبيب
    فقد استفدت واستمتعت وانا اجول بين المعاني الجليلة في هذا الموضوع
    "فالشورى سمة من سمات الحياة الإسْلاميَّة وجزئية في النِّظَام الإسلامي عامة وحق من الحقوق السِّيَاسِيَّة للأمة الإسْلاميَّة يحقق أموراً هامة منها:
    الأول: إشراك الأمة-ممثلة بأهل الحل والعقد- في مزاولة السلطة والتفكير بقضايا الأمّة مع الشخص الذي أنابه عنها ، وهو الأمير .
    والثاني: الحيلولة دون استبداد الحاكم أو طغيانه.
    والثالث: تطييب نفوس المحكومين وتأليف قلوبهم بما يجمعها مع الحاكم برباط المودة والتعاون، كما أشار الزمخشري في تفسيره عند قوله تعالى: { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ } فقَالَ : « لما فيه من تطييب نفوسهم والرفع من أقدارهم » . وقَالَ ابن تَيْمِيَّة عند شرحه للآية: « إنّ الله أمر بها نبيه لتأليف قلوب أصحابه وليقتدي بها من بعده وليستخرج منهم الرَأْي فيما لم ينزل فيه وحي من أمر الحرب والأمور الجزئية وغير ذلك »
    والرابع: تجنب الخطأ في اتخاذ القرارات". [من كتاب: العدالة في نظام الحكم في الاسلام]
    جهد مشكور وسعي مقبول
    تحياتي لك
    وحفظك المولى

  3. #3
    الصورة الرمزية د. سمير العمري المؤسس
    مدير عام الملتقى
    رئيس رابطة الواحة الثقافية

    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    الدولة : هنا بينكم
    العمر : 59
    المشاركات : 41,182
    المواضيع : 1126
    الردود : 41182
    المعدل اليومي : 5.27

    افتراضي

    موضوع مميز ومفيد يحمل معالم الطرح العلمي والفكري الذي أنشئ لإجله هذا المنبر منبر الفكر والحوار المعرفي وكلي أمل بحق أن نجد من الجميع مثل هذه الأطروحات الراقية والتناولات العميقة للفكر العربي والإسلامي وصولا إلى النهوض العام بالمشهد الفكري.

    وأما مضمون ما طرحت فقد سرني بأسلوبه وتناوله ، أفدت من بعضه ووافقتك في بعضه وخالفتك في بعضه خلاف فهم لا خلاف حكم. وللحق فإن هذا الموضوع يمثل جزءا أساسيا مما كنت عزمت على أن أخصص له كتابا كاملا منذ سنوات لما تسنح لي به ظروف الصحة ولا الفراغ ليكون توصرا شاملا وسويا للرؤية الصائبة للقيادة والحكم في بناء الدولة الراشدة دولة الرأي والحق والعدل.

    وإني هنا أحب أن أتداخل مع هذا الموضوع القيم باقتضاب يتناسب مع المقام ذلك أن الإسهاب قد يدخلني مبكرا في تأليف ذلك الكتاب الذي أخبرت عنه ، وقد يثقل ذلك على متابعة الموضوع عند الأحبة من قراء ورواد.

    أما الشورى فهي أساس راسخ وملزم من أسس المنهج الإسلامي لا خلاف على ذلك ولا مراء فيه ، وسرني أن أوضحت أن هذا المنهج (الشورى) ينسحب على كل أمور الأمة من أقلها إلى أجلها ، وهي في الوقت نفسه مرتبطة تماما بمسألة الإمارة والإمامة فكلاهما صنوان لا يفترقان ، وإن افترقا حدثت الفرقة والخلاف وعم الخصام والفساد.

    وأما آليات الشورى فهي كما أوضحت في مقالتك أمور تقديرية ومتغيرات ظرفية بقدر ما تقضي الحاجة وتحتاج المباشرة على أن يكون ذلك بقدر وبدون التساهل في الأسس الراسخة لمعنى الشورى من حيث ضروريات الحزم فيها بما لا يخرجها عن قدرتها على الضبط والتوجيه ، وبما يغلب عليها هوى النفوس وأثرة المصالح والمطامع.

    ثم إن الأمر هنا يجب أن يكون واضحا أن الشورى ليست ممارسة من أجل الممارسة وإنما ممارسة من أجل أرب كبير وهدف عظيم فلا تصح إلا بتحقيقه ولا يكون لها معنى دون أن يكون لها قدرة على الوصول إلى هذا الهدف الأعلى وهو إخماد نار الفتنة وإرساء منهج البيعة والإمارة. وعليه فإن الشورى يجب أن لا تكون سلما رخيصا لأصحاب المصامع والمطامح الشخصية أو أصحاب المكر والكيد أو شعارا فارغا تقاد به الرعاع دون وعي وفهم لما يراد بها.

    وإن طرح مبدأ الشورى يستلزم بادئ ذي بدء أن يكون هناك تعريف واضح للشورى وشرح واف لدورها وتذكر أن الشورى إنما تكون ملزمة في الاختيار للإمامة (الإمارة) ، ولكنها غير ملزمة حين تكون بمثابة مجلس شورى للأمير على أن يكون هناك إطار منظم للعلاقة لا يعرقل قدرة القائد على المبادرة وفي نفس الوقت يمنح مجلس الشورى القدرة على إسقاط الإمامة إذا خرجت عن إطر التشريع أو التنفيذ المتعلق بها.

    ثم إن هذا يتطلب منا طرح سؤال ربما أكثر أهمية يتعلق بمن لهم الحق في أن يكونوا أهل شورى؟؟ وهل الشورى هي حق لكل فرد في الأمة ، وهل يمكن تحقيق هذا حقا؟؟ وكيف يمكن تحقيقه ، وكيف يمكن الوصول إلى "مجلس شورى" ممثلا حقيقيا للجميع ومستحقا يجمع فيه أهل الرأي وأهل العقد والحل و"الرجل المناسب في المكان المناسب"؟

    ثم إن هناك خطأ كبير يقع فيه الكثير بجعل الشورى في الإسلام بديل ما يسمى بالديمقراطية التي هي نقيض الديكتاتورية في الغرب ، وهذا طرح مغلوط وقاصر دفع العديد ممن يقدمون أنفسهم على أنهم مفكرون للتجني على منهج الشورى ومحاولة التقريب بين أطروحات الديمقراطية الغربية التي يجب أن تفند بشكل واضح لتظهر حقيقتها وعوارها وبين المنهج المتكامل في الإسلام متمثلا في الشورى.

    ثم هل الديمقراطية الغربية التي يتباهون بها شرقا وغربا هي حقا شورى وحرية اختيار أم هي في حقيقتها ديكتاتورية وتسلط جائر وفاسد يقوم على مناهج وآليات غير نزيهة وغير صحيحة وتأتي غالبا بمن هو غير كفء وغير مناسب؟؟ هذا مجال للبحث لا يجوز التغاضي عنه سواء من حيث تفنيد النظرية أو من حيث تفنيد التطبيق الذي يرى الجميع أثره السلبي على حياة البشر.

    ثم هل الديكتاتورية شر وفساد بحق؟؟ وهل الأساس في التعاطي السياسي مع الرعية نشر منهج الشورى أم نشر أسس الحق والعدل؟؟ وهل يقبل أن تشير بطانة ما بالجور على قائد فيعاني منه الشعب خير أم أن يرفض شوراهم ويحقق العدل؟؟
    إن الشورى كما اسلفت أداة لتحقيق العدالة والنزاهة والمساواة وليس العكس فلا معنى لشورى لا تحقق المطلوب منها ولا معنى لشورى عند من لا يملكون رأيا يشيرون به ولا معنى لشورى في ظل فساد أو تضارب مصالح أو اختلاف آراء ورؤى ، وإن الأمة لن ينصلح حالها إلا باختيار صحيح لأمير صالح يقوم إلى الأمر بحكمة وقوة وتسلط عادل كالفاروق "الديكتاتور العادل" وليس "بسياسة" و"حرية رأي" وتراخ جائر كالكثر من حكام العرب لعل أشهر مثال عليهم في هذا حسنى مبارك "الديكتاتور الغافل الجاهل الجائر الفاسد".


    ثم دعني أرد على سؤالك الأساسي هنا أيها الحبيب.

    أنا للحق لا أرى في الثورات إرهاصات دولة خلافة ولا دولة رشد وإنما أرى فيها حالة لا تطمئن من مرحلة اللغط والخطل والخلل ، وإن أمة تفهم أن الحرية تعني الفوضى وعدم احترام القانون وعدم تقدير أهل الرأي وأهل الحكمة لا يمكن أن تقيم دولة راشدة ولا حتى دولة ناجحة ، وكيف يمكن أن يكون للشورى دور أو مكان في عقول جائرة ونفوس فاجرة وأيد غير طاهرة؟؟
    إن الأمة تحتاج إلى ثورة أخلاقية قبل أن تحتاج إلى ثورة شعبية أو ثورة عسكرية ، وإن دولة الرشد لا يمكن أن تقوم إلى على أسس من الخلق القويم والمروءة والعفة والعدالة وهذا لا يكون إلا حين تعف الأمة وتترفع عن الصغائر وتتطهر النفوس بالحق والأيدي بالإيمان والعقول بنور العلم والفهم والاحترام فلا يولى على الأمة ملاشكة من السماء ولا أولياء لله من دون الناس وإنما من الناس يولى عليهم وما كانوا تكون قادتهم وأمراؤهم.


    تحياتي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  4. #4
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي

    الاسلام السياسي

    الحكم الراشد

    الخلافة على منهاج السنة

    السياسة الشرعية

    هذه نماذج من عناوين وأسماء لمسمى واحد : صورة الدولة في نظر الشريعة الآلهية

    أو بمعنى تطبيقي : كيف يصح لشخص أن يتولى ( أمر ونهي ) المجتمع المسلم ، ويدخل هذا الشخص الجنة حين لا يخالف مراد الشارع ( الله عز وجل )

    وللجواب :

    لابد من إزالة التشويش عن المفاهيم التي علقت تاريخياً في كتاباتنا .

    1- إن كان لقرار أهل الحل والعقد شكلاً غير ملزم للحاكم فما جدوى وجود هؤلاء النخب ؟
    أغلب علماءنا ( الشعراوي ، البوطي ، بن باز )رحمهم الله قالوا : دورهم التناصح لا الإلزام . في حين الغزالي المصري عكس ذلك .


    2- الفقيه الذي يأخذ راتبه الشهري من الحاكم كيف سيتسنى له أن يحاكمه حين يحيد عن شريعة الله ؟


    3- الفصل بين مؤسسة ( بيت مال المسلمين : خزينة الدولة ) ( جيش العقيدة : جيش الحاكم ) ( الفقيه الناقد : الفقيه الخاضع ) هل هو فصل واقعي أم نجده في الكتب فحسب ؟

    4- هل الحاكم الشرعي يحكم أمر المسلمين فيما بينهم ويتغافل عن حكم مصالحهم مع الدول التي هي اليوم تحكم اقتصاد الأرض وتتحكم بلقمة البشر ؟
    أرني اليوم حاكماً لاتحكمه مؤسسة ( العولمة ) ؟ وأرني اقتصاداً حراً غير مكبل بالمواثيق التي تستعمرنا !!


    5- الجهل بمفهوم ( الحكومة الإسلامية ) جعل الخلط في المفاهيم أمراً مستساغاً ، بدليل أنك تحدثنا عن ( مبدأ شرعي : الشورى ) لايختلف فيه عاقلان ثم تتغافل عن واقع جلوس الحاكم فوق كرسيه كيف أنه يستخدم ( آلية الاغتيال ) لمن سبقه ..... ثم تتغافل عن أن الشعوب تصفق وتصفق للقاتل كما صفقت للمقتول وبالروح بالدم نفديك يا ... أبو الجماجم

    6- المعادلة وتوزيع المهام يجب ان يتوزع لثلاث :
    الحاكم / الشرع / المحكوم
    لابد أن يكون واضحاً التفريق بين الواجب والحق ... ومن عكس البوصلة أو كسرها .... فلن يذق رائحة الجنة .


    الحديث ذو شجون :

    أنتظر الإجابات بدون تعجل أخي أستاذ بهجت ... وبعيدا عن التنظير الحالم

    لننطلق من الواقع ونرسمه كما أراد الله ورسوله ... ولكل مجتهد نصيب
    الإنسان : موقف
    التعديل الأخير تم بواسطة خليل حلاوجي ; 01-09-2012 الساعة 07:41 PM سبب آخر: خطأ نحوي

  5. #5
    الصورة الرمزية بهجت عبدالغني مشرف أقسام الفكر
    أديب ومفكر

    تاريخ التسجيل : Apr 2008
    الدولة : هنا .. معكم ..
    المشاركات : 5,142
    المواضيع : 253
    الردود : 5142
    المعدل اليومي : 0.88

    افتراضي


    الأخ الحبيب عبدالرحيم صابر
    أهلاً بك دائماً قارئاً وناقداً متميزاً
    وشكراً لك على هذه الإضاءات الجميلة

    بارك الله فيك وحفظك


    بالغ تقديري وتحياتي





  6. #6
    الصورة الرمزية سامية الحربي أديبة
    غصن الحربي

    تاريخ التسجيل : Sep 2011
    المشاركات : 1,578
    المواضيع : 60
    الردود : 1578
    المعدل اليومي : 0.34

    افتراضي

    شكر الله لك أستاذ بهجت الرشيد على هذا الجهد القيم موضوع يحتاج منا لوقفة مطولة لإزاحة ما لبسه من سوء فهم وعوائق نِتاج التحاكم إلى القوانين الوضعية و إقصاء الشريعة الإسلامية . بوركت . تحياتي وتقديري.

  7. #7
    الصورة الرمزية بهجت عبدالغني مشرف أقسام الفكر
    أديب ومفكر

    تاريخ التسجيل : Apr 2008
    الدولة : هنا .. معكم ..
    المشاركات : 5,142
    المواضيع : 253
    الردود : 5142
    المعدل اليومي : 0.88

    افتراضي


    أهلاً بك أستاذنا الحبيب الدكتور سمير العمري
    سررت جداً بمداخلتك العلمية المفيدة ، والتي ألقت الضوء على جوانب لم يتطرق إليها الموضوع ..
    كما أحمد الله تعالى إذ لاقى الموضوع إعجابكم ..
    كما ننتظر قريباً بإذن الله تعالى كتابك عن الشورى ، الذي لا نشك أنه سيحمل الطرح العميق والفكر الرشيد ، سائلين المولى أن ييسر لك أمورك جميعها لإنهائه ..

    مسألة كون الشورى ملزمة أم لا ، حدث فيها خلاف منذ القديم ، وأنا أميل إلى أنها ملزمة للحاكم ، فمتى ما اتفق أهلها أو أكثرهم على أمر لزم الحاكم ، فالنبي صلى الله عليه وسلم نزل في غزوة أحد على رأي الأكثرية ، وكان هو صلى الله عليه وسلم وكبار الصحابة كانوا يرون خلاف ذلك ، ومع ذلك ترك رأيه ومال إلى رأي الأكثرية .
    ( أما أن يستمع ولي الأمر إلى آراء جميع أهل الشورى ثم يختار هو بنفسه بحرية تامة ، فإن الشورى في هذه الحالة تفقد معناها وقيمتها ، فالله لم يقل : ( تؤخذ آراؤهم ومشورتهم في أمرهم ) وإنما قال : { وأمرهم شورى بينهم } يعني أن تسير الأمور بتشاور فيما بينهم ، وتطبيق هذا القول الإلهي لا يتم بأخذ الرأي فقط ، وإنما من الضروري لتنفيذه وتطبيقه أن تجري الأمور وفق ما يتقرر بالإجماع أو الأكثرية ) الدولة العثمانية ، للصلابي ، ص53 .

    ( ثم إن هذا يتطلب منا طرح سؤال ربما أكثر أهمية يتعلق بمن لهم الحق في أن يكونوا أهل شورى؟؟ وهل الشورى هي حق لكل فرد في الأمة ، وهل يمكن تحقيق هذا حقا؟؟ وكيف يمكن تحقيقه ، وكيف يمكن الوصول إلى "مجلس شورى" ممثلا حقيقيا للجميع ومستحقا يجمع فيه أهل الرأي وأهل العقد والحل و"الرجل المناسب في المكان المناسب"؟ ) .

    أظن أن هذا داخل في حيز آليات ووسائل تطبيق الشورى ، ومتروك أيضاً للخبرة البشرية ومدى نضجها ومصداقيتها في الأخذ بالشورى ، وكذلك في مدى وعي الشعوب السياسي لحقها ودورها في مشاركة الدولة قراراتها وشؤونها ، وذلك يحتاج إلى تربية وتثقيف وتوعية ..
    وتبقى الخبرة والتجربة البشرية تحمل بين ثناياها ثنائية ( الصواب ـ الخطأ ) ، وتبقى ثغور هنا وهناك تستدعي إجراءات مستمرة لإيصال التجربة إلى أقصى ما يمكن في سلم الكمال ..

    وأوافقك الرأي أستاذي الكريم في عدم الخلط بين الشورى وهي مبدأ أصيل ثابت في القرآن والسنة ، وبين الديمقراطية التي نشأت وربت في بيئة غريبة ووسط مختلف عن البيئة الإسلامية ..
    وحتى إذا ذهبنا مع قول القائلين أن لا مشاحة في الاصطلاح ، فلماذا نستبدل مصطلحاً قرآنياً ونبوياً بامتياز بمصطلح غربي دخيل ؟ أليس في هذا انسحاقاً ثقافياً وفكرياً تحت وطأة الثقافة المستوردة ، وترسيخاً لفكرة كوننا شعوباً مستهلكة فقط ..
    ورب قائل يقول إن الديمقراطية نتاج إنساني مشترك ، والحكمة ضالة المؤمن ..
    أقول إن الديمقراطية تتمثل في ركيزتين أساسيتين ، الأولى وهي العقيدة والتي تعطي حق التشريع للشعب ، فما أحله الشعب فهو حلال وما حرمه فهو حرام ، وذلك كفر في دين الإسلام ، إذ لا مشرع إلا الله تعالى ولا محلل ولا محرم إلا هو تعالى ، وإن أي تجاوز وتعدٍ يعتبر كفراً بواحاً ..
    والركيزة الثانية هي الوسائل التي تطبق من خلالها الديمقراطية ، والمتمثلة بالانتخابات وصناديق الاقتراع .. الخ .. وهذه يمكن الاستفادة منها ، كما نستفيد من الكثير من الوسائل التي أنتجتها الغرب ..

    وبخصوص ( الدكتاتور العادل ) كعمر فلا أوافق عليه ، فمن الناحية التاريخية فإن عمر لم يكن يستبد برأيه ويتسلط ، بل كان يأخذ بالشورى لا يقطع أمراً إلا بها ..
    ثم كيف يستقيم ( التسلط ) مع ( العدل ) ؟

    ولا شك في أن الأمة تحتاج إلى ثورة دينية أخلاقية ، تبدأ من النفس لتنتهي في أعلى نقطة في الهرم المجتمعي ، ولكن ألا ترى أستاذي أن الثورة على هذه الأنظمة الفاسدة والجائرة ، ورفض الظلم والعدوان ، هي نقطة تحول ايجابية في حياة الشعوب ، فلعلها حين تعيش حالة من الحرية والعدالة تعود إلى عقلها ورشدها ، ولقد كتب الله تعالى على بني إسرائيل تيهاً في الصحراء أربعين سنة بعد رفضهم دخول الأرض المقدسة ، لأنهم كانوا يحملون في نفوسهم الهزيمة التي زرعها فرعون ، أربعين سنة .. ستتبدل الجيل ويظهر آخر وقد تنفس الهواء الطلق وتعاشق مع حرية الصحراء وامتدادها ، وذاق طعم الحرية .. حتى يكون أهلاً لدخول الأرض المقدسة ..


    أكرر لك شكري أستاذي
    سائلاً المولى عزّ وجلّ ان يبارك في علمك وعملك وعمرك
    وأن يشفيك شفاءً لا يغادر سقماً

    وخالص تحياتي ..














  8. #8
    الصورة الرمزية د. سمير العمري المؤسس
    مدير عام الملتقى
    رئيس رابطة الواحة الثقافية

    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    الدولة : هنا بينكم
    العمر : 59
    المشاركات : 41,182
    المواضيع : 1126
    الردود : 41182
    المعدل اليومي : 5.27

    افتراضي

    الأخ الكريم بهجت:

    سأعود إن أذنت للحوار موضحا أو مفندا ما جاء في ردك الكريم وصولا لرؤية أكثر موضوعية وفهما مشتركا.

    ولكني هنا أتيت الآن لأخاطب أخي الخليل فأقول:

    عجبت أخي هنا من ردك في حالتيه ، أما الأولى فتجاهلك لمن يشاركون في الحوار وتوجيه طلامك وانتظار الرد من الأخ بهجت ، وهذا مخالف لمنطق الحوار ومنهجه كما أرى.

    والأمر الثاني هو في طرحك الذي رأيته لا يشبهك بخلط الأمور بعضها ببعض والخروج عن أصل موضوع الحوار إلى قضايا تترتب عليه ولكن لا تمثل أساسا فيه أو تأطيرا له. والأصل هو أن يتم التزام الموضوع المحدد كي لا تختلط الأمور وأن يكون التنظير مقدمة للتدبير وليس العكس.

    على العموم كان عندي ما أتداخل به مع ردك موافقا ومعارضا لولا ما رأيت من طلبك الإجابات من الأخ بهجت لا غيره.


    تحياتي

  9. #9
    الصورة الرمزية بهجت عبدالغني مشرف أقسام الفكر
    أديب ومفكر

    تاريخ التسجيل : Apr 2008
    الدولة : هنا .. معكم ..
    المشاركات : 5,142
    المواضيع : 253
    الردود : 5142
    المعدل اليومي : 0.88

    افتراضي


    أخي الحبيب رفيق الدرب خليل

    ولأن انحرافاً خطيراً حول الشورى وخلطاً لأوراقها حدث ، جاء موضوع المقال ، لكي يعيد التصور الصحيح للشورى في أرقى حالاتها وتطبيقاتها ، والمتمثلة في فترة الخلافة الراشدة ..
    وما تفضلت به ما هي إلا نتائج سلبية منيت بها الأمة جراء ابتعادها عن هذا المبدأ العظيم ..
    فلا نختلف في تداخل المفاهيم ببعضها بشكل سلبي ، أو أن من العلماء من دخل تحت عباءة الدولة وصار موظفاً عندها ، وأن مال الله ( بيت المال ) صار خزنة شخصية للحاكم وحزبه ... و و و ...
    ولم نتغافل عن الاستعمار المالي للدول تحت مسميات شتى ، أو نتغافل عن أبي الجماجم ..
    وما ذكرته من نقاط هو واقع معاش وأليم ، ولكن كيف نستطيع حله إذا كانت فكرتنا عن الشورى غير واضحة المعالم ، نخلط بين كونها مبدءاً أصيلاً ثابتاً لا يمكن تجاوزه ، وبين الآليات التي يمكن من خلالها تنفيذ ذلك المبدأ ، مما يخلق شبهة عند البعض فيقول لم يكن هناك شورى في صدر الإسلام ..
    ولذا وجب تصحيح الفكر أولاً ثم التحول الى معالجة الاشكالات الواقعية على ضوء ذلك التأصيل الشرعي ..


    أهلاً بك

    وتقبل وافر تقديري وشكري ..





  10. #10
    الصورة الرمزية بهجت عبدالغني مشرف أقسام الفكر
    أديب ومفكر

    تاريخ التسجيل : Apr 2008
    الدولة : هنا .. معكم ..
    المشاركات : 5,142
    المواضيع : 253
    الردود : 5142
    المعدل اليومي : 0.88

    افتراضي


    أهلاً بك أختنا الكريمة غصن الحربي
    تشرفت بحضورك وقراءتك
    اسأل الله تعالى ان يبارك في علمك وعملك
    ويحفظك ويرعاك ..



    تحياتي ..




صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. قصة الشورى بين المبدأ وآليات التطبيق pdf
    بواسطة بهجت عبدالغني في المنتدى المَكْتَبَةُ الدِّينِيَّةُ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 02-06-2018, 10:55 AM
  2. المبدأ الأبجدي والمفردات والحصيلة اللغوية ..
    بواسطة فريد البيدق في المنتدى مَجْمَعُ عُلُومِ اللُغَةِ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 28-12-2017, 11:19 AM
  3. العلم بين التطبيق والفلسفة
    بواسطة رافت ابوطالب في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 20-07-2015, 07:24 PM
  4. بين النظرية و التطبيق..
    بواسطة ندى يزوغ في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 08-11-2008, 07:02 PM
  5. الشورى في القرآن الكريم
    بواسطة د. عمر جلال الدين هزاع في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 05-12-2006, 02:27 AM