من خواص الشوق
قدرته على إغراق الوقت في رماله المتحركة فيبدو المشتاق تماما كساعة رملية تتناقص ذراتها مع تساقط الثواني
استنزف الشوق نبضاته
و استولى الحنين على كل أنفاسه
كان ينتظر اليوم مكالمة منها حسب موعد هش ربطه بخيط من أمل
ضجيج الوقت حاصره بحديث عقارب الساعات
فكل لحظة مرت بانتظار الوعد كانت تجلده
ليكتوي بلهيب الأسئلة
و تنهك قوافل الاستفهام قلبه
حتى أطبقت عليه جدران القلق
و تداعى سقف توقعاته مع كل ثانية تنهمر على أريكة الهم
و مع دنو الساعة المحددة كانت طبول القلق تعصف في أجوائه
تمنى أن يتباطأ الوقت حتى لا يخيب ظن أذنيه
و عندما تجاوزته الدقيقة الأولى بعد الميعاد شعر بأنها اخترقت جسده مخلفة ندبة قلق
و تتالت الدقائق و مع كل دقيقة ندبة
حاول أن يسلي نفسه بمتابعة شيء ما على التلفاز لكنه لم يجد جهاز التحكم مع أنه كان في يده اليسرى
فتح كتابا كان قد بدأ بقراءته في الصباح لكنه لم يستطع أ يتذكر الصفحة التي توقف عندها
كما أن الحروف تطايرت مع ارتعاشات برد الانتظار
فكر بأن يرسل لها رسالة قصيرة أو أن يذكرها بالموعد من خلال مكالمة فائتة (miss call )
لكنه خشي من احتدام اللهفة في عقلها حتى تتضاءل أبعاده و يذوي ما بقي له في عينها من كبرياء
و قد عهدها تنكر عليه ضعفه أمام عاطفته و انجرافه وراء مشاعره
كان دائما يستمد من نظراتها العاتبة القوة و الاتزان
و صوتها الجميل لا يبارح ذهنه و هي تقول : لا تغرق في بحر جنونك و افتح عيني عقلك
لكن مهلا
غيابها هذه المرة طال و الشوق سلطان جائر لا يكترث بنداءات جمهور الأفكار
كما أنها ربما ستعتب عليه لو تظاهر بالصلابة عندما يحتاج الموقف للانصياع لوشوشات القلب
استمجع قواه و طرد الأفكار من رأسه و نظر في جواله و اتصل
ليظهر صوت يقتل القلوب و يجعل الملتاع خارج التغطية
كان خطها مغلقا
لم يعرف ماذا يقول فقد اصطكت أسنانه و تشاجر فكاه غيظا
استسلم للخيبة و النيران تستعر في جوفه
و عندما لفظ اليوم آخر أنفاسه أحس بأنه يذوب كشمعة تنتظر عودة الكهرباء
تمنى لو أن كل هواتف الكون تتكسر و هم برمي جواله
ليرن بين يديه
أنعش الرنين أنفاسه
و استجمع ما بقي لديه من نبض
نظر في شاشة هاتفه فرأى رقما لا يعرفه
لم يكترث فهو واثق أنها هي
ضغط زر الوصل و استجابت كل أجزائه
سمع الصوت و ابتسم
و عاد النور إلى ملامحه
و عاود لعبة الحنين و الانتظار من جديد