حلم عصفور (ق.ق)
تململَ العصفور في عشه الصغير ، قد لاحَ في الأفق فجر يوم جديد...
حركَ رأسهُ بخفة ينثر عن وجهه النعاس ، وبقايا نومٍ احتلتْ خدهُ الجميل ؛ بعدَ ليلةٍ كان يُقاسمُ فيها إخوته بعضَ الحكايات التي سمِعها عن أبيه ...
عصفورٌ نشيط ، يجدُ ويجتهدُ في خدمةِ إخوتهِ وأمهِ ؛ بعدَ غيابِ أبيه مُسافراً برفقة العصافير الكشافة ؛ تبحثُ عن وطن جديد ؛ بعد أن ساءت الظروف في هذا الوطن...
في زمنٍ زحف فيهِ الخريفُ إلى الروابي الخضر ، ودقَ نواقيسهُ معلناً نهاية الإقامة ...
البحثُ عن الوطنِ الجديد ، الحُلم ، الملاذُ الآمن من الشتاء القادم ، حيثُ تَحلُ مع حلوله قسوة الطقس ، والمكان هنا لا يؤمن العيش الهانئ لساكنيه، عندها سيعلن الصمتُ طقوسه في الوطن فيستأسد الثعلب بعد إقفار النعم وينعقُ الغرابُ خلفَ النسور وهي تنهمُ ما تبقى على موائد الفقراء...
همُ العصافير العمل ومن لا يقتفي أثر العيش يكن عيشاً لغيره فليس لأنه مقدس في نظره فحسب ؛ بل لأنه صراع من أجل البقاء...
وطن لا يسعُ الجميع يُغادره الربيعُ سريعا...ليتنا نحظى بوطنٍ أبدي نستقرُ فيه يَسعُنا جميعا..هكذا هي أحلام العصافير ..
نهضَ وأمنياته ترفرفُ حوله ترافقه وترفق به حيثُ حلَ وارتحل فليس بغير الأمل يُهزم الحزن ...
تفقد الأسرة الصغيرة وهي تغط في نومها ...
تسللَ من عشه واعتلى حافة الغُصنِ في أعلى الشجرة يستنشق هواء الفجر ينتظر اشراقة الشمس على بعض وريقات هي آخر ما تبقى في شجرة الصفصاف...
أطلقَ العِنانَ لجناحيه عالياً في السماء يمازح خيوطها الذهبية وقد امتدَ نورها وتسللَ يُوقظ أغصانَ الشجر...
يعشقُ السماء يعتلي كبدها مطمئنا فالصقور مازالت نائمة وليس من خطر يمنعه من التحليق عالياً...يعود يهبط عندما يتذكر وصية أبيه :
يا ولدي إياك أن تطمئن للسماء الصافية فالنسور لا تطير عند الكدر وإياك والأشجار الجرداء فهي لا تحمي حتى النملة الصغيرة...
عاد بعد جولته ، فرح الصغار بعودته ومعه وجبة الإفطار ...
جلس يلاعبهم يمنحهم بعض حنان الأب الغائب تناولوا طعامهم معا ...
خرجوا يلعبون وهو يرقبهم بعين الحنان يوصيهم أن لا يبتعدوا كثيراً فأجنحتهم مازالتْ صغيرة ...
لا تفارق عيناه منظرهم كما كانت عين أباه لا تفارقه عندما كان بسنهم ...
جلس في عش العائلة الكبير إلى جنب أمه :
- ليس من عادة أبي أن يتأخر هكذا؟
- يا ولدي أنت تعرف أن أباك لا يعود إلا حين يجد المكان المناسب لنا.
- نعم اعلم ذلك ولكن لا ادري لما أنا قلق عليه أخشى أن يدركنا الشتاء قبل عودته ..
- لا تقلق يا ولدي فأبوك من الصالحين وسيوفقه الله تعالى سيعود قريبا ...
توسعت دائرة الحزن في قلبه...يعيد النظر إلى إخوته يطيرون في الهواء يلعبون ..كم تمنى أن لا يكون هو الابن الأكبر لينعمَ كما البقية في اللعب ..
طارَ في الهواء يبحث عن رزقه يقصد البساتين القريبة..
وفي طريق العودة ..وصل عند مفترق الطريق ينتظر أباه عله يأتي بالوطن...
غرد يندب الأمل المنشود يمني نفسه بعدل تأمن فيه العصافير ، يسافر صوته الحزين في الفضاء يجوب أقطار الأرض ؛ فيعود إليه الصدى مغرداً يحاكيه نفس الأمل..
نام على غصن شجرة يابسة ...
عاد أبوه ومعه خبر سار...هيا استعدوا للسفر...
افتقده ، بحثَ عنه في الجوار ...
وجده هناك ؛ عند المفترق في وطن يسع كل المخلوقات حيث ارض الله الواسعة وبقية ريشاتٍ تناثرتْ حولَ جثمانه الصغير...
محمد مشعل الكَريشي / فكرة الشاعرة : إيمان سويركي
17-9-2012