أفعل واستفعل الأجوفان بين الإعلال والتصحيح
.. من "قرارات مجمع اللغة العربية بالقاهرة"
صِحَّةُ التَّعْبِيرِ بالاِسْتِعْواض
1- فيما يدور على أقلام الكاتبين قولهم: استعوض، وقولهم الاستعواض، أي طلب العوض. وربما سبق إلى رأي الفصحاء من الكتاب أن هذا التعبير مما تنكره اللغة، فإن ما تطمئن إليه قواعد العربية أن يقال فيه: استعاض استعاضة. والحق أن النحاة يقررون الإعلال في مزيد الفعل الثلاثي الأجوف في مثل: استقام واستفاد، واستعاض، وما تصرف منه كالمصدر، مثل الاستقامة والاستفادة والاستعاضة، فالمصدر وراء فعله في الصحة والإعلال، ما قيس منه وما شذ.
2- والنحاة يختلفون يسيرَ اختلاف في مجرى هذا الإعلال ، فالأكثرون منهم يجرون على أن الأصل في مثل: "استعاض" هو "استعوض"، فنقلت حركة الواو إلى الساكن قبلها، ولما كانت الواو متحركة بحسب الأصل وما قبلها منفتحاً - وما قبلها بحسب الآن أو الحال - قلبت الواو ألفاً. وبعضهم يرون أن الإعلال هنا ليس أصلاً بل هو محمول على الأصل، فمثل التعوض فتحت فيه الواو بعد حرف ساكن كان مفتوحاً في الماضي الثلاثي، وهو عوض ، فجاء فيه الإعلال حملاً على الأصل، وهو إبدال الواو ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها حقيقة، وهذا قول "الرضي" ومنهم من يعلل قلب الواو ألفاً في مثل استعوض بأنه لما نقلت حركة الواو المفتوحة إلى الفاء قلبت الواو ألفاً لتجانس الفتحة. وقصارى قولهم أن كلمة "الاستعاضة" ونحوها جرى فيها أربعة أشياء: نقل ، وقلب ، وحذف، وتعويض، فالنقل لحركة الواو، والقلب للواو، والحذف لإحدى الألفين: المنقلبة عن الواو، أو التالية لها وهي ألف الاستفعال، على خلاف بين أئمة النحاة، والتعويض بتاء عن الألف المحذوفة.
3- ولكن النحاة مع تقريرهم لهذا في إعلال مثل "استعوض" يسوقون أمثلة لا إعلال فيها، وقد افترقوا في توجيهها، فمنهم من يقول بشذوذها، وقد نقل عن "سيبويه" قوله: "سمعنا جميع الشواذ المذكورة معلَّة أيضاً على القياس، إلا استحوذ واستروح الريح، وأغْيلَت. ولا مانع من إعلالها، وإن لم يسمع؛ لأن الإعلال هو الكثير المطرد، وإنما لم تُعل هذه الأفعال دلالة على أن الإعلال في مثالها غير أصل، بل هو للحمل على ما أُعلّ". على أنه قد نقل عن "أبي زيد" وهو من متقدمي النحاة البصريين ما يفيد صواب التصحيح في مثل "استعوض"، ولكن النقلة يختلفون في بيان قوله، فبينما يقول الأشموني: "ذهب أبو زيد إلى أن ذلك لغة قوم يقاس عليها"، وحكى "الجوهري" عن "أبي زيد" أنه حكى عن العرب تصحيح أفعل واستفعل تصحيحاً مطّرداً في الباب كله، وقال "الجوهري" في مواضعَ أخرَ: "تصحيح هذه الأشياء لغة فصيحة"- نرى "الرضيَّ" في شرح الشافية يقول: "وأبو زيد جوَّز التصحيح باب الإفعال والاستفعال مطلقاً قياساً إذا لم يكن لهما فعل ثلاثي"، ونرى الأشموني ينسب هذا التفصيل والتقييد إلى "ابن مالك" فيقول: "وذهب في التسهيل إلى أن التصحيح مطَّرِد فيما أهمل ثلاثيه: نحو استنوق واستتيس، لا فيما له ثلاثي، نحو استقام". ولعل عجاجة هذا الخلاف هي التي أوحت إلى نحوي عصره المرحوم الأستاذ الشيخ "محمد محيي الدين عبد الحميد" أن يقول: "والذي نذهب إليه ونرى أنه موافق لما ورد من لغات العرب وإن لم نجد أحداً من العلماءِ ذكره صراحة، هو أن مسألة نقل حركة حرف العلة إلى الساكن الصحيح قبله في مثل أفعل واستفعل ليست أمراً واجباً كقلب الواو والياء ألفاً لتحركهما وانفتاح ما قبلهما حقيقة، بل ذلك أمر يجوز ارتكابه لتحركهما كما يجوز عدمه، وقد ذكر العلماء في كل ما جاء مصححاً من مواضع النقل خلافاً في أنه شاذ أو لغة لجماعة من العرب".
4- وقد عرض "مجمع اللغة العربية" لمثل هذا في مؤتمر الدورة السادسة والعشرين، إذ أصدر قراره بإجازة الصحيح في: متوتة ومخوخة، من التوت والخوخ. وذلك بأن تصاغ "مفعلة" مما وسطه حرف علة من أسماء الأعيان دون إعلال. وجاء في تقرير لجنة الأصول أنه قد وردت في لغة ألفاظ بالتصحيح، مثل مثوبة ومشورة ومصيدة ومقودة ومبولة، وأن الإعلال في هذا الباب غير مستحكم.
5- وقد عنيت بأن أجمع من مختلف المراجع الكلمات التي وردت على وزن "أفعل" و "استفعل" وفعلها أجوف، فتيسر لي أن أبلغ بها تسعَ عشرةَ كلمة، وها هي ذه:
(أ) على وزن أَفعل: أغيم - أغيل - أعيل - أعول - أجود - أطول - أخيل - أطيب - أخيف - أخوص - ألين.
(ب) على وزن استفعل: استحوذ - استقوم - استجوب - استصوب - استروح - استنوق - استتيس - استغيل.
6- لِما سلف من البيان يسوغ للمجمع أن يجيز قول كاتب: استعوض، والاستعواض بتوجيهين: أن الإعلال في مثل هذا لا يجري على الأصل في موجب الإعلال، فهو غير متعين، وأن ما نسب إلى "أبي زيد" من قوله: إن التصحيح لغة قوم يقاس عليها، يسانده ما ورد من أمثلة مسموعة قاربت العشرين.