أحدث المشاركات
صفحة 3 من 3 الأولىالأولى 123
النتائج 21 إلى 23 من 23

الموضوع: تعبيرات عاشت .. لعمالقة غابت

  1. #21

  2. #22

  3. #23
    الصورة الرمزية محمد جاد الزغبي شاعر
    تاريخ التسجيل : Jan 2006
    العمر : 46
    المشاركات : 705
    المواضيع : 83
    الردود : 705
    المعدل اليومي : 0.11

    افتراضي


    التعبير الثانى :
    (إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ ، تَرَكُوهُ ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ ، أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ ، لَقَطَعْتُ يَدَهَا )

    القائل : من قول النبي عليه الصلاة والسلام " "

    الموقف :
    كم هى عظيمة وباذخة الفضل تلك المدرسة التى تربي فيها صحابة النبي عليه الصلاة والسلام , رضي الله عنهم فأرضاهم باختيارهم تلاميذا فى مدرسة النبوة , تلك المدرسة التطبيقية التى قامت على مبدأ راسخ لا يقبل الاستثناء تحت أى ظرف , ألا وهو مبدأ التدين التطبيقي ,
    لا مجال من أى نوع فى تلك المدرسة العظيمة لتدين يدعيه المرء دون أن يطبق أوفي مبادئه فى تعامله مع الناس والمجتمع , وما كان أصحاب تلك المدرسة يقبلون بينهم مقصرٌ فى أداء واجب من الواجبات أو نافلة من نوافل الأخلاق ــ فضلا على أساسياتها ــ والفضل عندهم لمن صدق قولا وعملا
    لهذا كانت تواتيهم الجرأة المستحقة تجاه أى شخص يرونه مغرقا فى أداء العبادات والشعائر ولكنه قليل الصبر على تطبيق الدين فى المعاملة , فكان إنكارهم يعلو ويصدح دون أدنى اعتبار لتدينه فى العبادة !
    مدرسة نبغ فيها العشرة المبشرون , وهم ـــ باستثناء أبي بكر رضي الله عنه ــ كانوا تلاميذا فى القمة , إذ أن أبا بكر رضي الله عنه نسيج وحده فهو الصدّيق المتفرد , المقارن بصاحبه النبي عليه الصلاة والسلام فى الدنيا والآخرة

    لذلك جاء صاحب المركز الأول فيها عمر بن الخطاب , فاروق الأمة وميزان عبقريتها التشريعية والتطبيقية ,
    كان عمر أرهف ما يكون أمام ضعاف الجانب , وأعنف ما يكون أمام أصحاب النفوذ والجاه والقوة , كان عملاقا فى إنكار المنكر لا يفكر مقدار لحظة واحدة , ما دام عنده ميزان الحق والباطل وهو القرآن الكريم وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام , ولهذا جاءنا عن عمر ـــ رضي الله عنه ــ بالذات , عشرات المواقف التى تشي بجرأته وعدم اكتراثه بأى موانع فى النقد والبيان , بالذات تجاه المدعين أو أصحاب الورع الكاذب !
    وقد امتدح شخص أمامه رجلا لا يعرفه , فلما سأله عمر لماذا تمتدحه , أجاب الرجل بمدح عام فى شخصيته الظاهرة للناس
    فعقب عمر قائلا : ( لعلك رأيته يرفع ويخفض رأسه فى المسجد ! , إنما إن أردت أن تعرفه فعامله فى الدينار والدرهم )
    معادلة ربانية أجراها الله على لسان عمر تلخص أكبر كارثة تواجه مجتمعاتنا , ألا وهى مناقضة الفعل للقول !
    ولا شك أن مدرسة النبوة كانت السبب فى هذا الفقه العميق الذى اتسم به الصحابة , واتصف به التابعون , وفى هذا الموقف الماثل أمامنا الآن سنعرف كيف أن النبي عليه الصلاة والسلام ما كان ليعلمهم بالتلقين , بل كان يؤسسهم بالتطبيق أولا , ثم يأخذ بعدها مجالا مفتوحا للشرح والتصويب
    وهذا هو أعظم أسلوب للتعليم على وجه الأرض , فما أيسر النسيان إن كان التعليم بالتلقين , وما أثبت العلم إن اقترن بالتجربة

    والموقف الذى يصاحب التعبير سالف الذكر , يرويه لنا الإمام مسلم وغيره فى صحيحه أن إمرأة مخزومية , سرقت فأصابت حد السرقة , فرفع أمرها إلى النبي عليه السلام فأمر بتطبيق حد السرقة عليها , فاهتم واغتم بعض أهلها ومن يعرفون فضل عائلتها العريقة فهى من بنى مخزوم أحد أشرف بطون العرب , وهذا الأمر لا شك أنه يمثل حرجا شديدا جزاء العار الذى سيلحقه المجتمع بالأهل حتى لو تم تطبيق العقوبة !
    وتروى السيدة عائشة الموقف فتقول :
    (أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ ، فَقَالُوا : مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ ، فَقَالُوا : وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ؟ ، ثُمَّ قَامَ ، فَاخْتَطَبَ فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ ، تَرَكُوهُ ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ ، أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ ، لَقَطَعْتُ يَدَهَا )

    أى أن قريش عندما اغتمت بهذا الأمر حاولت أن تجد حلا يحول بين المرأة وبين تطبيق الحد بأى سبيل حتى لو سبيل التعويض مثلا ,
    لكن لأن قريش تعلم فى دواخل صدرها أنهم يطلبون شيئا متجاوزا , لذلك التمسوا شفيعا , له من الحظوة الشيئ الكثير كى يكلم فيها النبي عليه السلام , لعله يستجيب فيجد لهم مخرجا ,
    ولم يكن هناك من الصحابة من يصلح لها إلا أسامة نجل زيد ابن حارثة ربيب النبي عليه الصلاة والسلام , وكان النبي عليه السلام قد تبنى زيدا فى الجاهلية عندما كان خادما رقيقا له , ورغم أن أهل زيد جاءوا لمكة بعد سماعهم بوجود ولدهم فيها , إلا أن زيدا فاجأهم بأنه اختار النبي عليه السلام عليهم , ولم يرض الابتعاد عنه ,
    فرد النبي عليه السلام هذا الموقف بأن أعلن أنه قد تبنّى زيدا , وهذا قبل نزول تحريم التبنى فيما بعد
    وقد استشهد زيد بن حارثة رضي الله عنه فى مؤتة وكان أحد قواد المعركة , وورث مكانته ابنه أسامة الذى اعتبره النبي عليه السلام بمثابة الولد , وجاء أسامة إلى النبي عليه السلام بما حمّله إياه قومه , فثار النبي عليه السلام فى واحدة من ثوراته النادرة , حيث ما كان النبي عليه السلام ليغضب قط ـــ مهما واجه ـــ إلا فى حالة واحدة , وهى أن يواجه تعديا على حدود الله ورسوله عليه السلام
    وهذه ملحوظة يجب أن نقف عندها كثيرا
    نعم النبي عليه السلام ما كان ليغضب أبدا لشيئ يخصه هو أو حتى يخص أهل بيته أنفسهم , ولو كان أبلغ الإساءة , بل كان يتقبل الأمر بهدوء شديد ويرد الرد الحسن وهو من هو ! , وربما يكفينا من ذلك صبره وتحمله ما تناوله المنافقون بشأن أهل بيته فى حادثة الإفك وكان يستطيع ــ لو أشار بإصبعه ــ أن يحرق كل من تكلم أو شارك فى الإفك بمجرد إصداره الأمر للصحابة , لكن ما كان له وهو النبي الأعظم عليه السلام أن يفعل , لهذا صبر حتى نزل قول الله تعالى فى سورة النور مبينا وشارحا وحاكما بالنفاق والكفر على من أطلقوا الشائعة .. فكانت طباع الهدوء هى دأب النبي عليه السلام دائما ..

    لكن إذا تعلق الأمر بأصول الدين وحدوده هنا كانت غضبته تبلغ عنان السماء ,
    وهذا منهج نبوى يفصح فى جلاء عن أسلوب تدريب النبي عليه السلام للصحابة , باعتبارهم الجيل الذى سيحمل لواء الإسلام لأصقاع الأرض , فكانت الدروس التى يعطيها لهم دروسا قاسية طالما كانت متعلقة بأساسيات هذا الدين الذى قدّر الله للصحابة حمله وحفظه , وقد وعوا الدرس تماما , فما من نقطة تشدد فيها النبي عليه السلام معهم إلا وجعلوها فى قمة الوعى لديهم
    لهذا ما اكتفي النبي عليه السلام بأن رد شفاعة أسامة ونهره , بل قام فى الناس خطيبا بعدها ليعلم القاصي والدانى خطورة ما طالب به بعض القوم من الشفاعة فى المرأة المخزومية , وذلك لمجرد انتسابها لعائلة شريفة ذات وجاهة ,
    وهم عندما فعلوا هذا ــ ورغم إدراكهم لأنه فعل متجاوز ــ إلا أنهم ما تخيلوا مدى فداحة الأمر , لهذا ثار النبي عليه السلام وقام فيهم خطيبا وقال محذرا :
    ( إنما هلك الذين من قبلكم لأنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه .. وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ! )
    فالأمر هنا يشبه ما يفعله أى شخص مع ولده عندما يتركه يلعب ويلهو فإذا أخطأ وكسر كوبا مثلا ينهاه عن هذا الفعل برفق ويكتفي بدفعه عن مواطن الخطر , لكنه إن أخطأ ومد يده إلى خطر هائل مثل النار أو الكهرباء , هنا لا يكتفي الأب بإبعاده عن موطن الخطر وحسب بل يثور فى وجهه ــ رغم طفولته ـــ لكى تكون ثورة الأب للطفل الساذج علامة مباشرة على خطورة العبث فى تلك الأشياء تحديدا , ومن ثم لا يعود إليها أبدا

    وهذا هو الدرس بالغ العمق الذى أعطاه وأرساه النبي عليه الصلاة والسلام للصحابة فطبقوه بحذافيره , وهو درس ومبدأ لا يعتبر فقط منهجا خاصا بصلاح دين المرء بل هو منهج كامل لصلاح الدنيا بأسرها , وهو العماد الرئيسي الذى قام عليه حكم الإسلام بعدها فى كل قطر , ألا وهو مبدأ العدل والإنصاف الراسخ , العدل الذى يتجاهل كل شيئ يمكن أن يمثل فارقا فى المعاملة فى دنيا الناس ..
    وقد جعله الله تعالى عمادا للملك والحكم بصفة عامة , بمعنى أن هذا المبدأ يسري على دولة الحكم ولو كانت كافرة , فإن طبقت المبدأ وتعاملت بالعدل قامت الدولة وقام حكمها راسخا
    وبالتالى كان ارتباطها بدولة المسلمين أولى وأعز ..
    فالعدل أساس الملك كقاعدة عامة , جعله الله معادلة لها وجهها الخاص فيما يخص المسلمين , ومن تأمل التاريخ الإسلامى المترامى الأطراف سواء فى عهود الخلافة المتحدة , أو فى عهود الدول المستقلة سيجد أن انهيار تلك الدول مرتبط ارتباطا شرطيا بالعدل والظلم , وقد قامت دول كاملة فى الإسلام ـــ على ضعف مؤسسيها ــ عندما طبقت مبدأ الإخلاص لله أولا , ثم مبدأ العدالة ثانيا ..
    وكان مبدأ العدل أيضا هو سبب التفوق الكاسح لدولة الخلافة الراشدة , وهو التفوق المذهل الذى لا يزال يحير المؤرخين فى كيفية قدرة دولة الخلافة الراشدة على إسقاط أكبر وأعرق إمبراطوريتين فى العالم .. الروم والفرس , ولم يكن مبعث الدهشة والحيرة هنا فى هزيمة الدولتين فقط , بل الدهشة الكبري تكمن فى أن جيوش الراشدين أسقطتهما معا فى آن واحد وحاربت على جبهتين فى العراق والشام !
    وتحقق ذلك أيضا فى أسلوب نشأة دول الطوائف المختلفة مع ضعف بدايتها , كالدولة العثمانية الباذخة التى قامت على أكتاف قبيلة من شرق آسيا جاءت فارة بدينها فى عهد السلاجقة وأسس زعيمها أرطغرل دولة محدودة فى بدايتها تمكنت من اكتساح أوربا بالكامل لستة قرون بعد ذلك .. وحدث نفس الشيئ مع دولة المرابطين التى بدأت بعدد أفراد لا يتجاوز العشرة بزعامة الإمام الفقيه عبد الله بن ياسين فروا بدينهم من قبائلهم فى المغرب بعد أن رفضوا دعوة الإصلاح الدينى التى جاء بها ابن ياسين , فأخذ هذا الأخير أتباعه وهم بضعة نفر واعتزل ورابط فى جزيرة فى إفريقيا حتى تكاملت له القوة فكانت دولة المرابطين الشهيرة التى ملكت المغرب ونجحت فى إطالة عمر الوجود الإسلامى بالأندلس بعد أن كادت ولايات ملوك الطوائف أن تسقط جميعها فى يد القتشتاليين ..
    والسر كما قلنا فى كلمة الحق والإخلاص لها ومعها كلمة العدل التى هى أساس التوفيق الإلهى لأى دولة ..

    ولا يكاد المرء يحتاج تحليلا كبيرا لمعرفة سر الإنهيار المتسارع للعرب ــ وللمسلمين عامة ــ منذ أواخر القرن التاسع عشر , إذ أن السر الأوضح فى التنافر والتناحر المدوى الذى استعان أطرافه من العرب بكافة قوى الغرب المحتلة فى صراعات السلطة , ثم زاد الأمر انهيارا بغياب مدوى لقاعدة العدل لا سيما العدالة الإجتماعية
    فالعدالة الإجتماعية والعدل الإقتصادى يتفوق ألف مرة على العتاد العسكري فى أسباب سقوط ونهوض الدول , ناهيك عن بشاعة انتشار الظلم ــ حسب الوجاهة والنفوذ ــ وانتشار الإستثناءات المخزية التى أصبحت قانونا حتى فى عرف الشعوب وعوام الناس , بحيث صارت هى الأصل والإستثناء هو العدل
    مع أن أهل الحكم لو أنهم تأملوا جليا فى عواقب نشر العدل ــ من الناحية الدنيوية المحضة ـــ لأدركوا بجلاء أنه يوفر عليهم كثيرا كل الجهود الخارقة التى يقومون بها لتثبيت دعائم حكمهم بالقوة والقهر والبطش , ومع ذلك لا يتحقق لهم الثبات , بينما يتكفل العدل بتثبيت أركان الحكم دون أى مشقة من أى نوع !
    ويكفينا فى ذلك منهجية وتجربة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه , والذى يعتبر حجة على كل حاكم ومحكوم على مدى التاريخ
    فقبيل تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة , كان الخلفاء من قبله قد اقتنعوا ــ ومعهم جمهور غفير من الناس ـــ أن الزمن تغير بعد عهد الراشدين , وأن محاولة الحكم بسياسة الراشدين الأربعة ستطمع الناس بعد أن فسدت أحوالهم وتكاثرت الفتن المهولة من فتن الطامعين فى الحكم أو فتن الفرق المبتدعة كالخوارج الذين ارتكبوا البشاعات على مدى التاريخ ولم يردعهم شيئ ..
    فآمن الخلفاء من قبله أن القوة هى الحل للتعامل مع هذه المشكلات .. وكانوا يسخرون من بعض نصائح عمر بن العزيز ومطالبته بالعدل المطلق بغض النظر على أى شيئ آخر ..
    ثم تولى عمر الخلافة ..
    ولم تمض ساعات على ولايته الخلافة حتى كان قد عزل من فوره كل وال على بلد ثبت ظلمه عنده , وأطلق من السجون كل شخص لم يسجن لأجل حد من حدود الله , ولم يترك سجينا واحدا إلا بحد واضح فى غير عذر
    ثم أتى بأعظم ما جاء به من إنجاز عندما نزل عن كافة ممتلكاته وممتلكات أسرته التى آلت إليه بوصفه من أهل بيت الخلافة , وقد فعل هذا مع أمواله وأموال أسرته أولا , ثم استدار بنفس الأمر إلى بنى أمية جميعا دون أن يفكر لحظة واحدة فى عواقب فعله أو فى ما قد يتسبب به هذا من غضب من أبناء عبد الملك بن مروان الناقمين على توليه الخلافة ..
    ثم أخذ بسياسة الإصلاح التدريجى شيئا فشيئا , ولم يترك مظلمة لدى أحد إلا ردها وعاقب صاحبها بمثل ما عاقب الناس , حتى أن الخوارج فى عهده أصابتهم صاعقة عدله فردتهم إلى بعض رشدهم فإذا بهم يجمعون لأول مرة فى تاريخهم على مقولة ( لا ينبغي لنا أن نقاتل هذا الرجل ! ) " "
    وهذا أمر طبيعى , ليس لأن الخوارج بهرهم عدله فقط , بل لسبب أهم وهو أن الخوارج كانوا يحصلون على تعاطف أتباعهم من أثر ظلم الخلفاء على الناس , فلما انمحى الأمر أدرك زعماء الخوارج أنهم سيخوضون حربا خاسرة ولن يتعاطف معهم أحد قط لا من الناس ولا من أتباعهم فكفوا عن الفتن ..
    بل كانت المعجزة الكبري أن اللصوصية والسرقة بالإكراه انتهت من عهده بعد شهور معدودة بعد أن صار لكل نفس فى دار الخلافة حق فى بيت المال .. إلا شخص واحد فقط ! وهو الخليفة عمر نفسه ! , وصار الأمر أشبه بنكتة خيالية يتداولها الناس عندما كان عمر بن عبد العزيز يحادث خادمه الوحيد ويسأله عن أحوال الناس وكيف هم ..
    فرد الخادم ردا بلغيا فقال : الناس كلها فى عافية .. إلا أنا وأنت .. فما كان من عمر رضي الله عنه إلا أنه أعتقه !
    وعندما اكتظت خزائن بيت المال ولم يعد هناك مجال للإنفاق بعد أن عاش الناس كلهم فى رغد , لم يفكر الخليفة عندها بنفسه أو يحاول زيادة راتبه البالغ الضآلة درهما واحدا , وظل كذلك يعانى شظف العيش حتى نحل جسمه وانبري عظمه ورحل إلى ربه كريما عزيزا .. وبقيت سيرته عبر القرون بسلطان العدل والتقوى
    من هذا نستطيع أن نتفهم سر هذه القاعدة السحرية التى أعلنها النبي عليه الصلاة والسلام , وجعلها نبراسا لكل حكم , وأوضح فيها أن المجاملة فى العقاب وفى حدود الله هى أسرع وسيلة للسقوط وإن تكاثرت أسباب البقاء
    بل إن الدرس الأبلغ الذى ينبغي للإنسان منّـا أن يدركه , أن طلب الدنيا منفردة لن يتأتى لأحد , بينما لو أنه طلب الأخرة ستأتيه الدنيا نفسها بأحب ما يتمنى ودون مشقة !

    يتبع إن شاء الله تعالى


صفحة 3 من 3 الأولىالأولى 123

المواضيع المتشابهه

  1. التشابه والاختلاف في تعبيرات القرآن الكريم-حسين علي الهنداوي
    بواسطة حسين علي الهنداوي في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 31-05-2016, 06:20 PM
  2. غابت شموس الحق
    بواسطة مقبولة عبد الحليم في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 24-11-2014, 05:19 AM
  3. غابت..شمس الظلام
    بواسطة ابراهيم أوحسين في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 30-06-2013, 02:32 AM
  4. شمسٌ غَابَتْ ..منْ يدلنا عليها
    بواسطة لطيفة أسير في المنتدى الروَاقُ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 25-06-2012, 03:21 AM
  5. عندما غابت الشمس
    بواسطة بن عمر غاني في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 12-06-2005, 10:17 PM