أَمَا سَئِمَ الخَرَابُ مِنَ الغُرَابِ
وَآمِلَةُ الشَّرَابِ مِنَ السَّرَابِ؟
وَثَاكِلَةٌ تَنُوحُ عَلَى بَنِيهَا
وَقَدْ عَرَشُوا التَبَابَ عَلَى اليَبَابِ؟
لَقَدْ ظَمِئَتْ شِفَاهُ المَاءِ حَتَّى
تَسَوَّلَتِ اللُّعَابَ مِنَ الكِلابِ
وَأَوْجَسَتِ الجِبَالُ مِنَ الأَفَاعِي
فَخَرَّتْ وَهْيَ تَرْجُفُ فِي اضْطِرَابِ
وَشَأْسُ الرِّيحِ قَدْ ذَهَبَتْ جُذَاذًا
عَلَى وَجَلٍ مِنَ السُّبُلِ الصِّعَابِ
وَمَا فَتِئَ المُحَدِّقُ فِي الرَّزَايَا
يَفِرُّ مِنَ الغَرَائِبِ لاغْتِرَابِ
كَأَنَّ سَفِينَةَ العَرَبِ اسْتَقَرَّتْ
عَلَى الجُودِيِّ لَكِنْ بِانْقِلابِ
فَذَاكَ الشَّرْقُ تِنِّينٌ مَرِيدٌ
يَرُدُّ عَلَى الإِسَاءَةِ بِالعِقَابِ
وَذَاكَ الغَرْبُ غُولٌ مُسْتَخِفٌّ
يُلَوِّحُ بِالدِّرُوعِ وَبِالحِرَابِ
وَأُمَّتُنَا عَلَى الخَدَّينِ تَسْخُو
بِلَطْمٍ لا يَكِلُّ وَبِانْتِحَابِ
تُدَاسُ فَتَشْتَكِي أَغْلالَ عَجْزٍ
وَتُنْخَسُ فِي احْتِلابٍ واحْتِطَابِ
وَتَلْعَبُ وَهْيَ تُذْبَحُ فِي هَوَانٍ
وَتَصْخَبُ حِينَ تُنْصَحُ بِالسِّبَابِ
لَقَدْ هَرِمَتْ طُيُورُ الفَأْلِ فِينَا
وَأَخْلَدَتِ العُقُولُ إِلَى التَّغَابِي
وَصَارَ اليَأْسُ بَنْدُولَ اللَيَالِي
يُرَاوِحُ بَيْنَ نَأْيٍ وَاقْتِرَابِ
خَزَايَا رَغْمَ رَفْعِ الأَنْفِ كِبْرًا
عَرَايَا رَغْمَ بَهْرَجَةِ الثِّيَابِ
نُحَاصِرُ ظِلَّنَا إِنْ طَالَ عَنَّا
وَنَحْقِرُ طَلَّنَا أَسْرَى الجَنَابِ
وَنَحْلِبُ ضَرْعَنَا العَجْفَاءَ شَأْوًا
وَنَنْدُبُ مَجْدَنَا عِنْدَ الخِطَابِ
أَتَحْيَا أُمَّةٌ عَقَرَتْ بَنِيهَا
وَعَقَّتْ كُلَّ مُنْصَاعٍ وَآبِ؟
أَتَرْقَى أُمَّةٌ حَقَرَتْ نِسَاءً
فَلَمْ يَحْفَظْنَ فَاتِحَةَ الكِتَابِ؟
قَدِ اخْتَلَطَتْ عَلَى قَوْمِي الـمَعَانِي
فَمَا فَرَقُوا الضَّبَابَ مِنَ الرَّبَابِ
وَظَنُّوا اللَيْثَ يُؤْمَنُ مِثْلَ هِرٍّ
وَأَنَّ الكَلْبَ يَغْدُرُ كَالذِّئَابِ
يُقَدَّمُ فِي المَنَابِرِ كُلُّ عَيٍّ
وَفِي الإِعْلامِ إِمَّعَةٌ وَصَابِي
وَفِي هَرَجِ الخُطُوبِ كَلِيلُ رَأْيٍ
وَفِي حَرَجِ الحَوَادِثِ غَيْرُ عَابِي
وَأُغْمِدَ كُلُّ ذِي أَرَبٍ جَلِيلٍ
وَجَلْجَلَ بِالهَوَى عَبْدُ التَّصَابِي
وَذُو صَلَفٍ مَتَى سَمِعَ التَّنَادِي
إِلَى شَرَفٍ تَأَذَّنَ بِانْسْحِابِ
أَمِنْ دَلَجٍ نَغُضُّ عَلَى قَذَاةٍ؟
وَمِنْ نَفَجٍ نَخُوضُ بِلا حِسَابِ؟
فَمَاذَا لَو أَصَابْتْنَا اللَيَالِي
بِفِتْنَتِهَا تُؤَجِّجُ كُلَّ خَابِ؟
وَهَلْ يُجْدِي العِتَابُ لِمَنْ تَوَلَّى؟
وَمَنْ جَحَدَ المَوَدَّةَ فِي العِتَابِ
فَإِنَّ غَضَاضَةَ الأَهْوَاءِ تَسْبِي
وَتُشْغِلُ بِالرِّغَابِ عَنِ المُصَابِ
وَإِنَّ لِدَيْدَنِ الدَّهْرِ احْتِكَامٌ
وَإِنْ قَهَرَ الهُدَى قَانُونُ غَابِ
يَظَلُّ اللَيْثُ عِنْدَ الهِرِّ لَيْثًا
وَإِنْ وَثَبَا بِلا ظُفْرٍ وَنَابِ
وَلَيْسَ الصَّفْرُ كَالذَّهَبِ الـمُصَفَّى
وَلا الدِّيكُ المُزَرْكَشُ كَالعُقَابِ
وَإِنْ تَكُ نِعْمَةً أُتْرِفْتَ فِيهَا
وَلَمْ تَشْكُرْ فَتِلكَ يَدُ العَذَابِ
وَإِنْ لَمْ تَسْتَقِمْ أَخْلاقُ قَوْمٍ
عَلَى رَشَدٍ تَوَارَوا بِالحِجَابِ
عَسَى قَدَرٌ يُوَافِقُ صِدْقَ عَزْمٍ
فَيَصْلُحَ شَأْنُنَا بَعْدَ اسْتِلابِ
وَيَمْسَحُ دَمْعَةً لِلدَّهْرِ تَجْرِي
عَلَى أَهْلِ المُرُوءَةِ وَالصَّوَابِ
أَلا لَيْتَ الخِلالَ تَعُودُ نَهْرًا
فَأَرْشُفُ مِنْ مَعَانِيهَا العِذَابِ
وَتَزْدَهِرُ المَنَاقِبُ فِي رِجَالٍ
وَتَنْتَشِرُ المَحَبَّةُ فِي الشِّعَابِ
وَتَبْتَهِجُ الكَرَامَةُ فِي شُيُوخٍ
وَتَنْبَلِجُ الصَّرَامَةُ فِي شَبَابِ
دَأَبْتُ عَلَى التَّفَاؤُلِ رُغْمَ سُخْطِي
فَلَو دَأَبَ المُثَبِّطُ مِثْلَ دَابِي
أَحُضُّ عَلَى الفَضَائِلِ فِي يَقِينٍ
وَأَحْتَمِلُ التَّطَاوُلَ بِاحْتِسَابِ
وَأَصْفَحُ وَالوُجُودُ يَرُدُّ صَفْحِي
وَأَمْنَحُ وَالجُحُودُ يَسُدُّ بَابِي
وَلا أَؤْذِي الخَصِيمَ وَإِنْ تَجَنَّى
وَأَهْوَى الصَّادِقِينَ وَلا أُحَابِي
وَأَذْرَعُ شُرْفَةَ الأَيَّامِ شَوْقًا
إِلَى غَدِ أُمَّةٍ عَالِي القِبَابِ
وَكَمْ مِنْ هِمَّةٍ حَوْلِي لِصِيدٍ
تَوَافَقَ مَا بِهَا أَرَبًا وَمَا بِي
فَسَيفُ العَدْلِ بِالتَّسْدِيدِ مَاضٍ
وَسَيفُ العَذْلِ بِالتَّهْدِيدِ نَابِ
وَيَمُّ العُمْرِ لُجِّيٌّ أُجَاجٌ
وَفُلْكُ الصَبْرِ يَمْخُرُ فِي العُبَابِ
وَيَأْبَى الحُرُّ أَنْ يَحْيَا بِذُلٍّ
وَإِنْ صَبَّ الإِبَاءُ كُؤُوسَ صَابِ
وَلَكِنَّ الزَّمَانَ وَإِنْ تَأَنَّى
لَمُنْجِزُ وَعْد بَارِقَةِ السَّحَابِ
فَقَدْ يَأْتِي الأَمَانُ مِنِ ارْتِيَاعٍ
وَقَدْ يَأْتِي اليَقِينُ مِنِ ارْتِيَابِ
وَقَدْ يَلِدُ الحُفَاةُ بُنَاةَ مَجْدِ
وَقَدْ يَئِدُ المَآبُ أَسَى الغِيَابِ
وَقَدْ يَعِدُ المَثَابُ وِدَادَ حُرٍّ
فَيَطْمَعُ ذُو السَّجِيَّةِ فِي المَثَابِ
بِكُلِّ مُهَذَّبٍ سَمْحٍ نَبِيلٍ
وَفِيِّ العَهْدِ يُؤْلَفُ فِي اصْطِحَابِ
بِحُرٍّ مِنْ بَنِي الإِنْصَافِ بَحْرٍ
إِلَى الأَصْحَابِ مُنْبَسِطَ الرِّحَابِ
وَمُعْتَصِمٍ بِحَبْلِ اللهِ آوَى
إِلَيهِ الصِّدْقَ مُكْتَمِلَ النِّصَابِ
يَجُودُ فَلا يَعُقُّ الكَفَّ زِنْدٌ
وَلا يَرْضَى الدَّنِيَّةَ فِي الطِلابِ
وَيَرْعَى بِالسَّمَاحَةِ حِينَ يَمْضِي
وَيَسْعَى بِالمُرُوءَةِ فِي الإِيَابِ
أَبَا بَدْرٍ أَسَرْتَ النَّفْسَ حَتَّى
غَلَبْتَ بِرَوْحِهَا نَفْحَ الرَّوَابِي
وَأَكْرَمَ حُسْنُ رَدِّكَ نَسْحَ دُرِّي
فَكَانَ الصَّمْتُ أَبْلَغَ فِي الجَوَابِ
وَإِنِّي مَا ثَمِلْتُ بِخَمْرِ كَأسٍ
وَلَكِنْ بِالمَكَارِمِ فِي الصِّحَابِ
فَخُذْ مِنْ مُهْجَتِي مَا شِئْتَ حُبًّا
وَدَعْنِي فِي السُّلافَةِ قَدْرَ قَابِ
وَخَفِّفْ وَطْأةَ الإِبْهَارِ عَنِّي
فَإِنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنِ الثَّوَابِ
لأَنِّي لَمْ أَجِدْ كَفَّ امْتِنَانٍ
تّفُضُّ التِّبرَ عَنْ نَفَضِ التُّرَابِ