أحدث المشاركات
صفحة 6 من 7 الأولىالأولى 1234567 الأخيرةالأخيرة
النتائج 51 إلى 60 من 61

الموضوع: عشر ذي الحجّة

  1. #51
    الصورة الرمزية أحلام أحمد قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Apr 2012
    المشاركات : 2,289
    المواضيع : 41
    الردود : 2289
    المعدل اليومي : 0.52

    افتراضي


    لو تكلّمت المشاعر.. فماذا عساها قائلة؟
    محمد مصطفى المقرئ

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    أريد ليسمع المسلم منها ما ينبغي أن يقرأه بين أكنافها، وما يستشعره في أجوائها، وما يحسه من موجات مترددة مبثوثة بينه وبينها
    بل أريد ليدرك المسلم ما أودعه الله في المشاعر من معان وأسرار، وما أفاضه عليها من مؤثرات تجلو النفس كما يجلو الليلَ النهارُ.
    أريد لتقف على ما لو أُذن لها أن تتكلم لتكلمت به، بل أريد لأشنِّف آذانك بمقالاتها فيَّ وفيك، وفي الأمة، وفيما يلفنا من نوازل الحال..
    أريد ـ بل أرجو ـ أن أبلغك ذلك ـ أيها القـارئ الكريم ـ ولو لم تتكلّم المشاعر بكلمة واحدة؛ فكيف إذا استنطقتها لك، وأسمعتك ما عساها قائلته؟!
    ولعلك تعجب وتتساءل:
    ولكن هل تتكلم الجمادات؟ ألها منطق وبيان؟ أتفصح عن معان قائمة بها ـ أو في غيرها ـ؟
    وهل يكون لإفصاحها دلالات مفهومة معقولة؟
    ثم هل يمكن أن يدرك بنو آدم هذه الدلالات، ويستفيدوا من تلكم المعاني؟
    أمَّا كونها تتكلم أو لا.. فذلك في علم الله - جل وعلا -، وإن كان أصل تكلمها غيرَ ممتنع عليه، لقوله -عز وجل - فيما حكاه عن أشباه الجمادات: وَقَالُوا لِـجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإلَيْهِ تُرْجَعُونَ [فصلت: 21].
    قال الحافظ ابن كثير:
    «أي فهو لا يُخالف ولا يُمانع وإليه ترجعون»(1).
    وقال الطاهر بن عاشور:
    «وقولهم (الذي أنطق كل شيء) تمجيد لله - تعالى -، ولا علاقة له بالاعتذار، والمعنى:
    الذي أنطق كل شيء له نطق من الحيوان، واختلاف دلالة أصواتها على وجدانها، فعموم آية كُلَّ شَيْءٍ مخصوص بالعرف»(2).
    وقال فخر الدين الرازي: «ومعناه أن القادر على خلقكم وإنطاقكم في المرة الأولى حالما كنتم في الدنيا، ثم على خلقكم وإنطاقكم في المرة الثانية، وهي حال القيامة والبعث؛ كيف يستبعد منه إنطاق الجوارح والأعضاء؟ »(1).
    فالله - تعالى - قادر على أن يُنطِق كلَّ شيءٍ (من الجماد وغيره)، ولا وجه لاستحالة ذلك وامتناعه، ولا سيما مع ثبوت وقوعه من بعضها.
    وليس إمكان تكلم المشاعر من عدمه يهمنا هنا في شيء، وإنما المقصود إثبات أن لها منطقاً وبياناً يتمثل في المعاني القائمة بها، وهي إشارات وأمارات تَقُومُ بكل شيء، «وتلك الأمارات تسمى شهادات، كما يقال: يشهد هذا العالم بتغيرات أحواله على حدوثه»(2).
    وقد ثبت تكلم بعض الجمادات، بل وصدور أفعال عنها تدل على عقلانيتها، وأنها ذات مشاعر وأحاسيس، كتسليم الحجر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، وسعي الشجرة إليه ومثولها بين يديه، وحنين الجذع إليه، وقد خاطب النبي - صلى الله عليه وسلم - جبل أحد فقال:
    «اثبت أحد؛ فإنما عليك نبي، وصدّيق، وشهيدان»(3).
    فلو أُذن للمشاعر المقدسة أن تتكلم؛ لوافتنا بكثير من تلكم المعاني القائمة بها، بل والقائمة بغيرها، وهي معان تتضمن كثيراً من حِكم الشعائر المرتبطة بتلك المشاعر.
    وإن الوقوف على تلكم الحِكَم ـ وهن غايات نافعات غاليات ـ لهو مقصود رئيس لما أُمرنا به من تعبد ونسك، وما نُدبنا إليه من خشوع وتفكر، وخاصة عند المشاعر المحرمات، وحول المقدسات المباركات.
    فلولا تدبرنا هذه الإشارات النافعات، وهاتيك اللطائف المرققات.. (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج: 32].
    فيا أمة الإسلام..!
    لو تكلّمت المشاعر.. فماذا عساها قائلة؟
    إخال الكعبة (بيت الله الحرام) تهتف بجموع الطائفين والقائمين حولها، الراكعين الساجدين في حرمها.. تقول:
    أيها المسلمون الآتون من كل فج عميق!
    هذه قبلتكم قبلة واحدة، وإن هذه أمتكم أمة واحدة؛ فبأي مقتضى شرعي تنازعتم؟
    وبأي موجب علمي تخالفتم؟
    وبأي منطق عقلي تفرقتم، وأنتم هنا حولي تجتمعون، بل وحيثما كنتم فإليَّ تتوجهون، وشطري تيمِّمون؟!
    أما علمتم أن في مخالفتكم ما أمرتم به من الاعتصام بحبل الله جميعاً ذهابَ ريحكم؟ وقد قال - تعالى - :
    (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 46].
    وأن فيها ضياع هيبتكم، وتسلط عدوكم عليكم، ولا يسلط الله عليكم عدواً حتى تكونوا أنتم المتسلطين على أنفسكم.
    فإن هذه الأمة المرحومة قد خصّها الله أن لا ينتصر عليها عدوٌ من غيرها، ولكن يُهلك بعضهم بعضاً ويظلم بعضهم بعضاً
    ففي الحديث الصحيح الذي يرويه ثوبان - رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال:
    «وإني سألتُ ربي لأمتي أنْ لا يهلكَها بسَنَةٍ عامة، وأن لا يُسلِّط عليهم عدواً من سوى أنفسهم، فيستبيحَ بيضتهم، وإنَّ ربي قال: يا محمدُ، إني إذا قضيتُ قضاءً فإنه لا يُرد، وإنِّي أعطيتك لأمتك أن لا أهلكَهم بسَنة عامة، وأن لا أسلِّطَ عليهم عدواً من سوى أنفسِهِمْ يستبيح بيضتهم، ولو اجتمعَ عليهم مَنْ بأقطارها ـ أو قال: مَنْ بين أقطارها ـ، حتى يكون بعضُهم يُهلك بعضاً، ويسبي بعضُهم بعضاً»(4).
    وواضح من الحديث:
    أن هذه الأمة المختارة لا تزال في عصمة من غلبة عدوها عليها ما بقيت متحدة مجتمعة
    حتى إذا صار بأسها بينها، يقتل بعضها بعضاً؛ سُلط عليها عدوٌ من غيرها فاستباح حرماتِها!!
    أيها الماثلون بين يدي الله، الميمِّمون شطري:
    لقد آن لكم أن تتحركوا كأمة.. أن تتفاعلوا مع قضاياكم كأمة.. أن تواجهوا عدوكم كأمة … كما أنكم تجتمعون عندي كأمة، وتتوجهون إليَّ كأمة، واعلموا أنه ليس لتحرككم أحزاباً من جدوى تستنقذكم مما هو نازل بكم..
    (إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ) [الصف: 4].
    أيها المسلمون المقدِّسون لحرمتي:
    أما إن حرمتي عند الله لعظيمة، وإن حرمة دم المسلم أعظم عند الله من حرمتي
    وإنكم إن حرَّمتموني حقاً؛ حَرَّمتم دم المسلم وصنتم حرمته، ولتترستم بقلوبكم وأرواحكم وفلذات أكبادكم دون أن يُخلص إليها أو تهلكون
    فكيف إذا كان منكم من يستبيحها، أو يعين عليها ولو بشطر كلمة؟!
    وأَرْدَفَتْ: أما إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا.
    فكأني بها تردد أصداء نداء النبي - صلى الله عليه وسلم - (في حجة الوداع)، تُرَجِّعه اليوم من وراء أربعة عشر قرناً أو يزيد.
    ثم بصوت متهجد جعل يرتفع شيئاً فشيئاً، مدويّاً يلف أركان الوادي المبارك، تُأوِّبه جبالُ مكة وشعابها، تصرخ الكعبة بالجموع وكأنها منذر جيش:
    أيها المُحْرِمونَ المُحَرِّمونَ لأكنافي:
    ألستم تُسألون عن أكناف شقيقي الأقصى بالوادي المقدس؟!
    إن أكنافه تستباح هناك.. فأزيلوا عنه دنس المعتدين ورجس الغاصبين..
    أجل يا أتباع الخليل - عليه السلام -، وهو الذي استجاب لربه إذ قال له:
    (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) [الحج: 26]
    وإن تحريم الحرمات لا يتجزأ..
    (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ) [الحج: 30].
    ويزداد صوت الكعبة تهجداً وارتفاعاً؛ بينما يتعالى نحيب الجموع وبكاؤها
    وتنهمر دموعهم تفيض بها مآقيهم فتسيل أودية بقدرها، وتسري في الأبدان قشعريرة خشوع خاصة نادرة، ويغمر الأجواءَ عبق من الإيمان والجلال
    وفي هذه اللحظات تمطر السماء من رحماتها، فيتعانق البكاءان في مشهد جنائزي حزين
    وفي خلفية المشهد تبرز صورة الأقصى تتوسط صفحة الأفق، وقد أقبل مضرّجاً في دمه
    وحوله يظهر مستشهدون يلتفون به، وهم يبسطون أيديهم بأرواحهم على أكفهم، يتلقون عنه سهام العدوان والغدر معاً، وبصدور عارية وأيد خاوية، فيكتمل المشهد ـ وقد توسطه المسجدان (الحرام والأقصى) ـ
    دموع منهمرة هنا، ودماء منسكبة هناك.. وشتان شتان.
    لكني أريت جموعاً انطلقت تجأر إلى ربها، مختنقة بالبكاء، تكاد تغص بدموعها، وقد بدوا في ملابس إحرامهم وكأنهم متلفعون بأكفانهم تهيئاً للقاء الموت، يقولون:
    لبيك اللهم لبيك.. ثم لبيك فلسطين لبيك.. لبيك كلَّ موضع لنا فيه حرمة لبيك.
    وأضافت الكعبة: و«إنما الحج جهاد كل ضعيف» كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (1).
    لو تكلّمت المشاعر.. فماذا عساها قائلة؟
    هُيئ إليَّ الحجرُ الأسود يهمس في آذان مستلميه ومُقبِّليه، يقول
    أما إني سفير الجنة إليكم أهل الأرض لو تعلمون، أتعجبون؟!
    فارجعوا إلى ما ثبت عن نبي الإسلام العظيم ـ عليه صلوات وتسليمات الرحيم الكريم ـ:
    «الحجر الأسود من الجنة»(2).
    أجل أنا مجرد حجر من أحجارها، وهناك فيها أصل موطني.. فيا مستلمي ومقبلي! ألا تحب أن تقطن في موطني؟!
    فحيّ عَلى جناتِ عَدنٍ فإنها///منازلُك الأُولى وفيها المخيمُ
    ولكننا سبيُ العدوِّ فهلْ ترى///نعود إلى أوطاننا ونسلمُ؟
    وأيُّ اغتراب فوق غربتنا التي///لها أضحتْ الأعداء فينا تحكمُ؟
    وقد زعموا أن الغريب إذا نأى///وشَطَّتْ به أوطانه..ليس يَنعمُ

    فمِنْ أجل ذا لا يَنعمُ العبد ساعة///مِنَ العمر،إلا بعد ما يتألمُ(3)
    وأردف الحجر: يا عبد الله!
    أتدري أنك باستلامي تبايع على طاعة الله - جل وعلا -؟!
    ( إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْـجَنَّةَ) [التوبة: 111]..
    فلا ألفينك ـ أيها المبايع ـ من
    (الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْـخَاسِرُونَ) [البقرة: 27]
    وكن من
    (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنقُضُونَ الْـمِيثَاقَ) [الرعد: 20].
    ثم جعل يرتّل ـ وبصوت ملائكي مجلجل ـ:
    (فَمَن نَّكَثَ فَإنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [الفتح: 10].
    لو تكلّمت المشاعر.. فماذا عساها قائلة؟
    هُيئ إليَّ الملتزم ـ كذلك ـ يُسِر إلى كل ملتصق به ضام له، يقول: أهو طلب القرب حباً وشوقاً للبيت ولرب البيت؟
    فإن يكن ذا فإن للحب برهاناً قطعياً، ودليلاً ساطعاً جلياً..
    (قُلْ إن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [آل عمران: 31].
    تعصي الإله وأنت تزعم حبّه///هذا لعمري في القياس شنيع
    لو كان حبك صادقاً لأطعته///إن المُحبّ لمن يُحبّ مطيع

    فحيهلا إن كنت ذا همة فقد///حدا بك حادي الشوق فاطْوِ المراحلا
    وقل لمنادي حبهم ورضاهم///إذا ما دعا: لبيك ألفاً كواملا

    ذلك بينما الجموع تردد: لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك..
    لو تكلّمت المشاعر.. فماذا عساها قائلة؟
    كأني بمقام إبراهيم -عليه السلام- وقف في القائمين حوله واعظاً ـوالناس ينصتون في خشوع-:
    يا أيها الناس! اعبدوا الله ولا تشركوا به أحداً
    أسلموا له وحده، وانقادوا إليه وحده، وتحاكموا إليه وحده، واركنوا إليه وحده، وتوكلوا عليه وحده..
    (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْـمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْـمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) [الحج: 78].
    واعلموا أن الولاء والبراء هو معقد الإيمان الأكبر، فالزموا مقام الخليل ولاء وبراء، كما لزمتموه شعيرة ونسكاً:
    (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إلاَّ قَوْلَ إبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإلَيْكَ أَنَبْنَا وَإلَيْكَ الْـمَصِيرُ) [الممتحنة: 4]..
    (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّـمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْـحَمِيدُ) [الممتحنة: 6].
    واستطرد قائلاً:
    ألا إن قيامكم مقام إبراهيم برهان منكم بذلتموه، فهو حُجة لكم أو عليكم
    ألا فتخيروا لأنفسكم.. ملّة أبيكم إبراهيم، أو ملل المتألهين الطاغين، كالنمرود في عصره، وكأشباهه في عصركم
    فإن شئتم أن تستبينوا أي السبيلين تسلكون؛ فانظروا في أي المعسكرين أنتم، وفي أي الخندقين تخندقتم!!
    ألا وإن الكلمة، مجرد الكلمة، تقولونها نصرة للأمة أو لأعدائها؛ فيصل في اختياركم
    فليحذر امرؤ على نفسه، وليدَعْ قول الزور والعمل به؛ فإن الله قد قرن النهي عنه بالنهي عن رجس الأوثان (وخاصة في حقكم أيها الحجيج)..فقال -جل وعلا -:
    (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) [الحج: 30 - 31].
    ثم بدا لي «المقام» وكأنه يردد نداء الخليل -عليه السلام- امتثالاً لأمر ربه -جل وعلا-:
    (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْـحَجِّ) [الحج: 27]
    قال: ربّ! وما يبلغ صوتي؟
    قال: أذِّن وعليَّ البلاغ(1)
    فأردف المقام: فأَذِّنوا ـ أيها الناس ـ في الناس بالحج
    بل أذِّنوا بشرائع الإسلام كافة، أذِّنوا في الناس بنصرة الدين، وبمعاداة المشركين
    خذوا بأسباب الغلبة والتمكين، وإن لم تكافئ أسباب المعتدين، عليكم المستطاع، وعلى الله ما لا يُستطاع.
    ثم طفق المقام يردد:
    لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون..
    وضجّت الجموع تستغيث ربها.. وامتدت الأكف ضارعة إلى بارئها:
    اللهم منزلَ الكتاب، مجريَ السحاب، هازمَ الأحزاب.. اهزمهم وانصرنا عليهم.
    لو تكلّمت المشاعر.. فماذا عساها قائلة؟
    خِلْتُ جبلَي الصفا والمروة يتناوبان الوعظ والتذكير ـيخطبان في الساعين بينهماـ:
    يقول الصفا:
    ألا فتذكروا أن التي أنشأت أصل هذا السعي هاجر -عليها السلام-؛ ذلك حينما أخذتها الشفقة برضيعها وهو يصرخ جوعاً وعطشاً، وأرادت أن ترد عنه الهلاك الذي يحدق به....
    فتوجهت إلى الله ربها ورب كل شيء، موقنة أنه -جل وعلا- لا يُضيّعها
    وهو ما أكّدته لإبراهيم -عليه السلام-؛ ذلك حين أجابها أن نعم؛ إذ سألته: آلله أمرك بهذا؟ أي بتركي هنا وحدي ورضيعي، وقد أزمع أن يهاجر استجابة لأمر الله.
    قالت المروة:
    ففيم سعيكم - أيها الناس - إن لم يقابله سعي في إغاثة أطفال المسلمين الذين يتضورون جوعاً، ويتوجعون مرضاً، ويعانون عرياً وبرداً وتشريداً وضياعاً، وتسحق عظامهم الدبابات والصواريخ، وتُطمر جثثهم تحت الهدم والتدمير، ومن ينجُ منهم من ذلك كله؛ يعش مهدداً مستضعفاً مذعوراً.. يخاف أن يتخطفه الناس..
    ويتمدد موضع السعي فيما بين الجبلين، حتى يضما بين كنفيهما خريطة الوطن الإسلامي كله، فإذا هي المذابح والمظالم والأهوال، وأمة جسدها ممدد تكاد الدماء تغطيه؛ بينما عدوها يتهيأ للإجهاز عليها
    فاللهـم ارفـع مقتك وغضبك عنا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا!
    قال الصفا:
    وأنتنَّ إماءَ الله نساءَ المسلمين:
    أما لكُنَّ في هاجر مثلٌ وقدوة، وأنتنَّ تتمثلن فعلها في سعيكن بيني وبين المروة؟
    فكيف يستقيم أن تكون إحداكن حائلاً دون زوجها وإجابة أمر ربها، ومهما يكن من أمر تعتذرن به؛ فإنه لن يكون أعظم من الحال التي تُركت عليها هاجرُ ورضيعُها.
    أيتها المقتديات بهاجر -عليها السلام-:
    ألا فانظرن كيف لو كانت هاجر بينكنّ، في زمانكنّ.. كيف يكون شأنها في توفية حق ربها، وحق أمَّتها، وحق زوجها، وحق ولدها، وحق نفسها؟
    كيف يكون اعتزازها بدينها، واحترامها لذاتيتها، والتزامها بهويتها، وتمسكها بعقيدتها؟
    كيف يكون اعتدادها بانتمائها.. في همومها، واهتماماتها، وهيئتها، وأنماط حياتها؟
    كنّ ـ يرحمكن الله ـ كما لو كانت هاجر بينكنّ؛ فإنها أولى بكنَّ وأنتنَّ بها أولى.
    قال المروة ـ وقد توجه بحديثه إلى العموم ـ:
    وإن سعيكم هذا ـ أيها الناس ـ غير مُغنٍ لكم عن سعيٍ هناك
    حيث الذب عن الأعراض، وحماية المقدسات، وصون دين الأمة وقد استُهدفت منابعه، وحفظ عقيدتها وقد اتُخذت غرضاً..
    فلا إخالكم ـ أيها المسلمون ـ إلا متزودين من هنا لهناك؛ وإلا فما أفادكم السعيُ شيئاً، اللهم إلا إبراء ذممكم من نسككم هـذا،
    ولكنها ـ والذي نفسي بيده ـ تبقى مشغولة بما هو أولى وأوجـب
    قـال - تعالى - :
    (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْـحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْـمَسْجِدِ الْـحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِـمِينَ) [التوبة: 19].
    لو تكلّمت المشاعر.. فماذا عساها قائلة؟
    أريت بصيرتي ترمق الجمار الثلاث، تردد:
    ارموا عباد الله.. ارجموا مواضع إبليس حين ظهر لأبيكم إبراهيم -عليه السلام- يريد أن يفتنه
    ارجموه وأكّدوا عداوتكم له ولحزبه
    ارجموه لتستحضروا أنكم لا تزالون أبداً في معركة معه.
    ارموا عباد الله
    ارجموا عدوكم لينكص ويخسأ، فإنه لم يزل يقطع عليكم كل خير، وقد توعدكم أن يقعد لكم طريقكم إلى الله، كما حكى الله - تعالى - مقولته ـ لعنه الله ـ:
    (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْـمُسْتَقِيمَ) [الأعراف: 16].
    قلت: قال ابن جرير:
    «يقول: لأجلسن لبني آدم صراطك المستقيم؛ يعني: طريقك القويم، وذلك دين الله الحق، وهو الإسلام وشرائعه.
    وإنما معنى الكلام: لأصدن بني آدم عن عبادتك وطاعتك، ولأغوينهم كما أغويتني، ولأضلنهم كما أضللتني»(1).
    فأردفت الجمرات:
    واعلموا أنه ـ لعنه الله ـ كما قعد بالصراط كله؛ قعد بكل باب من الخير مترصداً يتربص بكم، وقد نصب لكم شباكه على كل طريق يحسبكم سالكيها
    وفي الحديث:
    «إن الشيطان قعد لابن آدم بأطراقه، فقعد له بطريق الإسلام، فقال: أتسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء آبائك؟ فعصاه فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة، فقال: أتهاجر وتذر أرضك وسماءك؟ وإنما مثل المهاجر كالفرس في الطول، فعصاه وهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد، وهو جهاد النفس والمال، فقال: تقاتل فتقتل، فتنكح المرأة ويقسم المال؟ قال: فعصاه فجاهد»(2).
    ألا فارجموه طرداً له.. وقطعاً لأمله.. وإرغاماً لأنفه.. وقصماً لظهره... وذلك كله مرهون بمخالفتكم لأمره، وكفركم بوحيه، ورفضكم لوسواسه، وتحصّنكم من أزِّه، واعتصامكم ـ بالله ـ من نزغه.
    وأضافت الجمرات:
    ارموا عباد الله.. ولا يفتننكم الشيطان أنكم قضيتم مناسككم؛ فإن من عباد الله من يرمي ما لعله أكثر قبولاً عند الله من حصياتكم
    ولعل حجراً واحداً في يد طفل يرمي به يهود: أثقل عند الله - تعالى - ـ من أحجاركم كلها، وأوجع لحزب إبليس من حصياتكم جميعها!!
    ارموا عباد الله.. ارموا؛ فإن القوة الرمي..
    «ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي»(3)
    وإلا فلن تفهموا هذه حتى تصنعوا تلك!!
    لو تكلّمت المشاعر.. فماذا عساها قائلة؟
    تمثلت عرفة (جبل الرحمة) وقد بدا كعرصات القيامة!! والناس فوقه في ازدحام منشغلون، وهم ـ على اختلاف أجناسهم وألوانهم وألسنتهم ـ واقفون موقفاً واحداً.. إنهم ساعتئذ ـ رغم الضراعة والابتهال.. رغم الاستغاثة والدعاء.. رغم البكاء والنحيب.. رغم الاستغفار والندم ـ وجلون خائفون مترددون بين الرد والقبول!! وإنهم عما قليل ينصرفون، وقد انفض الموقف العظيم، وتفرق الناس زمراً وأفراداً، والله أعلم بمنازلهم، غير أن التوبة معروضة بعد، مفتوح بابها أمام المستدركين.. وليس ذلك يكـون يـوم الحـشر الأعظـم، فأدرك ـ يا عبد الله ـ اليوم ما لا سعة لك فيه غداً.
    ألا إن الفقيه كل الفقه لمن يفقه هذا المعنى فيتمثله بكل جوارحه، ويستغرق فيه بكل كيانه، وتتلبس به مشاعره وأحاسيسه
    فإذا هو راغب عن كل مبهج في الحياة، مقبل على عبادة ربه لا مطلب له سواه
    وفي الحديث الصحيح يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
    «الحاجُّ: الأشعثُ التَّفِلُ»(4)
    وهو الذي قد فرغ قلبه مستغرقاً في عبادة ربه.. حتى ليكاد يقال له: (ولا تنس نصيبك من الدنيا)
    بينما يحتاج غيره أن يقال له: ولا تنس نصيبك من الآخرة!!
    وبدت عرفة لي ـ وكأنها لا تريد أن يُفَوِّت فرصة كهذه، وقد لحظت خشوعاً وإخباتاً يلفّ المكان ومن فيه، ولمست رقة في القلوب تحكيها العيون الدامعة المغرورقة ـ تقول:
    أيها الناس:
    عما قليل تضعون عنكم ثياب إحرامكم، ثم ما منكم أحد إلا وستوضع عليه أكفان تضاهيها، غير أنه لا يَلبسُها بل يُلبسَها، ولا يملك أبداً أن يضعها..
    وليؤتين بكل مُكَفَّنٍ إلى المسجد محمولاً مجبوراً، وقد كان يأتيه ـ أو لا يأتيه ـ طوعاً مختارا
    (إن كُلُّ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا) [مريم: 93]
    وكلٌّ مفض إلى ما قدم.. غير أنه لا حج لمن لا صلاة له!!
    أيها الماثلون في الموقف العظيم فوقي:
    أتدرون أن جبالاً دوني لا نصيب لها من قـداستي، ولا ارتباط لها بشعيرة أو نسك مثلي
    أتدرون أن فوقها الآن متنسكين عابدين، ربما لا تبلغ أجورُكم أجورَهم؛ ذلك أنكم تتنسكون آمنين، وهم يخافون أن يتخطفهم الناس
    وأنكم تتعبدون متنعمين، وتراهم على الجمر قابضين
    وأنكم ترابطون لياليَ وأياماً راغدين، وهم يقضون حياتهم مرابطين.
    فيا حجيج بيت الله الحرام:
    أفقهتم بما سبقكم هؤلاء؟ ولمَ كان وقوفهم بجبالهم ربما يفوق موقفكم هذا؟
    (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِـحٌ إنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْـمُحْسِنِينَ) [التوبة: 120].
    أيها الحجيج الملبُّون رغباً ورهباً:
    بشراكم اليوم وأنتم تودعونني...بشراكم فلن تغادروا إلا وقد أجيب دعاؤكم، وأعطيتم سؤلكم
    فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
    «الحُجَّاج والعُمَّار وفْدُ الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم»(1)
    وكان حقاً على الكريم أن يكرم زائره؛ فكيف بضيف دُعيَ فأجاب؟
    لو تكلّمت المشاعر.. فماذا عساها قائلة؟
    سيق الهدي فكأني به يمتد امتداد التاريخ، ليغوص بالخاطر في أعماقه آلاف السنين، ومضحون لا يُحصون عدداً يسوقونه فداءً وتضحية.. كلهم يقتدي بأبي الأنبياء إبراهيم - عليه السلام -.
    أتحسبون أن حكمة الأضحية تقف عند اللحم والدم؟
    (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُـحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْـمُحْسِنِينَ) [الحج: 37]
    إنما هي حسن النية، وسداد التوجه، وصدق العزيمة
    وما اللحم والدم إلا لتجديد روح الفداء في نفوس المؤمنين، ولتنشيط حب التضحية في قلوب السالكين
    وكذلك كان درس الخليل إبراهيم - عليه السلام -، فإنه لما استسلم وإسماعيل - عليهما السلام - لأمر الله - جل وعلا - :
    (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) [الصافات: 103]
    وعلم الله صدق توجههما للتضحية ـ على جسامتها ـ
    (وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّءْيَا إنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْـمُحْسِنِينَ (105) إنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْـمُبِينُ) [الصافات: 104 - 106]
    وهو اختبار كبير نجح فيه النبيان الكريمان وبكل جدارة، فعافاهما الله - تعالى - من الذبح
    ونقلهما إلى سنة الهَدي
    (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) [الصافات: 107]
    ليبقى ذلك خطاً واصلاً بين أتباع الحنيفية، وبين التضحية في أسمى معانيها وأبلغها
    وليكون هذا الخط سبيلاً يمدهم بمزيد من جرعات إكسير روح الفداء؛ لأنه لا عزة لهم بدونها..
    إن أمة نضبت بها روح الفداء ///ماتت وما يغني هشيم أو غثاء
    فالأرض قفر إن حبست مياهها///ويموت حق لا تروِّيه الدماء

    أيها السائقون الهَدي:
    ترى كم يقع ترتيبكم في «طابور» المضحِّين؟
    وكم من مسافة بينكم وبين عجوز تتقدمكم بالملايين؛
    ذلك حين تجلس تنصت إلى وليدها يتلو عليها وصيته الأخيرة، قبل أن يغادرها بلحظات، تعرف أنها لن تراه ثانية في هذه الحياة، ويصبح فؤادها فارغاً؟!
    وكم من مسافة بينكم وبين عروس تتجهز لليلة عمرها، فإذا بها تتحول عن سعادة الدهر لتتجهز للحظة استشهادها؟!
    وكم من مسافة بينكم وبين طفل يواجه دبابة بحجر، ويتصدى لمجنزرة بنبل صغير؟!
    وكم من مسافة بينكم وبين شيخ فان، يعرض عليه الغاصبون أموالاً طائلة ليترك بيته وأرضه في فلسطين، فيجيب بحكمة بليغة تختزل البراهين كلها في كلمات.. يقول:
    يمكنني أن أعطيكم البيت لو جئتموني بأمر يسير: وثيقة تنازل عنه،
    وقد وقَّع عليها المسلمون جميعاً، ليس في هذا الجيل وحسب، بل في كل أجيال المسلمين إلى يوم القيامة؟!
    ويبقى الشيخ وأمثاله من الصادقين الصابرين رغم الهدم والحصار!!
    وبعد..
    أيها المسلمون حجيج بيت الله الحرام:
    ألا ناشدتكم الله! أن تكونوا طليعة الأمة إلى تغيير ما بنا
    عودوا إلينا كما ولدتكم أمهاتكم
    وفي الحديث الصحيح:
    «من حج لله، فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه»(2)
    وقد أمركم الله - جل وعلا - أن تجمعوا إلى الحج استغفاراً وتوبة، فقال:
    (فَإذَا أَفَضْتُمْ مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْـمَشْعَرِ الْـحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَـمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [البقرة: 198 - 199]
    أي لتستقبلوا أيامكم بصفحة جديدة بيضاء، نزع منها كل ما أسلفتم، حتى عدتم كيوم وُلدتم.
    عباد الله:
    ناشدتكم الله! أن لا تنسوا الأمة من دعائكم.. ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة..
    ادعوا الله.. فإن الدعاء والبلاء بين السماء والأرض يعتلجان؛ لعل الله يرفع بدعائكم البلاء قبل أن ينزل..
    ادعوا للأمة من أقصاها إلى أقصاها؛ فإن الأمة كلها في شدة وبلاء
    نعم.. وخصوا المستضعفين من أصحاب النوازل الكبار بمزيد من الدعاء.. في فلسطين، وفي العراق، وفي الشيشان، وفي أفغانستان، وفي جوجارات بالهند، وفي كشمير.. وفي كل مكان، وما من مكان إلا ولنا فيه مستضعفون يتلمسون عندكم الدعاء.
    عباد الله:
    ناشدتكم الله! ـ وقد منَّ عليكم بما عدتم به كيوم وُلدتم ـ أن لا تسوِّدوا صفحاتكم فيما تستقبلون بمساخط الله
    ألا فأقلِعوا عن كل مُحرَّم، وذَرُوا كل مخالفة، والتصقوا بكل فضيلة
    فإنه بمجموع مخالفاتنا، وبمجمل تهاوننا نزل بالأمة ما نزل
    ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
    وصلّى الله وسلمّ وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
    ----------------
    (1) تفسير القرآن العظيم: (4/66).
    (2) التحرير والتنوير: (11/268).
    (1) التفسير الكبير: (14/118).
    (2) التفسير الكبير: (14/117).
    (3) أخرجه البخاري، رقم 3675.
    (4) رواه مسلم في صحيحه، باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض، (2/2215)، حديث رقم: (2889)، والمراد بالبيضة: جماعتهم وأصلهم، والبيضة ـ أيضاً ـ: العز والملك.
    (1) حسن: رواه ابن ماجه، عن أم سلمة، وانظر الضعيفة: (3519)، وصحيح الجامع: (3171).
    (2) صحيح: رواه الإمام أحمد عن أنس، والنسائي عن ابن عباس. وانظر: صحيح الجامع: (3174).
    (3) مدارج السالكين، لابن قيم الجوزية، والأبيات له: (3/210).
    (1) الأثر رواه ابن جرير في جامع البيان: (10/ 6162) برقم: (18935)، وهو عند الحاكم في المستدرك: (2/ 388، 389)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
    (1) جامع البيان: (5/ 3648).
    (2) رواه أحمد: (3/ 483)، والنسائي: (6/ 21، 22)، وابن حبان: (4593 ـ الإحسان)، والطبراني في «الكبير»: (7 / 138) برقم (6558) من حديث سبرة بن أبي فاكه - رضي الله عنه -.
    (3) صحيح رواه أحمد، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجه، وانظر «فقه السيرة» بتحقيق الألباني: (224)، والإرواء: (1500)، ومختصر مسلم: (1101)، وصحيح الجامع: (1219).
    (4) حسن: رواه الترمذي عن ابن عمر، وانظر: المشكاة: (2527)، وصحيح الجامع: (3167).
    (1) حسن: رواه البزار عن جابر، وانظر: الصحيحة: (1820)، وصحيح الجامع: (3173).
    (2) رواه أحمد والبخاري والنسائي وابن ماجه، وانظر: المشكاة: (2507)، وصحيح الجامع: (6197).



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    انتــــــهى بحمـــد الله

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  2. #52
    الصورة الرمزية أحلام أحمد قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Apr 2012
    المشاركات : 2,289
    المواضيع : 41
    الردود : 2289
    المعدل اليومي : 0.52

    افتراضي

    وأخيــــــــــــــــــرا
    أتممت عملا أرجو أن يتقبّله الله عزّ وجلّ
    فهذا أبسط شيء أفعله من أجل هذه العشر النفيسة

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    ولا أنسى أن أتقدّم بالشكر والتقدير لأخي الفاضل عبد الرحيم صابر على صبره على طول موضوعي وعلى متابعته الدائمة وإضافاته الجميلة وتعقيبه المستمر
    ولأخي الكريم عصام ميره على جميل تشجيعه
    ولأخواتي الحبيبات
    حسنية تدركيت على إضافتها الجميلة
    ربيحة الرفاعي على إطلالتها الجميلة
    آمال المصري على دعمها الجميل بتثبيت الموضوع
    ولهم جميعا أقول:
    جزاكم الله خيرا وجعل مروركم ومتابعتكم ودعمكم في ميزان حسناتكم إن شاء الله نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    وتقبّل الله منا ومنكم
    وجزى الله خيرا كل من نقلت له مقالة هنا وجعل ما كتبوه شاهدا لهم
    وشكرا لكل من مرّ على الموضوع حتى لو لم يضع حرفا
    وشكرا لكل زوار المنتدى
    ولحجاج بيت الله الحرام أقول:

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    ولكل من يدعو بهذا الدعاء

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    أقول:آمييييييييين
    و
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


  3. #53
    الصورة الرمزية عبد الرحيم بيوم أديب
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Apr 2012
    الدولة : المغرب
    المشاركات : 2,249
    المواضيع : 152
    الردود : 2249
    المعدل اليومي : 0.51

    افتراضي

    أحسنت ايتها الفاضلة
    احسنت الانتقاء والاختيار
    احسنت التنسيق وجمالية المظهر
    واحسنت الترتيب والمتابعة
    جعل ربي هذا العمل في حسناتك وتقبله منه
    فقد سعدنا ونحن نجول بين هذه الصفحات ونأخذ زاد التقوى من تلك الكلمات

    فتحياتي لك
    وسعداء بوجودك بيننا في واحتك
    حفظك ربي ورعاك

  4. #54
    الصورة الرمزية أحلام أحمد قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Apr 2012
    المشاركات : 2,289
    المواضيع : 41
    الردود : 2289
    المعدل اليومي : 0.52

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الرحيم صابر مشاهدة المشاركة

    أحسنت ايتها الفاضلة
    احسنت الانتقاء والاختيار
    احسنت التنسيق وجمالية المظهر
    واحسنت الترتيب والمتابعة
    جعل ربي هذا العمل في حسناتك وتقبله منه
    فقد سعدنا ونحن نجول بين هذه الصفحات ونأخذ زاد التقوى من تلك الكلمات

    فتحياتي لك
    وسعداء بوجودك بيننا في واحتك
    حفظك ربي ورعاك
    آمييييييييييييييييييييين وحسناتك يا أخي الكريم
    إن كان هناك من يستحق الثناء فهو أنت
    فمتابعتك الجميلة وثناؤك الدائم وتعليقاتك الكريمة كان لها الفضل بعد الله في استمرار موضوعي
    أسأل الله أن يُعيد هذه المناسبة علينا أجمعين ونحن في أمن وسلام وخير ورخاء
    .....
    أعتذر منك أيها الكريم لتأخر ردي عليك
    وأدعو لك بسعادة الدارين
    ....
    وسعداء بوجودك بيننا في واحتك
    أنا أكثر سعادة بوجودي ضمن هذه الكوكبة الجميلة وفي هذه الواحة التي نتفيأ ظلالها
    وأتمنى أن نمنحها ما تستحق مقابل السعادة التي منحتنا إياها بانضمامنا إليها
    وأسأل الله ألا يحرمنا أجر ما ننشره على صفحاتها
    وألا يحرمنا من نعيم الجنة التي نسعى إلى نيلها
    ....
    أشكرك على ثنائك الجميل أيها الأخ الفاضل
    جزاك الله خيرا على دعواتك الكريمة ولك مثلها
    و
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


  5. #55
    الصورة الرمزية عبد الرحيم بيوم أديب
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Apr 2012
    الدولة : المغرب
    المشاركات : 2,249
    المواضيع : 152
    الردود : 2249
    المعدل اليومي : 0.51

    افتراضي

    تجولت مستمتعا برياضك مرة اخرى بعد عام مضى
    فما اسرع الايام بنا
    كانني كنت بالامس هنا
    فآثرت رفع هذه المختارات الرائقة للمناسبة

    تحياتي لك
    وبوركت

  6. #56
    الصورة الرمزية أحلام أحمد قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Apr 2012
    المشاركات : 2,289
    المواضيع : 41
    الردود : 2289
    المعدل اليومي : 0.52

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الرحيم صابر مشاهدة المشاركة
    تجولت مستمتعا برياضك مرة اخرى بعد عام مضى
    فما اسرع الايام بنا
    كانني كنت بالامس هنا
    فآثرت رفع هذه المختارات الرائقة للمناسبة

    تحياتي لك
    وبوركت
    حيّاك الله أخي الكريم عبد الرحيم
    حقا ما أسرع مرور الأيام نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    كأنني كنت أكتبه بالأمس
    لكن هناك فارقا كبيرا بين الأمس واليوم
    بالأمس كان عبد الرحيم صابر مشرفا على هذا القسم يُتابع كل جديد فيه ويُثني على هذا وذاك
    واليوم هو كالزائر الذي لا نراه إلا نادرا
    ...
    أتعلم أنني تذكّرت هذا الموضوع مع بداية العشر
    لكنني لم أُحبّذ رفع موضوع يخصني
    فشكرا لك على ما فعلته
    وأرجو أن يستفيد منه من يمر عليه
    ....
    جزاك الله خيرا على دعوتك الطيّبة ولك مثلها
    ودعواتي الصادقة بأن يكتب لك الله أداء فريضة الحج أنت ووالدتك وجميع أهلك
    سهّل الله لجميع المسلمين أداء هذا الفرض وأتمّه عليهم بالخير والبركة
    ....
    سلمت يمينك أيها الفاضل
    ولك كثير تقديري وامتناني نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



  7. #57
    الصورة الرمزية أحلام أحمد قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Apr 2012
    المشاركات : 2,289
    المواضيع : 41
    الردود : 2289
    المعدل اليومي : 0.52

    افتراضي

    للتذكيــــــــر:
    غدا بإذن الله هو التاسع من ذي الحجّة
    يوم عرفة

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    تقبّل الله منّا ومنكم


  8. #58
    الصورة الرمزية نداء غريب صبري شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    الدولة : الشام
    المشاركات : 19,096
    المواضيع : 123
    الردود : 19096
    المعدل اليومي : 3.81

    افتراضي

    صوم يوم عرفة
    يحيى بن موسى الزهراني

    الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمين ، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك وعظيم فضلك يا أكرم الأكرمين . . . أما بعد :
    فإننا سوف نستقبل بعد أيام قلائل ، يوماً عظيماً من أيام الله تعالى ، يوماً مشهوداً ، ألا وهو يوم عرفة ، وبعده سيقدم يوم عيد الأضحى المبارك ، وهو يوم الحج الأكبر ، ويوم النحر ، ولكلٍ من اليومين أحكام تخصه ، ولعلنا نتطرق إلى بعض تلك الأحكام المهمة التي تهم المسلم ، ويريد تحريها ، ومعرفة أحكامها ، حتى تكون عبادته لربه تبارك وتعالى على بصيرة وهدى ونور ، وأعظم ما فيهما من أحكام ، الأحكام التي تتعلق بالصيام ، فأقول بادئ ذي بدء ، للصيام فوائد ومزايا كثيرة ، ينبغي للمسلم تتبعها وتقصيها ، حتى يعمل بها ، ففي صيام التطوع من الفضيلة ما ذكره الله تعالى في كتابه العزيز بقوله : " فمن تطوع خيراً فهو خير له " [ البقرة ] ، وقوله جل شأنه : " وافعلوا الخير لعلكم تفلحون " [ الحج ] فكل إنسان يحتاج إلى فعل الخير والعمل الصالح تقرباً إلى الله وتعبداً له وزيادة في الأجر والثواب فعطاء الله لا ممسك له ، وثوابه لا حدود له ، فعلى المسلم أن يكثر من فعل الخير والعمل الصالح يرجو بذلك أحد أمرين :

    الأول : التقرب إلى الله بفعل الخير :
    فصيام التطوع من الأعمال التي تقرب إلى الله تعالى ، وهو من أجلها على الإطلاق كما قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى : الصيام أفضل ما تطوع به ، لأنه لا يدخله الرياء ، والرياء كما تعلمون محبط للأعمال مدخل للنيران والعياذ بالله ، فالعبد مأمور بالإخلاص ولهذا قال الله تبارك وتعالى : " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء " [ البينة ] ، وقال تعالى : " وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً " [ الفرقان ] ، وقال الله تعالى : " من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً * ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً " [ الإسراء ] ، وقال جل وعلا : " من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون " [ هود ] ، وقال صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى : " أنا خير الشركاء من عمل لي عملاً أشرك فيه غيري فأنا منه بريء وهو للذي أشرك " [ رواه الإمام أحمد ] ، فانظر هل سينفعك ذلك الإنسان إذا وضعت في قبرك ويوم محشرك . ولهذا كان يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة " [ رواه ابن ماجة وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 1313 ] .
    فعموماً فصوم النافلة له مزايا عديدة من أعظمها أنه يباعد وجه صاحبه عن النار ، ويحجبه منها ويحاج صومه عنه ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : " ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم عن وجهه النار سبعين خريفاً " [ متفق عليه ] ، وكثرة الصوم دليل على محبة الله للعبد ، ويالها من منزلة عالية ومكانة رفيعة يحظى بها العبد عند ربه فما أن يكثر من الصيام إلا ويحبه ربه ، ومن أحبه ربه وضع له القبول الأرض وفي السماء ، قال صلى الله عليه وسلم : " ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه " . والفضائل كثيرة ونكتفي بما ذكرنا لأن المقام ليس مقام ذكر لفضائل ومزايا الصيام وإنما هو لغرض آخر .

    الثاني : جبر الخلل الحاصل في العبادة :
    فالإنسان لا يخلوا من خطأ ونقص ومعصية ، فكانت النوافل تكمل الناقص من الفرائض ومن ذلك الصوم ، فهناك مكروهات كثيرة قد يقع فيها صائم الفريضة تنقص أجر صومه ، فشرعت النافلة لسد ذلك النقص وترقيع ذلك الخلل .
    فكل ابن آدم خطاء ، والكل يجوز عليه الذنب والخطيئة ، فشرع التطوع لجبر ذلك النقص ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : " التطوع تكمل به الفرائض يوم القيامة " [ رواه أحمد وأبو داود وغيرهما وصححه أحمد شاكر في تحقيق المسند ] ، فالمسلم يسعى لزيادة الأجر ، وتحصيل المثوبة من الله تعالى ، ولا يتأتى ذلك إلا بفعل الواجبات والإكثار من المستحبات ، ومنها الصوم المستحب ، مثل صوم يوم عرفة . وهناك أيام وأشهر رغب النبي صلى الله عليه وسلم في تحري صيامها لما فيها من أجر ومثوبة ، وهي من صوم التطوع . ومن ذلك :

    فضل صوم يوم عرفه :
    وهو اليوم التاسع من ذي الحجة ، وقد أجمع العلماء على أن صوم يوم عرفة أفضل الصيام في الأيام ، وفضل صيام ذلك اليوم ، جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" صيام يوم عرفه أحتسب على الله أنه يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده " [ رواه مسلم ] . فصومه رفعة في الدرجات ، وتكثير للحسنات ، وتكفير للسيئات .

    ماذا يكفر صوم يوم عرفة :
    فعموماً لا ينبغي صيام يوم عرفة للحاج أما غير الحاج فيستحب له صيامه لما فيه من الأجر العظيم وهو تكفير سنة قبله وسنة بعده . والمقصود بذلك التكفير ، تكفير الصغائر دون الكبائر ، وتكفير الصغائر مشروطاً بترك الكبائر ، قال الله تعالى : " إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم " [ النساء ] ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينها إذا اجتنبت الكبائر " [ رواه مسلم ] .

    صوم يوم عرفة للحاج :
    فيستحب صيام يوم عرفه لغير الحاج أما الحاج فعليه أن يتفرغ للعبادة والدعاء ولا ينشغل فكره وقلبه بالطعام والشراب وتجهيز ذلك ، فيأخذ منه جُل الوقت ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة بعرفة " [ رواه أحمد وابن ماجة وفي صحته نظر ] ، وأيضاً مثله عند الطبراني في الأوسط من حديث عائشة رضي الله عنها قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة بعرفات " ، ويعضدهما حديث : " أن الناس شكوا في صومه صلى الله عليه وسلم يوم عرفة ، فأرسل إليه بقدح من لبن فشربه ضحى يوم عرفة والناس ينظرون " [ رواه البخاري ومسلم ] .
    فعندما شك الناس في صوم النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة جاءه قدح لبن فشربه حتى يرى الناس أنه لم يصم ، وقال بعض العلماء أن صيام يوم عرفة للحاج محرم ، لأن النهي في الحدث السابق للتحريم ، وكره صيامه آخرين ، قال ابن القيم رحمه الله : وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إفطار يوم عرفة بعرفة . انتهى .
    وقال المنذري : اختلفوا في صوم يوم عرفة بعرفة ، قال ابن عمر : لم يصمه النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا أبو بكر ، ولا عمر ، ولا عثمان ، وأنا لا أصومه . ولفظه عند عبدالرزاق : " حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يصم يوم عرفة ، وحججت مع أبي بكر فلم يصمه ، وحججت مع عمر فلم يصمه ، وحججت مع عثمان فلم يصمه ، وأنا لا أصومه ، ولا آمر به ، ولا أنهى عنه " [ 4/285 ] .
    وقال عطاء : من أفطر يوم عرفة ليتقوى به على الدعاء كان له مثل اجر الصائم . [ مصنف عبد الرزاق 4/284 ] .
    وقال الساعاتي في الفتح الرباني : وممن ذهب إلى استحباب الفطر لمن بعرفة الأئمة أبو حنيفة ومالك والشافعي والثوري ، والجمهور ، وهو قول أبي بكر وعمر وعثمان وابن عمر رضي الله عنهم أجمعين ، وقال : هو أعدل الأقوال عندي .

    صوم التطوع لمن عليه قضاء :
    اختلف الفقهاء رحمهم الله تعالى في حكم التطوع بالصوم قبل قضاء رمضان .
    فذهب الحنفية إلى جواز التطوع بالصوم قبل قضاء رمضان من غير كراهة ، لكون القضاء لا يجب على الفور ، قال ابن عابدين : ولو كان الوجوب على الفور لكره ، لأنه يكون تأخيرا للواجب عن وقته الضيق .
    وذهب المالكية والشافعية إلى الجواز مع الكراهة ، لنا يلزم من تأخير الواجب ، قال الدسوقى : يكره التطوع بالصوم لمن عليه صوم واجب ، كالمنذور والقضاء والكفارة .سواء كان صوم التطوع الذي قدمه على الصوم الواجب غير مؤكد ، أو كان مؤكداً ، كعاشوراء وتاسع ذي الحجة على الراجح .
    وذهب الحنابلة إلى حرمة التطوع بالصوم قبل قضاء رمضان ، وعدم صحة التطوع حينئذ ولو اتسع الوقت للقضاء ، ولا بد من أن يبدأ بالفرض حتى يقضيه ، وإن كان عليه نذر صامه بعد الفرض أيضا، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله وسلم قال (( من صام تطوعاً وعليه من رمضان شيء لم يقضه فإنه لا يتقبل منه حتى يصومه )) [ رواه أحمد ] ، وقياساً على الحج . في عدم جواز أن يحج عن غيره أو تطوعاً قبل حج الفريضة . [ الموسوعة الفقهية 28 / 100 ] .
    وهذا سؤال ورد إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء :
    هل يجوز للشخص أن يشرك النية في عمل واحد أو لعمل واحد ، فمثلاً يكون عليه قضاء يوم من شهر رمضان وجاء عليه يوم وقفة عرفة ، فهل يجوز أن ينوي صيام القضاء والنافلة في هذا اليوم وتكون نيته أداء القضاء ونية أخرى للنافلة ؟
    الجواب : لا حرج أن يصوم يوم عرفة عن القضاء ويجزئه عن القضاء ولكن لا يحص له مع ذلك فضل صوم عرفة ، لعدم الدليل على ذلك . لكن الأفضل للإنسان أن يقضي ما عليه من الصوم في غير يوم عرفة ، ليجمع بين فضيلتين ، فضيلة القضاء ، وفضيلة صوم يوم عرفة . [ 10/397 – 398 ] .
    فأقول : من صام يوم عرفة بقصد التطوع وعليه أيام من رمضان فصيامه صحيح ، والمشروع له ألا يؤخر القضاء لأنه لا يدري ما يعرض له من نوائب الدهر ، فنفس الإنسان بيد الله لا يدري متى يأتيه أجله المحتوم ، فليبادر بالقضاء قبل التطوع ، لأن القضاء حق لله تعالى ، لا تبرأ به ذمة المسلم ، فالأحوط له أن يبادر بالقضاء ثم يتطوع بعد ذلك بما شاء ، قال صلى الله عليه وسلم : " اقضوا الله فالله أحق بالوفاء " [ رواه أحمد بسند صحيح ] وقال عليه الصلاة والسلام : " فدين الله أحق بالقضاء " [ رواه مسلم ، انظر مسلم بشرح النووي 7/266 ] .

    يوم عرفة ويوم الجمعة :
    إذا وافق يوم عرفة أو يوم عاشوراء يوم جمعة جاز إفراده بالصوم ، والنهي الوارد عن إفراد صوم يوم الجمعة بدون سبب ولكونه يوم جمعة ، أي تعظيماً له أو ما شابه ذلك ، أما من صامه لأمر آخر رغب فيه الشرع وحث عليه فليس بممنوع ، بل مشروع ولو أفرده بالصوم ، ولو صام يوماً قبله بالنسبة ليوم عرفة كان أفضل ، عملاً بالحديثين السابقين ، أما صيام يوم بعده فلا يمكن لأن اليوم الذي بعده يوم عيد النحر وهو محرم صيامه لجميع المسلمين حجاجاً كانوا أم غير حجاج لحديث أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نهى عن صوم يومين : يوم الفطر ويوم النحر " [ متفق عليه ] ، وروى أبو عبيد مولى ابن الأزهر قال : " شهدت العيد مع عمر بن الخطاب ، فجاء فصلى ، ثم انصرف فخطب الناس ، فقال : إن هذين يومين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما ؟ يوم فطركم من صيامكم ، والآخر يوم تأكلون فيه من نسككم " [ رواه البخاري ومسلم ] ، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه وتحريمه .
    وقد أجمع العلماء على تحريم صوم يومي العيدين ، نقل الإجماع عنهم ابن حزم فقال : " وأجمعوا أن صيام يوم الفطر ، ويوم النحر لا يجوز : [ مراتب الإجماع ص72 ] . وقال ابن هبيرة : " وأجمعوا على أن يوم العيدين حرام صومهما ، وأنهما لا يجزئان إن صامهما لا عن فرض ولا نذر ولا قضاء ولا كفارة ولا تطوع " [ الإفصاح 3/174 ] . وقال ابن قدامة : أجمع أهل العلم على أن صوم يومي العيدين منهي عنه ، محرم في التطوع والنذر المطلق ، والقضاء والكفارة .
    وكذلك لا يجوز صيام التطوع كالاثنين والخميس أو أيام البيض إذا وافقت أيام التشريق ، وهي الحادي عشر ، والثاني عشر ، والثالث عشر من ذي الحجة ، لحديث نبيشة الهذلي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله " [ رواه مسلم وغيره ] ، ولم يرخص في صيامها إلا للحاج المتمتع والقارن الذي لم يجد قيمة الهدي فإنه يصوم عشرة أيام ، ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ، لحديث عائشة وابن عمر رضي الله عنهما : " لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي " [ رواه البخاري ] وقولهما لم يرخص القول : للنبي صلى الله عليه وسلم والأمر وعدم الترخيص له بعد الله تبارك وتعالى .

    صلاة العيد وصلاة الجمعة :
    قال صلى الله عليه وسلم : " قد اجتمع في يومكم هذا عيدان ، فمن شاء أجزأه من الجمعة ، وإنا مجمِّعون " ، فالسنة حضور العيد والجمعة معاً في ذلك اليوم ، لأنه يوم جمعة فالأفضل حضور الصلاتين جميعاً ، هذه هي السنة ويظهر ذلك واضحاً جلياً وظاهراً بيناً في قوله عليه الصلاة والسلام : " وإنا مجمِّعون " أي أنه سيجمع بين حضور الصلاتين ، لأن صلاة العيد ، فرض كفاية ، وقيل فرض عين وهذا ما ذهب إليه بعض العلماء لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ذوات الخدور والحيض بحضور صلاة العيد وأن يجتنبن المصلى فقالوا : هذا دليل على وجوبها على الأعيان ، لكن جماهير العلماء على أنها فرض كفاية ، لكن أقول : لا ينبغي للمسلم المؤمن الحق الذي يرجو رحمة الله ويخشى عقابه أن يفرط في مثل هذه الشعيرة العظيمة التي هي رمز وشعار من شعارات المسلمين ، فهب أنك لم تحضر لصلاة العيد وكانت فرض عين ، وسألك الله عن عدم حضورك لها ، فيا أخي المسلم ويا أختي المسلمة حافظوا على هذه العبادة العظيمة ، واهتموا بها وعظموها بتعظيم الله لها .
    فإذا وافق يوم العيد يوم جمعة ، فالصحيح أن من حضر صلاة العيد أجزأته من الجمعة فتسقط عنه صلاة الجمعة ، ويصليها ظهراً في بيته ، أما من فاتته صلاة العيد لعذر من مرض ونحوه فيجب عليه وجوباً أن يصلي الجمعة ، وأما إمام الجمعة فتجب في حقه الصلاتين ، صلاة العيد ، وصلاة الجمعة . لأنها لا تقوم إلا به .

    نسأل الله تعالى بفضله ومنه وكرمه أن يوفقنا جميعاً للعمل الصالح ، والعلم النافع ، وأن يفقهنا في ديننا ، وأن يعلمنا ما ينفعنا ، وأن يزيدنا علماً ، وأن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين ، إنه سبحانه خير مسؤول وخير مأمول ، والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ، والحمد لله رب العالمين
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  9. #59
    الصورة الرمزية أحلام أحمد قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Apr 2012
    المشاركات : 2,289
    المواضيع : 41
    الردود : 2289
    المعدل اليومي : 0.52

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نداء غريب صبري مشاهدة المشاركة
    فضل صوم يوم عرفه :
    وهو اليوم التاسع من ذي الحجة ، وقد أجمع العلماء على أن صوم يوم عرفة أفضل الصيام في الأيام ، وفضل صيام ذلك اليوم ، جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" صيام يوم عرفه أحتسب على الله أنه يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده " [ رواه مسلم ] . فصومه رفعة في الدرجات ، وتكثير للحسنات ، وتكفير للسيئات .
    حيّاك الله أُخيتي الحبيبة نداء
    أسأل الله أن يتقبّل منّا جميعا صيام هذا اليوم الفضيل
    وأن يُعيد على الجميع هذه المناسبة العظيمة وقد تحسّنت ظروف عالمنا العربي
    وأن يسود الأمان والاستقرار كافة بلادنا التي عانت من ويلات الثورات
    ....
    جزاك الله خيرا على جميل منقولك
    جعله الله في ميزان حسناتك
    ولك كثير تقديري وامتناني نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


  10. #60
صفحة 6 من 7 الأولىالأولى 1234567 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. رِسالَتي ذِي إِلَيها
    بواسطة عادل العاني في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 21
    آخر مشاركة: 10-02-2020, 04:54 PM
  2. وقفات مع عشر ذي الحجة....!!!
    بواسطة ابو دعاء في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 27-12-2008, 01:13 PM
  3. فضل أيام عشر ذي الحجة والأعمال الواردة فيها.
    بواسطة عبدالملك الخديدي في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 25-12-2008, 07:45 PM
  4. فضل عشر ذي الحجة
    بواسطة د. ندى إدريس في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 07-02-2003, 10:15 PM