خولة محمد الطّفيلي
خلجات كلاسّيكيّة في ضربات الرّيشة

بقلم: حسين أحمد سليم

خولة محمد الطّفيلي, الفنّانة التّشكيليّة اللبنانيّة, إبنة مدينة الشّمس بعلبك, تمتزج خطوطها بألوانها وأشكالها بعناصرها, بطريقة فنّيّة مميّزة إلى حدّ ما, تعكس كلاسّكيّة تفصيليّة دقيقة, في مشهديات منمنمة تُداعب عواطف المشاهد, فتراه يتفاعل مُتجاوبا مع رؤاه البصريّة... الحدث الذي يُثير أحاسيس الفنّانة, يتراءى لها فتتفاعل معه من
خلال ترجمتها الفنّيّة, بأساليب عديدة, بحيث إمتطت بداية, صهوة الكلاسّكيّة القديمة, ومازجتها بموسقة رفيعة بحركات فعل الإنطباعيّة الواقعيّة, وبعض معالم التكعيبية الهندسية, إضافة لمشهديات من الفن الزخرفي الهندسي... وراحت تعزف ألحان ألوانها المختلفة, على أوتار ريشتها الحانية, لترسم تشكيلا واقعيّا, في محاكاة ما, يحكي رواية حضارة معيّنة, ويُجسّد رؤى فلكلوريّات معيّنة, في إنعكاسات فنّيّة ترفل لها العين, وهي تستمتع هياما مموسقا, عبر رحلة التّجاوب مع عناصر المشهديّات, التي تُصوّر الحياة بتفاصيل عناصرها, في لقطات مُقتبسة ومبتكرة في آن من حقب التاريخ والأعلام والشخصيات, ومن واقع الحياة الرّيفيّة, التي تتكرّر في كلّ قرية من قرى بلاد مدينة الشّمس بعلبك...
المشهديّات الغالبة في أعمال خولة الطّفيلي الفنّيّة, لقطات تفصيليّة متنوّعة, في لوحات عديدة, مشرقة حينا وقاتمة بعض الشيء أحيانا, تُبرز جوانب كثيرة وعديدة, في شخصية الفنانة خولة محمد الطفيلي من خلال لعبة جماليّة مميّزة, منها زرقاءاليمامة والغلايين والطبيعة الصامتة ومنها مشهديات تذكارية لبيوت وأشياء أخرى,ومنها أيضا آثار بعلبك في القلعة التّاريخيّة ومُحيطها... بحيث تتّسم لوحات الفنّانة خولة الطّفيلي, بحركات فعل الإشراق اللوني, الذي يُضفي على كلّ لوحة لمسات جماليّة, ترتاح لها العين المُبصرة, وهي ترتحل هياما فنّيّا, تُمارس فعل الإستمتاع بعناصر اللوحة, التي تتموسق فيها الخطوط مع الألوان, لتعكس الأشكال في هارمونيّة ترفل لها الأبصار...
ميزة فنّيّة أخرى, تسم شخصيّة الفنّانة خولة الطّفيلي, فإلى جانب الثّراء الذي تتمتّع فيه بلوحاتها, المُنفذّة تقليديّا بألوان الزّيت فوق الخامات القماشيّة, تُجيد الفنّانة فعل التّشكيل بالحبر الصّيني, بواسطة الرّيشة المعدنيّة القديمة, أو قلم الحبر الصّيني الصّناعي, أو في الأقلام المشابهة... لتتجمّع في مخزونها لوحات بمقاييس صغيرة, تعكس الوجه الفنّيّ المشرق لخولة الطّفيلي, وهي تتماهى على الجدران في أروقة بيتها, تحكي تفاصيل رحلة فنّيّة, مليئة بالتّشويق والإيثار, إلى جانب لوحة جداريّة كبرى, تُغطّي جدار ردهة الضّيوف, تروي أيضا, الكثير من حكايات الرّيف البقاعي الفلكلوريّة, وتعطي صورة واضحة بشيء من التّفاصيل, عن سيرة حياة القروي في بيئته القرويّة...
من وحي دراسة شبه معمقة في نتاج خولة محمد الطفيلي نجد أن العمل الفنّي في رؤيتها هو ذاك الشّيء الممتع, الذي يتحسّس به الإنسان في كوامن نفسه, فتتجاوب له مشاعر جوارحه... وهو في الوقت نفسه, يُعتبر وسيلة فضلى, من وسائل التّعبير المختلفة التّنوّع, التي يُمارسها هذا الإنسان في مجريات حياته اليوميّة, وفق رؤاه الخاصّة ومن زوايا مدرسيّة ومنهجيّة معيّنة... تجارب خولة محمد الطفيلي هي عديدة مختلف أشكالها وألوانها, تقوم بها الفنّانة قناعة ذاتيّة, في عمليّات من الخلق والإبداع أو المحاكاة, في محاولة جادّة لإيصال الأفكار التي تريد, والبوح عن الخلجات الإنسانيّة التي تنتابها, كرسالة إعلاميّة موجّهة بأساليب معيّنة, عبر وسائل عصريّة مختلفة, إلى الآخرين من بني الإنسان, في بيئة معيّنة أو مجتمع مستهدف, أو لشريحة ما من شرائح الأمّة...
وفي ثقافة الفنانة خولة محمد الطفيلي تعتبر أن الفنّ التّشكيلي, جانب من جوانب الفنّ المتعدّد الوجوه, إمتهنه الإنسان عبر حقب العصور, وإعتمده عبر ثقافة الحضارات, ليعكس من خلاله الرّؤيا الخاصّة, التي تسم تلك الحضارات بعناوين معرفيّة, والتي تُلقي على جوانب الثّقافة فيها أوشحة من ومضات الجمال, تؤرّخ لحقبة زمنيّة معيّنة من خلال التّشكيل الفنّي... وهو ما يؤهّل المشاهد أو المتذوّق للفنون التّشكيليّة عامّة ولنواحي فنون الرّسم خاصّة, إضافة للناقد أو المتابع لها, من تكوين الأفكار الصّادقة, عن حقبة زمنيّة معيّنة, من خلال مشاهداته الفنّيّة, التي يتجاوب معها...
هذا وتعتقد الفنانة طفيلي أن الأحاسيس التي تنتاب الفنّان, وتُحرّضه للقيام بتجاربه الفنّيّة, قد تكون لها, أو لا تكون, علاقة معيّنة بحقول التّجارب... فغالبا ما يُنظر للعمل الفنّي, من زاوية الجانب القصصي, أو ما نستطيع تسميته, مدى المطابقة ما بين الأنموذج والصّورة له... وهنا تبرز رؤى التّساؤلات, حول الميّزات الرّئيسيّة, التي تكمن في عناصر العمل الفنّي, والتي يودّ الفنّان البوح بها من خلال تجربته, وماذا يُريد الفنّان قوله, وما نوع العمل الفنّي عن العالم والتي يُقدّمها؟
ترى الفنانة طفيلي أن الرّؤى التي تتناهى للتّفكّر, عند الفنان ما هي الا إنعكاسات المشهديّات الجماليّة, التي تتكوّن منها عناصر اللوحة, تحمل لا بدّ رسالة, يودّ الفنّان أن يوصلها, تقوم على معايير معيّنة, تتّسم بالقضايا الأخلاقيّة, أو تعكس قضايا واقعيّة... وفي كلا الحالتين, يجب الكشف عن معنى الفنّ, الذي له علاقة مباشرة أو غير مباشرة, بالحياة اليوميّة, والفنّ الذي له صداه في تجارب الآخرين, أو المشاهدين, للمشهديّات الفنّيّة...
إلى هذا فإن رؤية الفنانة خولة محمد الطفيلي تتجسد في أن الفنّ من المنظور التّحليلي, الذي يتراءى لها هو أن يُثير المرء في نفسه, شعورا معيّنا سبق أن قام بتجريبه, وإذ يُثيره في نفسه بوسائل معيّنة, يعمد إلى نقل هذا الشّعور الذي ينتاب جوارحه, بواسطة الحركات الجسديّ في الرّقص, أو الخطوط أو الألوان في الرّسم والتّشكيل, أو الأصوات في عمليّة الأداء الفنّي الطّربي, أو الأشكال المجسّدة من خلال فعل النّحت, والتي يتمّ التّعبير عنها بشكل عام بالكلمات, بحيث يُصبح هذا التّجريب, جزءا من تجارب الآخرين, وهنا يكمن فعل الفنّ في الحركة الفنّيّة...