آفة التنوير المعاصر .. الكذب والتدليس والغش .. خصوصا حينما يعوز المتنور دليل أو يفتقر إلى حجة مقنعة .. فيلجأ من ثم إلى تزييف اقوال السلف وتحريف الكلم عن مواضعه اعتمادا على جهل القارىء أحيانا أو صعوبة التفتيش فى امهات الكتب حينا آخر .. وربما اعتمد أحدهم على رصيده من الألقاب العلمية التى لاتمت إلى العلوم الشرعية بصلة .. والأمثلة على ممارسة هذا النوع من الغش والتزوير لأقوال السلف تحتاج إلى دراسة مستقلة .. لكن التحقيق الذى نشرته إحدى الصحف تحت عنوان .. المغنى حياة الروح .. والمعترض فاسق .. يصلح للإستدلال على عمق هذه الظاهرة .

وبداية وقبل أن نعرض لحديث الغناء والرقص نود أن نعتذر للإخوة المهتمين بالقضايا الكبرى لأمتنا عن طرح مثل هذه القضية الفرعية أو الترفيهية نعتذر لهم لأمرين .. الأول : أن الغناء اليوم لم يعد كذلك محصورا فى بيوت الأمراء والخلفاء والمجالس الخآصة أو المناسبات .. وأنما صار اليوم ظاهرة اجتماعية وأداة من أدوات الغزو الثقافي ووسيلة من وسائل تخدير الشعوب .

الأمر الثاني أن الغناء .. صار أمنية حلما لكل فتى وفتاة .. بل ورب الأسرة والسبب طبعا ليس حبا فى الفن والغناء و لكن لما يدره الغناء من أرباح طائلة وما يحققه لصاحبه من مكانة اجتماعية .. حتى رأينا الأخ لايستحي من مراقصة أخواته الأربعة الحلوات والغناء معهن من خلال فرقة مشتركة والأب لايجد حرجا من الزج ببناته راضيا مرضيا .. والدخول بهن فى عالم الغناء والرقص بكل تداعياته وارهاصاته التى يعرفها الجميع .. وصارت الشهادات العلمية وقضايا البحث العلمي شيئا تافها إذا ماقورنت بمزايا الغناء والرقص .. حتى هجر كثير من الأطباء والطبيبات مهنة الطب ورفعوا شعار .. حزمني يابابا !!

لقد ذكر متنور من المتنورين فى احدى الصحف .. أن حجة الإسلام الغزالي رحمه الله وأخاه أحمد .. قد أباحا الغناء مطلقا دون قيد أو شرط ؟؟ ولا حتى الشروط التى تضعها لجان الرقابة على المصنفات الفنية !!

ونود هنا فى عجالة سريعة أن نستعرض رأىالإمام الغزالي فى الغناء .. لنؤكد من جديد أن هؤلاء ( المتنورين ) لايحسنون حتى قراءة كتب التراث التى يصفونها غالبا بالكتب الصفراء !!

لاشك أنه وكما يقول الإمام الغزالي أن الغناء فى ذاته حلال .. من حيث كونه كلاما طيبا موزونا .. فليس هناك نص شرعي ثابت .. ولاقياس صحيح يمكن أن يعتمد عليه فى تحريم الغناء .. إلى هنا ونحن والحمد لله متفقون على إباحة الغناء .. لكن لكى نكون أمناء على النص .. علينا أن نكمل كلام الغزالي .. ولا نقرأه على طريقة لاقربوا الصلاة المعروفة .. يقول الغزالي رحمه الله :

وإنما يحرم الغناء بعارض خارجي عنه ( !! ) .. وعوارض الغناء المحرمة له خمسة :

الأول : أن يكون المغني أو المطرب إمرأة فى هيئة لايحل النظر بها إليها .. وتخشى الفتنة من سماعها .

الثاني : فى الآلات الموسيقية المصاحبة للغناء إذا اتخذت شعارا لأهل الشرب والمخنثين والمجان والسفلة .. وهذا أمر تقديري يختلف باختلاف المكان والزمان والآوضاع الإجتماعية السائدة ... وهو أمر لايتعلق بالآلات الموسيقية أو الغناء وحدهما .. بل ( السنة ) لو صارت شعارا لأهل البدعة لحرمت (!! )

الثالث : أن يشتمل الغناء على شىء من الخنا والفحش والهجو أو ماهو كذب على الله ورسوله إلى مايتفق عليه العقلاء وأهل الفضيلة أو المروءة .

الرابع : أن يكون محركا للشهوة وفعل الحرام (!!)

الخامس : الإكثار من الغناء فإن المواظبة على اللهو جناية .. فما كل حسن يحسن كثيرة .. ولا كل مباح يباح كثيره .. بل الخبز مباح واٌستكثار منه حرام (!!)

اقرأوا هذه العوارض الخمسة جيدا .. وقارنوا بينها وبين مايحدث حاليا على الساحة الغنائية لتعرفوا الجيد من الردىء .. ولتعرفوا إلى أى مدى يلجأ ( المتنورون ) إلى الكذب والتدليس على علماء الدين والسلف .
ولاشك أن للغناء دورا كبيرا فى إثارة الوجدان والإرتقاء بالروح وترقيق المشاعر وتحسين الأخلاق .. بل والصلح مع الله ومع مظاهر الطبيعة وبالكون كله من حولنا .. وبالأنسان والحيوان والجماد وانعكاسه .. كذلك على الجوارح فى صورة حركات موزونة جميلة .. أو حماسة فاعلة للتحريض على الجهاد .. ولكن بشرط أن يخلو من تلك العوارض الحمسة التى ذكرها الإمام الغزالي رحمه الله .. وبشرط ألا يكون من ذلك النوع الذى يدخل من الأذن اليسرى ويخرج من اليمنى .. مارا بالجهاز العصبي فيحدث بالجسم حركات غير موزونه ومضطربة .. وهو الغناء التافه أو الذى لاتفهم كلماته . كاستماع الشرقي إلى الغناء الغربي .. وهو الذى قال فيه الغزالي رحمه الله : ( أنه لاحظ للمستمع فيه إلا التلذذ المؤقت بالألحان والنغمات .. وهو أخس مراتب السماع .. إذ الأبل شريكة له فيه !!

وغناء يدخل من الأذن فينبه الجزء الأعلى من أعصاب المخ فيعطي المخ اشارته التى تمر على الغدة النخامية حيث تترجمها إلى اوامر تصدر إلى غدة الخصية التى تفرز فىالدم مباشرة هرمون ( التستوسترون ) الذى يؤدى بصاحبه غالبا إلى شرطة الآداب أو الصرف الصحي فى أحسن الأحوال !!

وهناك غناء يختصر الطريق ويفرز هرمون ( التستوسترون ) الملعون مثل أغاني بوسي سمير .. ونجلاء التونسية .

فقط نريد الغناء الذى يخاطب الوجدان .. والوجدان فقط .

نشير ثانية إلى اننا هنا لم نقصد مناقشة الحكم الشرعي للغناء .. وانما قصدنا أن نضرب مثلا على كذب المتنورين .. وتدليسهم المتعمد لأقوال العلماء والسلف .. بهدف اثبات شرعية بعض المنكرات والفواحش .