هديل الرّوح ( هَمَسات النّسرين)

أحبّك ، أحبّك
و ان كان الاعتراف بالحب خطيئة ؛ فإني أقرّ بذنبي ، فإن كان في الحرق جزائي،
فيا نار احرقيني فإني اكتويت بجمر الغرام،
و ذاك الرماد من روحي، كلما تناثر على صدري، التمّ شتاته من جديد.
فلُرُبّ
نارًا يلفحني لظاها فَتَذرني خرابًا، أهون من جمر أكتوي به ،
يحرقني و لا يَنتهي ، و لا يموتُ النّبض في روحي.

لأنهم يقرؤون الحرْفَ بعَين الأحمَق ،و يفهمون القَول بعَقل السّفيه ،
و يتقوّلون عَلينا كَذبا بلؤم الخبيث، و يُصْدرون حكمًا بتعنُّت الَعنيد ،
قرّرت أن أحبّك رغما عنهم ،و أتغنّى بك في نثري الذي لا أجيد غيره ،
لنْ أكتبُك قصيدةً؛ فنظم القوافي يُرهقني مَا لم يكنْ على السّليقة ،
سأحبّك و أحبّك إلى أنْ يجمَعني بك القدر ذَات لقاء ، يكُون فيه أمر الله قضاءًا مقضيًا ،
فأنثُرُ على راحتيْك لآلئ أبجديّتي ، و تكونَ أنتَ لي شمسًا ثانية .

محتاجة أنا إلى كتفك لأبكي،محتاجة أنا إلى عقلك لأهذي،
محتاجة أنا إلى عينيك تقرؤني،
إلى يدك تشدّ على يدي،إلى حضنك فيه أرتاح حين أرتمي،
محتاجة جدا إليك ،
و لولا يقيني بأن جزاء الصبر فرج ،لاستعجلت في الدعاء ربّي.

عجبا لك يا قلب..يُقال لك بأن الأذن تعشق قبل العين أحيانا فتعجبُ ،
فعجبي لك كيف تعشق من لم تسمع له شدوا ،و لم ترى له رسما ؟
لا غير الحرف بينك و بينه لسانا ،
أ صدقًا تقول ؟: بأن الحرف سرّ صاحبه، و كاشف سريرته،
فلا يكذب الحدس لو قرأت له مقالا ،
و ما أدراني ، ربما قد تكون صادقا ، لكنّك معجب بالرّوح ،
فاستفق فالعشق صورة متكاملة الزوايا لذات انسان.

و ها قدْ أتيتَ، و يالك من مجنون، و إني أحب أن أسميك هكذا ،
لأنك أخرجتني من قوقعة الجدّ التي أرهقتني إلى فضاء المرح الذي يتّسع لكلينا،
فكنتَ مجنونا واحدا، فصرنا في العشق مجاننيا،نهمس سرّا ، نهتف حبا،
و نشرب من كأس الحرف كلّ حين ،ثملنا و ما اكتفينا.
و هل يكتفِ المحبّ من نبيذ الكلام؟
أبدا لا و ألف لا ..هو ماء طهور للعاشقين؟
قدْ يكتفِ بسكرة واحدة لأنها لا تميتُه،
لكنّه لن يكتفِ بألف نظرة في عين الحبيب وان قتلته ألف مرة ،
ستجعله في موته حيّا.

صَباحَ الخَير يَا مُهْجتي، لا تَعْجب؛ فَصَبَاحِي يَبْدَأ حِين أرَى طَيْفَك،
أَوَ لمْ أحَدّثْك أنّي رأيْتُكَ و قدْ مَرَرتَ سَريعًا مِنْ هُنا،
و إنّي لمحتُكَ بِعَين الرّوح التّى تُبْصِرُ النّور مِنْ خَلف السّحب،
غَادَرْتني،وَ نَسِيتُ أنْ أُقْرئكَ المعوّذات ، إنّي أخْشى عَلَيْكَ حتّى مِنْ نَفْسِي،
فامْضِ بحِفْظِ الله ،أيْنمَا كنْتَ يَرْعَاكَ ربّي.

أحبَبْتكَ مِنْ قبْل أن تأتي، قبضةٌ من نور أنتَ سقطت في يَدي،كوّرتها و صنعتُ منْها نجْمةً قفزتْ إلى العَليَاء تَرقبُني،
أنَاجيك و نجْواي حروفٌ غَفتْ على كتف الورقِ،
كَيفَ أنتَ؟ و كيفَ أرسمُكَ في مخيّلتي،
أسْمر أم أشقر؟
أ أريدك أشْقَر؟ لا أظُنني أرتَاح مِن لظَى الغَيرة؛فَأزرقُ العَينان تَعْشقُه النّساء،
أ أريدكَ أسمْر ؟فنكون في السّمرة شَريكين،حِين نَشْربُ قَهْوة المَسَاء،
لا هَذا و لا ذاكَ ، ليْس همّي كَيف تَكُون ، فَالرّجالُ بالسّمت يُعرَفون لا بالوُجُوهِ.

هاهي الشمس تنزل الدرج ، متثاقلة الخطى تودع المساء بقبلة على جبين المدينة؛ راسمة حمرة على وجنتيها،
و قد همست في أذن المساء أن سأشتاق إليك ،فانتظرني ،موعدنا غدًا ،
و الغدُ ليس بالبعيد..

تعَال فإني أحْتاجُك هَذا المَساء،مُتعبة جدًّا، و يجلس على كَتفي التّعب،
قل لي بما أقايضك لكي تأتي ، ليس لي إلا أبجدية تتمطّى فوق وجعي،
أ تقبلُ منّي لغةً كلّما شربت من بحرها نَزف وريدي ؟
و زادت فَجوة الجُرح في خَاصرتي اتساعًا،
أ تقبلُ قلمًا يمتصّ قلبي، ليستخْرج مدادًا يخطّ به أحرفًا ؛
منها المُبهم و مِنها المتدحرج في سُلّم المعاني...
تقول أنّك تعشق حَرْفي ،فتعَال أقَايضُك بحزني ، فإنّي حين أرتمِي في حُضنك أبتَاع فَرحي.

سأنام كعادتي، و كعادتك تشاركني روحي قبل سريري،ستنهض قبلي هذه المرة كما وعدتني ،
لترسم قبلة الصباح على جبيني، فقد قلت لي يوما أنّك تغار من أنامل الشمس إذ أنها تسبقُك إلي، فتداعب عيني ،
و تنهضني قبل أن تمتدّ إليي يمينك ..