هديل الرّوح ( هَمَسات النّسرين)

أنا لا أحبّك ..أنا أحبّ فيك فرحي..فإن لم تمنحني الفرح فلا حاجة لقلبي بك..لي مدّخر من الحزن و خيبة بحجم السماء ترافقني كلعنة منذ فتحتُ عيني ..كأنّي في قلبي طمرتُ الألم ..فصارات الآهات تجاوز أنفاسي عددا ..و تفوق نبض قلبي عمرا..
أنا ما أحببتك ..إني فتنتُ بك يا صاحبي و الفتنة أشد من القتل ..أ فلا رحمتني قليلا .. ترفق بي و أنت تركض بين أنفاسي خفف الوطء و امشي الهوينا ..فعروقي ممردة من قوارير ..و قلبي المسجى بالشغف قاب قوسين أو أدنى من السقوط في لجتّك .

أُدني شفتي من فنجاني،فألمح طيفك فأرتشف قهوتي على مهل كأنّما ألثم وجهك فيها .آه ياليت البخار الصاعد منه يحمل لكَ ندى شفاهي .

كم مرة قضمت أصابع اللهفة و قلّمت أظافر الوجد كي أنساك ..و كلما قلت نسيتك باغتتني ذاكرتي بطيفك و صورك و كلماتكالتي تتساقط عليّ تباعا،و أنا المثقلة بهواجسي المحلّقة فوق السحاب بآمالي أجدني أبوء لك بالفضل علّك تترفق بي كي نقرّ عيني بعد أن لفّها الأرق و أضناها السهاد .

.

حين أقف عند قبرك أستحي أن تري دمعتي في عيني ..و غصة تكاد تقتلع روحي..فأقول لك أنا بخير يا أمّي ..أنا بخير لكن شوقي إليك يصرخ داخلي ..ليقول : لست بخير دونك أمي ..أحن إلى حضنك و يدك تربت على كتفي..أحن إليك ..إلى قلب تفرشينه لي دفئا و عطفا كي أنام .

الفقد يتم يا صاحبي،و قلبي اليتيم لا رغبة له في الانفصال عن حضن حنون مرّتين ..
لا حضن يضاهي حضن أمي ..قد قلتها يوما حين كانت تلك الطفلة بداخلي؛أكبرُ لكنّها تصبح أصغر مني بخيبة و أكبر من حزني ببراءتها و طيشها الصّبياني .. ..
بحاجة أنا إلى حضن أمّي ..هلّا أعدتني إليّ ..لتعود معي تلك الطفلة التي لا تشيخ أحلامها ..تلك الطفلة التي تقنع بوعد مؤجّل و دمية تلاعبها و تمارس معها دور الأمومةاستجابة لميولها الأنثوية ..
يا صاحبي ‘نّ الذين يرسمون البسمة و يسكبون الفرح في القلوب الجوفاء أشبه بالملائكة و القدّيسين، كن قدّيسي و أعدني للحياة،فليس كل من يستقبل شهيقا و يودّع زفيرا بحيّ ..
أعدني طفلة بعمر الخامسة .و حسبك منّي الفرح ..فالبنون زينة الحياة الدنيا فلْأكن لك زينتك يا صاحبي ..هبني اشراقتي كي أهبك السعادة ..

إنّي يا صاحبي ألقيت بمواجعي في جبّ الرّوح،و قبرتُ ألمي في صدري لأجلكَ ..نعم من أجل أن أهبك الفرح لابد لي من ابتسامة لا تفارق شفتي،فشكرًا لمن جعلني أبتسم و حين أمرّ بجانب النهر المتحجّر من دمعي أقف لحظة صمت أحدّث وجعي ،ألمي و أنتصر لفرحي،ثمّ أمسح عيني و أمضي،كمن مرّ على شاطئ و لوّح للعابرين قربه بكفّه.

آه ..ما أجملك ..و ما أقربك لقلبي ..يا فرحي المؤجل..و يا دمعتي اليتيمة ..يا ابتسامة طفل رأى سحابة بيضاء فظنّها حلوى البنات ..كم أحتاجك و كم تحتاجني ..
أصرخ ملء صوتي و أصدح بحنجرتي أني أحبّك و أشتهيك ..و أني أريدك يا رجائي..
كم مضى من العمر ..عشرون نجمة سقطت من سمائي؛فهوت في قبر اللارجوع، و خمس يحملن نعش السّادسة على مهل كي تُوارى مع شقيقاتها.و لكل نجمة في العمر وميضها و فتيلها ،خفوتها و بهوتها..
فيا قمري هلّا احتفظت بما تبقّى لي من نجوم في جوارك كي أعيش العمر بنورك..

يا رجل الحضور المبهر ..لبعض الحضور رهبة تفقدنا القدرة على الكلام ..و هذي أنا حين تأتي ..تشل معازفي و يكبّل لساني و أنسى عتابي و ألقي خلفي حسرتي و تأسّفي
،منذ أن أحببتك نسيت صخبي و استسلمت للهدوء ..و كأني للتّو ألقاك.. لا لوم بيننا ..لا هواجس تفصل بيننا و تدنو المسافة بيننا،و أدنو منك أكثر فأكثر .

يا وجعي ..يا وجعي،موجع هو غيابك،و موجع أكثر حضورك المفرغ من كل تفاصيل الحضور ..و الشبيه بالغياب ..
يؤسفني أني أحبك بكل جنون،و أنك تحبني بكل تعقّل ..
ثرثرتي يا صاحبي و سردي لكل تفاصيل يومي من لحظة استيقاظي حتى غفوتي تعجبك و أكثر،فتصغي كما يصغي الأطفال لحكايات الجدّات بكلّ انتباه .
بالله عليك أو ليس من حقّي أن أصغي لثرثرتك و أنا الطفلة في عينك،سمّها ترّاهات و خرافات و تذكر أننا من طينة تدهشها الخرافة و يأسرها الغموض،و إن كنّا نكذّبها فيما بعد إلا أنّ فضولنا في معرفتها لا يمحوه طبيب ..

أشتاق لي في غيابك ..فروحي حين تُسرف في الغياب أفقدها ،هي معلّقة بحبل مجيئك،فإن أتيتني عادت لي الحياة.