هديل الرّوح ( هَمَسات النّسرين)

في القلب تجاويف ضاق منها الفراغ..في كل فراغ تجمّع دمي.
صاح الدم المتكاثر في دمي
أنا العربي.. أنا العنيد ..الأبيّ..
أنا ابن العروبة ..أنا الحلم .أنا الرجاء ..أنا جذع زيتون عَصيّ..أنا العَزيز و ان ذل قومي
أنا الأبي و ان هان شعبي ..أنا الحلم الفتي كلما مرت سنين تجدد في دمي دم عربي
و الوطن الكبير كبير
حلمي الذي ظل الطريق
و اخوتي تفرقوا عني ..تقاتلوا من بعدي
و نسوا أنّي الارث و ما تركه لهم جدي
وجعي الذي سبقت خطاه خطاي
حظّي المعلق في حذوة الفرس الشريد
أنا العربي أطعن في الظهر
و البسمة على الثغر
أنا العربي

هل يمكن للزمن أن يمحو الذكريات ؟
قد تهوي الذكريات بنفسها إلى الدرك الأخير من النسيان و تستقر حيث يخيل للقلب أنه ردمها، لكنها أبدا لا تموت ..هي تنام و تغفو قليلا لكنها تصحو حين نمر بتلك الأماكن التي شهدت ماضينا و سجلت بالدمع المنسكب من مآقينا كلمات لا تنسى و صور تتلاشى و تغشاها العتمة لكنها لا تمحوها .تلك الصور و الأصوات كمنبه يفيق الذاكرة و ينعشها من بعد سباتها .فتستيقظ جائعة تبحث عما يسد رمقها فتبث اللوعة و الدمعة ففي هذا شفاء لها و ارتواء من ظمئها.

يقال أن البحر غدار لكن لم يخطر ببالي أن بعض البشر أشد غدرا منه ..البعض ممن وثقنا بهم و سكبنا من روحنا أنفاسنا لأجلهم الا أنهم لطبع فيهم أو دون سبب باعوا المحبة بثمن بخس ..أوهام تتراقص في حضرة السراب ..
الغدر ما الغدر يا قلبي؟ ..قال الغدر طعنة لا تأتيك من الخلف .إنها ابتسامة مزيفة بمكر الثعالب و دهاء الذئاب ..ابتسامة صديق في وجهك ..ضحكة ممزوجة حيلة و خبث مسقية بعلقم الرياء ..لأنه نجح في الكذب عليك ..و استغفالك ..طعنة الصديق يا قلب أشد ألما على القلب من لدغ العقارب ..و أشد وقعا من ضربة السيف الحاد ..

فتش بداخلك ؛حين تفهم نفسك ستفهم غيرك ...ما دمت تعطي نصف الحقيقة ..فالآخر يحتفظ بالنصف لنفسه أيضا ..و يبقى النصف بين تلك الكلمات التي لم تقال ..ان قيلت ستصير الحقيقة واضحة .. فان خبأت نصفها بالضرورة لن يفهمك أحد و لن يرشدك أحد ،فهو يعطيك نصف حل فيما ترويه أنت َ، و الحل الكامل لا يمكن ايجاده طالما كنت تروي نصف المشكلة بالمنطق الذي يخدمك .و ينصفك .

يا ظلّي أما تعبت منّي؟أينما كنتُ أنت تتبعني ..
قريني أنت أم طيف يلاحقني؟
أهرب منك إلى الظل ..أجدك داخلي تسكن كلّي

غائر هو جرح الفقد في دمي ، و نصل القطيعة يشحذه الكِبر .
و أنتَ مازلت موغلا في عنادك .ضائعا في زحمة ظنونك ..
فاكفهر وجه الحبّ بين جنبيك ،حتّى قاربت على الأفول نجمة شبابه .
أما أنا فإني على العهد باقية ، مكبّلة بيمين الوفاء ، أعضّ على النواجذ،
و حبّك في القلب كما عهدتَه ، لم يتسنّه و لم يعكّر صفو سمائه كدر الوشايات و لا سحب الهواجس ..

و تحت الترب وضعوا رفاتي ، مدّدوني على مهل ، رفقوا بالجسد و ما رفقوا بالرّوح من بعده.
هللوا أن الله أكبر
حَيّ أنت عند الله ، و روحك بجناحين من نور ترفرف .
متّ شهيدا فأنت في الفردوس تنعم .
و ما علموا بالنار التي في قلبي تستعر
حين فارقت وطني و تركتهم من بعدي يصافحون اليد التي بالأمس قتلتني

و أحملك يا قلمي معولا به أجتث الوجع المتجذر في ضلوعي ،
و أحرر بنصلك قيود الصمت في شرياني ، سأكتب عن فرحي ، حزني ، و أمسح بكف الورق دمعي ،

قُصاصة العِشْق التّي ألقيتَ بِهَا في عيني؛قَذف بِهَا تيّار الدّهشة إلَى دَمي ،
عَبَرَتْ عُروقي ،و رَسَت أخِيرا فِي وَريدي..
فأضحيتَ شَريك الرّوح في الجَسد،بعْد أن كنْتَ جَار الجَنْب .

و أحْملك يا قلمي معولا ؛به أجتثّ الوجع المتجذّر في ضلوعي،و أكسر به قيود الفرح المُعتقل في شرياني،
سأكتب عن حزني،و أمسح بكف الورق دمعي،سأكتب عن فرحي، فلْيشهد الدّفتر نصري .