هديل الرّوح ( هَمَسات النّسرين)

ليس من السهل على المرأة أن تمنح نفسها إلا لصاحب قلبها ..و ليس كل إمرأة تتزوج بمن تحب .. قد تحيا نصف حياة بقلب معلّق ..يتخبط كعصفور مكسور الجناح ..و تستكين لواقع فرض نفسه هربا من حب مؤلم لم يخلّف في قلبها إلا الذكريات القاسية ..فتلجأ هربا من قلب تحبه و يوجعها إلى حضن رجل يحبها كي تشفى على يديه ..و قد لا تجد الشفاء ..فتسبب الألم لنفسها مرّتين .. و تؤذي من استكانت لعطفه ..
لا شفاء من الخيبة بكذبة ..نحن نصبح أكثر قسوة حين نتخذّ ممن مدّوا لنا أيديهم سندا ..لنجعل منهم سلّما نرتقي به أدراج النسيان ..لا ننسى إلا بالمواجهة و الاصطبار ..الهرب أقرب السبل للعودة من حيث انطلقنا ..

حبّك شهقتي السابعة و لم أمت..غَصّتي الخانقة و مازلت أتنفّسك ..حبّك البيداء و أبحث لي فيها عن جبّ ..حبّك المنفى لكني أؤمن أنّك الوطن ..كغريب شارد أمرّ على وجعي ألقي السلام ..لأوقظ ما نام من جسدي أبحث عن رغيف،و رغيف الرّوح قلب يئنّ من حنين.لا يوجع الأموات شوق ..أنت حيّ إذ تحنّ ..أنت حيّ بالأنين ..صمت النبض موت ..و لا صراخ يسمعه الحيّ من الميّتين ..

حبك وجعي ..يا صخب ذاكرتي بأشواقي ..و يا امتلاء الروح بنقصاني ..غيابك الحضور فكل مافيك يحاصرني؛ فتختنق الآهة بأنّات اغترابي ..و لا صوت يعلو داخلي إلا حشرجة الحنين و صرخة مكتومة يكبّلها اصطباري ..ما كنتُ أعلمُ أنّ الحنين مقاتل شرس ..حتّى التمرّد بضراوته يخرّ أمامه مستسلمًا ..إلا حين ساقني إليك ادماني ..ها أنا أفرّ مني إليكَ ..فآتيك ببعضي و كلي لديكَ أسير يعاني ..

ما كان خطأك ..ما كان خطئي ...هكذا أريد لنا أن نفترق ..

أبدا يا أنت ..من الجبن أن نجعل من القدر شمّاعة نعلّق عليها هفواتنا الصغيرة ..الحب منزّه عن هواجسنا ..بريء من حماقانا كبراءة التفاح من إثم الخطيئة ..رفيقين كنا و غريبين صرنا ..انهزمنا و خرج الحب منتصرا ..نحن ضحاياهُ حين أثبتنا أن الحبّ أقوى منّا ..الحب لا يعمّر في القلوب الضعيفة ..

حين يضيع الصوت بين آجام الصّمت،و تختنق الآهة في الجوف ..لا يمكننا أن نصرخ ..نكتفي بالعضّ على شفة الحنين ..تاركين شفاه الحسرة تشرب أنفاسانا على مهل ...فالصمت موجع أكثر من الكلام..ضجيجه الصاخب يزعج الذاكرة فلا تنامُ . .

يقول القلبُ حين الوداع :لا حظّ لي و قد أفلستُ من الفرح،و خانني الحلم الكذوب ،لا حبّ يمنحنا ما نشتهي..فقط هي شهقة واحدة ليتها تأتي لأسلم الرّوح للرّحيل الأخير ،و تمضي الأيّام و تلتئم الجراح حتّى يحاصره حب آخر فيقول :ليتني أُمنح عمرًا أطول كي أعيش ..مازال في القلب متّسع للفرح ،قد كنت من قبلُ واهما و ها قد ألفيت نصفي الشّريد.و أنت يا حب نبضي ،أنت المشتهى و المنتهى و سارية أعلق عليها آمالي الكبيرة ..أنتَ بداية تاريخي الجديد .
يا حبّ أيّها البريء من هواجسنا..يامن في يمنيك فرحي،حلمي و حفنة الأمل التّي تكفيني كي أمضي في دروب عسيرة ،و في شمالك منفاي و بعدي و عذابي ،و شوكة في الخاصرة تدميني وخزا و لست بنازعها و لا أستطيع صراخا ..
يا حبّ أشهدُ أنّك القوي و لكي أحياك نبضا لا بدّ لي من صبر متين .

في رحاب الحضور يسطو الحب على مقاعد الذاكرة ..فتكتظّ بأنفاس اللّقاء و تمتلأ بعيون الشغف.أمّا في الغياب فشاغرة محطّات الهيام إلاّ من صرير الذكرى و نحيب المقل و أنّات روح تتفحّص وُجوه العَابرين ..

قَالَ أحْبَبتك مِنْ أوّل النّبض بعْدَ مِيلادي ،فأنتِ شهقة الرّوح مِن بين أضْلعي ..كَلمة الله أنْ "كُوني" فَكنتِ وَتيني ..ولدنا معًا،ثمّ انفصَلنا؛فكَانتْ صرختي الأولى جزعًا لفقدكِ.غَادرتني لِتعودي ..فَمَا تنصّل جزء مِن كلّ إلاّ عَاد إليه مؤمنا بأنّ السّمك لا يعيش إلاّ في المَاء ..هَا قد عُدتِ إليّ ليكتمل فِيك إيمَاني ..

الغيابُ خَطئية في أعْراف العِشق و العَاشق المتمرّس لا يُلدغ مِن جُحر الغِياب مَرّتين ..

تقول عاشقة صامدة أمام وجه العتمة: كلّهم ضدي إلاّ أنا وحدي أقف في صفّ نفسي.. فغالبا ما يقتضي الحب أن تكذّب حدسك لتصدّق نصف حقيقة على أنها كاملة.. ما زلتُ أصرّ أنه بامكاني ترميم ما انقضّ من جدار حلمي ..و مازلتَ أنت تمارس هوايتك في ذبح النّور كي لا يلامس ورود مدائني ..يقولون أنّ زمن المعجزات انتهى و أجزم أنّ كلمة واحدة منكَ كافية لمنحي الحياة أو لتهوي بي في الدرك الأسفل من الخيبة ..
أقرّ بأن فيك موتي لكني أشهدّ أنّ موتي دونكَ أشدّ ايلامًا على الروح..فسكرة واحدة لا تكفي و ألف شهقة لاستئصال روحين من جسد واحد موجعة جدّا..