الأحزاب العربية بين الواقعية والخيالية الغريبة

الأحزاب العربية بكل توجهاتها ومعطياتها بين الفكرة والتحوصل والتطبيق على أرض الواقع تحتاج إلى قراءة اكثر من سريعة في مدى واقعيتها وإنتاجها ودورها في الصياغة والقيادة.
بداية لا بد من محاولة تعريف الحزب كحزب بشكل عام وتبيان مهامه ودوره.

الحزب : مصطلح وجد في القاموس السياسي الحديث وهو في اللغة يفيد التجمع, أي تجمهر مجموعة من الناس على شخص,
وفي الاصطلاح الفكري الحديث فقد تم تعريفه على بأنه تكتل يقوم على مبدأ آمن أفراده به يراد إيجاده في بقعة معينة ومن ثم في العالم أجمع, وهذا ينطبق على الحزب السياسي بكل ما تعنيه كلمة السياسة.

أما الأحزاب العربية الحالية فهي لا ترتقي لأن تكون أحزاب مبدئية, أي لا تقوم على تصور شامل للحياة, أي على فكرة كلية عن الإنسان والكون والحياة (الأيدلوجية) التي تعني وجهة النظر في الحياة.

وإذا استثنينا الأحزاب الفكرية نوعا ما فإننا لا نجد أي حزب يمتلك برنامجا سياسيا شاملا يحقق النهوض أو النهضة للعالم العربي, ولذلك لا بد من تفحص هذه الاحزاب الفكرية بدقة.
أما الأحزاب العربية الأخرى فهي : إما أحزاب نفعية كالأحزاب القائمة في الدول العربية أو حزب البعث الذي يقوم على التصور القومي الغامض الذي لا ينبثق عن هذا التصور أي برنامج سياسي يصلح لان تقوم عليه الحياة لان الفكرة القومية لا ينبثق عنها أنظمة.

أدرك الرأسماليون أن عملية تفتيت العالم العربي وإحداث الفراغات السياسية فيه يكمن في إنشاء أحزاب تعمل على تمييع الثقافة العربية وتراثها وكذلك إبعادها عن أي تصور فكري حقيقي يمكن أن يتبناه مجموعات عربية لتعكس تصورها ونظرتها للحياة.

ولذلك نستطيع القول وبكل ثقة أن غالبية الأحزاب الآن في العالم العربي أنشأت إما بدافع من الرأسمالية الغربية أو أوجدتها الحكومات العربية وذلك لسببين :

1) إضفاء ما يسمى بالديمقراطية على أنظمتها البالية, وذلك تحت مسمى حرية إنشاء الأحزاب والمعارضة.
2) أو إنشاء أحزاب تعمل على حماية نظامها من السقوط عن طريق تفريغ عاطفة الأمة المتأججة ضد هذه الأنظمة

مهام الحزب الأولية :
1) تهيأت الأفكار اللازمة في عملية النهوض
2) إيجاد قاعدة فكرية واحدة عند جميع أعضاء الكتلة تؤدي إلى وحدة الفكر والمشاعر المتيقظة عنه
3) تبني الوسائل والأساليب اللازمة لتنفيذ الفكرة في معترك الحياة
4) تهيأت الأفكار اللازمة في عملية بناء الشخصية التي من مهامها العمل على تجسيد هذا الفكر في العلاقات
5) يجب أن تكون القاعدة الفكرية التي سينطلق منها الحزب والتي سوف يحملها كقيادة فكرية للمجتمع, ومن الضروري بل من البديهي أن تكون هذه القاعدة الفكرية صحيحة والذي يحكم على هذه القاعدة ومدى صحتها أمور عدة
وقبل ذكرها لا بد من تبيان معنى القاعدة الفكرية,
ببساطة القاعدة الفكرية يقصد بها : الفكرة التي تعتنقها الآمم الناهضة مثل الفكرة الشيوعية والفكرة الرأسمالية والفكرة أو المسماة العقيدة الإسلامية,

ولا يمكن تصور وجود عقائد سياسية غير هذه, والمقصود بالسياسية : أي أن ينبثق عنها أنظمة أو نظام شامل للحياة يرعى شؤون المجتمع وهذا غير متوفر إلا في هذه المنظومات الفكرية الثلاث, ولذلك لا بد من تفحص هذه العقائد ودراستها دراسة عميقة للوصول إلى القاعدة الصحيحة التي تصلح منطلقا للنهوض وشروط هذه القاعدة
أ ) أن تكون مقنعة للعقل
ب) أن تحقق مصالح المجتمع وطموحاته وتطلعاته على ارض الواقع.
وحتى يتوفر هذان الأمران لا بد أن تكون هذه القاعدة تحتوي على الإجابات التالية
الفكرة الكلية عن الإنسان والكون والحياة وما ورائها.

لذلك لا بد من تبني مجموعة من الأهداف البراغماتية التي يرسمها من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية و البشرية على الصعيد المحلي، و من الخيارات الواضحة والأولويات التي يحددها لهذا الغرض.

لن تكون لهذه الأهداف والخيارات والأولويات، أية قيمة إن لم تجلب اهتمام الناس أولا،ومن ثم تكسب تأييدهم ثانيا، ثم مساهمتهم أخيرا

و من الأهمية بمكان أن يكون برنامج الحزب من الاهتمامات المباشرة للمواطن و من طموحاته في الرقي والتقدم.


إن الحزب يجب أن يحمل على عاتقه مهمة العمل على تحويل الجماعات المحلية إلى إطار منشط لاستقطاب الاستثمار وخلق الثروة الداخلية وتحقيق مبدأ الإكتفاء الذاتي للتخلص من أي نفوذ أجنبي قد يطرح نفسه ويسيطر على السياسة الداخلية للمجتمع والدولة مثل صندوق النقد الدولي.

لذلك لا بد من اعتماد سياسة متناسقة للمدينة والجماعات المحلية كأداة مفضلة لتحسين المحيط المعيشي للمواطن حتى يستطيع المواطن أن يعطي بقدر أكبر ويحقق دوره في المجتمع

6) القضاء على الممارسات البيروقراطية في سير الأنظمة
إن دمقرطة السلطة السياسية، ودمقرطة الخدمات الاجتماعية - التربوية، و ترقية المسؤوليات الفردية في إطار اقتصاد السوق الاجتماعي، هي خيارات أساسية بالنسبة للحزب الناجح يجب أن يضغط بها في الاتجاه السليم وبكل مقدرته من أجل منع تسلط النظام الحاكم إن لم يكن الحزب هو الحاكم.
إن أهم الوسائل التي تضمن تحقيق هذه الغاية تتمثل في لامركزية مسارات اتخاذ القرار، و فك تمركز مؤسسات الدولة ومرافقها.

ولا بد أن يكون الحزب قد حقق هذه الفكرة داخليا, فيجب على الحزب أن يقيم تنظيمه وفق الأسس الديمقراطية في إطار وحدة الحزب، وبما يضمن التوازن بين حرية النقاش والتعبير عن الرأي، وبين الالتزام بوحدة العمل وقرارات الحزب . ويشجع أعضاءه على ممارسة حرية التفكير والإبداع الخلاق، والعمل الجماعي لتحقيق أهدافه. كما يفتح الآفاق أمام أعضائه للنقد الجريء والبناء . ويقيم هيئاته بالانتخابات الديمقراطية المباشرة، مراعيا مبدأ التجدد والتواصل، وإشاعة العلاقات الديمقراطية في حياته الداخلية، بما يتناسب مع ظروفه النضالية . ويضع الإنسان الفرد، المواطن، في مركز اهتمامه

خطاب الأحزاب العربية الحالية

خطاب الأحزاب العربية الحالية وتطبيقها الفعلي غدا قوميا في بعض الأحيان وفي البعض الأخر رأسمالي بعيد عن مصالح الشعوب فتحولت طروحاتها الجديدة إلى طروحات غير واقعية تتعارض مع مصالح الشعوب أحيانا والبعض الأخر غدا مجرد شعارات ومناظرات فلسفية وطرح أفكار وخطوات لحفر طريق الأحرار ولكن من غير تطبيق على ارض الواقع وإنما بقيت في نطاق شعارات رنانة حتى أنها لا تصل إلى أي إنسان أو يمكن تصل لكن بدون صرخة ولا استغاثة تصل لأعماق أي إنسان عربي.

في عبارة بليغة الدلالة أشار ماركس إلى ما يلي: " لم يفعل الفلاسفة غير أن يفسروا العالم بأشكال مختلفة، بيد أن القضية تتلخص بضرورة تغييره " (ماركس، أنجلز. المؤلفات، المجلد 3، ص 4). وبطبيعة الحال، قبل تغيير العالم يجب تفسيره. ويقدم عمل ماركس الأهم " الرأسمال " البراهين المعللة والمقنعة على أن الممارسة غير القائمة على الاعتراف بوجود العالم الموضوعي ومعرفة قوانينه كثيرا ما تصبح عديمة المعنى ومغامرة ومضرة.
وهذا بالحقيقة ما حدث للأحزاب العربية الفكرية منها والتي تحولت من مهامها الأساسية إلى خطابات وفلسفات فحولت القيم الراديكالية إلى تراث يتباكى عليه البعض ويستنكرها ظاهرا, وتحويلها إلى فكر جامد لا يقبل التحليل الحقيقي.

الأحزاب العربية التي تشكل المؤسسات المدنية في الدول العربية تفتقد لبرامج عمل حقيقي في الوقت الحالي, حتى وان حوت بعض تفصيلات وخطوات بعض هذه البرامج على أفكار عملية تبقى في نطاق الأفكار الجامدة لا تطبق للواقع مما يثير التساؤلات التي بحاجة إلى إجابة ملتزمة و عن طريق التحليل المستند على العلم والحقائق.

في محاولة لتحليل ما تعانيه الأحزاب العربية وخاصة الأحزاب التي تتبنى برنامج فكري من البرامج الفكرية الأساسية الثلاث, كان خطابها على شكل خطاب ليس له تطبيق عملي وهذا هو حقيقة السمة العامة لكافة الأحزاب العربية وتحديدا اليسارية منها.
أي أن الأحزاب الشيوعية العربية صارت مجرد حاملة لشعارات فقط

ومن أسباب هذا الركود والتراجع في أداء الأحزاب العربية وغدوها شعاراتية هو :

أولا:إن هذه الأحزاب لا زالت غير قادرة في عصرنا عن الانفصال عن تراثها القديم القومي وتعيش حالة من التخبط والخلط بين عدد من الأيدلوجيات الفكرية في ذات الوقت.

ثانيا: سيطرة الثقافة والفكر الاستعماري, ومثاله الثقافة الأمريكية الإمبريالية على العالم جعلت أمريكا تسيطر حتى على فكر وثقافة الأحزاب التي هي انعكاس الشارع العربي الذي تشرب الثقافة الأمريكية حتى ثمل فمن الطبيعي أن يكون سمة أحزابنا رأسمالية لوقوعنا تحت دائرة الهيمنة والاستعمار الأمريكي والبريطاني والفرنسي سابقا.

لذلك كل أحزابنا غدت أمريكية بفطرتها حتى وان حملت شعارات اشتراكية راديكالية, لذلك فإن هذه الأحزاب بحاجة لصياغة شاملة لهيكليتها الداخلية حتى تستطيع الخروج للمجتمع بأفكار جدية وواقعية, وتكون قد حددت أيدلوجية حقيقية في تبنيها ونشرها ودخول المجتمع من خلالها.
كذلك فإن هذه الأحزاب بحاجة لأعادة صياغة نفسها على أساس حقيقي يبعدها عن نمط التبعية للأنظمة والحكومات القائمة وتحقيق هدفها الحقيقي وهي أن تعود إلى حضن الشارع العربي كأحزاب معارضة وجدت من اجل إقامة نظام بديل عن الأنظمة العربية وليست أحزاب إسترضائية في مضمونها وتطبيقها تتسارع لنيل رضى الحكومات والتسلق على ظهر بعضها للوصول إلى السلطة المشبوهة تحت إبط الحاكم العربي.

لا بد لهذه الأحزاب أن تؤمن أن خلاصها الوحيد هي أن تحمل السلاح الفكري وتضرب الشعوب حتى تفيق من غفلتها والخروج عن نطاق الشعارات إلى التطبيق العملي وان تقوم هذه الأحزاب بإعداد برامج حقيقية للتحرر تبدأ من توعية الشارع العربي وتثقيفه حتى يكون منتسبي الأحزاب أي طلائعه شبيبة مثقفة قادرة على التصدي إلى التبعية والهيمنة الأمريكية والرأسمالية على العالم.

ليس هذا حال الأحزاب والقوى العربية فقط بل حال بل حال أي قوى وأحزاب عالمية, حيث تعاني الأحزاب العالمية ونعني هنا كما عنينا بالأحزاب العربية (الأحزاب السياسية فقط) فهناك أحزاب لا سياسية مثل الأحزاب التي تتشكل على أساس لا سياسي لا يضع تصور حقيقي للمجتمع من منظور سياسي, ولا تدخل هذا التصور في نظامها الداخلي.

الأحزاب العربية كافة سواء التي تحمل السلاح أو التي لا تزال تعيش في ظل الأنظمة العربية الديكتاتورية بحاجة لبرنامج واقعي حقيقي, ليس برنامجا نظريا فقط , بل برنامج فكري عملي قادر على الدمج بين عقلية الإنسان العربي وبين برنامجها حتى يكون ممكن التطبيق.

كذلك لا بد من إعادة النظر في النشأة البدائية للعقل العربي الذي يتشكل في مدارسنا العربية التي تعاني من اكبر فشل تاريخي أوجده مجموعة من المفكرين الغرباء عن مجتمعنا والموالين بعضهم لقوى خارجية في داخل مناهجنا المدرسية التي تعد النواة الأولى لنشأة العقل العربي وإعادة صياغتها بطريقة اكثر تقدمية وفكرية حتى نبني تصل لمستوى أحزاب حقيقية لها وزن وتأثير على ارض الواقع مثل الحزب الجمهوري الأمريكي أو الحزب الشيوعي وشاكلتها من الأحزاب التي استطاعت أن تصل إلى المجمع وتحقق مصالحه وسعادته في بعض الأحيان بالرغم من براغماتية بعضها.