علمانية عرض نماذج القدوة في محتوى فروع اللغة العربية
(1)
في مقال "وجه العلمانية في قصة علي مبارك التعليمية" بينت مظهر العلمانية الذي أظهره المؤلف عن "علي مبارك" متمثلا في ظنه أن العلم وحده يجعل الأمم تنهض، وبينت أن العقيدة الصحيحة هي المنطلق الذي يحتوي فيه كل المنطلقات علمية وغير علمية.
وفي مقال "التبرج في الصور التوضيحية في كتب اللغة العربية
.. وجه العلمانية التربوية" وضحت الإصرار غير المسوَّغ من مؤلفي المحتوى وراسمي الصور التوضيحية على إظهار تبرج النساء والفتيات.
وهذا قد يراه البعض معصية، لكنني أراه علمانية.
لماذا؟
لأنه يكون معصية إذا كانت المتبرجة تعترف بذلك، وهذا لا يكون إلا إذا كان عندها رائحة اهتمام بدينها. أما هذا الإصرار فهو يشير إلى أن التصور عندهم أن الدين لا صلة له بالحياة، وأن العظمة تكون في الارتفاع المادي الدنيوي بغض النظر عن الاهتمام بالدين والتزامه على الرغم من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]، وغير ذلك من النصوص المتكاثرة قرآنا وسنة التي تصبغ الحياة بالدين ولا تعزلها عنه.
(2)
وفي هذا المقال ألفت الانتباه إلى مظهر ثالث من مظاهر العلمانية التربوية في كتب اللغة العربية.
ما هو؟
إنه حصر القدوة ونماذجها في فئات لا تجعل دينها أساس منطلقها في الحياة، ولا يُعرف عنها ذلك بل يُعرف عن بعضها اشتراكيته كنجيب محفوظ، أو غير ذلك من مذاهب فكرية ليست إسلامية.
كيف؟
نجد مؤلفي محتوى اللغة العربية ييممون صوب جائزة نوبل فيأتون بمن حصل عليها من العرب ويجعلونهم من أبرز شخصيات مؤلفاتهم، ودليلهم حصولهم على نوبل التي لا تعط إلا لمن ترضى عنه مؤسسة الجائزة غير المسلمة.
وقد بالغوا في ذكر نجيب محفوظ في المرحلة الإعدادية لا سيما في الصف الثاني الإعدادي الذي احتكر فيه نجيب محفوظ الفصل الدراسي الأول.
كيف؟
جاء في الوحدة الثانية في ثلاثة دروس اثنان منها في فرع القراءة هما "جوائز عالمية" و"جوائز عربية ومصرية" والثالث في فرع النصوص هو "نجيب محفوظ والجمالية". ثم جاء في الوحدة الخامسة في فرع النصوص في نص "ذكريات أكتوبر".
وكأن مصر ليس فيها غير نجيب محفوظ.
(3)
ويفعلون ذلك مع الفنانين والرياضيين والأدباء الذين لا يُشتهر عنهم تمسك بدين ولا تمثُّل له، وتكاد هذه الفئات تكون هي نماذج المحتوى القرائي في موضوعات القراءة في مراحل التعليم المختلفة.
وهناك شبه مسوّغ لظهور الأدباء في فرع النصوص يتمثل في إنتاجهم الأدبي الذي تؤخذ منه نماذج لدراستها وتذوقها.
أقول: شبه مسوِّغ وليس مسوغا كاملا.
لماذا؟
لأن هناك نماذج للنثر الذي يتخذ الدين موضوعا لتطوير الحياة والحكم على التصرفات والأشخاص والمفاهيم- لا يُعرض منها نموذج ولو كان قصيرا.
ولا يقولن أحد: هناك نصوص من القرآن والحديث.
لماذا؟
لأن هذا خارج عن موضوعنا.
لماذا؟
لأننا نتحدث عن النثر الأدبي وحصره في نماذج معينة مقصودة على الرغم من وجود غيرهم وتميز أساليبهم.
(4)
وليت الأمر يقتصر على ذلك!
ماذا أيضا؟
إنهم لا يكتفون بتكريس وجود الأدباء شخصياتٍ مرة وأصحاب نصوص أخرى.
كيف؟
إنهم قد يأتون بنصوص لمن كانت شهرته في غير الأدب كـ"قاسم أمين" الذي ورد له نص في كتاب الصف الثالث الإعدادي للفصل الدراسي الأول ص40 عنوانه "رحمة ومحبة"، ومعلوم أن جهود "قاسم أمين" سارت على دربٍ يسمونه زورا وبهتانا "تحرير المرأة" بلغ منتهاه بما نراه من تبرج المرأة وتبذلها بما لا يخفى على أحد.
ولا يقف الأمر على إبراز الشخصية بنصوصها والحديث عنها، بل تأتي بصور كثيرة منها أن تكون موضوعا في فقرة "اقرأ واستمتع" كما حدث في كتاب اللغة العربية للصف الأول الإعدادي للفصل الدراسي الأول ص28 عندما جاء الاقتباس عن هدى شعراوي، ومعلوم من هي "هدى شعراوي" ودورها في جرم الابتعاد عن الحجاب، ومعلوم صلة أبيها بالإنجليز.
وفي الفقرة ذاتها ص98 جاءت نصيحة الصحفية "نعم الباز" التي لم تترك التبرج على الرغم من بلوغها أرذل العمر.
وأكتفي بذلك؛ فأنا أمثل ولا أستقصي، ومن يبحث يجد!
(5)
وكذلك يفعلون مع العلماء والمعلمين والمهندسين والأطباء.
كيف؟
يعرضونهم عرضا لا يجعل الدين فاعلا في الحياة، ويجعل القدوة منحصرة في تحصيلهم المدرسي والحياتي فقط.
وهكذا تظل المناهج محتفظة بوهج الحياة بعيدا عن الدين، فيرسخ في ذهن التلميذ والطالب المفهوم النصراني للدين الذي ينص على أن الدين علاقة بين المرء وربه ومكانها في المسجد، أما الحياة فلها آلاتها ووسائلها الأخرى.
ويجعلني ذلك أسأل: متى سيُظهر مؤلفو محتوى مادة اللغة العربية أثر الدين في حياة شخصياتهم؟ ومتى سيختارون شخصيات اشتهرت بالدين؟ ومتى سيجعلون الدين حكما على الأشياء والقيم في الحياة حتى يرسخ في الأذهان التصور الإسلامي للحياة؟ أم أن تعليمات الوزارة التي يلتزمون بها تمنعهم من ذلك؟
فإذا كان الأمر كذلك فمتى سيعالج المعلمون هذا النقص في نماذج القدوة الموجودة الآن؟