أيّها السادةُ الفضَلاءُ والسيّداتُ الفُضلياتُ : في مملكتي تصّاعدُ
سُحُبُ الدخانِ من كلّ فجٍّ عميقٍ إلى حيث الأعالي مع بزوغِ
فجر البيوتاتِ الحالماتِ ، هناك تصافحُ هاتيك السُحُبُ غيماتِ
الزمانِ الداكنةِ المثقلةِ بأنّاتِ وغرائبِ الغرْبِ البعيد ! .
وعهدئذٍ يَحدُثُ البرْقُ فــإذا بالغيثِ ينهمرُ مدراراً على الدروبِ وأهدابِ الغافلين ! ،
غيثٍ لا يشبهُ غيوثَ الأمس ، حين يجري يتركُ بصماتٍ على الطرقاتِ وآثاراً
أشبه بالذهبِ الأسودِ ! ، تهّابطُ معهُ الظنونُ الحالكات والأماني اليابسة كيما يرتعُ منها
عُبّادُ النار من الجيران !.
في مملكتي يتزاحمُ الغثُّ مع السّمين لا لشيءٍ غير أنّهما يودّان
التقاط صــورةً تذكاريّة تعلّقُ جوار نُصْب الحرّيةِ المتخمِ بجراح
الهنود الحمْر في بلاد فرعون القرن الواحد والعشرين ! .
في مملكتي تسّابقُ الذئابُ مع النعاجِ في كرنفالِ الخطيئة واستعداداً
لمراسيم العام الجديد الذي قد يحمل في طيّاته بذرة وذرّة الفناء
لأدعياء الحضارة ، يومها تُنحَرُ الذبائح من النعاج لأنّ الذئابَ قد
خسرت السباق وآبتْ تجرّ أذيال الهزيمة على مسمع ومرأى العالم
الثالث والسلطة الرابعة !.
في مملكتي ينحِتُ أربابُ الهذيان والسمادير نصوصاً من الحداثةِ
العمياء ، قبل أن يرتدوا القناع وبعد أن ينزعوه !! لتصدح بها
المومياءُ على شواطيء " ليما " أو حاناتِ " باريس " أو مِن على نوافذ " البندقية "
أو حجراتِ قصر " ستالين " ! ، نا سين أن تلكم الأماكن ستصبح عمّا قريبٍ من شواخص الذكرى ،
ليس يبقى منها سوى الأطـــلالِ المترّبةِ بالحقدِ الدفين وغربانٍ ناعقةٍ شوّه ريشها
الإشعاعُ المقيت والسُحتِ الحرام !.
لم يبقَ منها سوى أضغاثِ شِقوتها ...... وتمتماتِ ظلامٍ زادُه الدجـــــلُ .
في مملكتي تمرح العصافيرُ والبلابلُ والحمائمُ الملوّنة ذوات الأرواح الغريزيّة ،
تتمايلُ مع نغماتِ مقام النوى ينسابُ من حناجر المؤذّنين لصلاةِ فرْض الفجْرِ ونافلةِ النصْرِ
من جوامعِ الصابرين ، بقلوبٍ أرقّ من عبيرِ الياسمين ، وأرواحٍ محلّقةٍ حيث معارجِ المتّقين وسدرةِ المنتهى ،
فلا معالمُ المُلْكِ تحجبُها ولا عوالمُ الملكوتِ تثنيها ، ترنو إلى الفراديس ومأوى السابقين والحياة الخالدة .
في مملكتي يُحبّرُ النثرُ تحبيراً ، وتُسكبُ قوافي الحبّ سرّاً وجهراً ،
لتقرأ للآتين قصيدة عصماء تغنّى مطلعُها :
أيقظ فؤادك ما أغفى وما اضطربا ..... واستوحِ ، لا أنجماً ترنو ولا شُهبا .
تلك المــنـازلُ أدنــــاها وأبـعـدهـا ...... لم تـفـضـل الأرضَ لا ماءً ولا تُرَبا .
*****************************