الفينيقيون أجداد الفنّ التّشكيلي اللبناني
حسين أحمد سليم

الإعتقاد السّائد والأرجح أنّ إسم فينيقيا اشتقّ من كلمة طائر الفينيق الذي هو دائم التّجدد, كما تعني أيضا اللون الأحمر, لأشتهار المدن الفينيقيّة بصناعة الأرجوان, وهو الصباغ الأحمر الضارب إلى البنفسجي المستخرج من نبات الأرجوان المعروف باسم زمريق, ومن أصداف الموركس.
نشأت المدن الفينيقية منذ آلاف السنين على الساحل المعروف في يومنا الحالي بالساحل اللبناني ودامت هذه المدن ما يقارب من خمسة و عشرين قرناَ. وقد بلغت فينيقيا و المدن التابعة لها ذروة مجدها في القرن الثالث عشر إذ كانت أتصالاتها البحرية تشمل مناطق العالم القديم بأكمله وبلغت تجارتها درجة عظيمة... وكان للفنيقيين أبجدية خاصة لهم وكتابة كانت الأكثر تطوراَ في عصرها حيث تأثرت بها المناطق المجاورة وترجع أول إشارة إلى الفينيقين في النصوص القديمة في الكتابات المصرية الفرعونية التي تطق على الفينيقيين في منتصف الألف الثالث قيل الميلاد اسم الأسرى الشرقيين و الحطابين نظراَ لاكتساء مناطقهم ولا سيما الجبال بشجر الأرز الذي كانوا يحتطبون منه و يستخدمونه في التجارة مع مصر وغيرها... و قد بني هيكل سليمان في اوراشليم من شجر أرز لبنان أو "أرز الرب" كما يسمى في التوراة و الذي لا يتواجد إلا في لبنان... وعرفت الحضارة الفينيقية عصرها الذهبي منذ سنة 500 إالى سنة 100 قبل الميلاد فقد أستمر أزدهار صور و نفوذها زمناَ طويلاَ في حوض البحر الأبيض المتوسط الشرقي, حتى ما بعد سنة 500 قبل الميلاد يحميها أسطولها الكبير الفريد من نوعه آنذاك...
الحضارة الفينيقية كانت عبارة عن مدن منتشرة على الشريط الساحلى الشرقي للبحر المتوسط لها نفس التكوين و العادات و التقاليد و كانت مرتبطة ببعضها فكريا و عرقيا، وكان لهم نفس نصيب باقي الحضارات المجاورة من التقدم بل كانوا الفينيقيين أكثر أزدهاراَ و تقدما من غيرهم... يذكر أن قبل ظهور الحضارة الفينيقية كان الشاطئ الفينيقى اللبناني مسكوناَ بزمن طويل، فالفينيقيين هم أحفاد الكنعانيين، و الذين هم اليوم المسيحيون اللبنانيون و يطلقون عليهم اليوم اسم الموارنة السريان... و تشير الدراسات الأثرية إالى وجود إنساني في هذه الرقعة يعود إالى خمسين ألف سنة, ويستدل من اكتشافات برج قنارت و مغارة أنطلياس أن الأنسان الأول في هذه المنطقة كان من أوائل الأجناس البشرية المكتشفة في المراحل السابقة من التاريخ...
كان للفينيقيين دين واحد استمر طيلة وجودهم لم تطرأ عليه أي تغيرات بارزة إلا خلال النصف الثاني من القرن الأول بعد الميلاد. وهذه الديانة تتلخص بتمجيد العناصر و الظواهر الطبيعية متجسدة في آلهة متعددة منظمة داخل مجلس الآلهة لكل منها رتبته ووظائفه وفق نظام ميثولوجي معقد. ولا تربط ديانة الفينيقيين بالديانات الآسيوية القديمة و المرتكزة حول قوى الطبيعة و الخصوبة. وكان أكبر الآلهة رتبة هو ايل وهي أنثى تلقب أيضا بأشيرة البحر, أما بعل الآلهة الثاني بعد ايل. حيث وجد بعض التماثيل المجسدة لكلاهم في الفن الفينيقي المزدهر. فكان الفن الفينيقي يتميز بالأنتقائية كونه متأثراَ بالحضارات المجاورة. ولم يتخذ له أسلوباَ مستقلاَ إلى في الألف الأول قبل الميلاد حيث بدأ يتكون له طابعه الخاص و المميز و خصوصا تأثره بلون الأحمر بالذات و تدرجاته. حيث كان معظم الفنيقيين من الحرفيين و المحبين للفن و يذكر أنه كان من المعروف كون الفينيقي مسالم غير محب للحرب إلا للدفاع عن النفس وكان يستخدم فنونه و تجارته لشراء السلام مع الدول المجاورة.
يجتمع معظم علماء اللغات و الآثار على أن أختراع الأبجدية الأم, التي ولدت منها جميع لغات و أبجديات العالم مثل اليونانية و العربية و العبرية و الصينية الخ... تم على أيدي الفينيقيين اللبنانيين. المؤرخ هيرودوتس اليوناني نسب الأختراع إلى قدموس الفينيقي الصوري، اللبناني الأصل. ولما انتقل قدموس إلى طيبة نشرها بين شعوب أوروبا. وهناك آثار في مدينة طيبة عبارة عن نقش لصورة قدموس يعلم ابناءه الحروف الأبجدية. ومن أقدم الكتابات التي كتبت بالأبجدية الفينيقية منقوشات قبر أحيرام ملك جبيل أو "بيبلوس". يذكر أنه وجد آثار لنصوص فينيقية في كل من مصر و قبرص و في أكثرية حوض البحر المتوسط حتى ان آثار الفينيقيون وصلت إلى القارة الامركية, وكانت تكتب اللغة الفيتيقية من اليمين إالى اليسار.
عاصمة فينيقيا هي "جبيل" أو "بيبلوس". مدينة "جبيل" موجودة إلى يومنا هذا في لبنان و تعد أقدم مدينة في العالم على الإطلاق. هذا ويعدّ الفن الفينيقي أحد فنون الشرق القديم. وتدل آثاره المكتشفة في أغاريت وأرواد وطرطوس وعمريت وسيميرا وجبيل وصيدا وصور وبعلبك، وتلك المحفوظة في عدد كبير من المتاحف المحلية والعالمية، على ذوق الفنان الفينيقي، وحسه الجمالي ومهارته اليدوية وخبرته المهنية وآفاقه الثقافية.
جاء الفنّ الفينيقي في الألف الثّالث ق.م. مقلّدًا لعدّة فنون خارجيّة، كالقبرصيّة والمسينيّة والإيجيّة والمصريّة، والرّافديّة، إلى أن أصبح في الألف الأوّل ق.م. محرّرًا من الاقتباس والتّقليد، متّخذًا طابعًا خاصًّا به، فقد تجلّى فنّ الإتقان والخلق والإبداع عند الفينيقيّين في: الصّباغ الأرجواني الذي استخرج من الصّدف واستخدم في صناعة الأقمشة المطرّزة الّتي نالت شهرة عظيمة في العالم القديم. والخزف الذي تفنّنوا في صناعته، فقد شملت الكؤوس التي جاءت بشكل تماثيل راقصات، وقوارير الطّيب بشكل تماثيل صغيرة والأبارق والزّهريّات التي زيّنت بالألوان والنّقوش الجميلة، وصناعة النّقود والأختام التي بدت فيهما الدّقّة والإتقان، وأدوات الزّينة التي شملت "الحلى المطعّمة بالعاج والذّهب والفضّة والحجارة الكريمة" والرّسم والنّقش على الخزف والخشب والمعادن، والنّحت الذي تمثّل في "تيجان الأعمدة والمسلات واللوحات الجميلة التي جاءت آية من الدّقّة والجمال". أمّا في البناء فقد تجلّت براعتهم في هندسة القصور والهياكل والسّفن التّجاريّة والحربيّة فضلاً عن اهتمام الفينيقيّين بالغناء والموسيقى وتطويرها في الطّقوس الدّينيّة، وكان العود إحدى آلاتهم الموسيقيّة التي استعملها شعوبٌ كثيرة.
وتميّز الفينيقيون بالميل إلى فن العمارة الدينية والمدنية والجنائزية. ويعد قصر أغاريت من أجمل منجزات العمارة المدنيةالفينيقية، إضافة إلى روائع العمارة الدينية الفينيقية كمعبد بعل ومعبد دجن في أغاريت، ومعبد حصن سليمان في محافظة طرطوس ومعبد جوبيتير ومعبد باخوس في بعلبك...
وتدل المنحوتات الفينيقية على أن فن النحت كان ذا وظيفة روحية وثقافية تهدف إلى تجسيد مفاهيم الأرباب الفينيقيين مثل: «إيل» سيدالأرباب، ويبدو جالساً على عرشه يبارك بيده اليمنى، و «عليان بعل» الذي يجسد فكرة الخصب، و«عشتار» ربة الحب والحرب تبدو منتصبة فوق الأسد، و«أدونيس» يجسد فكرة الموت والعودة إلى الحياة وتجددها، وكان لهذه الأسطورة الفينيقية أثرها الكبير في الأدب العالمي كشعر ميلتون Milton وغيره، وما ترمز إليه أزهار شقائق النعمان. و«عنات» أخت بعل الحريصة عليه تبدو واقفة تبارك بيدها اليمنى، و«ملقارت» الرب الفينيقي، وغيره من الأرباب الذين أوحوا إلى الفنانين بقصصهم الأسطورية فخلّدوها بروائعهم الفنيةالمختلفة.
وهناك التوابيت الحجرية الضخمة مثل: تابوت ملك صور حيرام، المحفوظ في متحف بيروت، والمنحوت على سطحه الجانبي الكبير أحد مشاهد الطقوس الجنائزية، وتابوت ملك صيدا أشمون عزر الحجري المحفوظ في متحف اللوڤر في باريس، وعليه كتابة فينيقية تتعلق بلعنات تلحق المعتدين على القبور، إضافة إلى أنصاب حجرية تمثّل الربّ بعل ينزل المطر.
وثمة منحوتات تمثل مراكب فينيقية بعضها محفوظ في متحف بيروت، مما يؤكد أن الفينيقيين كانوا أول أمة بحرية في التاريخ، وأعظم الملاحين، وأمهر التجار في تاريخ الحضارة الإنسانية.
كما توجد روائع عاجية مثل: بوق من ناب فيل يمثل الربة عشتار يحيط بها أسدان مجنحان، ورأس أميرة من العاج تزين جبهتها حلي ذهبية، وتتميز قسماتها بقوة تعبير ينمّ على مشاعر غامضة، وتمثال صغير من العاج لامرأة تعزف بآلتها الموسيقية، ولوح من العاج كان يزين عرش الملك الأغاريتي، تبدو على كل من جانبيه ستة مشاهد مختلفة تمثل مختلف الفعاليات الفينيقية، ومائدة عاجية كبيرة مستديرة الشكل تمثل وردة في الوسط ونسوراً باسطةً أجنحتها، وظباء، وغطاء علبة من العاج يمثل ربة جالسة تحيط بها عنزان وتقدم إليهما السنابل والأعشاب. كل ذلك يدل على أهمية المصنوعات العاجية في بلاد الفينيقيين وقيمتها الفنية وأهميتها الجمالية.
وينسب فضل ابتكار الزجاج إلى الملاحين الفينيقيين. ومن أجمل هذه الابتكارات قمقم عاتم غير شفاف اكتشف في أغاريت، له شكل أسطواني مزين بخطوط أفقية متوازية من المينا البيضاء.
ومن الآثار الفينيقية: تمثال برونزي لرب المطر البعلبكي، وجلجل برونزي يعلوه رأس عنز، وتماثيل برونزية صغيرة تمثل الأضاحي. ومن الآثار الحجرية أوانٍ من الألباستر (الرخام الشفاف)، وتمثال شخص يحمل على كتفه الأيسر جرة صغيرة كانت تحفظ فيها العطور أو المساحيق التجميلية النسائية، ومن الآثار الفخارية الفينيقية تماثيل الربة الأم تلمس بيديها ثدييها رمز الأنوثة والخصوبة والأمومة، ومن تماثيل الحيوانات الفخارية تمثال ثور تعلو ظهره عروة، وهو يرمز إلى الأرض والزراعة، وتمثال رأس أسد فاغر فاه. وتدل الأواني الفخارية والخزفية مختلفة الأشكال والأنواع والحجوم على مختلف ميادين استعمالاتها في الحياة، وقد زينت بالرسوم المختلفة، مثل قائد يعود على عربته ويستقبله مواطنوه، أو حيوانات بحرية مثل الأخطبوط والسمكة وغيرها. والجدير بالذكر أن هذه الرسوم الفنية تشكل بدايات تطور فن الرسم والتصوير.
نبغ الفنانون الفينيقيون في ميادين الصياغة الذهبية والفضية والبرونزية والخزفية، ويدل على ذلك قرط ذهبي مكتشف في أغاريت تزينه خيوط ذهبية دقيقة الصنع، والخواتم الفضية الجميلة التي نقش على فصها الفضي مشاهد مختلفة مثل الغزال، والثور، والكائنات الخرافية، والزخارف النباتية وغيرها، والمشابك الفضية التي يتوسطها ثقب، والصحن الذهبي المزين بمشهد صيد جميل، أبدعها الصائغ بطريقة الطَّرْق، أضف إلى ذلك طاسة ذهبية مزينة بمشاهد فنية جميلة. والجدير بالذكر أنه عثر في أغاريت على قوالب لصناعة العقود وغيرها من الحلي الفينيقية الجميلة المختلفة، وكان الشاعر اليوناني هوميروس قد أشاد بمهارة فناني صيدا ووصفهم بـ«رجال حذق ومهارة في الأعمال اليدوية الدقيقة».
وبرع الفنان الفينيقي في صنع الأختام المبسطة والأختام الأسطوانية التي كانت في بادىء الأمر بمثابة تميمة تحمي صاحبها وحاملها من الروح الشريرة وتجلب له الحظ السعيد، وكان لهذه الأختام الأسطوانية استعمالات مختلفة في ميادين الحياة اليومية الدينية والاقتصادية، وتمثل مشاهد مختلفة للأرباب والطقوس الدينية والعادات الاجتماعية والتقاليد المتوارثة، إضافة إلى الزخارف الهندسية والنباتية، وكانت هذه الأختام تصنع من أحجار الهيماتيت والستاتيت والصدف والخزف وغيره. وعثر في أغاريت على مجموعة من الجعل المصرية الجميلة والمهمة التي كانت من أدوات الزينة النسائية والذكريات الحياتية، وكان لها أهميتها في الحياة العامة والدينية والاجتماعية.
هذا وتعتبر الأبجديّة الفينيقيّة أهمّ المنجزات الحضاريّة وأعظم ما قدّمه الفينيقيّون من خدمات إلى العالم وأشهر الابجديات أبجدية أوغاريت وهي اكمل الابجديات. فقد عرف الفينيقيّون بتلك الكتابة المقطعيّة الصّوتيّة. وكان لا بدّ للفينيقيّن من تطويرها ومن استنباط كتابة جديدة تتّفق ومتطلّباتهم الحياتيّة والاجتماعيّة وخالية من التّعقيد والالتباس، وأكثر فهمًا ووضوحًا للجميع، وقد وضعوا لها القواعد إلى أن أخرجوها كتابة أبجديّة، مؤلّفة من اثنتين وعشرين حرفًا فاستعملوها ونشروها في العالم. وكانت قد ظهرت عدّة كتابات فينيقيّة أشهرها أبجديّة أوغاريت التي كتبت بأشكال مسماريّة "القرن الرّابع عشر ق.م" واشتهرت مع المدينة الّتي وصلت بشهرتها مناطق واسعة من شرق المتوسط ودمّرت على يد الغزاة الآنيين الذين أتوا من اليونان وقد شكلت أبجدية أوغاريت أحد أهم واكمل الابجديات على الإطلاق، والأبجديّة السّينائيّة "كشفت نصوصها في سيناء" التي تمثّل إحدى المحاولات التي قام بها الكنعانيّون للانتقال من الكتابة التّصويريّة المقطعيّة إلى الأبجديّة، وأبجديّة جبيل التي تتألّف من 22 حرفًا كانت تكتب بالقلم والحبر على ورق البردي، من اليمين إلى اليسار، وكان الأصل الذي اشتقّت منه جميع الأبجديّات السّاميّة الأخرى والأبجديّة اليونانيّة، ومنها اشتقّت الأبجديّات الحديثة.
لم يبتكر الفينيقيّون طريقة صناعة الزّجاج، بل أخذوه عن المصريّين. ولكنّهم جعلوه شفّافًا، ونوّعوا من أصنافه. فصنعوا منه الكؤوس والقناني وقوارير الطّيب. وافتنّت كلٌّ من صور وصيدون في تلوينه. فأخرجتا منه الأبيض والأصفر والأحمر والأزرق. وجعلتا من صناعته فنًّا حتّى وصل الاعتداد لديهم إلى توقيع أسمائهم على منتجاتهم الزّجاجيّة (من أمثال جَاسُون وأرْتَاس) وقد غدت الأقراط والأساور والخواتم والعقود مرصّعة بأحجار زجاجيّة، شديدة الشّبه بالحجارة الكريمة. والكؤوس الزّجاجيّة الفينيقيّة كان غالبًا جوائز للفائزين في المباريات الرّياضيّة والجسمانيّة لدى الإغريق. والإلياذة غنيّة بالشّواهد على ذلك. أمّا العاج، وهو مادّة غريبة عن فينيقيا، فقد استُقدِم من الهند عن طريق ما بين النّهرين، أو من أفريقيا عن طريق مصر. صنع منه الفينيقيّون صناديق صغيرة، وتماثيل وزخرفوها. ووجدت أعداد ضخمة من مصنوعات العاج في النّواويس والمقابر، لأنّها كانت تودع مع الميّت. ومعظمها موجودٌ اليوم في المتحف البريطاني.
وقد برع الفينيقيّون في صناعة الخزف. وصنعوا منه كميّات ضخمة من الآنية والتّماثيل الصّغيرة. ولمّا كان اهتمامهم بالنّاحية التّجاريّة قبل كلّ شيء، لم يسهروا على إخراج تحفٍ فنّيّة، بل على إخراج آنيةٍ رخيصة، وتماثيل مرغوبة في الأسواق. وتطوّرت صناعته حتّى جبلوا منه النّواويس. وأكثر الآنية الخزفيّة وجدت في المقابر، إذ حوت العطور أو لوازم معينة تُدْفن مع الميّت. وبعض الآنية الّتي وجدت في "كفر جرَّه" (بالقرب من صيدا) تدلّ على أنّهم توصّلوا إلى جعل الخزف رقيقًا متماسكًا لا بل رنّانًا وفي ذلك الكمال...
نخلص إلى أنّ الفنّ الفينيقي نشأ منذ ستة آلاف سنة في بيبلوس وصور, مع ظهور صناعة الخزف والبرونز والذهب والفضة والحلي المرصّعة بالحجارة الكريمة...
ومنذ أنيون الصوري تعاقبت أجيال الفنانين دونما إنقطاع على أرض لبنان, أرش الشمس, صلة الوصل بين الشرق والغرب, بوتقة العديد من الحضارات والديانات, موطن آلاف الأساطير... أوروب وأدونيس وبعل... الأرض المقدّسة التي ورد ذكرها مرارا في التّوراة: رسامو جدرانيات, مصمّمو فسيفساء, نحّاتون... ونقتصر على ذكر ناووس أحيرام الأوّل ملك بيبلوس في القرن الثالث عشر قبل الميلاد وقد ازدان بالنقوش الرّائعة, وعلى ذكر الأبجديّة الأولى الفينيقية...
يعتبر الفنّ من أسمى الرّسالات التي يضطلع بها الإنسان لأنه حصيلة الفكر الذي يسعى إلى فهم العالم وتفسيره, ومن المعروف أن إنجاز الجهد البشري الذي لا يفنى هو الفنّ... نعم فإنّ الفنّ التّشكيلي اللبناني يندرج في مسار تاريخ عريق تعود جذوره إلى زمن الفنّانين الفنيقيين الأجداد...