العنكبوت فنّانة تشكيليّة رائعة
العنكبوت فنّانة تشكيليّة رائعة
ومهندسة عمارة بارعة وعالمة فيزيائيّة بإمتياز وخارقة الذّكاء والدّهاء وكيديّة على مستوى متقدّم
العلماء لا يزالون عاجزين عن تقليد خيط العنكبوت، وهذا المخلوق لديه هندسة رائعة في التصميم والبناء... ولديه فرادة في التّشكيل الفنّي التّسطيحي...
بقلم: حسين أحمد سليم
العنكبوت مخلوق من بدائع صنع الله تعالى وظاهرة فريدة من نوعها في عالم المخلوقات والكائنات الحيّة سيّما بين الحشرات, والعنكبوت هو المخلوق الوحيد الذي يعيش منفردا ولا يعيش ضمن مجتمعات منتظمة, وهو لا يحبّ التّعاون ولا يحبّ التّضحية أو الإيثار أو حبّ الخير للآخرين... فيما يقوم بتكوين بيته في معظم الأحيان والحالات ثنائيّ الأبعاد أو مسطّح...
والعنكبوت يتمتّع بنظر ضعيف, فليس لديه بعد نظر, ولا يرى أكثر من سنتيمترات معدودة... فيما تعتبر العناكب مخلوقات شرسة ومفترسة, ومعظمها سامّة تبثّ سمومها لمن يقترب منها...
وهناك 37000 نوع من العناكب تعيش على الأرض. والعلماء لا يزالون عاجزين عن تقليد خيط العنكبوت، فهذا المخلوق لديه هندسة رائعة في التصميم والبناء...
وهناك أيضا تناقض عجيب في خيوط العنكبوت، فعلى الرغم من أن خيط العنكبوت قوي جداً إلا أن بيته ضعيف جداً؟!... فخيط العنكبوت أصلب من الفولاذ بخمس مرات على الأقل, وعلى الرغم من ذلك يتمزق بسهولة, لأن العنكبوت لا يمكن أن يصنع خيطاً سميكاً بل إن الخيوط رفيعة جداً، وأرفع من شعرة الرأس بعشر مرات...
وهذه الخيوط هي من إفرازات الغدد الموجودة على جسم العنكبوت لإفراز الحرير من خلال بروتينات خاصة، الحرير يكون في حالة سائلة ويتصلب بعد ملامسته للهواء... وعليه فإن العنكبوت مهندس بارع ولكن للأسف هندسته هشة جداً... وسماكة خيط العنكبوت 0.001 – 0.004ملم أي واحد بالألف من المليمتر. وهو مرن جداً حيث يمكن أن يمتد ل 140 % من طوله. ويقول العلماء: سمك الخيط أقل بثلاثين مرة من سمك شعرة الإنسان. ومساحة المقطع العرضي لخيط العنكبوت أقل بألف مرة من مساحة المقطع العرضي لشعرة الإنسان، وإذا أردت أن تتخيل الفرق بين شعرة الإنسان وبين خيط العنكبوت فتخيل الفرق بين الحبل والخيط...
ويتكون خيط العنكبوت من خيوم متناهية في الصغر وقد يبلغ سمك الخيط الواحد منها 1 من مليون من الإنش و توجد في أسفل بطن العنكبوت...
وقد أثبتت الدراسات المستفيضة في علم الحشرات واتفقت على أن ذكر العنكبوت لا يمكنه إطلاقاً بناء البيت، و أن من يبني البيت هي الأنثى فقط، من خلال مغزل خاص في نهاية بطنها خاص بالإناث ولا يوجد نظيره في الذكور، والأنثى لا تبدأ بناء البيت إلا عند بلوغها استعداداً للزواج، فتبني هذا البيت ليجذب ذكراً عاجزاً عن بناء بيت لنفسه بطبيعة خلقته...
الأنثى في العنكبوت هي التي تغزل البيت، وهي التي ترغب الذكر في الدخول إلى البيت، حيث تقوم أمامه بحركات مغرية، وتسمعه بعض الألحان الطنانة، فيأوي إلى بيته ، وبعد التلقيح تأكله، وتفترسه، وتأكل أولادها من بعده، ويأكل بعض أولادها بعضهم ...
و هذا البناء العجيب تنسجه الأنثى بتداخلات هندسية بارعة، فيكون شديد الحساسية لأي اهتزاز خارجي، و هو كذلك مشبع بمادة صمغية لتلصق به أي حشرة عند الاقتراب منه، فيقوم الصمغ بالتكبيل حتى تأتي الأنثى فتفترس هذه الحشرة الضحية، ثم بعد ذلك مرحلة التزاوج، فبعد تلقيح الذكر للأنثى تضع بيضها في مكان بعيد آمن، ثم النهاية المؤسفة أن تعود إلى الذكر المطمئن في بيته فتنقض عليه و تأكله، و هذا أمر لابد منه لأن البيض لن ينضج إلا في وجود أنسجة الذكر.
يجب أن نتفحص أولا معجزة هندسة نسيج العنكبوت. فمن ناحية متانة الخيوط تعتبر الخصلات الحريرية التي تكون النسيج أقوى من الفولاذ، ولا يفوقها قوة سوى الكوارتز المصهور، ويتمدد الخيط الى خمسة أضعاف طوله قبل أن ينقطع.
يعتقد البعض أن العنكبوت ينسج خيوطه عبثا ولكن هذا غير صحيح على الأطلاق فلهذه الخيوط مهام كثيرة , فهو يصنع منه منزله وهى حبال انقاذ ونجدة , ويصنع العنكبوت خيوطه بواسطة عقد معينة موجودة فى البطن وفى أعلى البطن ثقوب صغيرة جدا مع اعضاء الغزل الأخرى.
وخيوط العنكبوت عبارة عن سائل يضغط الى الخارج عن طريق الثقوب وعند خروجه وتعرضه للهواء يصبح صلبا ويصنع انواعا عديدة من الخيوط منها خيوط لزجة من اجل أصطياد الحشرات وخيوط قوية من اجل صنع العش وخيوط مختلفة صفية جدا.
في الواقع، فإن هذا الخيط الصغير الذي يظهر أمام العين المجردة مصنوع بالطريقة نفسها التي يصنع بها كابل الفحم، حيث يتكون من خيوط عدة متناهية في الصغر ملتفة حول بعضها، وقد يبلغ سمك الخيط الواحد منها «۱» من مليون من الإنش. ومواد الصنع شائعة جدا، حيث يوجد في هكتار واحد من أحد المقاطعات البريطانية مثلا، اكثر من مليوني وربع عنكبوت. ولكل عنكبوت مغازل خاصة، عادة يبلغ عدده ثلاثة. وهذه المغازل طبيعية موجودة اسفل البطن. ويوجد قرب كل مغزل فتحات غدة صغيرة تخرج منها المادة التي تكون الخيوط الحريرية، وهي مادة تتشكل في غدد العنكبوت. واثناء هندسة النسيج، يقوم العنكبوت بجمع الخيوط الثلاثة معا لتكوين خصلة قوية ومتينة.
تغزل العناكب التي تعيش خارج المنزل نوع من النسيج معروف باسم الفلك نسبة الى شكله الدائري، وهو قطعة هندسية رائعة من الخطوط المتناسقة التي تظهر بشكل بهي جدا تحت أشعة الفجر الأولى. وأنثى العنكبوت هي التي تقوم بمهمة بناء النسيج. وتستخدم ضغط بطنها، لتدفع الخيوط الحرارية خارج الغدد الست الموجودة في بطنها، وتقوم بربط طرف الخيط الأول، المعروف باسم الجسر، بساق عشبة ما، أو ورقة شجر. ثم تهبط الى الأرض مع الخصلة، وهي مستمرة بعملية الحياكة، ثم تنزل الى الأرض وتصعد إلى نقطة أخرى مرتفعة، لتسحب الخيط بقوة، وتربطه في مكانه جيدا باستخدام مادة لاصقة تخرج من إحدى غددها أيضا. فتقوم أولا بتثبيت خصلة، بشكل أفقي دائما، ثم تسقط خيطين حريرين في كل طرف من أطراف الخيط الأول، وذلك لتكوين جسور أخرى اقل ارتفاعا من الأولى والتي ستصبح أساس شبكة العمل. ثم تقوم بغزل خيوط عدة داخل شبكة العمل هذه، على أن تلتقي الخيوط جميعا في الوسط. وهنا يأتي العمل الذكي، حيث تقوم بوضع المادة اللاصقة على الخيوط الخارجية من الشبكة فقط، وعندما تنتهي كليا من صنع الشبكة تكمل عملية وضع الغراء في الداخل وعلى بعض المقاطع فقط بحيث تترك مكانا لها لتتحرك عليه بسهوله.
بعد إنجاز الشبكة، تقوم العنكبوتة بصنع عش صغير لها بالجوار، وعادة ما تقوم بلف ورقة شجر وتضع لنفسها بالداخل سريرا مريحا من الحرير. لأنها بالطبع قد تنتظر طويلا قبل وصول ضحيتها الأولى.
واخيرا تقوم بوصل خيط انذار بين عشها والنسيج، كي تشعر بأي اهتزاز قد يحدث على النسيج نتيجة سقوط أي حشرة عليه. وعند حدوث هذا الاهتزاز تسرع الى وسط النسيج لتعرف الشيء الذي ستتعامل معه. وبسبب الضعف الحاد في الرؤية عندها ستعتمد العنكبوتة على حواسها الأخرى لتحديد صفات الفريسة. فإذا كانت ضخمة ومميتة تطلق سراحها من بعيد، اما إذا كانت كبيرة ولا تؤكل، كاليعسوب، فستلفها بخيوط الحرير من بعيد أيضا،باستخدام عضو متخصص آخر، هو الغدة العنقودية الشكل. تجهد الحشرة الفريسة نفسها بمحاولة التخلص من الشرك، بعد ذلك تبدأ العنكبوتة بالتقدم نحوها عبر الخيوط الآمنة التي تركتها لنفسها دون مادة لاصقة، وإذا صدف أن أخطأت مرة ووضعت أرجلها على المادة اللاصقة فإن جسمها سيفرز مادة كالزيت تعمل كمحلل كيميائي للغراء، يساعدها على التحرر من جديد.
قد لا تحب العناكب، لكن حين تفكر بقدرتها على تدمير الحشرات وتنظيف الأماكن الزراعية منها، فلن تقلل من شأنها وقيمتها بعد اليوم...
وفي بعض التّفصيل... يلاحظ أن المسافة بين الخيوط بالجزء العلوي أكبر مما هي عليه في الجزء السفلي. هل يفهم العنكبوت شيئاً من قوانين الفيزياء؟ الحكم من ذلك ان الجزء الاعلى يصطاد بة الحشرات الكبيرة التى تتدخل بيتة ثم ينزل بالضحية الى اسفل فيشل حركتها...
ويشاهد الدّقة والإتّقان في البيت الجميل الذي يبنيه العنكبوت, ذلك الشكل يحتاج لمهندس ولكن العنكبوت لم ولن ولا يدرس في الجامعات ولا في الكليّات ولا يعرف ما معنى الكلمة architecture ولم يتعلم فنّ الفوتوشوب ولا يعرف ما هو ال autocad وما هي إستخداماته فكيف يبني هذا الشكل الجميل بهذه الدقّة وبهذا الإتقان؟!...
وتصطاد العنكبوت فرائسها عن طريق مد خيط حريري موصول بقوائما المكسوة بالشعر وفي ذلك تعويض عن نظرها الضعيف .أما عن الشعر الخارجي الكثيف ما هو إلا طبقة من أجهزة حساسة مختلفة. وتتجاوب بعضها مع أضعف الذبذبات فيما يمكن قذف الأخرى للدفاع عن النفس وكأنها رماح صغيرة ...
ويتم تغليف الفريسة... فمن علم العنكبوت تغليف الفريسة بهذه الطريقة حتى يحافظ عليها طازجة ؟
وذكاء العنكبوت واضح وجليّ... فمن عَلمّ هذا العنكبوت أن ينسج شبكته في الهواء وأن يختبئ من الطيور داخل ورقة الشجرة وأن يضع أطرافه على الشبكة حتى يشعر بحركتها عند اصطدام الحشرة بها ؟ ومن أوحى له أيضا أن ينسج شبكته من فقاعات المياه؟!... من أين كل هذا الذكاء لمخلوق صغير كهذا ؟
وفي حقيقة الخيوط... فهل تعلم أنّ هذه الخيوط الرقيقة والشفافة تعد أصلب الألياف الطبيعية على الإطلاق وتملك قوة تحمّل للضغط يفوق قوة الفولاذ لو كان في نفس سمك هذه الخيوط ؟
وفي فنّ التمويه... نجد بعض العناكب ترسم أشكالاً غريبة في شبكتها ربما لتمويه الطيور بأن هذا ليس عنكبوتاً وربما تقوم بنسج هذه الخيوط الغريبة لغرض ما لا نعلمه.
وفي المغازل نجد أنّ في أسفل البطن تتواجد ثلاثة مغازل يستخدمها العنكبوت لإنتاج الخيوط. هذه المغازل مرتبطة بغدد صغيرة تفرز المادة التي تتكون منها الخيوط. تشاهد الغدد وهي تفرز هذه المادة من خلال التصوير الميكروسكوبي,d . لاحظ أنه توجد عدة غدد وكل غدة تفرز مادة مختلفة ويستعمل العنكبوت عدة خلطات مختلفة لتكوين نوع الخيط الذي يرغب به (لاصق, غير لاصق, سميك )...
ويلاحظ تماسك الشبكة... ويلاحظ أنّ مبنى الشبكة يساعدها في حال تضررها فإن الضرر يكون موضعي وتبقى الشبكة قائمة ويستطيع العنكبوت أن يقوم بإصلاحها لاحقاً. من علّم العنكبوت أن ينسج الشبكة بهذا الشكل ؟
وتعتبر عضّة العنكبوت قاتلة ومميتة فالعنكبوت المتنسّك أو الناسك, ينتشر في أمريكا ويعتبر من العناكب السامة. توجد على ظهره علامة فارقة...
وفي المحصّلة النّهائيّة نخلص إلى أنّ العنكبوت هي مهندسة بارعة وفنّانة تشكيليّة رائعة وعالمة فيزيائيّة بإمتياز وخارقة الذّكاء وكيديّة وداهية بنفس الوقت...
أتى على ذكرها القرآن الكريم, كمثل في الإعجاز البحثي من جهة والإعجاز العلمي من جهة أخرى...
وللعنكبوت قصّة متداولة في نسج خيوطها العنكبوتيّة على مدخل غار ثور عند الباب,
إلى جانب شجرة نبتت فيه، وعلى غصنها حمامة...
عندما هاجر الرّسول عليه الصّلاة والسّلام إلى المدينة وبرفقته أبو بكر، قاما بإحدى مراحل الهجرة بالمبيت في غار ثور، وعندما مر كفّار قريش على الغار وجدوا أن حمامة قد بنت عشها بقرب باب الغار كما قام العنكبوت بنسج شباكه على فتحة الكهف...
والمشركون لما جاءوا إلى الغار قالوا: هذا ليس فيه أحد فهذه الحمامة على غصن شجرة على بابه، وهذه العنكبوت قد عشَّشت على بابه...
وعليه فالعنكبوت إعجاز من بدائع صنع الله تعالى ذات فرادة ووحدانيّة تدلّ على وحدانيته سبحان... وتعتبر العنكبوت أوّل فنّانة تشكيليّة متناهية في الصّغر كحشرة مخلوقة, ناصرت ودافعت ووقفت إلى جانب الرّسول محمّد عليه الصّلاة والسّلام وزادت عنه وعملت على حمايته بإيحاء إلهيّ, وإلى جانب لوحتها الفنّيّة الفريدة الصّنع والتّشكيل, نبتت شجرة لتعطي مشهديّة إنطباعيّة, وكان للحمامتين دورهما البارز في عمليّة تكوين العشّ ووضع البيض بداخله, لتعكسان لوحة فنّيّة سورياليّة وبإلهام ربّانيّ خاصّ... ممّا أوهم الكفّار بعدم وجود أحد داخل غار ثور, ويعود ذلك لدهاء العنكبوت الفنّي التّشكيلي في نسج لوحتها الفنّيّة التّجريديّة الواهية البناء بخيوطها الرّفيعة جدّا, إلى جانب الشّجرة والحمامتين البائضتين في جوف العش عند باب غور ثور حيث لجأ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام وصاحبه إتّقاء لغدر الكفّار...
رد مع اقتباس
