مدينة الفنّ التّشكيلي عاليه

مدينة الفنّ التّشكيلي عاليه
عروس مصايف جبل لبنان
بقلم: حسين أحمد سليم

عاليه التي منحها الخالق جمال الموقع وأودعها أروع ما في الطّبيعة من جماليّات ومشهديات, لم تعد عاليه عروس المصايف في جبل لبنان وحسب, بل تحوّلت إلى متحف دائم في الهواء الطّلق وأصبحت مدينة دوليّة للفنّ التّشكيلي وخاصّة فنّ النّحت, تتفاعل في متحفها النّحتي حضارات مختلفة ومتنوّعة, بحيث إحتضنت عاليه في كنف ربوعها وفوق تلالها وقمة رأس جبلها مجموعات من الفنّانين التّشكيليين والنّحّاتين الذين خلقوا من الصّخور والحجارة بأناملهم ومواهبهم المنحوتات التي تحاكي حقب التّاريخ وتنقل آيات الفنّ والخلق والإبداع والإبتكار إلى الأجيال القادمة في مدينة تتماهى بالطّموحات... عدا عن إكتنازها بعدد لا حصر له من المشهديّات الفنّيّة التي تتماهى في رحابها وفجواتها ومحيطها وفسحاتها وفي طرز بيوتها وعماراتها وبين فجاجات دروبها وحدائقها وساحاتها والتي تعكس معالم تراثيّة قديمة تتجلّى في الكثير من بيوتها وأبنيتها وتلالها وأوديتها...
ملتقيات عالية الفنية للنحت الدولي وسيمبوزبوماتها الأولي للنحت لم تكن وليس ظاهرة فنية فريدة وحسب في لبنان بل كانت حركة فعل لمجمع عام وجامع لالتقاء حضارات البلاد وتبادل الأفكار والخبرات والشراكة... بعد تجربة عائلة البصابصة في قريتهم راشانا والتي تحوّلت من قرية لبنانية مغمورة إلى مدينة دولية للنحت والفنّ التّشكيلي بفضل الفنّانين النّحّاتين أبناء راهب القرية, ميشال وجوزيف وألفرد بداية وإستمرتريّة مع أبنائهم... لتتماهى راشانا فوق تلّتها بمعالم حضاريّة ثقافيّة فنّيّة تشكيليّة بصابصيّة...
بتاريخ 24 حزيران 1999 انطلقت التّحضيرات الأوّلية لمهرجان النّحت الدّولي الأول بالتّعاون والتّنسيق بين بلديّة عاليه بشخص رئيسها الأستاذ وجدي مراد وجمعيّة الفنّانين اللبنانيين للرّسم والنّحت.. . بالإضافة إلى الدور الكبير للفنان النّحّات عارف الريس إبن مدينة عاليه بإطلاق فكرة السيمبوزيوم للنّحت.. .
شارك في السّيمبوزيوم 1999 ثلاثون نحاتا من سوريا والأردن ولبنان, ونفّذت المنحوتات في موقع مواجه لكازينو بيسين عاليه حيث المنحوتات شكلت معرضا دائما في الهواء الطلق...
مارون الحكيم وعارف الريس يعيدان النّحت في الهواء الطلق إلى مركز الاهتمام وأطلقا أضخم تظاهرة فنية تقام في الساحات العامة, استنطقوا الحجر وأطلقوا له العنان. فحكي, وباح بكل ما يختزنه, سواعد مفتولة زادتها صلابة الصخر قوة وعنفوانا وألهبتها المرأة بكل ما فيها من جمال روحا وجسدا. نحتوا معا فأنتجوا نحو ثلاثين منحوتة امتزجت فيها مدارس وأساليب فنية متعددة وأشكال هندسية تجريدية رائعة شكلا ومضمونا يضج سحرا وجمالا....
استمرارا لسيمبوزيوم عاليه 99 كان سيمبوزيوم عاليه 2000 حيث شارك حوالي سبعين نحاتا كبيرا منهم ثلاثة ضيوف شرف هم: الأستاذ عارف الريس, الأستاذ سامي الرفاعي والفنان زافين هاديشيان, و93 نحاتا وفنانا من مختلف الدول والأقطار العربية والأوروبية والأميركية, و82 نحاتا وفنانا من لبنان أثمر نحو 70 منحوتة فنية في موقع رأس الجبل....
وتنفيذا للفكرة ولطموحات مدينة عاليه التي سميّت عن حق عاصمة الجبل وعروس المصايف ومتابعة جهود رئيس بلدية عاليه الأستاذ وجدي مراد انطلق سيمبوزيوم عاليه 2001 بحيث أصبح تقليدا سنويا ليأخذ بعدا حضاريا وثقافيا وسياحيا مرموقا يلعب دوره الأساسي في إعادة إحياء الإقبال على فن النحت...
من الأمور التي استدعت في سيمبوزيوم عاليه 2001 , تحديد الأسس والشروط التي ينبغي أن تتوفر في النحات للاشتراك بحيث يتم اختبار كبار النحاتين في العالم للإسهام في المهرجان تاركين آثارا ومنحوتات تخلد قدراتهم الفنية والجمالية ولتبقى ثورة فنية أبدية لمدينة عاليه....
وقد تم الموافقة على حوالي 40 نحات ينتمون لمجموعة الدول العربية والأوروبية والأميركية و 18 نحات لبناني...
ولعلّه من المفيد أن نذكر الأسباب الموضوعيّة التي دعت لهذه الورشة الجمالية في مدينة عاليه:
1 – إعادة وتنمية الوجه الثقافي الرائد لمدينة عاليه.
2 – إخراج الفنان من القوقعة التي فرضتها عليه الظروف الاجتماعية التي أفرزتها السنوات الماضية الصعبة.
3 – أيجاد لغة الحوار بين الفنانين العرب وقد طرحت فكرة إعادة إحياء اتحاد الفنانين العرب عبر جامعة الدول العربية.
4 – إطلالة لبنان الثقافي والحضاري مجددا على الساحة الدولية والمجتمع الغربي ليعي ويدرك أهمية وأبعاد مثل هذه التجمعات الثقافية الفنية.
5 – ومن إيجابيات هذا السيمبوزيوم أيضا , أنه يخلق الأرضية الملائمة للحوار بين الفنانين العرب والفنانين الغربيين وتبادل الخبرات النحتية فيما بينهم ويمثل مدرسة للتعارف التطبيقي بين المشاركين المبدعين . كما وأن سيمبوزيوم عاليه للنحت الذي أجمع المشاركون على أنه يعتبر مؤتمرا نحتيا عالميا سيفتح الباب أمام الدول وأمام البلديات لتحذو حذو مدينة عاليه , للتعزيز الثقافي والجمالي الإبداعي في تلك المدن , ولدفع المواطن على تذوق الجمال.
مدينة عاليه التي خاضت هذه التجربة الرائدة والفريدة في فكرة السيمبوزيوم للنحت والتي والتي نُظّمت عام 1999 – 2000 – 2001 – 2002 في إطار مشروع يحمل طموحات متحف دولي يعاصر مدينة سياحية وقد احتضنت نخبة من الفنانين النحاتين الذين يحاكون الصخر والحجر بأيديهم ليتوجوا عروس المصايف بأجمل المنحوتات في تظاهرة حضارية وثقافية وقد انطلق المشروع في حينه تحت اسم سيمبوزيوم عاليه للنحت....
وقد استأثرت عاليه بالجمال كما أنها استأثرت بإعجاب الهيئات والمنظمات المحلية والدولية مما جعل منظمة اليونسكو بجناحها الفني لتعطي هذا المشروع صفة عالمية فأصبح سيمبوزيوم النحت الذي ضم أكثر من 56 نحاتا عالميا من 32 دولة, المعروف باسم سيمبوزيوم عاليه للنحت الدولي قد تكللت شعاراته بشعار منظمة اليونسكو العالمية التي رسمت إطلاق مدينة عاليه لتكون مدينة السلام وبدعم مباشر من الاتحاد الدولي للمدن المتحدة ومنظمة المدن العربية....
ونحن في رحاب المنحوتات التي أبدعتها الأيادي والزّنود الفنّيّة بالأزاميل والمطارق والأدوات الكهربائيّة من المناشير والمثاقب وغيرها... إستخدمت في تشكيلها مواد مختلفة من الصخور والغرانيت والرّخام والحديد ومعادن مختلفة ومن الخشب والفسيفاء والأرابسيك... فأتت بعضها كتلة واحدة وبعضها مجموعة من الكتل فيما بعضها تماذج وتكامل بكتل من الحديد والحجر وكان للمنحوتات الخشبيّة مكانتها أيضا وكذلك للمنمنمات الفيسيفسائيّة دورها ومكانتها... وعكست هذه المنحوتات والأنصاب في تمثيلها العديد من المدارس والمذاهب التّشكيليّة, بين الكلاسيكيّة والإنطباعيّة والتجريديّة والسّورياليّة والتّكعيبيّة والحداثة... والتي تتماهى في هدأتها وسكينتها في رأس الجبل أحد تلال مدينة عاليه, المنحوتات التي تتوزّع على جانب الطّريق لجهة الجنوب في مجموعتين تفصل بين موقعها بضعة مئات من الأمتار... بعضها إنتقل لمكان آخر من مدينة عاليه وبيروت وغيرها... ومن خلالها نتطلع إلي البعد الحضاري والثّقافي والفنّي الذي أرست قواعده هذه البادرة في تفعيل ظاهرة وتظاهرة فنية واسعة انطلاقا من عاليه لتعم كافة أرجاء الوطن, سيّما في إهدن وجونية والبترون وطرابلس والخيام وصيدا وزحلة وبعلبك, ناهيك عن راشانا المدينة النّحتيّة البصابصيّة...
ونذكر من المشاركين في ملتقيات عاليه الفنّيّة التّشكيليّة للنّحت على سبيل المثال لا الحصر: أحمد ندليان و طاهر شيخ الحكمائي من إيران, عيّاد البلال و عيّاد دوّارا و أحمد الأحمد و و محمّد بعجانو و فيصل الحسن و أكسم سلّوم و فؤاد طوبال من سوريا, جاسم بو حمد و جميلة جوهر من الكويت, حكيم العاقل و عبد الله المجاهد من اليمن, خليل الهاشمي من البحرين, سهيل الهنداوي و علي الجبّار و منقذ سعيد و عرفة شاكر حسن و نديم الشّلبي من العراق, عبده عثمان دياب من السّودان, و محمّد رضوان خليل من مصر, و محمّد محمّد بن الأمين و ناصر خليفة أبو صوه من ليبيا, و عبد العزيز أبو غزالي من الأردن, وآخرون عرب...
فيما شارك كذلك من البلاد الأوروبيّة والأميركيّة بعض النّحّاتين نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: إتيان كروهنبول من سويسرا, آسيا مينوليما و أكسانا موزيشنكو و أندريه بلاشوف من روسيا, و ألكسندر هايتوف من بلغاريا, و إنغو كاراتشي من ألمانيا, و إيفان تسيسكادزه و ملدزه سيفيريان من جورجيا, و إيفان ميسكو من بلاروسيا, و بريجيت بوري و بيار ميرلييه و فريدريك نالبانديان و ماريان غويو من فرنسا, و جيف هاينز من الولايات المتّحدة الأميركيّة, و رمكو بوستوما و محمّد عبد الله من هولندا, و غاريجين دافتيان و كاجيك غازاريان من أرمينيا, و ماتز كالديبرغ من السّويد, و ميخائيل غورلفوي من أوكرانيا... وآخرون أجانب...
وشارك عدد من النّحّاتين اللبنانيين إلى جانب هؤلاء نذكر منهم كذلك على سبيل المثال لا الحصر: أليكسان كوتشاريان, أندريه نمّور, بسّام كيرللس, بيار كرم, جميل ملاعب, جوزيف غانم, حسّان صعب, حسن بدوي, خليل عليق, زياد الحاج, ساميا علّوه, سامي كنعان, سناء الشّوّا, سهيل ذبيان, شربل فارس, شكر الله فتّوح, طوني فرح, عادل صالحة, عدنان حقّاني, عزّت مزهر, فيرا فرح, كولين ديربوغوصيان, مروان حمام, موفسيس كولويان, نادين أبو زكي, نبيل الحلو, هشام حبيب حسن, يوسف غزّاوي, نبيل راجي, مازن حميدان, نديم الشّوباصي, حسن الشّوباصي, عصام خير الله, ميشال حدّاد, رندة نعمة, جوزيف الحوراني, سليمان سليمان, سايد أبو محرز, رودولف شمعون, إميل عقل... وآخرون...
هذا وقد إستضافت مدينة عاليه في ملتقياتها الفنّيّة البعض من الفنّأنين والنّحّاتين بصفة ضيوف شرف شاركوا وساهموا في رفد النّتاج ببصماتهم ولمساتهم الفنّيّة, نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: عارف الرّيّس, سامي الرّفاعي, زافين هاديشيان... وآخرون...

عاليه التي منحها الخالق جمال الموقع وأودعها أروع ما في الطّبيعة من جماليّات ومشهديات, لم تعد عاليه عروس المصايف في جبل لبنان وحسب, بل تحوّلت إلى متحف دائم في الهواء الطّلق وأصبحت مدينة دوليّة للفنّ التّشكيلي وخاصّة فنّ النّحت, تتفاعل في متحفها النّحتي حضارات مختلفة ومتنوّعة, بحيث إحتضنت عاليه في كنف ربوعها وفوق تلالها وقمة رأس جبلها مجموعات من الفنّانين التّشكيليين والنّحّاتين الذين خلقوا من الصّخور والحجارة بأناملهم ومواهبهم المنحوتات التي تحاكي حقب التّاريخ وتنقل آيات الفنّ والخلق والإبداع والإبتكار إلى الأجيال القادمة في مدينة تتماهى بالطّموحات... عدا عن إكتنازها بعدد لا حصر له من المشهديّات الفنّيّة التي تتماهى في رحابها وفجواتها ومحيطها وفسحاتها وفي طرز بيوتها وعماراتها وبين فجاجات دروبها وحدائقها وساحاتها والتي تعكس معالم تراثيّة قديمة تتجلّى في الكثير من بيوتها وأبنيتها وتلالها وأوديتها

النحت فن رائع ربما يكثر في الدول الأوربية ويقل عند العرب , وربما لبنان تمتلا بالنحاتين في هذا العصر اكثر من اي دولة عربية أخرى
شكرا لك على هذه المعلومات عن مدينة عالية
دمت بخير