من ديوان تقرير عن ربع قرن من العمل في دولة عربية مرعليها عشر سنوات
مداخلات مغلوب
رويدك إن القلب أنهكه الفـكر
كأن قلوب الناس غاض بها الخيرُ
فلست ترى في الناس لو شئت منصفا
سوى قلّة والقاسطون هم الكثرُ
وما تفعل الخلجان لو ماج نحوها
وصب عليهــــا من تعنتـه البحرُ
وإن كانت الأهواء في الناس قاضيا
فما نافع رأىً ولا صـــالح أمرُ
*****
يرى كل ساعٍ دونما الناس أنـه
له الحق والآمال والسبق والقدرُ
وإنّا لنسعــــى إذ لكل جــــــــزاءه
فشـــر لـــه شـــر وخـير لــــه الخـيرُ
وما حظّ مغلوب ولا حظ غالب
سوى عمل يبقى إذا نفد العمرُ
وللناس آراء يؤرجحهـــــا الهوى
فتنتج أســــــقـاما لهـــــــا أثـــر مــــرُّ
أضلّت عقول الناس أوهام المنى
وحلّ بها من نفث فتنتها سحرُ
وإن قلوب السادرين غوافـل
يران عليهــــــا كلمـــا كثر الوزرُ
ومن يتخذ غير النزاهة مذهبا
فغـايتـــه بؤس ومسلكه وعرُ
وأظلـــــــم بـــاغ قــــد رأيت مراوغ
لك الجهد إذيصفوا له الشكر والأجر
وإني أرى من أدرك الكسب خدعة
وإن نالــــــه يسـر فقـــد نالـه خســر
وجمّـع ناس قبلنـــــا ثم خلّفــــــوا
فما أحيت الأموال لو قتل الفقر
ومن لم ييسّر للأنـام فمـــــــالـه
وإن طالت الأيـام من أمره يسرُ
أرى كل ذنب كامن فيه عــــذره
سوى الجور والإهمال ما فيهما عذرُ
ومن يصنع المعروف صونا لعزّه
فليس له في ما يقدّمــــه شكـر
*****
ترى الناس في فوضى إذا لم يكن لهم
نظــــــام إليه ينتهي الرأي والأمــــــرُ
إذا أنت أسلمت الزّمام لجاهل
ففعلك ما يجني ويلحقك الوزر
وتحكيم ليث في قطيع من المهـا
فساد كأسد قد تسودهم فأرُ
وإن الذي فيـه من النشء خلّـة
يظل عليها أو يضمهمـا القبـرُ
ورب عظيـم القدر في عين نفسـه
وحصته من كل مكرمة صفـرُ
وكيف الذي في الترب يلقى رفاتـه
يتيـه و يزهو أو يراوده الفخـرُ
عدوك من يبدي لك الحب وجهـه
ومقتك والإضرار يكتمه الصدرُ
هجرت سعاة السوء أبغـي سلامتي
فما نفع الإزلاف أو عصم الهجرُ
وما أنا ممن يكسـر اليأس عـزمه
وإن كنت رغم الصبر أنهكني القهرُ
وما كان خصمي غير جهل وريبـة
ولو قيل مـيّز دونك الماء والحبرُ
بليت بفدم واهن العقل قلبـه
يزيـد سوادا كلما شهب الشعرُ
إذا كان قـدر الفرد ميلا وفوقـه
فإن له قـدرا تجـــــاوزه الشــــبـرُ
أنا رأس مالي حسن عقل ومنطـق
وقلب يحب الخير ذو شرف حـرُّ
إذا كان تكبيل القوائم حكمـه
فليس ملوما حينما يبطئ المهـرُ
حملت لواء الجـدّ في كـل ساحة
وقد نالني فيه المكيدة والغـدرُ
ولو سرت بالتدليس زادت حصيلتي
وما بت عاري الظهر يلسعني القـرُّ
وأكسب من هذا لمن شاء مغنـما
فؤاد نمت فيه الهداية و الخـيرُ
ومن عرف الدنيا وغـــــاية أمرهـا
تحمل ما فيها وهان له العسرُ
وأعجب ما في ذا الزمان بأنـه
تراقص في نشوى فضائحه الكثرُ
وإن كلامي غير مجْـــدٍ وواصـلٍ
ولو كان حتى من مراكبه الشعرُ
أكـرِّر معـلومــــــا أذكِّــــر غافــــــلا
وما النفع في الذكرى لمن لا له ذكرُ
إذا كان في لإصلاح للين منهـج
فليس صوابا حين ينتهج القسرُ
دليلك للعلياء عـدل وحكمـة
وعزم يذيب الصخر لو عرض الصخر
ومن يعتصم بالله تصلح أمـوره
ويدركــــه من كل ضائقــــة يسرُ