أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: ممكن القلم .. لحظة؟؟

  1. #1
    الصورة الرمزية محمد نديم شاعر
    تاريخ التسجيل : Jul 2006
    المشاركات : 920
    المواضيع : 188
    الردود : 920
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي ممكن القلم .. لحظة؟؟

    ممكن القلم .. لحظة؟؟
    قصة بقلمي!!
    هل كانت دموعه المتأرجحة في مقلتيه الصغيرتين ،وتهدج أنفاسه في صدره كالبركان ، وتدفق مشاعره المتلاطمة، واختناق حلقه بغصة بكاء مكتوم، دليلا على غربته وضياعه وفقدانه الأمان بين الناس؟؟
    $$$
    أولئك الذين استدعوا أباه إلى المدرسة، يشكون له أن ولده يجيء إلى المدرسة بلا قلم حبر.فيعجز عن متابعة الدرس، ناهيك عن تعطيله لسير العملية التعليمية طوال اليوم ، ببكائه الحارق على سرقة قلمه.
    لم تبذل معلمته جهدا يذكر في التفتيش عن قلمه في حقائب وجيوب أقرانه.
    (كان القلم أمامي فوق الطاولة، رفعت يدي لأجيب سؤال معلمتي فوافقت ، وخرجت أمام السبورة ، وكتبت الإجابة بخط مبهر، فصفق التلاميذ لي بأمره المعلمة. وحين عدت إلى مكاني مرة أخرى، لم أجد القلم في مكانه ربما أثناء تحركي قد سقط القلم تحت الطاولة. ولكنني لم أعثر عليه. لم أعثر عليه.صاحت معلمتي صارخة ألا أزعج الدرس بحركاتي، وأن استقر مكاني دون شوشرة.
    كان صوته متقطعها وكلماته مختنقة بدموعه الحارة.
    أشارت الست الماطرة للمعلمة ، فأصرت الأخيرة أنها سألت جميع التلاميذ المحيطين فأنكروا أخذ قلمه. ثم إن كلهم أبناء حظوة وناس محترمين.
    أجمع الجميع على كذب الصبي.فما كان من أبيه الا أن صفعه على وجنته الفضة االسمرا
    (ألم أزودك بهذا القلم منذ يومين فقط؟ ثم موجها كلامه للست الناظرة.. هذا الغبي أزوده بقلم جديد كل أسبوع تقريبا . وهو مهمل ولا يستطيع أن يحافظ على قلمه.
    &&&&&
    في طريق عودته ، كانت كفه الصغيرة حبيسة كف قوية خشنة قاسية.كانت خطوات ساقيه النحيلتين ، ترتبك متشابكة متعثرة، لتتابع خطوات أبيه المتسارعة الغاضبة. فكان أبوه يبادره بصفعة أخرى شادا ذراعه النحيل حتى ليكاد أن ينزعه .. (أمش يا بن الكلب يا غبي يا مهمل.).
    من أين أتيت لك بقلم حبر كل يوم، يوازي ثمنه ثمن دجاجة؟ أفليس الأولى أن أطعم بثمنه أفواه أخواتك الخمس؟؟
    والله يا بن الكلب ما أنت نافع.
    من لا يحافظ على قلمه، لا يحافظ على شرفه.
    كانت مبالغات ذلك الأب الغضوب ، لا تصل إلى أفهام ذلك الصبي الرقيق.
    كانت وجوه أقران له يراهم في الطريق ،تتابع في بؤرة دموعه، كان بعضها خائفا مرتعدا، وأكثرها كان دامعا حزينا
    $$$$
    حينما يجن الليل ، تتسارع دقات قلب الصبي الصغير، وكأنه يرى في ظلام غرفته كوابيسا وأشباحا تتابع في ظهورها على جدران الحوائط الرطبة. كان ينكمش تحت غطائه الذي بالكاد يستره وأخواته على سريرها الخشبي المتهالك، فيلتأمون كالعصافير يستدفيء بعضهم ببعض.
    حين جاءت عطلة منتصف العام، كان لابد من تسلمه لشهادة اختبارات النصف الأول.لكنه لم يذهب إلى المدرسة. لجأ إلى غطائه الدافيء ينام فيه حتى الظهيرة ممتنعا عن عن أي طعام.كاتما بكاءه بين وسائده الخشنة.
    هل كان مريضا، أم متمردا ، أم كارها للدنيا من حوله. هل كانت تشعر به أمه؟ أم شغلتها زينتها التي ما فارقت أدواتها من يدها. بين تمشيط وحناء وعطور؟ ولم تكن تفعل شيئا وأبوه يسحقه تحت أقدامهم لتبوله في سريره، سوى أن تضحك في سخرية مريرة.
    كانت عيناه تستنجدان بها وهي لاهية عنه لا تلوي على شيء. فليس في مقدورها أن تتحمل ركلة من ذلك الثور الهائج.
    ولا في استطاعتها أن تمنعه، فلا أقل من نفاقه ومجاملته تجنبا لغضبه، واتقتاء لشره.
    (نعم هو أبوك ولازم يربيك.)
    $$$
    رغم ذلك ، كان الصبي حالما ، واثقا من كفاءته، وبراعته في متابعة دروسه وخاصة علم الحساب. فوجد في كتبه الملاذ والمتعة والبعد عن سخافات البشر، وغبائهم.ولسوف يصعد سلمه نحو النجوم.فلم يروه إلا منفردا منكبا على كراساته وكتبه فوق طاولته الخشبية الخشنة
    $$$$
    كان قلبه يرتجف بكاء، وقد بلل رسالة البرقية الورقية،
    "" نعزيكم لوفاة الوالد"". ثلاث كلمات ، بل ثلاث طلقات.فجرت كل مشاعر الحزن ،والحب، والندم.
    كان المعزون من زملاء العمل في تلك المؤسسة النفطية، في تلك الدولة البعيدة على رأس البحر، قد تركوه ليلا ليستريح. كان بينهم يردد :
    "إنا لله وانا اليه راجعون" ، دون أن يذرف دمعة واحدة.
    تشابكت مشاعره واختلطت حزنا على ، على من كان السند والمرتعب من أن يصيب ولده أدنى مكروه ، وحبا لقلب رغم قسوته أحيانا ، كان يفيض حنانا وشفقة لو أصاب أحد من ذريته مكروه، وندما على كل اللحظات التي ابتعد فيها عن أبيه أو انشغل عنه، فلم يصاحبه في أواخر أيامه، لينصت إلى حكاياته المعادة.
    $$$$
    كانت عيناه بلورتان تعكسان مشهدا سينمائيا لأبيه في آخر لقاء جمعهما قبل شهر في لقاء الوداع، كان الأب طريح فراشه يقاوم داءا مدمرا.رأى في عينيه رسائل حنان جارف لم ينتبه له من قبل. شد على يده المعروقة بالشيخوخة، وطمأنه بكلمات مشجعة.وقبل جبينه : "أشوف وشك بخير يا أبي ".
    فالتقطت أسماعه عبارات هامسة زلزلت كيانه:
    "أنت لست ولدي .. لست ولدي فقط ... أنت أخي ... أخواتك الصغار أمانة في رقبتك."
    $$$$
    عند عودته من زيارة تقبل العزاء في وطنه،وقف في ردهة صالة المغادرة، ليملأ بطاقة الصعود إلى الطائرة، تحسس قلمه في جيب سترته الداخلي الأيسر، حمد لله أن ما زال هنا.
    وطفق يدون بياناته في ثقة وهدوء.
    الاسم : ....
    المهنة: مهندس.
    سبب السفر : العمل.
    فانتبه لصوت مسافر يقف إلى جانبه حائرا مرتبكا يسأله:
    .. لو سمحت ممكن القلم لحظة؟

  2. #2
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,131
    المواضيع : 318
    الردود : 21131
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    (نعزيكم بوفاة الوالد) .. رسالة برقية قصيرة جعلت قلبه يرتجف بكاء
    وفجرت كل مشاعر الحزن والحب والندم.
    الحزن .. على من كان الظهر والسند ـ تلك اليد القوية الخشنة التي تقود خطواته
    في قسوة لترشده وتعلمه. ( من لا يحافظ على قلمه لا يحافظ على شرفه)
    دروس لم تكن تصل إلى فهم ذلك الصبي الرقيق في ذلك الوقت
    ولكنها حفرت عميقا في وجدانه.
    وحب.. لقلب رغم ظاهر قسوته إلا إنه كان يجسد معنى الحنان والحب
    لكل أولاده ، لا يحتمل فيهم مكروه.
    وندما.. على اضطراره لتركه في شيخوخته مريضا طريح الفراش يهمس له
    في حنان مودعا.. أخوتك أمانة في رقبتك ..عبارة زلزلت كيانه.

    لو سمحت ممكن القلم لحظة؟؟
    كلمة دائما ما نسمعها في المطار أثناء تدوين بيانات السفر ، ولكنها هنا
    أيقظت عقدة قديمة أرقت طفولته كثيرا.

    نص رائع بعبرة إنسانية .. ممتع بطريقة العرض وجمال السرد والوصف
    وشاعرية التعبير وروعة الإحساس ـ فكانت القصة لوحة فنية مبدعة
    صورا وحبكة وأداء.
    بورك في الفكر والقلم.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Nov 2019
    المشاركات : 3,456
    المواضيع : 237
    الردود : 3456
    المعدل اليومي : 2.15

    افتراضي

    ببراعة في السرد وجمال في الحرف تستقي قصصك من السيرة الذاتية
    ومن ذكريات الطفولة فيكون التعبير صادقا ومن القلب فيصل مباشرة إلى قلب المتلقي.
    قصة جميلة حملت الكثير من المعاني وقد أجدت وأبدعت انسيابا وتصويرا وأطربت الذائقة.
    دمت متألقا ، ودام لك الإبداع رفيقا.